تؤثر قضايا العرب والمسلمين والأوضاع في العالمين العربي والإسلامي على الانتخابات الرئاسة الأمريكية بصفة عامة، والناخبون الأمريكيون من العرب والمسلمين يصوتون لمن يدعم ويساند هذه القضايا في أوطانهم الأم (عبر السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية)، وبما يخدم مصالحهم في الداخل الأمريكي (عبر السياسات الأمريكية لقضايا الداخل)، وتتجلى أهمية أصوات الناخبين المسلمين في أنها تلعب دورًا حاسمًا في بعض الولايات المتأرجحة مثل ميشيجان وفيرجينيا وغيرها. وعلى مستوى تجمعات العرب الأمريكيين، التي تضم عربًا مسلمين ومسيحيين، فهناك نشاط ملحوظ لهذه التجمعات في صفوف الحزبين الرئيسيين "الجمهوري والديمقراطي"، وأن هذا النشاط يتزايد دورة بعد أخرى من الانتخابات الأمريكية.
ويظل تأثير العرب والمسلمين في الانتخابات الأمريكية أكثر وضوحًا بالولايات التي يتواجدون فيها بأعداد كبيرة، وفي مثل هذه الولايات يكون الصوت العربي مهمًا في الانتخابات. وتجدر الإشارة إلى أن العرب يمثلون نحو 1% تقريبًا من السكان في الولايات المتحدة، ولا يمكن مقارنة تأثيرهم بتأثير مجموعات انتخابية لجاليات أخرى أكبر عددًا وأقدم عهدًا بالحياة في المجتمع الأمريكي، مثل الجالية اليهودية التي تتمتع بإمكانات مالية كبيرة، وقوة تأثير ملحوظة.
وفي ضوء ما سبق، يطرح هذا التحليل تساؤلًا، هو: ما اتجاهات سلوك الناخبين الأمريكيين من العرب والمسلمين في الانتخابات الأمريكية 2024؟ وما حجم القوة التصويتية للعرب والمسلمين الأمريكيين خاصة في الولايات المتأرجحة؟ وما تأثير الحرب على غزة في تشكيل تلك الاتجاهات؟
السلوك المتوقع:
تشير التحليلات إلى أن اتجاه الأمريكيين العرب والمسلمين للانضمام إلى الجمهورين على حساب انشقاقهم عن الديمقراطيين، بما قد ينذر بأزمة كبيرة لحملة بايدن في انتخابات 2024. ويمكن تفسير ذلك في ضوء ما يلي:
(*) موقف إدارة بايدن من الحرب على غزة: تواجه إدارة البيت الأبيض، انتقادات من الأمريكيين العرب، بسبب دعم إسرائيل القوي بما أدى إلى استشهاد الآلاف من المدنيين، إذ ترى القيادات المجتمعية من العرب الأمريكيين أن بايدن والمسؤولين الأمريكيين تجاهلوا منذ فترة طويلة المعاملة غير الإنسانية للفلسطينيين الذين يعيشون تحت الحصار الذي تفرضه إسرائيل.
وتتأكد هذه الانتقادات من جانب جمهور كبير من الأمريكيين العرب والمسلمين في ضوء استطلاعات الرأي الأخيرة، ووفقًا لبيانات المعهد العربي الأمريكي، فإن 29% فقط منهم راضون عن أداء بايدن في عام 2024، مقارنة بنسبة مقدارها 74% عام 2020. وفي ضوء ذلك، فإنه من المتوقع أن يصوت نحو 17% فقط من الأمريكيين العرب لصالح بايدن في الانتخابات المقبلة، مقارنة بنسبة 59% صوتوا له في انتخابات 2020، ومن شأن ذلك أن يعزز فرص فوز منافسه المحتمل في هذه الانتخابات "ترامب".
(*) إصدار إدارة بايدن خطة لمكافحة الإسلاموفوبيا: سبق تصاعد الأحداث في قطاع غزة، أن أصدرت إدارة بايدن خطة لمكافحة الإسلاموفوبيا تبعها طلب من البيت الأبيض بالحصول على تعداد سكاني يشمل المنحدرين من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كفئة ديموغرافية، حتى تتمكن الحكومة من جمع بيانات أفضل عن الأمريكيين العرب.
ويجب الأخذ في الاعتبار هنا، أن هذا السلوك من جانب الناخبين الأمريكيين العرب والمسلمين، يتأثر بمدى مشاركة العرب والمسلمين في الحياة السياسية الأمريكية التي يرى البعض أنها تتحسن تدريجيًا، وأن قوة الصوت العربي أو الإسلامي تتفاوت من ولاية إلى أخرى، وأن المنظمات الإسلامية، التي تضم أغلبية من غير العرب أكثر تعاونًا وتنسيقًا من المنظمات العربية التي تعاني انقسامات وخلافات مستمرة تضعف إلى حد كبير من تأثيرها.
