جاءت الحرب الإسرائيلية الإيرانية لتضع ضغوطًا مُتزايدة على الاقتصاد الإسرائيلي، فهذا الاقتصاد منذ العدوان على غزة ولبنان واليمن، تعرض لنزيف حاد، وأصبح يخسر مليارات الدولارات، إذ قدر معهد آرون للسياسات الاقتصادية أن الحرب على إيران، إذا استمرت شهرًا إضافيًا، فالتكلفة الإجمالية قد تصل 12 مليار دولار أمريكي.
طرح ذلك العديد من التساؤلات حول مدى قدرة إسرائيل على الاستمرار في الحرب على إيران التي تتسع يومًا بعد يوم، إذ تذهب تقديرات الخبراء أن هذه الحرب أكثر تكلفة على إسرائيل من "غزة وحزب الله".
وتأسيسًا على ما سبق، يتطرق هذا التحليل إلى التعرف على حجم الخسائر في الاقتصاد الإسرائيلي جراء حرب إيران، فضلًا عن توضيح الانعكاسات المترتبة على الوضع الحالي.
تقديرات اقتصادية
يُمكن توضيح خسائر الاقتصاد الإسرائيلي على النحو التالي:
(-) تكلفة اعتراض الصواريخ: تحتل تكلفة اعتراض الصواريخ الإيرانية بندًا كبيرًا من الخسائر التي تتحملها إسرائيل، إذ إنه وفقًا لوزير المالية الإسرائيلي تتكبد تل أبيب تكاليف يومية أكثر من مليار شيكل (290 مليون دولار أمريكي).
كل صاروخ إيراني - مع اختلاف نوعه وتطوره - يحتاج إلى أنظمة اعتراض عالية التقنية، إذ إن تكلفة تشغيل منظومة "مقلاع داوود" التي تستخدم في اعتراض الصواريخ القصيرة إلى متوسطة المدى والطائرات المسيّرة تبلغ نحو 700 ألف دولار لكل عملية اعتراض، في حين تبلغ تكلفة منظومة "سهم 3" المصممة لاعتراض الصواريخ البالستية نحو 4 ملايين دولار لكل عملية اعتراض، وفي المقابل تبلغ تكلفة "سهم 2" نحو 3 ملايين دولار.
هذا بالإضافة إلى تكلفة تشغيل الطائرات الحربية، التي تصل 10 آلاف دولار في الساعة الواحدة لمقاتلات F-35، فضلًا عن ثمن القنابل الدقيقة من نوع "جيه دي إيه إم" و" إم كيه 84".
وأطلقت إيران نحو 550 صاروخًا باليستيًا حتى وقت كتابة التحليل كما يوضح الجدول (1)، فقد بلغت تكلفة اعتراضهم نحو 2.2 مليار دولار، هذا بالإضافة إلى إطلاق أكثر من 1000 طائرة مسيّرة منذ الحرب، تم اعتراضهم من الجانب الإسرائيلي بنحو 700 مليون دولار.
(-) تكلفة البنية التحتية: تضررت البنية التحتية المدنية في إسرائيل جراء الضربات الصاروخية الإيرانية. ووفقًا لوول ستريت جورنال، فإن مئات المباني تضررت أو دمرت بشكل كامل، فإصلاح برج واحد حديث البناء في تل أبيب قد يتطلب عشرات الملايين من الدولارات، وبشكل تقديري تتكلف إسرائيل 400 مليون دولار على الأقل في إصلاح البنية التحتية، وهو الرقم الذي سيزداد مع استمرار الحرب.
(-) تعويضات المتضررين: تلقت هيئة التعويضات التابعة لسلطة الضرائب الإسرائيلية، نحو 32 ألف مطالبة تعويض منذ الحرب المباشرة مع إيران، وهذا العدد من المرجح أن يرتفع مع تزايد الضربات الصاروخية الإيرانية في العمق الإسرائيلي.
وأشار رئيس اتحاد السلطات المحلية حاييم بيباس، أن جزءًا كبيرًا من الأضرار الناجمة عن الحرب يقع على عاتق السلطات المحلية، إذ ارتفعت التكاليف اليومية لمساعدة المتضررين إلى أكثر من 15 مليون شيكل "4.3 مليون دولار" يوميًا.
وذهبت التقديرات إلى أن إجمالي الخسائر في البنية التحتية منذ بداية الحرب بلغ 2 مليار شيكل "580 مليون دولار"، وفي المقابل أعلنت حكومة نتنياهو تعويض أصحاب المنازل التي تضررت بـ145 دولارًا فقط، وهو ما يرجع إلى أن الصندوق المخصص لضريبة الأملاك يحتوي على 9.5 مليار شيكل "2.75 مليار دولار"، وأن الاحتياطي وشك على النفاذ، ما يعني أن إسرائيل أمام أزمة في تعويض المتضررين من هذه الحرب.
ومن هنا يُمكن القول إن الاقتصاد الإسرائيلي خسر على الأقل 3.3 مليار دولار في 10 أيام فقط من الحرب على إيران، وهو الأمر الذي يوضح التأثُر الكبير من هذه الحرب.
(-) الاحتياطي الدفاعي: تُخصص إسرائيل 8.8% من ناتجها المحلي الإجمالي للإنفاق الدفاعي، وفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، وأضافت الحرب في غزة تكاليف أخرى تراوحت من 15 إلى 25 مليار شيكل "4.3 إلى 7.2 مليار دولار".
وبينما أن ميزانية عام 2025 لم تتضمن مخصصات للحرب على إيران أو تجديد الحرب على غزة، فإسرائيل أصبحت تلجأ إلى احتياطيات الحكومة، التي قُدرت بـ223.63 مليار دولار، مايو 2025، لتمويل العمليات العسكرية الجارية ضد إيران.
