الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

قراءة في خطاب كامالا هاريس أمام المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي

  • مشاركة :
post-title
هاريس ووالز في مؤتمر الحزب الديمقراطي

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

جاء خطاب كامالا هاريس في ختام فعاليات المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي في ولاية شيكاغو في الفترة من 18- 22 أغسطس 2024، لقبول ترشيحها رسميًا من الحزب، ليعيد آمال الديمقراطيين في احتمالية الفوز بولاية رئاسية جديدة، في ظل إجماع أعضاء الحزب ورموزه على مساندة هاريس لتكون أول أمراة يُحتمل وصولها إلى سدة الحكم لتقود القوة العظمى في العالم، وتعكس قدرتها على أن تظل أرض الأحلام بالنسبة للمهاجرين إليها من شتى بقاع العالم.

وقد كان خطاب هاريس، الأقصر بل وتاريخي، حسبما وصفته العديد من الدوائر، إذ لم يستغرق سوى 37 دقيقة فقط مقارنةً بخطابات قبول الترشيح بالنسبة لمرشحين ديمقراطيين وجمهوريين سابقين، بل ومقارنته بخطاب ترامب ذاته لقبول الترشيح، الذي تخوض أمامه هاريس السباق الانتخابي، وقد استغرق ما يقرب من 90 دقيقة ويعتبر الأطول في التاريخ الأمريكي.

الملمح الأهم في الخطاب بأنه لخّص تصورات الرئاسة المحتملة لهاريس داخليًا وخارجيًا، مستندة على مسيرتها الأسرية وروايتها الشخصية، والمحطات الفاصلة في تلك السيرة والمسيرة داخل الولايات المتحدة الأمريكية كتقليد جاذب للناخبين اتبعه بعض من وصلوا لمنصب الرئاسة، ومنهم جورج بوش الأب، وبيل كلينتون، وباراك أوباما.

تسويق انتخابي

ارتكز خطاب كامالا هاريس على تقديم نفسها وإبراز قدراتها على قيادة الولايات المتحدة الأمريكية في مرحلة فاصلة من تاريخها، وذلك من خلال توحيد الأمريكيين، وبعث الأمل في المستقبل، فضلًا عن التركيز على ما يمثله انتخاب ترامب، وعودته مجددًا للبيت الأبيض من تهديد للقيم الأمريكية، لذلك يمكن الإشارة إلى أبرز القضايا التي اشتمل عليها خطاب قبول الترشيح لكامالا هاريس أمام المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي على النحو التالي:

(*) الانتماء للطبقة الوسطى: حاولت كامالا هاريس أن تقدم نفسها باعتبارها تنتمي إلى عموم الأمريكيين، وأن قصة كفاحها هي قصة كفاح كل أمريكي يحاول مواجهة عقبات الحياة وتحدياتها، فقد أشارت في ثنايا خطابها إلى أنها أقامت مع أسرتها في حي يقطنه الأمريكيون من الطبقة العاملة من رجال الإطفاء والممرضات، وعمّال البناء، مؤكدًة أن الطبقة الوسطى كانت دائمًا الحاسمة للنجاح الأمريكي، وسوف يكون بناء هذه الطبقة الوسطى هدفًا محددًا لرئاستها.

لذا اتهمت "هاريس" المرشح المنافس لها دونالد ترامب بأنه يدعّم الأثرياء على حساب الطبقة الوسطى، ويعرقل مشروع قانون أمن الحدود بين الحزبين، لأنه سيكون مؤذيًا لفرصه الانتخابية، ويسعى إلى حظر الإجهاض في كل أنحاء البلاد.

