تتأثر العملية الانتخابية في الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024 بأداء المشاهر من الشخصيات ذات الثقل الاجتماعي والمالي، فمنذ انتخابات 2020، تحاول حملة بايدن الاعتماد على مشاهير الفن في العديد من الولايات، بعد أن أكدت دراسة أمريكية أجراها مركز "بيو" البحثي أن عددًا أقل من المشاهير قرروا دعم ترامب، الذي كلفته سوء إدارته لفيروس كورونا العديد من الأصوات التي صبّت في مصلحة خصمه الديمقراطي.
في ضوء ما سبق، تٌثار العديد من التساؤلات مثل: ما العوامل التي تُزيد احتمال تأثير بعض الشخصيات في الانتخابات الأمريكية المقبلة؟.. وما أكثر الشخصيات المؤثرة والداعمة للمرشح الديمقراطي جو بايدن؟.. وما أكثر الشخصيات المؤثرة والداعمة للمرشح الجمهوري دونالد ترامب؟.. وما نتائج تأثير هذه الشخصيات على المشهد الانتخابي الأمريكي حتى الآن؟.
القوى الذاتية للمؤثرين
قد يأتي التأثير في الانتخابات الأمريكية المقبلة من جانب أشخاص بعينهم، ويتوقف تأثيرهم وقوته على العديد من العوامل. يرتبط أولهما بالإرث السياسي، خاصة ذلك المرتبط بالمسؤولين السابقين أو بالانتماء لواحدة من العائلات السياسية الضخمة؛ كعائلتي جون كينيدي أو جورج بوش الأب. ويتمثل ثاني هذه العوامل في حجم الشعبية والانتشار للشخصيات المؤثرة، ويُعد عنصرًا مهمًا حال تمتع الشخص المؤثر به، خاصة مع التطور التكنولوجي وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي. ويتمثل ثالث تلك العوامل في القدرة المالية للشخصيات المؤثرة، إذ يتم تقدير ذلك بصافي حجم الثروة التي يمتلكها الشخص، أو حجم تبرعاته لهذا الحزب أو ذاك، إلى جانب معيار القدرة على جمع المال والتبرعات من المانحين لصالح المرشحين. أما رابع عوامل القوة الذاتية للمؤثرين، فقد يرتبط بالمهام الوظيفية والتنظيمية التي من شأنها منح الكثير من النفوذ على مسار ومصير وأجندة وتفضيلات الحزب، ويظهر هذا بوضوح في حالتي اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري ونظيرتها الديمقراطية.
مؤثرون مرجحون لكفة ترامب:
يمكن تحديد أهم الشخصيات المؤثرة لصالح الرئيس الجمهوري السابق، دونالد ترامب فيما يلى:
(*) رونا ماكدانيال: رئيسة اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري (RNC)، وتم انتخابها بالإجماع رسميًا في 19 يناير2017، ثم أعيد انتخابها رئيسة للجنة بالإجماع في كل من عامي 2019 و2021، وحظيت بدعم كامل من دونالد ترامب الذي تتماهى بصورة كاملة مع مواقفه وأجندته السياسية. وتقوم ماكدانيال، من خلال دورها المركزي بالحزب، بإدارة كل ما يتعلق بالانتخابات التمهيدية على المستوى الرئاسي وانتخابات الكونجرس وحكام الولايات. وأخيرًا صرّحت بأنها لن تسعى لولاية خامسة كرئيسة للجنة الوطنية للحزب الجمهوري. وبعد انتهاء انتخابات ولاية نيوهامبشير بفوز ترامب، حثّت ماكدانيال المرشحة الجمهورية نيكي هيلي على إنهاء حملتها الرئاسية، وترك الساحة لترامب والاصطفاف خلفه كمرشح لكل الجمهوريين.
