الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

تداعيات التأثير السيبراني على قدرات إيران في المواجهة مع إسرائيل

  • مشاركة :
post-title
المعارك السيبرانية في الحرب الإيرانية

القاهرة الإخبارية - ساجدة السيد

منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية الإيرانية في فجر الجمعة 13 يونيو 2025، لم تكن المواجهة مقتصرة على الجبهات العسكرية أو الضربات الجوية فقط، بل تحولت سريعًا إلى ساحة حرب سيبرانية، حيث بدأت إيران تتلقى ضربات متلاحقة لم تُصَبْ بها فقط في البنية التحتية أو المنشآت النووية، بل أيضًا في شبكاتها السيبرانية وأنظمة القيادة والسيطرة.

في الأيام الأولى للحرب، تعرضت البنية التحتية الرقمية الإيرانية لهجوم منسق ومدروس، باستهداف منظومات القيادة والتحكم الإيرانية، واختراق الدفاعات الجوية، وعزل الوحدات عن مراكز القرار، ما أضعف القدرة على التنسيق، وأربك الجاهزية العسكرية.

ومع تراكم الأثر السيبراني، بدأت ملامح التراجع الإيراني تظهر بوضوح، وأصبحت الأنظمة الإلكترونية وقدرتها على الصمود أو الانهيار، مفتاحًا للتفوق أو السقوط.

تأسيسًا على ما تقدم، يسعى التحليل للإجابة عن سؤال: كيف أثّر الهجوم السيبراني على تراجع فرص إيران في المواجهة مع إسرائيل؟

مؤشرات التراجع

رغم امتلاك إيران لقدرات سيبرانية معتبرة، فإن سلسلة من العوامل جعلت فرص تراجعها في ساحة الحرب السيبرانية أكبر مما يُتوقع، وذلك استنادًا لعدد من الوقائع:

(*) اختراق أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية: تمكنت إسرائيل من تعطيل منظومات الدفاع الجوي الإيرانية المتطورة، مثل نظام "باور-373" الذي يُعتبر مكافئًا محليًا لنظام إس-300 الروسي، ونظام "خرداد-15" القادر على تتبع عدة أهداف في آن واحد، من خلال ضرب راداراتها ومنصات إطلاق الصواريخ بدقة متناهية. هذا التدمير الممنهج استهدف بشكل رئيسي نقاط ضعف هذه الأنظمة، ما قلّل من قدرة إيران على اكتشاف والتصدي للتهديدات الجوية بشكل فعّال، كما لعبت المعلومات الاستخباراتية الدقيقة دورًا حاسمًا في نجاح الهجوم، حيث تم استهداف المواقع الحيوية قبل أن تتمكن الأنظمة من إطلاق أي صواريخ للدفاع عن نفسها.

وبعد تعطيل شبكة الرادار، توسعت الهجمات لتشمل منصات إطلاق الصواريخ المتحركة والثابتة ومستودعات الذخيرة، إضافة إلى تدمير أنظمة رادار حيوية مثل "كافوش" و"مرصاد"، ما أدى إلى تعطيل الاتصالات العسكرية الإيرانية.

(*) استهداف البنية التحتية الرقمية الإيرانية: في يوم الأربعاء 18 يونيو 2025، تعرّضت إيران لهجوم سيبراني إسرائيلي واسع النطاق، استهدف البنية التحتية الرقمية، حيث شهدت انهيارًا حادًا في حركة الإنترنت بنسبة تقارب 97%، حسب تقارير شركات مراقبة الشبكات مثل Net Blocks وCloud flare.

ولم يكن هذا الانقطاع مجرد عطل تقني عادي، بل جاء في سياق تصاعد الهجمات السيبرانية المتبادلة، وسط تأكيدات رسمية في طهران عن حرب إلكترونية واسعة النطاق تشنّها إسرائيل على البنية الرقمية للدولة، كما أن الانقطاع لم يكن نتيجة حجب عناوين IP التقليدي، بل انهيار كامل في حركة البيانات داخل الشبكة، ما أدى إلى انقطاع شبه كامل في الإنترنت.

