الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

حدود تأثير حرب غزة في اتجاهات التصويت بالانتخابات الأمريكية 2024

  • مشاركة :
post-title
متظاهرون أمام البيت الأبيض دعما لفلسطين

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

برغم أن الناخب الأمريكي بشكل عام يهتم بقضايا الداخل، خاصًة ما يتعلق بالقضايا الاقتصادية، ومنها: الضرائب، والهجرة، والتشغيل، والرعاية الصحية والاجتماعية، وتعزيز الديمقراطية بعد اقتحام مبنى الكابيتول، إلا أن خروج مظاهرات فى العديد من الولايات الأمريكية، سواء تلك المؤيدة للحق الفلسطيني والمطالبة بوقف الحرب وإدخال المساعدات الإنسانية داخل قطاع غزة أو الداعمة لإسرائيل، يجعل من الحرب وكيفية التعامل مع مستجداتها وتداعياتها التى ستستمر كبند رئيسي في سجالات المرشحين الطامحين فى الوصول إلى البيت الأبيض فى الانتخابات الرئاسية المقبلة نوفمبر 2024، وفى مسيرتهم للحصول على بطاقة تأييد أى من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، التي يبدو أن المنافسة ستقتصر فيها على كل من الرئيس الحالي جو بايدن والرئيس السابق دونالد ترامب ليتم إعادة مشهد المنافسة الانتخابية لعام 2020 بينهما، وإن بدت السياقات مختلفة بعد أزمة كوفيد 19، والحرب الروسية الأوكرانية، والحرب الإسرائيلية على غزة وتأثيراتها على الداخل الأمريكي، وهى قضايا جوهرية تمس صميم الأمن القومي الأمريكي، ومن المحتمل أن تكون على أجندة القضايا المطروحة فى السباق الرئاسي الانتخابي.

عوامل متعددة:

هناك العديد من العوامل التي عكست اهتمام الداخل الأمريكي بالحرب الإسرائيلية على غزة منذ عملية طوفان الأقصى 7 أكتوبر 2023، وهو ما يمكن الإشارة إليه في العناصر التالية:

(*) الدعم الأمريكي لإسرائيل: أدى الدعم الأمريكي اللامحدود لإسرائيل خلال حربها على غزة، إلى تغير ملحوظ في اهتمامات الناخب الأمريكي وترتيب أولوياته، الذى جاء دعمًا عسكريًا مكثفًا برًا وجوًا وبحرًا، وتدفق المسؤولين رفيعي المستوى، لزيارة إسرائيل وإظهار التضامن معها أبرزهم الرئيس الأمريكي جو بايدن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، ووزير الدفاع لويد أوستن وغيرهم من الوزراء والمسؤولين في الإدارة الأمريكية. وقد تجلى ذلك التغير في أن غالبية الفعاليات الانتخابية التي نظمتها حملة الرئيس بايدن اقتحمها نشطاء أدانوا تورطه فيما يحدث في غزة وتقصيره في عدم الضغط على إسرائيل، لوقف انتهاكاتها ضد الأطفال والنساء. وهو ما يشير إلى أن الحرب الإسرائيلية على غزة أضحت على أجندة قضايا الناخب الأمريكي على المستوى الداخلي، ولم تعد من القضايا المحصورة فى اهتمامات النخب بقضايا السياسة الخارجية الأمريكية.

(*) دور الجاليات العربية والإسلامية: وفقًا للمعهد الأمريكي العربي فإن الجالية العربية والإسلامية يقدر عدد أعضائها بـ3.7 مليون شخص منتشرون فى مناطق جغرافية متنوعة داخل الولايات المتحدة الأمريكية، يقطن معظمهم فى مناطق حضرية بولايات لوس أنجلوس، وديترويت، ونيويورك، وشيكاغو، وواشنطن، ونيوجيرسي، وميتشجان التي يوجد بها نسبة كبيرة من الأمريكيين المسلمين وذوي الأصول العربية، التي تشير التوقعات بأنها سيكون لها دور حاسم في الانتخابات المقبلة قد تؤدى إلى أن يخسر بايدن الانتخابات، لرفضها موقفه من الحرب الإسرائيلية على غزة، وباعتبارها واحدة من الولايات الخمس المتأرجحة ما بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري.