(*) تشارلز كوخ: ارتبط رجل الأعمال والملياردير كوخ، الذي جاء من عائلة صناعية كبيرة معروفة بدعمها المالي الواسع للحزب والمرشحين الجمهوريين، بدعم أجندة محافظة جمهورية تقليدية. تم تصنيفه في المرتبة الـ22 كأغنى رجل في العالم على مؤشر بلومبيرج للمليارديرات العام الماضي، بثروة صافية تقدر بـ60 مليار دولار، ويقدم تشارلز كوخ ملايين الدولارات سنويا للعديد من مراكز البحث المحافظة، ويموّل الحملات الانتخابية لعشرات المرشحين الجمهوريين. واعتُبر، مع أخيه ديفيد (توفي قبل عامين)، من أكبر المانحين الماليين للجمهوريين خلال السنوات الأخيرة.
(*) تاكر كارلسون وشون هانيني: مذيعان جمعتهما شبكة "فوكس" الإخبارية لسنوات في ساعات ذروة المشاهدة المسائية قبل أن تقيل الشبكة كارلسون العام الماضي لينتقل لمنصة "إكس" حيث يتابعه فيها أكثر من 11 مليون شخص. ويتمتع المذيعان، الأكثر مشاهدة في كل الشاشات الأمريكية، بمكانة مهمة بين التيارات المحافظة واليمينية، وتجمعها علاقة قوية بدونالد ترامب ويؤيدان أفكاره المثيرة للجدل، مثل "حظر دخول مواطني دول مسلمة".
وأعلنت شون هانيني في تغريدة نشرتها عبر منصة إكس في مارس 2024، أنها ستصوّت لصالح ترامب لأنه "ليس سياسيًا" كما فعلت قبل 4 سنوات.
مؤثرون مرجحون لكفة بايدن:
يمكن تحديد أهم الشخصيات المؤثرة لصالح الرئيس الديمقراطي الحالي؛ جو بايدن، فيما يلي:
(*) باراك أوباما: يُعد باراك أوباما أقوى شخصية في الحزب الديمقراطي لما يملكه من إرث وكاريزما شخصية يُحسن استغلالها، ويتضاعف نفوذه عند إضافة زوجته ميشيل التي تحظى بشعبية ونفوذ طاغٍ وسط الناخبين الديمقراطيين خاصة النساء منهم. ويتابع 132 مليون شخص حساب أوباما على منصة "إكس"، ويُتوقع أن يكون مفعمًا بالحيوية مع اشتداد سخونة انتخابات 2024، ويتعهد أوباما بفعل كل ما يستطيع لمنع عودة محتملة للرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
(*) تايلور سويفت: تُعدّ تايلور سويفت، نجمة البوب الأمريكية، واحدة من أشهر الشخصيات في العالم. لكن تأثيرها لا يقتصر على الموسيقى فقط، بل امتدّ ليُصبح لها صوتُ بارزُ في السياسة، لكن ذلك الدور ليس محل ترحيب كبير، خاصة من جانب الجمهوريين الذين ينظرون إليها باعتبارها مؤامرة لإعادة إحياء فرص الرئيس الحالي "جو بايدن" بالفوز. وبينما لم تُظهر "سويفت" اهتمامًا علنيًا بالسياسة في بداية حياتها المهنية، إلا إنها مع ازدياد شهرتها، بدأت تُعبّر عن آرائها حول بعض القضايا الاجتماعية والسياسية. وخلال الأعوام القليلة الماضية بدأت بعض الكنائس المحافظة في الولايات المتحدة الأمريكية تُظهر غضبًا واضحًا من تنامي تأثير سويفت على الشباب، خاصة مع تنامي قوة جماهيرها الذين يطلقون على أنفسهم اسم "سويفتيز". وبلغت قوة هذا التيار إلى حد اعتبار بعض المحللين السياسيين أن ذلك التيار أصبح حزبًا ثالثًا، بينما تنزعج بعض الكنائس من اعتبار بعض أتباع هذا التيار أنفسهم دينًا جديدًا أو تيارًا جديدًا داخل الكنيسة. وبينما يؤكد العديد من المراقبين السياسيين أن تايلور سويفت أصبحت قوة سياسية لا يستهان بها، فإن تأثيرها لا يخلو من الانتقادات، حيث يرى البعض أنّها تستخدم نفوذها للترويج لأجندة سياسية معينة.