القوة التصويتية في الولايات المتأرجحة:
تتمثل الولايات المتأرجحة التي يتفاوت فيها التصويت بين مرشحي الانتخابات الرئاسية الأمريكية، في ميتشيجان وفيرجينيا وجورجيا وأريزونا وبنسلفانيا ونيفادا، ويسكونسن؛ فهذه الولايات هي التي يمكن أن تحدث فرقًا. ولا يمكن تحديد القوة التصويتية للعرب والمسلمين الأمريكيين في الولايات المتأرجحة، في ظل غياب الإحصاءات حول عدد الناخبين المسجلين منهم. ووفقًا للمعهد العربي الأمريكي لا يوجد إحصاء دقيق لتصنيف الأصل العربي داخل الولايات المتحدة، وأن الأعداد قد تصل نحو 3.8 مليون نسمة، فيما يبلغ عدد الأمريكيين المسلمين (من أصول إفريقية وآسيوية، وأمريكية كذلك) يبلغ 3.45 مليون نسمة وفقًا لمركز "بيو للأبحاث". فعلى سبيل المثال، تفيد الإحصاءات، أن عدد الأمريكيين من أصول عربية والمسلمين في ولاية ميتشيجان يبلغ 278 ألف نسمة، وفي جراند كانيون 60 ألفًا، وفي جورجيا 57 ألفًا.
وبصفة عامة، يواجه الرئيس الأمريكي جو بايدن غضب المواطنين الأمريكيين ذوي الأصول العربية والمسلمين في هذه الولايات، بسبب تعامله مع العدوان الإسرائيلي على غزة، بما يؤدى إلى تعرض إعادة انتخابه للخطر في غالبية الولايات المتأرجحة بانتخابات عام 2024.
احتمالات واردة:
فاز جو بايدن ودونالد ترامب في الانتخابات التمهيدية لحزبيهما الديمقراطي والجمهوري في ولاية ميتشيجان التي تم إجراؤها الأسبوع الماضي. وبرغم هذا الفوز أظهرت نتائج تصويت أن كلا المرشحين لديهما أسبابًا للقلق في محاولات الفوز بالولايات الرئيسية المتأرجحة في الانتخابات العامة المقررة نوفمبر المقبل. ويمكن تفسير هذا القلق فيما يلي:
(*) قلق معسكر بايدن من الديمقراطيين: نسبة التصويت الواسعة بخيار "غير ملتزم" أو ممتنع عن التصويت، التي وصلت 15% من الأصوات التي تم فرزها في انتخابات الديمقراطيين التمهيدية بمشيجان، أول إشارة على مدى تأثير تعامل بايدن مع الحرب الإسرائيلية الوحشية في غزة على حملة إعادة انتخابه. فالتصويت الاحتجاجي، وضعف المشاركة يعقدون مهمة بايدن والديمقراطيين.
هذا بالإضافة إلى الانشقاقات المحتملة داخل الحزب الديمقراطي صاحب الأغلبية التي عزا إليها نجاحه في 2020، مطيحًا بمنافسه دونالد ترامب والخصم المحتمل لبايدن مرة أخرى في الانتخابات المقبلة.
(*) قلق معسكر ترامب من الجمهوريين: على الرغم من فوز ترامب بالانتخابات التمهيدية للجمهوريين بفارق كبير، إلا أن الأصوات التي حصلت عليها نيكي هايلي منافسته الجمهورية المتبقية كشفت أن هناك شكوكًا بين بعض الناخبين الجمهوريين بشأن اختيار ترامب لأربع سنوات أخرى في البيت الأبيض، بسبب قضاياه ومشكلاته القانونية.
برغم حصول بايدن وترامب على أرقام ليست سيئة في الانتخابات التمهيدية لولاية ميشيجان، إلا أن نتائج الانتخابات تدق ناقوس الخطر لبايدن وترامب قبل مباراة العودة المتوقعة في نوفمبر، إذ جاء فوز بايدن مصحوبًا بغضب وتحذير من التقدميين والناخبين الشباب والديمقراطيين من العرب والمسلمين في أمريكا، وظهر ذلك في شكل تصويت احتجاجي يحمل رسالة أما تغيير المسار بشأن حرب غزة أو المخاطرة بخسارة جزء كبير من الدعم في الانتخابات العامة الحاسمة.
على الجانب الجمهوري، فشل ترامب رغم فوزه أيضًا في إخفاء نقطة ضعف، إذ خرج جزء كبير من الجمهوريين للتصويت ضده. فإلى جانب التحذيرات من الأصوات، يواجه ترامب تهديدات من نوع آخر ذات طبيعة سياسية وقانونية في أثناء فترة إدارته السابقة، وأيضًا القضايا الكثيرة التي تلاحقه أمام القضاء.
