على الرغم من إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 24 يونيو 2025 دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ بين إسرائيل وإيران، فإن خروقات الجانبين جعلت ترامب يعود ليشير إلى أن كلًا من إسرائيل وإيران انتهكتا وقف إطلاق النار، وأنه غير راضٍ عن أي من البلدين، وخاصًة إسرائيل، وهو الأمر الذي يثير تساؤلًا رئيسيًا حول حدود الالتزام الإسرائيلي الإيراني بمقترح ترامب حول وقف إطلاق النار، وما سبقه من دعوات دولية وإقليمية طالبت المنخرطين في الصراع بضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار واحترام سيادة الدول، ومبادئ القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
عكست محطات الحرب الإسرائيلية الإيرانية التي اندلعت منذ 13 يونيو 2025 في أحد جوانبها استمرار الهيمنة الأمريكية على التفاعلات الإقليمية والدولية في ظل غياب مؤثر للقوى الدولية الأخرى، التي تطالب بتعددية النظام الدولي، والتي ربما لن تتحقق في الأمد المنظور، بعد أن أيدت الولايات المتحدة شن إسرائيل لهجمات على إيران باستهداف منشآت عسكرية ومراكز للتحكم والسيطرة، وكذلك استهداف مواقع نووية إيرانية، واغتيال عدد من قادة الجيش والحرس الثوري وعلماء الذرة، لترد إيران بسلسلة من الرشقات الصاروخية التي استهدفت العديد من المدن والمواقع الإسرائيلية الاستراتيجية في تل أبيب وحيفا، وبئر السبع وغيرها.
ومع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 21 يونيو 2025 بأن ضربات جوية أمريكية دمّرت بشكل تام وكامل ثلاث منشآت نووية إيرانية من بينها موقع فوردو، ومهددًا بشن المزيد من الهجمات إذا لم تذهب طهران إلى السلام، تزايدت التوقعات بتعقد المشهد الإقليمي واحتمالات التصعيد الإيراني. الأمر الذي دفع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي للتأكيد بأن الضربات الأمريكية على ثلاث منشآت نووية رئيسية في إيران شنيعة، محذرًا من أنه ستكون لها تداعيات دائمة وأن طهران تحتفظ بجميع الخيارات للرد. ثم ما لبث أن جاء الرد الإيراني على الهجوم الأمريكي في 23 يونيو 2025 باستهداف قاعدة العديد في قطر، وإطلاق عملية وصفها الإعلام الرسمي الإيراني "بشائر الفتح" ضد القواعد الأمريكية في قطر، وهو الأمر الذى أدانته الدول العربية وفي مقدمتها مصر والإمارات والسعودية والبحرين وعُمان والكويت وجامعة الدول العربية، ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، وما تبعه من إعلان الرئيس ترامب بوقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران.
سمات متنوعة
اتسمت الحرب بين إسرائيل وإيران بعدد من السمات المتنوعة، التي يمكن الإشارة إلى أهمها على النحو التالي:
(*) المواجهات المباشرة: اتسمت الحرب التي بدأت إرهاصاتها منذ أكتوبر 2023 وخلال فترة ولاية الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن بالمواجهات المباشرة بين الطرفين، وإن ظلت محسوبة بعد أن سقطت نظرية الردع التي حالت دون تلك المواجهات، لتصل ذروة تلك المواجهات بالانخراط الأمريكي المباشر في الحرب في 21 يونيو 2025 باستهداف المنشآت النووية في فوردو ونطنز وأصفهان، فبعد عقود من حروب الظل التي بدأت بالعمليات السيبرانية الدقيقة ومنها الهجوم بفيروس "ستكسنت" الذي عطّل منظومات الطرد المركزي في نطنز عام 2010، والاعتماد على الوكلاء تصاعدت المواجهات العسكرية الإسرائيلية الإيرانية منذ 13 أبريل 2024 لتأخذ طابع الحروب المباشرة بين الجانبين.
(*) تراجع دور الوكلاء: تميزت الحرب الإسرائيلية الإيرانية الحالية بضعف وتراجع دور الوكلاء والأذرع الإيرانية، التي لطالما ارتبطت بالتوجهات الإيرانية في الإقليم، حيث لم يتدخل حزب الله في مسار الحرب الدائرة للمساندة، وكذلك تراجع دور فصائل الحشد الشعبي في العراق عن مساندة إيران في حربها ضد إسرائيل. كذلك عكست الحرب الإخفاق الإسرائيلي في تحقيق أهدافها من التصعيد دون مساندة أمريكية، الأمر الذي لم ينعكس فقط على الانخراط الأمريكي المباشر في العمليات باستهداف ثلاث منشآت نووية في 21 يونيو 2025، بل من خلال مباركة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للعمليات العسكرية التي شنّتها إسرائيل منذ 13 يونيو 2025 والدعم الأمريكي الشامل عسكريًا واقتصاديًا ولوجيستيًا لإسرائيل منذ عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر 2023.
(*) ترجمة لنظرية صراع الحضارات: تقدم نظرية صراع الحضارات التي طرحها المفكر الأمريكي وأستاذ العلاقات الدولية صامويل هنتنجتون في عام 1993، التي طرح فيها أن الصراع سيكون بالأساس ثقافيًا وحضاريًا ما بين العديد من الحضارات، وفي مقدمة تلك الحضارت: الغربية، والكونفوشيوسية، والإسلامية، والأرثوذكسية، واللاتينية الأمريكية. وربما الإفريقية، لتصبح تفسيرًا ملائمًا وفق العديد من الخبراء للمواجهات الإيرانية الغربية، لا سيما أن "هنتنجتون" اعتبر أن الاختلاف الثقافي سيكون شكلًا أساسيًا لحالة عداء لن تنتهي.
