الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

أين تتموقع المكسيك من الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024؟

  • مشاركة :
post-title
بابدن وترامب على الحدود المكسيكية

القاهرة الإخبارية - د. محمد أبو سريع

تتكون الولايات المتحدة الأمريكية من 50 ولاية، من بينها 48 ولاية فقط في قارة أمريكا الشمالية، ويحدها كل من المحيط الهادئ في الجهة الغربية والمحيط الأطلسي من الجهة الشرقية، وتتشارك الولايات الثمانية والأربعون من الشمال مع دولة كندا ومن الجنوب مع دولة المكسيك، وعن ولايتي أمريكا غير المتقاربتين فهما ألاسكا وهاواي، إذ تقع الأولى شمال غربي القارة الأمريكية الشمالية وتشارك الحدود الخاصة بها مع روسيا غربًا وكندا شرقًا.

وسوف يركز هذا التحليل على رصد مدى تأثير دول الجوار على الانتخابات الأمريكية 2024، فالحدود الأمريكية المكسيكية هي واحدة من أطول حدود بين دولتين في العالم، إذ يبلغ طولها 3145 كيلومترًا، وتتخللها جبال وعرة، ونهرا كولورادو وريو جراندي، وتمتد غربًا من مدينة تيخوانا بولاية باخا كاليفورنيا المكسيكية، ومدينة إمبيريـال بيتش بولاية كاليفورنيا الأمريكية إلى ماتاموروس بولاية تاموليباس المكسيكية وبراونزفيل بولاية تكساس الأمريكية شرقًا. والولايات الأمريكية الممتدة على طول تلك الحدود هي كاليفورنيا وأريزونا ونيو مكسيكو وتكساس، وتضم الحدود الأمريكية المكسيكية 42 معبرًا حدوديًا بين البلدين.

وفي ضوء ما سبق، يسعى هذا التحليل إلى الإجابة على عدة تساؤلات، يأتي في مقدمتها: إلى أي مدى يمكن أن تؤثر المكسيك كدولة جوار في الانتخابات الأمريكية 2024؟ وكيف يمكن أن تتأثر هذه دول الجوار بنتائج الانتخابات؟ وما دلالات أهمية المكسيك لبايدن وترامب في سباقهما للفوز في الانتخابات المقبلة؟

دلالات أهمية المكسيك في السباق الرئاسي

حرص كلٌ من الرئيس الحالي جو بايدن والسابق دونالد ترامب على زيارة الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك مطلع مارس 2024، وسعى المرشحان إلى إلقاء كل منهما اللوم على الطرف الآخر في عبور مئات الآلاف من المهاجرين بصورة غير شرعية للحدود.

ففي استطلاع أجرته مؤسسة جالوب، في الأسابيع الثلاثة الأولى من شهر فبراير 2024، أكد المستطلَعون أن قضية الهجرة أصبحت أهم مشكلة تواجه البلاد خلال الأشهر والسنوات الأخيرة الماضية. وبسبب تسييس قضية الهجرة من الحزبين، أخفق الكونجرس على مدار عقود في تمرير تشريع يقبل به الحزبان بشأن الهجرة وأمن الحدود، وبعد 3 سنوات من اتباع سياسة دفاعية في مواجهة هجمات الحزب الجمهوري، يرى الديمقراطيون الآن فرصة لتحويل اللوم إلى الجمهوريين لعدم تمرير صفقة مجلس الشيوخ.

وتأتي زيارة بايدن وترامب في وقت يشهد انخفاضًا في عدد المهاجرين الذين تم القبض عليهم عبر المعابر الرسمية على طول الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، بعد ارتفاع قياسي في ديسمبر الماضي، إذ ألقى ضباط حرس الحدود القبض على ما يقرب من 250 ألف مهاجر حينها، وانخفض هذا العدد بشكل حاد في يناير 2024 إلى نحو 124 ألفًا، وذلك بسبب برودة الطقس بصورة أساسية، ومن المتوقع أن تعاود أرقام المهاجرين ارتفاعها مع دخول فصل الربيع.