(*) استهداف الحرس الثوري الإيراني: تعرضت قوات الحرس الثوري الإيراني ومؤسسات الدعم السيبراني التابعة لها لهجمات إلكترونية مكثفة وممنهجة، استهدفت مراكز القيادة الرئيسية، ووحدات الحرب الإلكترونية، وشبكات الاتصالات المشفرة التي تعتمد عليها هذه القوات في تنسيق عملياتها العسكرية والأمنية. أدت هذه الهجمات إلى تعطيل أجزاء كبيرة من البنية التحتية الرقمية الحيوية، ما قلّل من قدرة الحرس الثوري على التواصل الداخلي وتنفيذ العمليات الهجومية والدفاعية بشكل فعّال.

(*) تسريب معلومات حساسة للرأي العام: تعرضت إيران لسلسلة من الهجمات السيبرانية التي أدت إلى تسريبات كبيرة لمعلومات حساسة، حيث استهدفت مجموعات قراصنة موالية لإسرائيل البنية التحتية الرقمية الإيرانية، ما أثّر بشكل كبير على سُمعة النظام وثقة الجمهور في مؤسساته. وفي يوم الثلاثاء 17 يونيو 2025، شنّت مجموعة "Codebreakers" هجومًا واسع النطاق على بنك "سباه" الإيراني، تمكنت خلاله من سرقة أكثر من 12 تيرابايت من البيانات الحساسة التي تضم معلومات شخصية ومالية لأكثر من 42 مليون عميل، شملت حسابات مصرفية، وكلمات مرور، وأرقام هواتف، وطلبت فدية مالية ضخمة مقابل عدم نشر هذه البيانات، لكن البنك رفض الدفع ما أدى إلى تسريب جزء منها علنًا.

وفي يوم الأربعاء 18 يونيو 2025، استهدفت مجموعة أخرى تعرف باسم"Gonjeshke Darande" أو"Predatory Sparrow" بورصة العملات الرقمية الإيرانية "Nobitex"، ودمّرت نحو 90 مليون دولار من العملات الرقمية ونقلت الأموال إلى محافظ إلكترونية تابعة لها، ما أدى إلى تدمير هذه الأموال بشكل دائم كرسالة سياسية ضد النظام الإيراني.

انعكاسات سيبرانية

بعد الاطلاع على هذه المؤشرات، أسهمت الهجمات السيبرانية الإسرائيلية الأخيرة في إضعاف قدرات إيران بشكل ملحوظ على الساحة الرقمية والعسكرية، حيث أدت إلى شلل جزئي في شبكات التوجيه والتحكم، ما أجبر طهران على تقليص حجم عملياتها الهجومية، خصوصًا فيما يتعلق بالصواريخ والطائرات المسيّرة. 

كما تسببت هذه الهجمات في قطع قنوات الاتصال الآمن بين إيران وفصائلها الإقليمية، مثل "حزب الله" في لبنان و"أنصار الله" في اليمن، وهو ما عكس ارتباكًا في التنسيق العملياتي، وتراجعًا في مستوى التناغم الذي كانت تعوّل عليه طهران في المواجهات الإقليمية، وفقدت إيران في هذا السياق عنصر المفاجأة الاستراتيجي واضطرت إلى اتخاذ مواقف دفاعية محصورة ومحدودة التأثير، في وقت تتزايد فيه الخسائر الرقمية والاقتصادية التي تهدد قدرتها على إدارة الحرب والصمود فيها.

ختامًا، يمكن القول إن الحرب السيبرانية لم تكن مجرد جبهة موازية للصراع العسكري بين إسرائيل وإيران، بل كانت عاملًا حاسمًا في ترجيح كفة المواجهة، وكشفت الحرب عن ملامح مرحلة جديدة من الصراع، تتحول فيها لوحة المفاتيح إلى ساحة معركة، وتغدو البيانات أداة ناجحة تتجاوز أثر السلاح التقليدي، فبمجرد أن تفككت منظومة الاتصال والتحكم، تهاوت القدرات الميدانية وتراجعت فرص إيران في التأثير والتصعيد.