(*) تديين الصراع: سعى كل طرف من المنخرطين في الحرب لتوظيف المأثورات الدينية لدعم روايته، فما بين طرف يطرح فكرة المسيح المخلص، وآخر يطرح المهدي المنتظر، وآخرون يتحدثون عن الاستعداد لمعركة هرمجدون التي لها مؤيدوها في الديانات السماوية الثلاث (الإسلام والمسيحية واليهودية).
(*) محدودية الخسائر البشرية: اتسمت الحرب الاسرائيلية الإيرانية بمحدودية الخسائر البشرية مقارنة بالصراعات الأخرى، ففي 24 يونيو 2025 أفادت وزارة الصحة الإيرانية بمقتل 606 وإصابة أكثر من 5332 مدنيًا منذ بدء الهجمات الإسرائيلية على إيران في 13 يونيو 2025. في المقابل أعلنت وزارة الصحة الإسرائيلية بأنه منذ بداية الهجمات الإيرانية على إسرائيل وحتى 24 يونيو 2025 قُتل 28 شخصًا وأصيب 1300 آخرين.
دعوات التهدئة
أدت تطورات الحرب الإسرائيلية الإيرانية إلى تنامي مخاوف القوى الإقليمية والدولية من تدهور الأوضاع في إقليم الشرق الأوسط واتساع نطاق الصراع، لذلك تزايدت الدعوات التي طالبت بالحلول الدبلوماسية لتسويته، قبل أن يعلن ترامب وقف إطلاق النار بين الجانبين، وهى الدعوات التى يمكن الإشارة إلى أهمها على النحو التالي:
أولها: الموقف العربي والإسلامي الذي عكسه بيان وزراء خارجية عدد من الدول العربية والإسلامية والصادر في 16 يونيو 2025 وفي مقدمتها مصر ودول الخليج وتركيا، وتأكيدها رفض وإدانة الهجمات الإسرائيلية على إيران منذ فجر 13 يونيو 2025، وكذلك رفض أية ممارسات تمثل خرقًا للقانون الدولي ومبادئ ومقاصد الأمم المتحدة وضرورة احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها ومبادئ حُسن الجوار وتسوية النزاعات بالسبل السلمية. كما أدانت كل من مصر والسعودية والإمارات والبحرين الهجوم الإيراني على قاعدة "العديد" الجوية بقطر. ورحّبت مصر والسعودية بإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران حيث اعتبرته مصر بمثابة خطوة حقيقية لوقف دائرة التصعيد والهجمات المتبادلة، وتهيئة البيئة المواتية لاستئناف الجهود السياسية والدبلوماسية.
وثانيها: الموقف الأوروبي: على الرغم من تبني الموقف الأوروبي مساندة رؤية إسرائيل واعتبار ما تقوم به حماية لأمنها القومي، والتوافق الأوروبي على رفض أن تطور إيران أو تمتلك سلاحًا نوويًا، حيث شدد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر على ضرورة منع إيران من امتلاك سلاح نووي، وتأكيده على أن الولايات المتحدة اتخذت إجراءات تهدف إلى الحد من هذا التهديد، فإن الدول الأوروبية أعلنت أنها لم تشارك في العملية التي نفذتها الولايات المتحدة في إيران، وطالبت بالحلول السلمية للصراع، حيث دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى ضرورة استئناف المحادثات الدبلوماسية مع إيران.
وعلى خلفية الاستهداف الإيراني لقاعدة العديد الجوية في قطر، أعلنت بريطانيا أنها تدين بشدة أي تصعيد في المنطقة. كما رحّبت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين باتفاق وقف إطلاق واعتبرته خطوة مهمة نحو إعادة الاستقرار إلى منطقة متوترة.
وثالثها: الموقف الروسي والصيني: اعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال استقباله لوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجى في موسكو 23 يونيو 2025 أن العدوان على إيران غير مبرر، مؤكدًا أن بلاده تبذل جهودًا لمساعدة الشعب الإيراني. في حين تبلور الموقف الصينى حول مطالبة إسرائيل وإيران بخفض التصعيد، والتنديد بالهجمات الأمريكية على المنشآت النووية الإيرانية، والدعوة لوقف إطلاق النار فورًا في الشرق الأوسط، والتأكيد على أن الهجوم على منشآت نووية ينتهك معايير وميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي. كما رحّبت موسكو بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران آملة أن يكون مستدامًا.
ودعت الصين كلا من إيران وإسرائيل للسعي إلى حل سياسي للنزاع، بعدما أعلنت تل أبيب موافقتها على اقتراح الرئيس الأمريكي بوقف إطلاق النار.
مجمل القول؛ إن تداعيات الحرب الإسرائيلية الإيرانية وما آلت إليه من دخول الولايات المتحدة الأمريكية على خط تلك المواجهات بتنفيذ هجمات على المواقع النووية الإيرانية، وقيام إيران بالرد على تلك الهجمات باستهداف قاعدة العديد الجوية في قطر، وضعت الأمن الإقليمي والدولي على حافة الهاوية التي تحتاج لحكماء في الإقليم والعالم لمساندة دعوات التهدئة وتثبيت وقف إطلاق النار، وتحييد مسار التصعيد لارتفاع تكلفته.