وتثير الانقسامات في كلا الحزبين، المخاوف لديهما بشأن أداء كل مرشح بهذه الولاية المتأرجحة والحرجة في انتخابات نوفمبر المقبل، حيث أصبحت ميشيجان النقطة المحورية للإحباط الديمقراطي فيما يتعلق بتصرفات البيت الأبيض بشأن الحرب على غزة. فعلى الرغم من أن بايدن يهيمن على الانتخابات التمهيدية، لكن النتيجة قد تكون مصدر قلق في ولاية فاز بها بفارق 154 ألف صوت أي بأقل من 3% في عام 2020. ومن المحتمل أنه لا يستطيع بادين تحمل خسارة هذه الولاية هذا العام خاصة وأنه يوجد فيها نحو 278 ألف أمريكي من أصول عربية يمكنهم التصويت لمنافسه، وبالتالي إمكان إحداث فارق مضاعف في الانتخابات القادمة لصالح هذا المنافس. والأمر نفسه ينطبق على كل من ولاية أريزونا التي فاز فيها بايدن بفارق مقداره 10500 صوت في انتخابات 2020 ويعيش فيها 60 ألف أمريكي من أصول عربية، ولاية جورجيا التي فاز فيها بايدن بفارق 11800 صوت ويعيش فيها 57 ألف أمريكي من أصول عربية.
استخدام مؤثر:
يتجسد استخدام قضايا العرب والمسلمين، منها الحرب على غزة باعتبارها القضية الأهم التي تشكل محور اهتمام العرب والمسلمين على السواء في الوقت الراهن. ويتجلى ذلك في استخدام بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي لهذه الحرب في التأثير على نتائج الانتخابات الأمريكية المقبلة لصالح ترامب عبر إطالة أمد الحرب في غزة، فكلما طالت الحرب زاد سخط الأمريكيين، وقلّت فرص بايدن في الفوز بالرئاسة لولاية جديدة؛ حيث سيُتهم بأنه فشل في هذا الملف. وليس من المستبعد أن يكون نتنياهو قد حصل على وعود من ترامب بالحفاظ على مستقبله السياسي، أو حمايته على الأقل من دخول السجن إن تعرّض لمحاكمة، مقابل الحصول على دعم حزب الليكود لترامب.
ويتأكد ذلك في ضوء ما صرّح به أحد مستشاري بايدن لموقع "أكسيوس"، بأن البيت الأبيض يشعر بقلق بالغ بشأن خسارة الناخبين الشباب، الذين يُعارض الكثير منهم سياسة الرئيس بايدن بشأن حرب غزة. فقد تفاقمت الخلافات بين نتنياهو والرئيس الأمريكي جو بايدن، بسبب طريقة إدارة إسرائيل لحربها على غزة؛ نتيجة قتل إسرائيل لأعداد ضخمة من المدنيين الفلسطينيين خلال هذه الحرب، وعدم موافقة تل أبيب عن مقترح واشنطن بشأن تتولي السلطة الفلسطينية إدارة قطاع غزة بعد الحرب، بالإضافة إلى تأييد الولايات المتحدة الأمريكية إقامة دولة فلسطينية معترف بها في الأمم المتحدة.
ويتجلى تأثير الحرب على غزة في الانتخابات الأمريكية 2024 خاصة بين الشباب الأمريكي، في نتائج استطلاع أجرته جامعة كوينيبياك، منتصف نوفمبر 2023. فقدخُلصت هذه النتائج إلى أن 52% الناخبين الأصغر سنًا، الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عامًا، يتعاطفون أكثر مع الفلسطينيين بينما يتعاطف 29% فقط مع الإسرائيليين، الناخبين الأصغر سنًا، الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عامًا.
إجمالّا، يمكن القول إن القضايا العربية والإسلامية خاصة في الحرب على غزة، ستلعب دورُا كبيرًا في الانتخابات الأمريكية القادمة خاصة في الولايات المتأرجحة. فعلى الرغم مما يواجه بايدن وترامب من ضعف داخل حزبيهما، مع تصويت أعداد كبيرة من الديمقراطيين والجمهوريين ضدهما، يظل التحدي الأكبر الخارجي الذي ينتظر بايدن ويرجح كفة ترامب هو؛ رفض الناخبين الأمريكيين العرب والشباب والمسلمين لتعامله مع حرب غزة ودعمه لنتنياهو، ومن أهم المؤشرات التي تؤكد هذا التحدي، تصويت نحو 100 ألف مشارك في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في ولاية ميشيجان على "عدم التزامهم" بالتصويت لجو بايدن، بعد حملة لمعاقبة الرئيس الأمريكي على دعمه إسرائيل في حرب غزة. فهناك الكثير من الأمريكيين العرب والمسلمين يقطنون هذه الولاية الواقعة في الغرب الأوسط، ودعموا سابقًا بايدن، وأسهموا في فوزه عام 2020. وفي حال استمرار الحرب على غزة، فقد يكون لها تداعيات مهمة مع توجه الولايات المتحدة نحو جولة انتخابية جديدة بين بايدن والرئيس السابق دونالد ترامب في الانتخابات الرسمية في نوفمبر 2024.