الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

تأثير التقارب الأمريكي الأوروبي على مستقبل الصراع الروسي الأوكراني

  • مشاركة :
post-title
الرئيس الأمريكي ورئيسة المفوضية الأوروبية

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

أدى إخفاق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تسوية ووقف الصراع الروسي الأوكراني منذ إعادة انتخابه لولاية رئاسية ثانية في 20 يناير 2025، إلى تزايد التوقعات باحتمالية التوافق الأمريكي الأوروبي على تبني رؤية أوروبا لدعم موقف الحلفاء ضد احتمالات التمدد الروسي في أوكرانيا، وذلك من خلال مساعدة الأخيرة عسكريًا واقتصاديًا، الأمر الذي تجلى في توجهات الرئيس ترامب خلال الآونة الأخيرة باعتبار أن وجود أوروبا قوية أمرًا جيدًا جدًا، فضلًا عن حديثه بمعاقبة روسيا في غضون 50 يومًا ما لم توافق على وقف إطلاق النار.

وإذا كان نشوب الصراع الروسي الأوكراني قد أسهم في تعميق أزمة الأمن الأوروبي، وانكشافه في ظل اعتماده على الضمانة الأمريكية لمواجهة التهديدات الخارجية، بما دفع دول القارة إلى سباق تسلح محموم، فإنه في التوقيت نفسه أدى إلى تباعد في العلاقات الأمريكية الأوروبية، التي تجلت في مؤشرات عديدة منها الحرب التجارية بين الجانبين، وانتقاد مسؤولي الإدارة الأمريكية لسلوك دول القارة، ومنها ما عبّر عنه نائب الرئيس الأمريكي جي دى فانس خلال مشاركته في فعاليات مؤتمر ميونخ للأمن في فبراير 2025 من انتقادات للحكومات الأوروبية بأنها تمارس رقابة صارمة على حرية التعبير، وأنها لم تنجح في التعامل مع قضية الهجرة غير المنظمة، الأمر الذي أدى إلى رفض القادة الأوروبيين لتصريحات فانس، واعتبرت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، أن الولايات المتحدة بدت وكأنها تحاول افتعال قتال مع أوروبا. يضاف إلى ما سبق أن الولايات المتحدة بدأت مفاوضاتها مع إيران وأوكرانيا من دون مشاركة أوروبا، الأمر الذي أضاف إلى تشكك الأوروبيين إزاء التوجهات الأحادية الأمريكية. ومع تعثر التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا بدا أن الموقف الأمريكي يشهد تقاربًا مع التوجهات الأوروبية.

مؤشرات التقارب

تتنوع مؤشرات التقارب الأمريكي الأوروبي، التي يمكن الإشارة إلى أهمها على النحو التالي:

(*) تسوية الصراع الروسي الأوكراني: ثمة اتفاق أمريكي أوروبي على ضرورة تسوية الصراع الروسي الأوكراني الذي يشكّل تهديدًا للأمن الأوروبي، ففي حين يعتبر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المفاوضات بين الجانبين يمكن أن تشكّل حلًا حاسمًا للصراع، تسعي الدول الأوروبية لتشكيل موقف أوروبي موحد لدعم رؤية أوكرانيا في وقف الحرب من دون شروط، وتعزيز أوراق أوكرانيا التفاوضية من خلال مساندتها من الناحية العسكرية، وهو الأمر الذي جسدته المكالمة الهاتفية الجماعية التي أجراها كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، والمستشار الألماني فريدريش ميرز في 15 مايو 2025، وذلك على هامش انعقاد القمة السادسة للمجموعة السياسية الأوروبية بالعاصمة الألبانية تيرانا، التي هدفت إلى الحصول على ضمانات بعدم إقصاء أوروبا عن المفاوضات الأمريكية الروسية، وكذلك الإعلان الأوروبي عن حزمة من العقوبات الجديدة ضد روسيا في حال رفضها التجاوب مع الدعوة لوقف إطلاق النار وبدء المفاوضات لإيجاد تسوية سلمية، لذلك فإن ثمة توافق أوروبي أمريكي على توظيف آلية العقوبات ضد روسيا حال الإخفاق في تسوية الصراع بالطرق السلمية.

(*) تقاسم الأعباء الدفاعية: طالب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الدول الأوروبية بضروة تحمل أعباء حماية أمنها، الذي اعتبره استنزافًا للقدرات الاقتصادية الأمريكية التي شكلت الضامن الرئيسى لأمن أوروبا. وقد جسّد اتفاق الدول الأعضاء في حلف الناتو في قمة لاهاى بهولندا في يونيو 2025 على زيادة إنفاقهم على الدفاع والأمن ليصل إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي متجاوزين سقف 2% المعتمد منذ عام 2006، ترجمًة لرؤية ترامب ولم تخرج عن الإجماع سوى إسبانيا التي عادت ووافقت على هذه النسبة، بعد أن أشار رئيس وزرائها بيدرو سانشيز إلى أنه لن يلتزم بهذا الهدف، لأن محاولة القيام بذلك ستفرض إجراء تخفيضات جذرية في الإنفاق الاجتماعي ومنها إقرار زيادات ضريبية تؤثر على الطبقة الوسطى، لذلك فإن التحدي الذي يواجه غالبية الدول الأعضاء في حلف الناتو يرتبط بوجود مشكلات اقتصادية ومالية تحول دون التزامهم في الأمد المنظور بالنسبة التي تم التوافق عليها. ففي حين أعلن الأوروبيون بأنهم لن يتمكنوا من الوصول إلى 3% قبل عام 2034 تواجه فرنسا الحاجة إلى تمويل إضافي يصل إلى 13 مليار يورو لتحقيق نسبة 5% بحلول 2032.

