تستمر الأزمة الروسية الأوكرانية، رغم مؤشرات الإنهاك التي ظهرت على موسكو وكييف، خاصة مع زيادة عدد القوى المنخرطة في الصراع من حلفاء وشركاء الطرفين، كما أسهمت الأزمة في تعزيز المصالح الاقتصادية والتجارية بين روسيا ودول آسيوية على حساب العلاقات التاريخية مع أوروبا.
وتأسيسًا على ما سبق، يتناول التقرير التالي أبرز محفزات استمرار الأزمة، والدور الخارجي المباشر أو غير المباشر في تمويل الحرب.
الدعم العسكري لأوكرانيا:
امتد تدفق الأسلحة والمعدات العسكرية الغربية إلى أوكرانيا خلال العام الجاري، فيما يشير وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى أن أولى المساعدات العسكرية من بلاده كانت في أغسطس 2021، وفيما يلي أبرز المساهمات العسكرية الغربية:
(*) الولايات المتحدة: تجاوز الدعم العسكري الأمريكي لأوكرانيا 18,5 مليار دولار، بعدما أقر وزير الخارجية الحزمة الرابعة والعشرين من المساعدات في 28 أكتوبر 2022 بقيمة 275 مليون دولار، شملت صواريخ محمولة على الكتف مضادة للطائرات من طراز ستينجر، وصواريخ مضادة للدبابات من طراز جافلين، وأكثر من 500 طائرات المسيرة متعددة الطرازات، بالإضافة إلى 20 راجمة صواريخ من طراز "هايمرس". وأكد بلينكن أن بلاده ستسلم أوكرانيا في نوفمبر الجاري 2 من بطاريات صواريخ ناسامز متوسطة المدى، وهي منظومة دفاع جوي أمريكية نرويجية تحمي أجواء البيت الأبيض، لصد الهجمات التي تستهدف العاصمة كييف والمدن المحيطة والمنشآت الحيوية كالمواقع الحكومية ومحطات الطاقة.
(*) الاتحاد الأوروبي: بلغ إجمالي الدعم العسكري من الدول الأوروبية 3,1 مليار يورو "3 مليارات دولار تقريبًا" عبر 6 حزم من المساعدات، أبرزها رادارات ومدافع من طراز قيصر الفرنسية وذخائر وقذائف مدفعية، وأنظمة دفاع جوي من طراز إيريس الألمانية. وتعهدت دول الاتحاد بتدريب 12 ألف جندي أوكراني بعد تدشين مهمة التدريب العسكرية الأوروبية منتصف أكتوبر 2022.
(*) المملكة المتحدة: جاءت المملكة المتحدة في المرتبة الثالثة، بإجمالي مساعدات 2,3 مليار جنيه استرليني "2,6 مليار دولار تقريبًا"، تشمل راجمات الصواريخ متعددة الإطلاق إم 270، وصواريخ مضادة للدبابات من طراز نلاو، ومركبات مدرعة وطائرات مسيرة، كما زودت كييف بدرونات بحرية لكشف الألغام وتنفيذ العمليات العسكرية تحت سطح البحر على غرار دورها في استعادة السيطرة على جزيرة الثعبان، وعليه اتهمت روسيا الحكومة البريطانية بالتورط في تفجير خطي نورد ستريم في بحر البلطيق. وتعهدت بتقديم ذات القيمة في العام المقبل، كما تدرب 10 آلاف جندي أوكراني على أراضيها بالتعاون مع الحلفاء الغربيين.
(*) كندا: قدمت كندا منذ انطلاق المواجهات في الـ 24 من فبراير 2022 وحتى نهاية أكتوبر نحو 600 مليون دولار للأسلحة والمعدات والقذائف المدفعية، وتشارك في عمليات التدريب بالمملكة المتحدة.
(*) تركيا: بجانب الدعم العسكري من مختلف أعضاء حلف الناتو، استخدمت القوات الأوكرانية مسيرات بيرقدار التركية في شرق البلاد قبل الـ 24 فبراير 2022، كما تسلمت منذ تلك الفترة حتى يوليو 2022، ما يزيد عن 50 طائرة، فيما أعلن هالوك بيرقدار رئيس الشركة المصنعة "بايكار ماكينا" في 12 أغسطس الماضي بدء إقامة مصنع لإنتاج المسيرة في أوكرانيا.