(*) المسيرة الأسرية: تشكّل قصص كفاح الأسر التي يترشح أحد أعضائها للانتخابات الرئاسية الأمريكية، التي نجحت بفضل التماسك الأسري في تجاوز الصعاب والعقبات التي واجهتها لتصبح نموذجًا ملهمًا يرويه المترشحون خلال حملاتهم الانتخابية، لقدرته على جذب الناخبين، اقتناعًا بالدور المحوري للأسرة كمؤسسة قادرة على مساندة ودعم أعضائها، لذلك اعتبرت كامالا هاريس في خطابها أن مسيرة أسرتها الاستثنائية تؤكد أنها ليست غريبة عن الرحلات غير المتوقعة في حياتها، إذ استشهدت بتاريخ أسرتها، مشيرة إلى أن والدتها كانت لديها رحلة خاصة بها، وأنها كانت في التاسعة عشرة من عمرها عندما عبرت العالم بمفردها، مسافرة من الهند إلى كاليفورنيا، لتكون العالمة التي ستعالج سرطان الثدي. كما عرضت هاريس خلال خطابها طريقة العيش البسيطة لوالدتها قبل أن تتمكن من شراء منزل عند خليج كاليفورنيا.

(*) الدعوة إلى الوحدة: دعت كامالا هاريس خلال خطابها إلى ضرورة الوحدة وبث الأمل في المستقبل، مؤكدًة أنه مع هذه الانتخابات تحظى البلاد بفرصة ثمينة وعابرة لتجاوز المرارة والسخرية ومعارك الماضي الانقسامية، معتبرةً أن تلك فرصة لرسم طريق جديد للمضي قدمًا، ليس كأعضاء في أي حزب أو فصيل ولكن كأمريكيين، مضيفة: "أعدكم بأن أكون رئيسة لجميع الأمريكيين، سأكون رئيسة توحد الأمريكيين حول التطلعات، رئيسة تقود وتسمع، واقعية، عملية، وتتمتع بالفطرة السليمة، وتقاتل دائمًا من أجل الشعب الأمريكي من المحكمة إلى البيت الأبيض".

(*) انتقاد ترامب: استحوذ انتقاد ترامب على جزء معتبر من خطاب كامالا هاريس، إذ اتهمته بأنه سيقضي على القيم الديمقراطية للولايات المتحدة الأمريكية بشكل منهجي إذا عاد إلى البيت الأبيض، وطالبت بالتفكير فيما ينوي القيام به إذا مُنح السلطة مرة أخرى، وذكرتهم باعتداء مؤيديه المتطرفين العنيفين على ضباط إنفاذ القانون في الكابيتول -في إشارة لاقتحام أنصار ترامب لمبنى الكونجرس في 6 يناير 2021 لمنع المشرعين من المصادقة على انتخابات جو بايدن رئيسًا عام 2020- ورأت هاريس أن نية ترامب الصريحة كانت سجن الصحفيين والمعارضين السياسيين وأي شخص يراه عدوًا. وقالت هاريس للأمريكيين: "فكروا في القوة التي سيتمتع بها وخصوصًا بعدما قضت المحكمة العليا للولايات المتحدة بأنه سيكون محصنًا من الملاحقة الجنائية".

(*) توازن السياسة الخارجية: على الرغم من أن قضايا السياسة الخارجية لا تهم الناخب الأمريكي بشكل رئيسي، إلا أن هاريس طرحت خلال خطابها تصوراتها للسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية لا سيما إزاء القضايا التي تشغل حيزًا من الاهتمام الأمريكي الداخلي، حيث تبنت الرؤية الثابتة في السياسة الأمريكية والمرتبطة بحماية أمن إسرائيل ضد التهديدات المختلفة، وأنها تدعم حل الدولتين، مشيرة إلى أن ما يحدث في غزة خلال العشرة أشهر الماضية مدمر، ويجب أن يتوقف على الفور، وأنه يجب في نهاية المطاف منح الفلسطينيين حق تقرير المصير.

وفيما يتعلق بالصراع الروسي الأوكراني أكدت هاريس على دعم أوكرانيا ومساندتها، كما أقرت بأنها ستستخدم أي أجراء ضروري للدفاع عن المصالح الأمريكية ضد إيران.

