تُعقد الانتخابات الرئاسية الأمريكية في الـ5 من نوفمبر المُقبل، التي تشهد تنافسًا بين المرشح دونالد ترامب والرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن، ومن المتوقع بشكل كبير أن يوجه الناخبون السود مسار هذه الانتخابات، كما قاموا بحسمها لصالح بايدن في انتخابات عام 2020، وهو الأمر الذي جعل المرشح دونالد ترامب، يحاول استقطابهم بكل السبل؛ نظرًا لثقلهم الاقتصادي الكبير.
وتأسيسًا على ما سبق؛ يسعى هذا التحليل للتعرف على حجم وشكل اقتصاد رجال الأعمال الأمريكيين السود، وتوزيعهم الجغرافي، بالإضافة إلى توضيح تأثير هذه الفئة على مسار الانتخابات الرئاسية المقبلة.
حدود التأثير
يُمكن الاستدلال على مدى القوى الاقتصادية لرجال الأعمال السود في الاقتصاد الأمريكي، على النحو التالي:
(*) حجم اقتصاد السود: تُعتبر الشركات التي يملُكها رجال أعمال سود جزء لا يتجزأ من الاقتصاد الأمريكي، إذ تُسهم أكثر من 3 ملايين شركة مملوكة للسود بنحو 206.1 مليار دولار سنويًا، كما أنها توظف نحو 1.4 مليون أمريكي، وفقًا لبيانات مسح الأعمال السنوي "ABS"، فمنذ عام 2012 ارتفع عدد الشركات المملوكة لرجال الأعمال السود بشكل كبير وبوتيرة أسرع من شركات رجال الأعمال البيض، كما يوضح شكل (1)، الذي يُشير إلى أن الشركات المملوكة للسود تُمثل 12% من إجمالي الشركات العاملة، بينما تُمثل الشركات المملوكة للبيض 10%، رغم أن الأمريكيين السود يمثلون نحو 14.4 من سكان الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يوضح الثقل الاقتصادي الكبير لهذه الفئة من الأمريكيين.
(*) نوعية المشاركة: تعددت مجالات الشركات التي يملكها رجال الأعمال السود، فقد استحوذ قطاع الرعاية الصحية والمساعدة الاجتماعية على نحو 45 ألف شركة، بذلك يشمل هذا القطاع على 28% من إجمالي الشركات المملوكة لرجال الأعمال السود، ويليه قطاع الخدمات العلمية والمهنية والتقنية الذي يُشكل نحو 14% من إجمالي الشركات، ثم قطاع الخدمات الإدارية والدعم وإدارة النفايات ومعالجتها بنسبة 7.7%، وقطاع النقل والتخزين بنسبة 7.5%، وتجارة التجزئة بنسبة 6.4%، والبناء بنسبة 6.2%، والإقامة وخدمات الطعام بنسبة 5.4%، ثم يأتي بعد ذلك القطاعات الأخرى، كما هو موضح بشكل (2)، ويدل هذا الأمر على تعددية تأثير الأمريكيين السود على الاقتصاد الأمريكي.
(*) التوزيع الجغرافي: تتركز معظم الشركات التي يملكها الأغلبية من الأمريكيين من أصل إفريقي في المناطق الحضرية، بينما يتركز 5% منهم فقط في المناطق الريفية، كما يوضح شكل (3)، الذي يُشير إلى أن شركات الأقلية في الحضر تبلغ 1.01 مليون شركة، بينما في الريف نحو 56.9 ألف شركة، ويرجع هذا الأمر أن الشركات المملوكة لذوي الأصول الإفريقية تتركز في الولايات التي يوجد بها أكبر اكتظاظ للسكان، إذ يوجد في ولاية فلوريدا 18 ألفًا و502 شركة، وفي كاليفورنيا 15 ألفًا و14 شركة، بينما يوجد في جورجيا 14 ألفًا و394 شركة.
اتجاهات واضحة
يُمكن توضيح الاتجاهات الحالية للأمريكيين من أصل إفريقي من خلال النقاط التالية:
(&) عدم تأييد دونالد ترامب: مع انحياز عدد كبير من الأمريكيين السود بنسبة 83% للحزب الديمقراطي، فإنهم ينتقدون "دونالد ترامب" بشدة، إذ يرى 73% منهم أنه رئيس سيئ، وأنه انتهك القانون في انتخابات 2020؛ لتغيير نتيجة الانتخابات، وتأييدًا لذلك أظهر أحدث استطلاع أجراه مركز "بيو" أن نحو واحد فقط من كل خمسة أمريكيين من أصل إفريقي يخططون للتصويت لصالح دونالد ترامب، فكما يوضح شكل (4) أن 12% فقط من الأمريكيين السود في عينة الاستطلاع التي أجراها مركز "بيو" للأبحاث ترى أن ترامب شخص جيد، و7% فقط يرون أنه يتصرف بشكل أخلاقي في مكتبه، الأمر الذي يدل على الشعبية الضئيلة لدونالد ترامب بين الأمريكيين السود، وهو الأمر الذي دفع مخاوف الديمقراطيين في مدن وولايات الرئيسية، مثل ديترويت وفيلادلفيا وميلووكي، إذ يأتي ذلك على عكس محاولات المرشح الرئاسي "دونالد ترامب" لاستقطاب هذه الفئة، إذ أعلنت حملته ائتلاف جديد يُسمى "الأمريكيون السود من أجل ترامب".