وبصفة عامة، عكست هذه الزيارة موقف كلا المرشحين تجاه قضية الهجرة وتأمين الحدود، واستخدم كل منهما هذه القضية في الهجوم على الآخر، وذلك على النحو التالي:

(*) ترامب وخطابه الاعتيادي المناوئ للمهاجرين: سعى ترامب إلى فرض حظر عبور المهاجرين غير الشرعيين للحدود في 2018، لكن محكمة اتحادية منعته وقالت إنه انتهاك لقوانين اللجوء، التي تسمح للناس بطلب الحماية الإنسانية بغض الطرف عن كيفية دخولهم البلاد.

وخلال زيارته الحدود، ألقى ترامب كلمة في حديقة شيبلي بارك، التي أصبحت نقطة ساخنة في مواجهة ولاية تكساس مع الحكومة الفيدرالية، حيث هاجم بايدن، وانتقد تعامله مع قضية الحدود، وربط تدفق المهاجرين بالجريمة، قائلًا إن "هؤلاء هم الأشخاص الذين يأتون إلى بلدنا، وهم يأتون من السجون ويأتون من المصحات العقلية وبعضهم إرهابيون، يُقتادون إلى بلادنا، وهذا أمر فظيع".

ولم تختلف لهجة ترامب هذه عن خطابه الاعتيادي المناوئ للمهاجرين الذي استخدمه في حملات ترشحه في 2016 و2020. وامتدح ترامب حاكم ولاية تكساس الجمهوري جريج أبوت الذي يتهم إدارة بايدن بالإخفاق في تأمين الحدود، ويجادل بأن الدستور الأمريكي يمنحهم حق "الدفاع عن النفس" للحماية من "الغزو" في إشارة إلى المهاجرين في هذه الحالة.

واتخذ حاكم ولاية تكساس خطوة غير مسبوقة لتأمين حدود الولاية من خلال المئات من حرس الولاية الوطني، كما أمر ببناء قاعدة عسكرية دائمة بالقرب من إيجل باس تكفي لاستضافة 2300 جندي حكومي، يكونون مستعدين لمواجهة أي أزمات لتدفق المهاجرين على الحدود.

(*) بايدن واتهام الجمهوريين بعرقلة اتفاق الحدود: اتجه الرئيس بايدن في زيارته الحدود إلى مدينة براونزفيل، حيث انخفضت أعداد المهاجرين الذين يدخلون إليها منذ بداية العام. وفي المقابل، وعلى مسافة تبعد 300 ميل من براونزفيل، زار دونالد ترامب منطقة إيجل باس، وهي بمثابة أكثر المعابر الحدودية كثافة من حيث أعداد المهاجرين المتجهين للأراضي الأمريكية بصورة غير شرعية.

والتقى بايدن، الذي أجرى زيارته الثانية إلى الحدود خلال سنوات حكمه، مع ضباط حرس الحدود وإنفاذ القانون والقادة المحليين في براونزفيل على الحدود مع المكسيك، ملقيًا باللوم على الجمهوريين في عرقلة اتفاق الحدود في مجلس الشيوخ، الذي كان سيسمح للحكومة بطرد المهاجرين إذا تجاوزت عمليات العبور عتبة يومية تبلغ 4 آلاف مهاجر.

وبعد أشهر من المفاوضات، قال الجمهوريون في نهاية المطاف إن الشروط لم تذهب بعيدًا بما فيه الكفاية، وتأتي هذه الزيارة في إطار جهود الديمقراطيين للتركيز بشكل أكبر على الهجرة، التي تظهر استطلاعات الرأي الأخيرة أنها أصبحت أولوية قصوى للناخبين.

وجاءت زيارة بايدن قبل أسبوع من إلقائه خطاب حالة الاتحاد يوم 7 مارس 2024، وفي الوقت الذي يدرس فيه البيت الأبيض التدابير أحادية الجانب التي يمكنه اتخاذها لوقف عبور المهاجرين غير الشرعيين للحدود، ومن بين الأفكار المطروحة؛ منع المهاجرين الذين يعبرون الحدود بشكل غير قانوني من طلب اللجوء، مما يسمح بترحيلهم بسرعة إلى المكسيك أو بلدانهم الأصلية.