(*) المفاوضات التجارية: برغم إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن رسوم جمركية بنسبة 30% على واردات الاتحاد الأوروبي قبل حلول أغسطس 2025، إلا أن المفوضية الأوروبية تعتقد في إمكانية إيجاد حل تفاوضي مع الولايات المتحدة الأمريكية قبل حلول الموعد. ويبرر الرئيس ترامب قراره بالإشارة إلى اختلال التوازن التجاري بين بلاده والاتحاد الأوروبي، ففي عام 2024 سجلت الولايات المتحدة عجزًا تجاريًا قدره 236 مليار دولار مع الاتحاد بزيادة قدرها 13% على أساس سنوي.

(*) الملف النووي الإيراني: تشكّل المفاوضات بين إيران والدول الغربية قاسمًا مشتركًا للتوجهات الأمريكية والأوروبية، فقد عقدت طهران وواشنطن قبل نشوب الحرب الإسرائيلية الإيرانية خمس جولات من المحادثات بشأن الملف النووي الإيراني، ويطالب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إيران باستئناف المفاوضات، وتوقيع اتفاق يضمن التخلي الإيراني عن تخصيب اليورانيوم، وتسعى القوى الأوروبية إلى خفض تخصيب اليورانيوم في إيران إلى الصفر للحد من أي خطر للتسلح النووي مستقبلًا. وتشكل الترويكا الأوروبية (ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة) ومعها الصين وروسيا الأطراف المتبقية في الاتفاق النووي المبرم عام 2015 مع إيران الذي انسحبت منه الولايات المتحدة الأمريكية عام 2018. وأعلنت المجموعة الأوروبية أنها ستعيد فرض عقوبات الأمم المتحدة على طهران، عبر ما يسمى آلية "سناب باك" للعودة التلقائية للعقوبات الأممية بحلول نهاية أغسطس 2025، إذا لم تستأنف المحادثات النووية التي كانت جارية بين الولايات المتحدة وإيران قبل الحرب. وتعليقًا على ذلك التوجه أشار وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بأنه إذا أراد الاتحاد الأوروبي والترويكا الأوروبية أن يكون لهما دور فعليهما التصرف بمسؤولية، والتخلي عن سياسات التهديد والضغط التي عفا عليها الزمن، بما في ذلك سياسة إعادة فرض العقوبات التي ليس لها اي أساس أخلاقي أو قانوني على الإطلاق.

مساران محتملان

على خلفية التقارب الامريكي الأوروبي في العديد من الملفات فإن مستقبل الصراع الروسي الأوكراني، ربما يأخذ أحد المسارين المحتملين التاليين:

(&) المسار الأول: إخفاق أمريكي أوروبي لوقف الصراع الروسي الأوكراني، ويرتبط ذلك باختلاف رؤية كل من أوكرانيا وروسيا، فعلى الجانب الأوكراني ثمة إصرار أوروبي على عدم كسب روسيا للحرب، ومطالبة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي باستعادة الأراضي الأوكرانية التي سيطرت عليها روسيا. في المقابل يضع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العديد من الشروط لوقف إطلاق النار، ومنها الاعتراف بالأقاليم الأربعة التي تم ضمها إلى روسيا، وكذلك منع تمدد حلف شمال الأطلنطي على الحدود الروسية، ورفض طلب انضمام أوكرانيا إلى الحلف.

(&) المسار الثاني: احتمالية تسوية الصراع، ويدعم ذلك أن التقارب الأمريكي الأوروبي والاتجاه نحو تقاسم أوروبا للأعباء الدفاعية عن أمنها ربما يعزز من استمرار مظلة الحماية الأمريكية، وهو ما سيدفع بالموقف الأمريكي للاستمرار في ممارسة الضغوط للتوصل إلى تسوية توافقية ترضي الطرفين الروسي والأوكراني المدعوم من الدول الأوروبية.

مجمل القول يمثل التقارب الأمريكي الأوروبي داعمًا نحو تسوية الصراع الروسي الأوكراني الذي شكّل تهديدًا للأمن الأوروبي، جعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يشير إلى أن روسيا قدمت ما وصفه بتنازل كبير يتمثل في وقف محاولات السيطرة على كامل أوكرانيا، الأمر الذي سيتوقف على مدى تجاوب روسيا مع التوجهات الأمريكية والأوروبية التي لا تزال تتأرجح ما بين المفاوضات أو العقوبات في ظل صعوبة خيارات المواجهة المباشرة بين روسيا وحلف الناتو الذي أثبت الصراع إخفاقه كضامن للأمن الأوروبي.