الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

الركائز المؤثرة في مسار الحرب الإسرائيلية الإيرانية

  • مشاركة :
post-title
الحرب الإسرائيلية الإيرانية

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

كشفت الحرب بين إسرائيل وإيران، التي دارت بين 13 و24 يونيو 2025، عن مجموعة من الركائز الأساسية التي شكّلت مسار الصراع، وقدّمت في الوقت ذاته دروسًا وخبرات مهمة يمكن استقراء أبعادها لما تحمله من دلالات عميقة تتعلق بحسابات المكاسب والخسائر لدى الطرفين، وانعكاساتها المحتملة على مستقبل المواجهات بينهما. وتزداد أهمية هذه الخبرات في ظل انعدام الثقة المتبادل، وهو ما تعكسه التصريحات الصادرة عن الجانبين والتي تؤكد أن الحرب لم تنتهِ فعليًا. ويعزز هذا الانطباع أن إعلان وقف العمليات جاء من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بينما لم يصدر عن كل من إسرائيل وإيران أي اتفاق رسمي بشأن إنهاء الحرب، مما يُبقي احتمالات التصعيد قائمة.

ركائز مؤثرة

يمكن الإشارة إلى أهم الركائز التي مثلت محطات مفصلية وفارقة في مسيرة الحرب الإسرائيلية الإيرانية، والتي توصف إعلاميًا بحرب الاثني عشر يومًا، وهو ما يمكن الإشارة إلى أهمها على النحو التالي:

(*) محورية الدور الأمريكي: بدا الدور الأمريكي مؤثرًا في مسار الحرب بين إسرائيل وإيران منذ بدايتها في 13 يونيو 2025 من خلال تأييد الضربات الإسرائيلية ضد الأهداف في إيران، ومروراً بالانخراط الأمريكي في الحرب في 22 يونيو 2025 بتوجيه ضربات حاسمة لثلاث منشآت إيرانية نووية هي فوردو ونطنز وأصقهان وصولا لإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بموافقة إسرائيل وإيران على وقف الحرب في 24 يونيو 2025 بعد أن سبق ذلك الإعلان استهداف إيران لقاعدة العديد في قطر من دون وقوع خسائر، وقد قيل أن ذلك الاستهداف كان معروفًا مسبقًا. وقد كشف ذلك الدور الأمريكي عن محورية التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل من خلال تقديم كل أوجه الدعم الاقتصادي والعسكري لمساندة إسرائيل، وضمان تفوقها على كل القوى في إقليم الشرق الأوسط، فضلًا عن حمايتها من التصويت في مجلس الأمن بالإدانة أو وقف عدوانها من خلال استخدام الفيتو الأمريكي ( حق النقض).

(*) التوافق الأمريكي الأوروبي: برغم الاختلاف الأمريكي الأوروبي في العديد من الملفات منها الحرب الروسية الأوكرانية والرسوم التجارية التي يفرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلا أن ثمة توافق غربي أمريكي أوروبي على اعتبار إيران دولة مارقة يجب إثناؤها عن طموحاتها النووية، ووقف تحولها لقوة إقليمية من خلال انكفائها الداخلي، ومنع تمدد أذرعها في دول الإقليم، وهو الأمر الذي انعكس بشكل واضح في تصريحات المسؤولين والقادة الأوروبيين من أن أهداف إسرائيل من الحرب على إيران تتماشى مع الأهداف الأوروبية.

(*) الخداع الاستراتيجي: شكّل الخداع الاستراتيجي الذي مارسته الولايات المتحدة الأمريكية أحد المسارات المؤثرة في مساندة إسرائيل لتوجيه الضربة الأولي ضد الأهداف الإيرانية، فقد استمرت المباحثات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران حول برنامجها النووي لخمس جولات متتالية، كما تم تحديد موعد للجولة السادسة، والتي لم تُعقَد بسبب نشوب الحرب فضلًا عن تصريحات ويتكوف باستبعاد استهداف إيران. وهي عوامل أسهمت في عدم توقع إيران للضربة الإسرائيلية الأولي، والتي استوعبتها لترد بعد يوم من نشوب الحرب بعد أن فقدت العديد من القادة العسكريين وعلماء الذَرة.