وترى إدارة بايدن أن تصرفات ولاية تكساس على طول الحدود غير ضرورية وتنتهك الدستور الذي يمنح سلطة إدارة ملف الهجرة للحكومة الفيدرالية فقط. فلم يمنع السور الحديدي الفاصل بين الولايات المتحدة والمكسيك بالقرب من بلدة سمرتون في جنوب أريزونا مئات الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين من العبور من خلال السور.

مواطن التأثير

لاقت تحركات المرشحين ومواقفهما إزاء الهجرة أصدائها في ردود فعل العديد من الفاعلين المعنيين بقضايا الحدود وأزمة الهجرة، وهي على النحو الآتي:

(&) دعم الحكومة المكسيكية للديمقراطيين: أطلق الرئيس المكسيكي أندريس مانويل أوبرادور في ديسمبر الماضي، حملة إعلامية لثني الأمريكيين المكسيكيين وجميع ذوي الأصول الإسبانية في الولايات المتحدة عن التصويت لصالح لجمهوريين. ويرجع ذلك إلى ترويج الحزب الديمقراطي للخوف والتهديدات لإحباط قانون تكساس الجديد.

ويمثل مشروع قانون مجلس الشيوخ SB4 تشريعًا لمعالجة الهجرة غير الشرعية من خلال تمكين سلطات الولاية والسلطات المحلية من اعتقال المهاجرين المحتملين الذين يعبرون من المكسيك إلى تكساس عبر معابر حدودية غير رسمية، وأمرهم بالعودة إلى المكسيك، ويأتي هذا القانون ردًا على ما يعتبره المشرعون في تكساس أزمة حدودية متفاقمة، ويصبح المخالفون بموجب القانون عرضة للعقوبات التي تتراوح بين الجنح والجنايات.

ويحارب بعض الديمقراطيين مشروع القانون بالترهيب، إذ يقول عضو الكونجرس عن الحزب الديمقراطي خواكين كاسترو، إن بعض المواطنين الأمريكيين سيتعرضون للطعن في جنسيتهم، وسيتم جرهم إلى مراكز الشرطة.

وذهب بعض الديمقراطيين للقول إن بعض أحكام القانون تنتهك شرط السيادة في دستور الولايات المتحدة، كما أثار الديمقراطيون مخاوف من أن يسبب القانون ضررًا للعلاقات الأمريكية المكسيكية، بسبب ما أسموه انتهاكًا لحقوق الإنسان بالنسبة للمهاجرين المكسيكيين في تكساس.

أما بالنسبة للمكسيك، فهاجم المسؤولون المكسيكيون حكامًا ونوابًا جمهوريين مثل حاكم ولاية تكساس جريج أبوت، وحاكم فلوريدا رون دي سانتيس، والنائب دان كريتشو عن ولاية تكساس، والسيناتور جون كينيدي، عن ولاية لوس أنجلوس وآخرين.

ومن الجدير بالذكر أن بايدن كان بدأ اتصالاته الخارجية بالمكسيك عقب إعلان فوزه في انتخابات ،2020 عندما تباحث مع نظيره المكسيكي أوبرادور بشأن جائحة كورونا وملف الهجرة، حيث تم التأكيد على مواصلة المكسيك مساعيها لمنع تدفق المهاجرين القادمين من أمريكا الوسطى والجنوبية إلى الحدود الأمريكية. وجاء الاتصال في ظل توتر بين الدولتين عقب اعتقال وزير الدفاع المكسيكي السابق بالولايات المتحدة في أكتوبر 2020، حيث لوحت المكسيك بالحد من دخول موظفي الوكالة الأمريكية لمكافحة المخدرات إلى أراضيها.

