في 11 يونيو الجاري، أُدين هانتر بايدن، نجل الرئيس الأمريكي جو بايدن، بجميع التهم الجنائية الثلاث الموجة إليه والمتعلقة بحيازته غير القانونية لسلاح ناري. فقد وجدت هيئة المحلفين في ولاية ديلاوير، هانتر بايدن مذنبًا بتهم فيدرالية تتعلق بالأسلحة غير القانونية عندما كان مدمنًا للمخدرات، في أول مقاضاة جنائية تاريخية لنجل رئيس أمريكي في منصبه.
وتأتي هذه المحاكمة بعد أقل من أسبوعين من إدانة دونالد ترامب، المرشح الجمهوري المنافس للرئيس جو بايدن في الانتخابات المقبلة. فقد أدانت هيئة المحلفين في نيويورك، أواخر الشهر الماضي، الرئيس السابق دونالد ترامب، بكل التهم الـ34 الموجهة إليه، في قضية تزوير سجلات تجارية تخصّ دفع أموال لشراء صمت ممثلة أفلام إباحية سابقة، وهي المرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة التي يدان فيها رئيس سابق جنائيًا.
في ضوء ما سبق، يطرح هذا التحليل تساؤل، هو: إلى أي مدى يمكن أن تؤثر محاكمات ترامب وهانتر بايدن على مسار الانتخابات الأمريكية 2024؛ هل يمكن أن تشكل هذه المحاكمات عاملًا حسمًا في هذا المسار؟
ارتدادات محتملة
يسعى كل من المرشحين الديمقراطي والجمهوري في الانتخابات الرئاسية المقبلة إلى الاستفادة من مستجدات هذه المحاكمات، ويمكن رصد مدى تأثير محاكمات ترامب ونجل بايدن على مسار الانتخابات الأمريكية المقبلة، على النحو التالي:
(*) محاولة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الاستفادة من المحاكمات: يسعى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى الاستفادة من محاكمة نجل منافسه هانتر بايدن. فقد اعتبر موظفو حملته أن محاكمة نجل بايدن تهدف إلى صرف انتباه الأمريكيين عن الجرائم الحقيقية للرئيس جو بايدن. فقد ذكر بيان لهذه الحملة عبر منصة "إكس": "لم تكن هذه المحاكمة سوى إلهاء عن الجرائم الحقيقية لعشيرة بايدن، التي حققت عشرات المليارات من الدولارات من خلال ممارسة الأعمال التجارية مع الصين وروسيا وأوكرانيا".
ومن ناحية أخرى، يروج ترامب أن محاكمته ترتبط بدوافع سياسية وليست قانونية أو قضائية في محاولة منه لتقليل التأثير السلبي لإدانته أخيرًا في عدد من القضايا. فرغم الحكم على ترامب بتهم جنائية ليصبح أول رئيس يُحاكم جنائيًا في تاريخ الولايات المتحدة، ويأخذ لقب مجرم، إلا أن أنصاره من الجمهوريين بحسب استطلاعات الرأي متمسكون بدعمه والتصويت له في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة. وفقًا لصحيفة "يو إس تو داي" الأمريكية، أظهر استطلاع أُجري على مدار يومين في الساعات التي أعقبت إدانة المرشح الجمهوري للرئاسة أن 56% من الناخبين الجمهوريين المسجلين، قالوا إن القضية لن يكون لها أي تأثير على أصواتهم، وبحسب الصحيفة فإن 35% أكدوا أنهم أكثر ترجيحًا لدعم ترامب.
كذلك ذهبت مجلة "إيكونوميست" إلى التقليل من أهمية إدانة ترامب في مسار إعادة انتخابه، وقالت إن هناك ثلاثة أسباب للاعتقاد بأن الضرر الناتج عن الحكم سيكون محدودًا له"، وهي أن الجناية التي أُدين بشأنها توجد في أدنى مستوى بحكم أن الوثائق المزورة كانت داخل حزب الجمهوريين وليس خارجه، وثانيًا لأن السلوك المتورط فيه معروف منذ ست سنوات على الأقل، منذ شهادة مايكل كوهين ضده، وثالثًا لأن الحجج القانونية ضده معقدة، واستخدمها المدعي العام لمنطقة مانهاتن ألفين براج، وهو ديمقراطي، وكان لها سمات سياسية.
(*) الحكم بإدانة ترامب قد يرجح كفة جو بايدن، مع احتمالات أن إدانة نجله قد تعيق مسار تقدمه: نشرت صحيفة "الواشنطن بوست" - في ضوء إدانة ترامب - قائلة إن هذه الإدانة تمهد الطريق أمام فوز جو بايدن في الولايات المتأرجحة، ما يعني فوزًا سهلًا له بالرئاسة، رغم أن دونالد ترامب من الممكن أن يفوز في الولايات الداعمة تاريخيًا للجمهوريين.