تداعيات مؤثرة

كان لخطاب هاريس المحدد بقضايا شاملة داخليًا وخارجيًا وظهورها بالشكل الواثق من قدراتها على قيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وما لاقته من دعم الأعضاء البارزين في الحزب الديمقراطي تأثيره المباشر على مستويين رئيسيين:

أولهما: على مستوى الحزب الديمقراطي، الذي جعل من ترشيح هاريس لخوض السباق الانتخابي منطلقًا لتماسكه بعد أن انقسم الحزب بين تيارين أحدهما مؤيد لترشيح جو بايدن والتيار الآخر رافض لذلك الترشيح لظروفه الصحية، لذلك جاء ترشيح هاريس بشكل رسمي وإلقائها لخطاب قبول الترشيح تجسيدًا للالتزام الحزبي، بما أعطى للديمقراطيين الأمل مجددًا في إمكانية الحصول على ولاية رئاسية جديدة بعد اصطفافهم خلف هاريس، التي اعتبر العديد من المحللين بأن عملية ترشيحها بمثابة تجسيد للحلم الأمريكي لجميع المهاجرين للأراضي الأمريكية.

أما المستوى الثاني وربما الأهم، فهو تأثير خطاب هاريس على مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب، الذي أضحى وفق العديد من المحللين يواجه منافسة شرسة من هاريس التي نجحت في توحيد الديمقراطيين خلفها، الأمر الذي جعل ترامب وفق العديد من التحليلات يتجه نحو التركيز في خطابه على القضايا الجاذبة للناخبين، بدلًا من الاستمرار في توجيه الإهانات لكامالا هاريس وللحزب الديمقراطي وللرئيس جو بايدن الذي يعتبره مسؤولًا عن تدهور الاقتصاد الأمريكي وتراجع مكانة الولايات المتحدة خارجيًا، لذلك تصاعدت في الآونة الأخيرة مخاوف كثيرة من مؤيدي ترامب من احتمال خسارته والحزب الجمهوري ليس الانتخابات الرئاسية فحسب، بل انتخابات مجلسي الشيوخ والنواب، بما جعل هناك مطالبات من الجمهوريين بتغيير استراتيجية الحملة الانتخابية لترامب وترميم علاقاته مع معارضيه داخل الحزب ومنها نجاح إعادة ترميم علاقة ترامب بحاكم ولاية جورجيا الجمهوري بريان كيمب، والذي يحظى بشعبية مؤثرة في هذه الولاية الحاسمة. كما اتجهت خطاباته للتركيز على قضايا تهم الناخب مثل الدعوة إلى خفض الضرائب، وإلغاء القيود التنظيمية، وإنتاج الوقود الأحفوري المحلي.

كما أعلن ترامب في 23 أغسطس 2024 بأنه لن يطبق قانون كومستوك الذي يحظر تسليم حبوب الإجهاض عبر البريد، وهو ما كان يرفض الالتزام به سابقًا، الأمر الذي جعله يتعرّض لانتقادات المناهضين للإجهاض.

مجمل القول إن خطاب كامالا هاريس لقبول الترشيح رسميًا عن الحزب الديمقراطي لخوض المنافسة الانتخابية كان فرصة لتوحيد الديمقراطيين خلف قيادة هاريس مع صعود أرقامها في استطلاعات الرأي العام، وتنامي التغطية الإخبارية الإيجابية لترشيحها، وهو الأمر الذي أدى إلى إدراك التغير في الصورة الذهنية لكامالا هاريس وصورتها الباهتة كنائب للرئيس إلى المرشحة الرئاسية التي أبهرت مؤيديها بحضورها القوي وإظهار قدراتها التي تمكّنها من قيادة الولايات المتحدة الأمريكية من خلال طرحها لتجاوز الانقسامات المجتمعية الحادة وأن تكون رئيسة لكل الأمريكيين.