(*) مظاهرات المدن الأمريكية: يعكس خروج مظاهرات في المدن والولايات الأمريكية سواء للتنديد بالموقف الأمريكي من الحرب الإسرائيلية على غزة والمطالبة بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، أو تلك الداعمة لإسرائيل بأن القضية الفلسطينية أضحت ضمن أولويات الجمهور الأمريكي بعد أن ظلت لفترات ممتدة قاصرة على اهتمامات النخب باعتبارها ضمن قضايا السياسة الخارجية التي لا تحظى باهتمامات الناخب الأمريكي في سياق المنافسات الانتخابية المتنوعة. وقد عزز من ذلك الاهتمام بما يحدث في غزة التحول فى المعالجة الإعلامية الغربية والأمريكية في تناول أبعاد الحرب، بعد أن ظلت لفترة منحازة بشكل مطلق للرواية الإسرائيلية بكل ما فيها من مغالطات وتضليل. يضاف إلى ذلك بعض الأعمال النوعية التي لاقت اهتمام الناخبين والجمهور الأمريكي وتفاعله معها، ومنها وفاة الطيار الأمريكي بوشنل من سلاح الجو الأمريكي 27 فبراير 2024 بعد أن أضرم النار فى نفسه خارج سفارة إسرائيل في واشنطن، وهو يردد لن يكون متواطئًا بعد الآن في الإبادة الجماعية، في إشارة إلى الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة، وكذلك إرسال موظفين بالخارجية والبيت الأبيض والكونجرس رسائل إلى بايدن لوقف الحرب، كما رفع بعض المتظاهرين منهم خلال المظاهرات المؤيدة لفلسطين لافتات كتب عليها " الكونجرس، موظفوك يطالبون بوقف إطلاق النار".

(*) موقف الشباب الأمريكي: أفرزت الحرب الإسرائيلية على غزة متغيرًا مهمًا يرتبط باهتمام الشباب الأمريكي بما يحدث فى غزة، وقد شكّل المكون الشبابي في المظاهرات التي تطالب بوقف الحرب العنصر الأكبر، وهو ما يعكس أن الرواية الفلسطينية بدأت تشق طريقها بشكل صحيح إلى إدراك الشباب الأمريكي بعد أن نجح اللوبي اليهودي لعقود ممتدة في دعم الرواية الإسرائيلية المزعومة. وبرغم المآسي التي ارتكبتها إسرائيل في غزة بعد سقوط ما يربو على 30 ألف شهيد وما يزيد على 70 ألف جريح، إلا أن إعادة التعريف بالحقوق الفلسطينية المشروعة داخل المجتمعات الغربية على أسس صحيحة دون تزييف، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية يمثل أحد أهم مكاسب تلك الحرب، بما أدى إلى اتجاه العديد من الدول الغربية، لتعدل من مواقفها وتبنيها لوقف الحرب ورفض استهداف المدنيين ومطالبة إسرائيل بقبول حل الدولتين بل والتهديد بإعلانه من جانب واحد، كما شهدت لقاءات داخل الكونجرس الأمريكي خلال جلسات الاستماع لمسؤولين حول الحرب رفع لافتات من قِبل ناشطين شباب بها صور للأطفال الفلسطينيين ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة، وأخرى تطالب بوقف الحرب والدماء في غزة. ولا شك أن تلك التفاعلات الشبابية سيكون لها تأثيرها على اتجاهات المعنيين بالقضية الفلسطينية والداعمين للحقوق والحريات بشكل عام من الناخبين الأمريكيين خلال التصويت فى الانتخابات الرئاسية المقبلة نوفمبر 2024.

تأثيرات محدودة

أدت الحرب الإسرائيلية على غزة إلى تزايد خطاب الجماعات المؤيدة لفلسطين داخل الولايات المتحدة الأمريكية، لا سيما فى الولايات التى يوجد بها الجاليات العربية والإسلامية، التي تشكل نسبة 1% من السكان الذى يقدر عددهم بـ339 مليون نسمة تقريبًا، كما أنها أسهمت أيضًا فى بروز تطور نوعى في مضمون ذلك الخطاب الذى تحول من صيغة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي القائم على الاحتلال إلى ترديد جريمة الإبادة الجماعية التى تمارسها إسرائيل بعد أن أكسبتها دولة جنوب إفريقيا بعد رفعها للقضية أمام محكمة العدل الدولية، واتهام إسرائيل بممارسة أعمال توصف بأنها إبادة جماعية زخمًا إعلاميًا كبيرًا، حاز على الاهتمام الإعلامي فى كل دول العالم، وبما سيكون له مردوده على اتجاهات تصويت الناخبين الأمريكيين في الانتخابات المقبلة نوفمبر 2024.