ووفقًا لهذه الصحيفة، فإن حكم الإدانة سيجعل من ترامب "شخصًا غير مرغوب فيه" حتى ولو يتم طرده من سباق الانتخابات باعتباره مذنبًا. ويرى الكاتب بهذه الصحيفة - آرون بلاك - أن ترامب قضى السنوات السابقة مفرطًا في تسويق نظرية المؤامرة ضده، ودعم جميع القانونيين في حزبه عبر اتباع إدانة المسار القضائي ضده، وحث الناس على تجاهل الحكم. فرغم أن الغالبية العظمى من أنصار ترامب ستظل معه، وسيستمرون في دعمه، إلا أن نسبة منهم قد يترددون في استمرار هذا الدعم، إلى جانب الناخبين الذين قد ينزعجون من إدانته، ما سيكون لهم تأثير في النهاية لغير صالحه. ويتأكد ذلك في ظل استطلاعات الرأي الأخيرة التي تشير إلى أن من بين كل 10 جمهوريين، هناك ثلاثة يؤكدون أن إدانة ترامب ستجعلهم يترددون في إعادة انتخابه.
من ناحية أخرى، يسعى بايدن إلى تقليل التأثير السلبي لمحاكمة نجله على سباقه الانتخابي، من خلال إظهار دعم لأسرته في الأوقات الصعبة، فقد أكد اعتزازه وزوجته جيل بايدن، بنجلهما. كذلك حرص بايدن على إظهار احترامه الإجراءات القضائية (على العكس من ترامب الذي يطعن في نزاهة القضاة). فقد قال بايدن إنه إذا أدانت هيئة المحلفين هانتر بايدن في هذه المحاكمة أو التي تليها، فلا ينبغي له أن يتوقع العفو عنه. ويواجه نجل بايدن، في حال إدانته، عقوبة السجن لمدة تصل 25 عامًا، بينما يواجه أيضًا تهمًا تتعلق بمخالفات ضريبية في محاكمة منفصلة ستجرى سبتمبر المقبل، أي قبل شهرين من مواجهة والده لترامب في الانتخابات الرئاسية، ما يُتوقع معه التأثير سلبًا على سلوك الناخب الأمريكي في غير صالح بايدن.
حدود التأثير
أصبحت الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024 بفعل هذه المحاكمات، معركة شديدة التنافس بين الرئيس الحالي جو بايدن والرئيس السابق دونالد ترامب. ووفقًا لآخر التوقعات، فإن ترامب قد يمتلك فرصة جيدة للفوز، مع نسبة تصل 56% حسب توقعات Decision Desk HQ وThe Hill. ومن الناحية الانتخابية، تعكس معظم الخرائط التفاعلية توازنًا نسبيًا بين الولايات الرئيسية، إذ تميل بعضها نحو الديمقراطيين وبعضها نحو الجمهوريين، مع وجود عدد من الولايات المتأرجحة التي ستحدد الفائز النهائي. وتظهر التوقعات تقاربًا في توزيع الأصوات الانتخابية، إذ يتوقع أن يحصل بايدن على 258 صوتًا انتخابيًا مقابل 280 لترامب.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن هناك عددًا من العوامل الأساسية التي تؤثر على هذه التوقعات تشمل الأوضاع الاقتصادية، مستوى رضا الناخبين عن الأداء الحالي، بالإضافة إلى التطورات القانونية المتعلقة بترامب، مثل إدانته الأخيرة والتي يمكن أن تؤثر على توجهات الناخبين، فضلًا عن موقف كل من المرشحين الجمهوري والديمقراطي إزاء قضايا الهجرة، والرعاية الاجتماعية، والإجهاض، وغيرها. هذا بالإضافة إلى التركيبة السكانية وموقف المرشحين المحتملين تجاه عدد من قضايا السياسة الخارجية خاصة المرتبطة بتصويت بعض المجموعات والفئات من أصول غير أمريكية.
وإجمالًا، أدت محاكمات ترامب ونجل بايدن إلى زيادة المنافسة بين المرشحين الجمهوري والديمقراطي في سباق انتخابات 2024 لتصبح أكثر حدة. ويتوقف مدى تأثير هذه المحاكمات على سلوك الناخب الأمريكي يوم إجراء الانتخابات القادمة بالتصويت لأحد المرشحين على حساب الآخر في هذه الانتخابات، على الأحكام النهائية المرتبطة بتلك المحاكمات. فهناك ما يقرب من 5 أشهر لإجراء تلك الانتخابات، ما يعني أن الكثير قد يتبدل ويتطور حتى الخامس من نوفمبر المقبل، بما يؤثر على مزاج هذا الناخب وسلوكه الانتخابي. والأمر يتوقف كذلك على مدى إجادة كل من المرشحين "بايدن وترامب" لورقة هذه المحاكمات لصالحه ضد الآخر، ضمن حزمة من الأوراق الأخرى المرتبطة بقضايا الاقتصاد، والهجرة، والصحة والرعاية الاجتماعية وغيرها من القضايا المؤثرة في سلوك الناخب الأمريكي.