كما كشف استطلاع للرأي أن ما يصل إلى 18% من الأمريكيين مقتنعون بـ"مؤامرة سويفت"، وهو مصطلح يشير إلى شائعات غير مؤكدة أن البيت الأبيض طلب من المطربة الشهيرة دعم بايدن في الانتخابات المقررة أواخر عام 2024. كما لعبت "سويفت" دورًا مهمًا في حثّ الشباب على التسجيل للتصويت في الانتخابات، ما أدى إلى تسجيل أكثر من 65 ألف شخص في يوم واحد. وتعتبر "سويفت" واحدة من أكثر الفنانين استخدامًا لمنصات التواصل الاجتماعي بفعالية. فلديها أكثر من 150 مليون متابع على منصة إكس، وأكثر من 220 مليون متابع على إنستجرام؛ وتستخدم هذه المنصات للتواصل مع معجبيها ومشاركة آرائها حول القضايا التي تهمها.
(*) جورج سوروس: ملياردير ورجل أعمال تبلغ ثروته أكثر من 8 مليارات دولار، بعد أن تبرّع بأكثر من 20 مليار دولار للأنشطة والحركات السياسية داخل الولايات المتحدة وخارجها. ووصفت مجلة فوربس سوروس بأنه "المانح الأكثر سخاء" من حيث النسبة المئوية لصافي الثروة للعمل السياسي. وفي عام 2017، وصف سوروس ترامب بأنه رجل محتال، وتوقّع أن يفشل لأنه يعتقد أن أفكاره متناقضة ذاتيًا.
وقال "سوروس" أيضًا إنه يعتقد أن ترامب يستعد لحرب تجارية ويتوقع أن يكون أداء الأسواق المالية ضعيفًا إن عاد للحكم. وتبرع الملياردير بأكثر من 128.5 مليون دولار لدعم مرشحي الحزب الديمقراطي في انتخابات الكونجرس عام 2022، ويتوقع أن يزيد تبرعاته المالية قبل انتخابات 2024
(*) مارك هاميل: هو ممثل أمريكي كشف عن منح صوته في سباق الانتخابات الأمريكية 2024 للرئيس الأمريكي جو بايدن لفترة رئاسية جديدة في مواجهة شرسة مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. ونشر "هاميل" صورة له عقب الإدلاء بصوته عبر حسابه الرسمي على منصة "إكس" وظهر خلالها وهو يرتدي تي شيرت كُتب عليه "ليس مجددًا" ورأس "ترامب" على العبارة وعلّق "هاميل": "لقد قمت بالتصويت لمدة 4 سنوات أخرى".
إجمالًا، يمكن القول إن إحتمال تأثير الشخصيات السابقة في الانتخابات الأمريكية 2024 يتزايد، وذلك في ضوء نتائج استطلاعات الرأي التي تشير إلى أن الجمهور غير متحمس لأي من المرشحَين الأوفر حظًا (بايدن-ترامب). ويساعد في ذلك ما يتميز به النظام السياسي الأمريكي من معايير مختلفة عن بقية النظم السياسية حول العالم من حيث انفتاحه بصورة غير طبيعية أمام عوامل تأثير مختلفة؛ من بينها بطبيعة الحال تأثير تلك الشخصيات. ولم تقتصر حملات الدعم على رجال السلطة والسياسية بل اتسعت الرقعة لتشمل المشاهير من ممثلين ومغنين قرروا الانخراط بشكل واضح في المشهد السياسي الأمريكي وأعلنوا على الملأ مرشحهم المفضل.