(*) الانكشاف الإيراني الخارجي: أحد العوامل الحاسمة في مسار الحرب بين إسرائيل وإيران هو الانكشاف الإيراني الخارجي، والذي تجلى بوضوح في استهداف إسرائيل لأماكن تواجُد عدد من القادة العسكريين وعلماء الذرة الذين تم تصفيتهم، ووصل عددهم -وفق العديد من التحليلات- إلى 14 عالِم في المجال النووي، فضلًا عن إشارة العديد من التحليلات إلى إطلاق مسيرات من داخل إيران على منشآت استراتيجية إيرانية.

(*) القدرات الذاتية الإيرانية: مثّلت القدرات الذاتية الإيرانية عنصرًا مؤثرا في مسار الحرب مع إسرائيل، والتي استهدفت صواريخها الباليستية عُمق المدن الإسرائيلية مثل تل أبيب وحيفا وبئر السبع. وربما مثّل ذلك الاستهداف عنصر للردع حالَ دون تطوير الهجمات الإسرائيلية ضد إيران؛ مما أدى للانخراط الأمريكي في الحرب باستهداف منشآت نووية إيرانية هي: فوردو ونطنز وأصفهان.

منافسة دولية

بدا في الركائز المؤثرة في مسار الحرب بين إسرائيل وإيران محورية الدور الأمريكي في مساندة إسرائيل، من خلال الانخراط الأمريكي في الحرب أو من خلال إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقف الحرب بين الجانبين، وهو الأمر الذي أثار مجددا مسألة حدود التعددية القطبية داخل النظام الدولي ما بين اتجاهين رئيسيين:

(*) الاتجاه الأول: يرى أن الولايات المتحدة الأمريكية لازالت القطب المؤثر في مسار التفاعلات الإقليمية والدولية، وأن الحديث عن التعددية القطبية داخل النظام الدولي ربما لن يتحقق في الأمد المنظور في ظل تراجع القوى الكبرى مثل الصين وروسيا عن دعم إيران في مواجهة الدعم الأمريكي لإسرائيل على أساس أن تفاعلات الشرق الأوسط شكّلت تحولات جذرية في مسيرة النظام الدولي في فترات تاريخية سابقة منها لحظة السويس بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.

(*) الاتجاه الثاني: يرى أن التعددية القطبية التي تطالب بها روسيا والصين ورفض الهيمنة الأمريكية على التفاعلات الإقليمية والدولية، كانت تتطلب البدء في تحقيقها من خلال أدوار تلك القوى داخل منظومة القرار الدولية، ومنها مجلس الأمن بالأمم المتحدة. ومع إخفاق المجلس في تَبَنِي أي قرار لوقف الحرب بين إيران وإسرائيل، فإنه عكس الوهن والقصور في أدائه لحفظ السلم والأمن الدوليين بما يتطلب ضرورة تضافر الجهود الدولية والإقليمية لإصلاحه وتوسيع عضويته، والبحث عن بدائل لحق النقض (الفيتو) حتى يتسنى له القيام بوظائفه ومهامه الرئيسية وفي مقدمتها حفظ السلم والأمن الدوليين.

مجمل القول، عكست الحرب بين إسرائيل وإيران جملة من المحركات المؤثرة، أبرزها الدور المحوري للولايات المتحدة الأمريكية، التي لم تكتفِ بدعم إسرائيل عسكريًا واستخباراتيًا، بل شاركت أيضًا في استراتيجية الخداع عبر إطلاق مفاوضات مع طهران تزامنًا مع التحضير لهجمات منسقة ضدها. كما كشفت الحرب عن هشاشة الموقف الخارجي الإيراني، رغم امتلاكها أدوات ردع مكّنتها من مواجهة إسرائيل المدعومة أمريكيًا. وفي السياق ذاته، برزت أهمية التماسك الداخلي كعامل حاسم في قدرة الدول على التصدي لتحديات الخارج، مما يسلّط الضوء على الحاجة الملحة لإصلاح منظومة القرار الدولي بما يضمن الحفاظ على السلم والأمن الدوليين.