ووفقًا للبنك المركزي الإسرائيلي تم رفع الحد الأدنى المطلوب للاحتياطي من 70 إلى 130 مليار دولار، لمواجهة المخاطر المرتبطة بالحروب، وهو الأمر الذي يدل على أن الاحتياطيات الحالية باتت عند مستوى لا يُمكِّن إسرائيل من الاستمرار في حروب طويلة.
انعكاسات سلبية
(-) ارتفاع عجز الموازنة: يُعاني الاقتصاد الإسرائيلي عجزًا مزمنًا في الموازنة العامة كما يُشير الشكل (1)، إذ ارتفع هذا العجز في عام 2024 إلى 6.8%، مُسجلًا أعلى معدل عجز بعد عام 2020 عندما سجل 11.4%، ويرجع ذلك إلى ارتفاع الإنفاق العسكري في إسرائيل، وفي عام 2024 زاد الإنفاق بنسبة 65% ليصل 46.5 مليار دولار.
وعلى هذا النحو تجاوز إنفاق وزارة الدفاع الإسرائيلية الميزانية الفعلية بمقدار 20 مليار شيكل، وبعد الحرب على إيران، زادت الفجوة بمقدار 3.7 مليار شيكل، إذ إن وزارة المالية طلبت من لجنة المالية بالكنيست تحويل مبلغ 3 مليارات شيكل إضافية إلى وزارة الدفاع، لتغطية نفقات دفاعية في ظل التصعيد مع إيران، وهو ما سيدفع إسرائيل إلى الاقتراض الخارجي والداخلي، وفرض المزيد من الضرائب للحصول على موارد إضافية تستخدم في الإنفاق العسكري.
وهو ما ترتب عليه أن رفعت شركة الخدمات المالية توقعاتها لعجز الموازنة الإسرائيلية بأن يصل 6.2%، مقارنة بتوقعات سابقة بلغت 5%، إذ إن نفقات شهر واحد من الصراع تُقدر بـ40 مليار شيكل، ما يرفع العجز بنسبة 2%.
(-) انخفاض الناتج المحلي الإجمالي: انتشرت التوقعات السلبية حول الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل بعد الحرب على إيران، إذ خفض بنك جي بي مورجان توقعاته حول نمو الناتج إلى 2%، مقارنة بتوقعات سابقة بلغت 3.2%، ومن هنا يتضح أن الاقتصاد الإسرائيلي سيُعاني انخفاض نفقات التعليم والصحة والبنية التحتية، ما يُخلف آثارًا اقتصادية تفوق تكلفة الحرب نفسها.
(-) ارتفاع مستوى الهجرة: ارتفعت معدلات هجرة الإسرائيليين، خاصة بعد اندلاع الحرب مع إيران، فالموانئ مثل هرتسليا وحيفا وعسقلان، أصبحت مكتظة يوميًا بالإسرائيليين الذي يرغبون في الهجرة إلى الدول الأوروبية مقابل دفع آلاف الدولارات، وتذهب التقديرات إلى أن نحو 550 ألف إسرائيلي غادروا تل أبيب بلا عودة، فضلًا عن أن آلافًا غادروا سرًا عقب الضربات الإيرانية، الأمر الذي وصف بأنه "أكبر موجة هجرة عكسية" منذ عقود.
ويتضح من قرار وزيرة المواصلات الإسرائيلية ميري ريغيف، بمنع الإسرائيليين من مغادرة البلاد مع استثناء الأجانب أو السياح، بأن الوضع في الداخل أصبح خارج السيطرة، والعديد من الإسرائيليين لديهم دافع كبير على الهرب إلى دول أخرى.
(-) انخفاض إنتاجية العامل: ترتبط إنتاجية العامل أو الموظف بالجانب النفسي لديه، فعندما يُصاب بالاضطرابات النفسية مثل الخوف والقلق، تنخفض الإنتاجية بشكل كبير.
ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإن العالم يُهدر نحو 12 مليار يوم عمل كل عام، بسبب الاكتئاب والقلق، وهو ما يُكلف الاقتصاد نحو تريليون دولار أمريكي سنويًا من الإنتاجية المهدرة.
وبالقياس على ذلك، تسببت الحرب على إيران في أضرار واسعة بالصحة العقلية للإسرائيليين، كما تبين من دراسات واستطلاعات أجرتها جامعة أربيل، أن ما يقرب من 50% من الإسرائيليين يُعانون الاكتئاب وانخفاض الدافع للقيام بأنشطة مختلفة، وهو الأمر الذي يُشير إلى انخفاض إنتاجية الاقتصاد الإسرائيلي بشكل كبير خلال الحرب الحالية.
وفي النهاية، نُشير إلى أن الحرب الإسرائيلية على إيران تُصيب الاقتصاد الإسرائيلي بمجموعة كبيرة من الخسائر الضخمة، التي تفوق طاقة الاقتصاد على تحملها، فاستنادًا إلى القراءة العميقة للوضع الاقتصادي الراهن نستطيع القول إن الاقتصاد الإسرائيلي لا يستطيع تحمُل تبعات هذه الحرب إذا استمرت على المدى القصير، وحال استمرارها في ظل التعنت السياسي لنتنياهو ستكون الآثار كارثية، وهو الأمر الذي يستوجب التوقف عن اختراق سيادة الدول، والعودة إلى مسار المفاوضات، للتوصل إلى حل سياسي، ودون ذلك ستنزلق المنطقة إلى فوضى كبيرة، تؤثر سلبًا على كل الدول بها.