(&) الأمريكيون المكسيكيون: يشكل مواطنو الولايات المتحدة المنحدرون من أصل مكسيكي نحو 10.9٪ من المواطنين الأمريكيين، وتعد الولايات المتحدة موطنًا ثانيًا لأكبر جالية مكسيكية في العالم، وكان الأمريكيون المكسيكيون يتمركزون في الولايات التي كانت تتنتمي في السابق إلى المكسيك، بما في ذلك كاليفورنيا، وأريزونا، ونيو مكسيكو، وكولورادو وتكساس، وبدأوا في بناء مجتمعاتهم المحلية في لوس أنجلوس وسانتا أنا وسان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا، ودنفر بولاية كولورادو، وهيوستن وسان أنطونيو بولاية تكساس والولايات الأخرى المنتجة للصلب، عندما حصلوا على فرص للعمل هناك خلال الحرب العالمية الأولى.

وفي الآونة الأخيرة، أصبح المهاجرون المكسيكيون -على نحو متزايد- جزءًا كبيرًا من القوى العاملة في الصناعات، مثل تعبئة اللحوم في جميع أنحاء الغرب الأوسط، وفي الزراعة بجنوب شرق الولايات المتحدة، وفي البناء والمطاعم والفنادق وغيرها من قطاعات الخدمات في جميع أنحاء الدولة.

وفي السنوات الماضية، شنّ مئات من الأمريكيين المكسيكيين حملة من أجل حقوق التصويت، ووقفوا من أجل التعليم والتوظيف وضد التمييز العرقي وعلى النهوض الاقتصادي والاجتماعي، فقد كافح الأمريكيون المكسيكيون من أجل الحفاظ على هويتهم في المجتمع الأمريكي، وهم أقرب للتصويت للمرشح الذي يُمكِنهم من ذلك، وفي نفس الوقت يدعم ويساند قضايا وطنهم الأم؛ المكسيك.

(&) المواطنون الأمريكيون الذين نقلوا محل إقامتهم إلى المكسيك: نشرت شبكة "سي إن إن" الأمريكية في أغسطس 2022، تقريرًا عن تزايد عدد المواطنين الأمريكيين الذين نقلوا محل إقامتهم إلى المكسيك بسبب غلاء الأسعار في الولايات المتحدة الأمريكية، ما له تأثير إيجابي على البعض وسلبي على البعض الآخر من السكان المحليين.

وأوضحت الشبكة أن نسبة كبيرة من هؤلاء المنتقلين للعيش في المكسيك لم يقدموا حتى على إقامة ولكنهم يدخلون البلاد باستخدام تأشيرة سياحية وهم لا يعملون حتى بالمكسيك، ولكنهم يعملون لصالح شركات أمريكية عبر الإنترنت، فوفقًا لبيانات وزارة الخارجية الأمريكية فإن 1.6 مليون أمريكي يعيشون في المكسيك بصفة رسمية، بينما وصل عدد الأمريكيين الذين حصلوا على تأشيرة سياحية بين يناير ومايو 2022، بصرف النظر عن مغادرتهم من عدمه، إلى 5.3 مليون شخص. وهذا الرقم يزيد عن العدد المسجل خلال نفس الفترة من عام 2019 بمقدار مليون شخص، وفقًا للحكومة المكسيكية.

خلاصة القول، إن هناك عددًا من القضايا هي التي تحكم مدى تأثير وتأثر دول الجوار الأمريكي وخاصة المكسيك على الانتخابات الأمريكية 2024. ويأتي في مقدمتها قضية الهجرة وتأمين الحدود، التي تؤكد مؤشرات عديدة على أنها القضية الأهم التي ستحسم الانتخابات المقبلة، ففي الوقت الذي يتجه فيه الرئيس المكسيكي لدعم بايدن والديمقراطيين عبر حثّ الأمريكيين المكسيكيين على التصويت لصالحه على حساب ترامب والجمهوريين، ويبدي 29% فقط من المستجيبين في استطلاع حديث أجرته الإذاعة الوطنية NPR موافقتهم على الطريقة التي يتعامل بها بايدن مع قضية الهجرة، فيما تشير أغلب استطلاعات الرأي إلى أن معظم الأمريكيين يثقون في الجمهوريين أكثر من الديمقراطيين في تأمين الحدود والتعامل مع قضية الهجرة.