غير أن ذلك التأثير ربما سيكون محدود فى الأمد المنظور لعاملين رئيسيين: الأول، قوة جماعات الضغط الإسرائيلية وخبرتها فى تمويل الحملات الانتخابية للمرشحين، وأبرزها لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (إيباك)، التى تعد المدافع الرئيسي عن المصالح الإسرائيلية، كما أنها تمتلك تأثيرات مباشرة على الناخبين وتفضيلاتهم، وعلى القضايا التى سيتبناها المرشح الذى ستقرر دعمه فى الانتخابات الرئاسية القادمة أو من خلال التوجه نحو معاقبة أعضاء بمنع وصولهم إلى الكونجرس بغرفتيه النواب والشيوخ أو إعادة انتخابهم، ورصد تمويل لتحقيق ذلك الهدف، نظرًا لدعمهم فلسطين من أبرزهم: ألكسندرا أوكاسيو كورتيز، والهان عمر، ورشيدة طالب.

وثانيها، غياب الاختلاف الجوهري ما بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري إزاء القضية الفلسطينية في ظل دعم الجانبين لإسرائيل كحليف استراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية، فالكتلة التصويتية الصلبة الداعمة لترامب ثابتة، وربما سيكون تأثرها بتداعيات الحرب الإسرائيلية على غزة محدود على وبالتالي فإن اتجاهات تصويت تلك الكتلة سيظل كما هو، أما الكتلة التصويتية لبايدن فثمة تأرجح في موقف تيارات داخلها لا سيما بعد إخفاقه في وقف أي من الحربين سواء الإسرائيلية على غزة، أو حتى الروسية الأوكرانية، فضلًا عن عدم قدرته على دعم أوكرانيا بعد تعطل التمويل الذى أقرته إدارته بـ60 مليار دولار وحاز على موافقة مجلس الشيوخ في حين رفضه مجلس النواب، لرفض الجمهوريين ذوى الأغلبية فى المجلس إعطاء شيك على بياض لأوكرانيا، ورغبتهم فى أن يتم توجيه جزء من المساعدات الخارجية لحماية الحدود مع المكسيك. وهو ما يعنى أن الولايات المتأرجحة بما فيها الولايات الأمريكية التى تحظى بوجود الجالية العربية والإسلامية بشكل مؤثر ومنها ميتشجان على سبيل المثال ستتجه نحو معاقبة بايدن بعد أن أيدته في انتخابات 2020، وربما تتجه نحو تأييد ترامب أو العزوف عن التصويت، لتشابه موقفه مع بايدن من الحرب الإسرائيلية على غزة، ما لم يظهر مرشح آخر حتى يحين موعد الاستحقاق الانتخابي الرئاسي بخلاف ترامب أو بايدن يمكن أن يحوز ثقة الناخبين المترددين.

مجمل القول إن تفضيلات الناخبين الأمريكيين في الانتخابات الرئاسية المقبلة في نوفمبر 2024، وإن كانت ترتبط بقضايا الداخل بالأساس، وما سيطرحه المتنافسون في السباق الرئاسي، إلا أن الحرب الإسرائيلية على غزة وتداعياتها لا سيما فيما يرتبط بجريمة الإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني الأعزل بدأت تجد صداها داخل المجتمع الأمريكي بعد تدويلها من قِبل دولة جنوب إفريقيا، وربما ستكون لها تأثيراتها على اتجاهات تصويت الناخبين وتحديدًا من الجاليات العربية والإسلامية. الأمر الذي يحتاج للبناء عليه من قبل تلك الجاليات، التى لا تزال تعانى ضعفًا مؤسسيًا يحتاج لتأطير عملها بشكل أكثر فاعلية يمكنها من تبنى قضاياها، ودعمها وتمويل الناخبين سواء على مستوى الانتخابات الرئاسية والانتخابات النيابية أو حتى على مستوى الولايات ومجالسها التشريعية المنتخبة.