(&) تراجع دعم جو بايدن: أظهرت الإحصائيات الأخيرة حجم التراجع في تأييد الأمريكيين السود لجو بايدن، إذ يزعم بايدن أنه يحصل على دعم 63% من الناخبين السود في انتخابات 2024، بالمقارنة بنسبة تأييد 87% في انتخابات 2020، وفقًا لمركز روبر، كما أنه يتأخر بين الناخبين من أصل إسباني بنسبة 5%، فكانت هذه الفئات هي المحدد الأساسي لنجاحه في انتخابات 2020، إذ بدأ بايدن رئاسته بمتوسط تأييد 87% بين الأمريكيين السود، لكنها انخفضت إلى 63% في عام 2022، ثم إلى 60% في أوائل عام 2023.
(&) دعم مرشحي الطرف ثالث: أوضحت نسبة كبيرة من الناخبين السود و21% من الناخبين الشباب أنهم سيدعمون شخص آخر غير المتنافسين الرئيسيين، إذ أشار مركز "بيو" أن نحو 49% من الناخبين السود يستبدلون كلًا من بايدن ودونالد ترامب بمُرشحين مُختلفين، وأنه على الرغم من عدم تأييد معظم الأمريكيين السود لدونالد ترامب، إلا أنهم كذلك يرون أن الجمهوريين لا يحق لهم الحصول على الدعم السياسي للسود.
أسباب دافعة
يعود تراجع الأمريكيين ذوي الأصول الإفريقية عن دعم جو بايدن، وإعلانهم دعم مرشح ثالث، إلى مجموعة من الأسباب المهمة، التي يمكن توضيحها فيما يلي:
(-) وضع اقتصادي متدهور: تشهد فترة رئاسة "جو بايدن" مجموعة من العقبات الاقتصادية الكبيرة، منها ارتفاع معدلات التضخم، الذي عانى منه الأمريكيون خاصة ذوي الأصول الإفريقية، إذ يوضح شكل (5) أن هذا المعدل ارتفع من 3% في يوليو 2023 إلى 3.5 %، مارس 2024، بالمُقارنة بمتوسط معدل للتضخم بلغ 1.2 % في عام 2020، ومن هنا يرى كثير من الأمريكيين السود أن الأمور الاقتصادية ازدادت سوءًا، إذ انخفض دخل الأسرة الحقيقي بنحو 2000 دولار في عام 2022، ولم ينم هذا الدخل طوال عهد بايدن، كما شهد عهده أعلى مستوى من تأخر سداد بطاقات الائتمان، وبالتوازي مع ذلك ارتفعت البطالة بين الأمريكيين السود من 5.8% في الربع الرابع من عام 2023 إلى 6% في الربع الأول من عام 2024.
(-) إهمال قضايا الأقلية: لم يجد تحالف الأمريكيين السود دعمًا كبيرًا من قبل جو بايدن ودونالد ترامب لقضاياهم على أجندتهم الانتخابية، خاصة أن الأمريكيين السود كان يعقدون آمالًا كبيرة على جو بايدن؛ ولهذا صوتوا له بنسبة كبيرة في انتخابات عام 2020، لكن تدهور حالتهم في عهده؛ بسبب التأثيرات الاقتصادية السلبية للوضع العام في الولايات المتحدة الأمريكية، جعلت معظمهم ينوون التخلي عن تأييده في الانتخابات المقبلة.
اتجاهات مُحتملة
يؤثر المجتمع الاقتصادي الكبير للأمريكيين السود على وضع ملمح للانتخابات الرئاسية المُقبلة، على النحو التالي:
(#) التأرجُح بين الولايات: من المتوقع بشكل كبير أن تشهد الانتخابات الأمريكية المُقبلة تأرجحًا بين الولايات التي يقطنها الأمريكيون ذوي الأصول الإفريقية، إذ أشار استطلاع رأي أجرته صحيفة "واشنطن بوست"، إلى أنه يواصل مجتمع السود دعم الرئيس الأمريكي جو بايدن، وهو ما يضع احتمالية أنه ستشهد بعض الولايات الأمريكية تصويتًا نسبيًا لصالح جو بايدن، من قبل الأمريكيين السود، بينما سيذهب الكثير منها نحو المرشح الثالث.
(#) احتمالية فوز مرشح ثالث: إن الثقل الاقتصادي للأمريكيين السود ومساهمتهم الكبيرة في الاقتصاد الأمريكي، تجعل لهم وزنًا سياسيًا كبيرًا في تحديد الرئيس المُقبل، إذ إن استياءهم من الوضع الاقتصادي الذي تمر به الولايات المتحدة الأمريكية في عهد بايدن، وعدم انحيازهم لدونالد ترامب، يزيد (في حالة وجوده) من احتمالات فوز مُرشح الطرف الثالث.
وعليه يُمكن القول إن الثقل الاقتصادي المُتنامي للأمريكيين من ذوي الأصول الإفريقية يجعل لهم وزنًا كبيرًا في تحديد نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية المُقبلة، إذ يسعى كل من دونالد ترامب وجو بايدن، جذب هذا المجتمع من السود لحسم نتيجته في الانتخابات، وهو الأمر الذي يوضح أهمية هذه الفئة من الأمريكيين في رسم ملامح مُستقبل الولايات المتحدة الأمريكية.