إيرادات النفط والغاز الروسية:
ألقت القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة باللوم على الصين والهند في استمرار الأزمة الروسية الأوكرانية عبر زيادة وارداتها من النفط والغاز الروسي رغم العقوبات الغربية الساعية لعزل روسيا دوليًا، وفيما يلي أبرز مستوردي النفط والغاز من روسيا:
(&) الغاز: مع تصاعد التوتر والتلويح الأوروبي بإيجاد بدائل للطاقة الروسية، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 4 فبراير خلال حضوره دورة بكين للألعاب الشتوية، زيادة واردات الغاز إلى الصين بعشرة مليارات متر مكعب إضافية سنويًا، ليبلغ إجمالي صادرات الغاز أكبر مستهلك عالمي للطاقة 26,5 مليار متر مكعب.
وتسعى موسكو لتعويض إمدادات خطي نورد ستريم، عبر خطي "قوة سيبيريا" المتجهين إلى شمال شرق الصين، وتحويل تركيا مركزًا للغاز إلى الأسواق الأوروبية، فيما لا يزال الغاز الروسي حاضرًا في أسواق صربيا والمجر عبر خط السيل التركي.
(&) النفط الخام: في ظل الأزمة ارتفعت قيمة صادرات النفط الروسي إلى 10 مليارات دولار شهريًا، رغم التخفيضات الكبيرة عن الأسعار العالمية إلى أسواق الصين والهند وتركيا ومستهلكين آخرين بمتوسط 2,2 مليون برميل يوميًا في يونيو الماضي، حيث أدت العقوبات الأوروبية على الخام الروسي إلى فتح أسواق جديدة، والتوسع في الأسواق الآسيوية بالتزامن مع توجيه الإمدادات من نفط منطقة الشرق الأوسط للقارة الأوروبية، ولم تنجح في قطع الإمدادات.
ومع القاعدة الضخمة للموارد الروسية في النفط والغاز والمواد الخام، تجاوزت روسيا مرحليًا تداعيات الأزمة بزيادة حجم التجارة الخارجية مع "الدول الصديقة"، وعلى رأسها الصين "بزيادة 64%" وتركيا "بزيادة 198%" والهند "بزيادة 310%"، بجانب عدد من الدول الأوروبية، حسب تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" في 30 أكتوبر 2022.
إمدادات الأسلحة لروسيا:
رصد عدد من المراقبين الدوليين، أن أهم مصادر المساعدات العسكرية لروسيا في حربها مع أوكرانيا تمثلت في إيران وكوريا الشمالية، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:
(1) إيران: استخدمت روسيا بكثافة في هجماتها الأخيرة في غرب أوكرانيا، عقب تفجير جسر القرم، طائرات مسيرة إيرانية من طراز "شاهد 136" و"مهاجر 6"، كما أرسلت مدربين عسكريين لشبه جزيرة القرم بهدف تدريب القوات الروسية على استخدامها، وتشير وسائل الإعلام الأمريكية إلى تأهب طهران لإرسال شحنة جديدة من الأسلحة خلال العام الجاري، تقدر بألف مسيرة وصاروخ باليستي قصير المدى.
(2) كوريا الشمالية: وفيما زادت التكهنات بشأن دعم كوريا الشمالية لروسيا في الأزمة الراهنة منذ سبتمبر الماضي، اتهم جون كيربي منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأمريكي، في الثاني من نوفمبر الجاري، بيونج يانج، بإرسال آلاف من قذائف المدفعية إلى روسيا بشكل سري من خلال بلدان أخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
إجمالا، تمثل تدفقات الأموال والأسلحة إلى أوكرانيا وروسيا محفزًا لتصعيد الأزمة، فمن ناحية تتعاظم تكلفة المواجهات العسكرية وتنهار الخطوط الحمراء التي يضعها كلا الطرفين سقفًا لردود فعل الطرف الآخر. ومن ناحية أخرى تمتد آثار "الحرب الاقتصادية" بين روسيا والغرب إلى أسواق الطاقة لحرمان موسكو من ثلثي مواردها المالية لكن العقوبات رغم نجاعتها على المدى البعيد تعظم عائدات روسيا المستخدمة في تمويل "العملية العسكرية"، كما تطرح أزمات اقتصادية على الساحة الأوروبية وتعزز في المقابل من دعم أوكرانيا عسكريًا.