الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

ما التداعيات الاقتصادية لاستخدام المضايق كسلاح في الحروب؟

  • مشاركة :
post-title
سفن حربية إيرانية في مضيق هرمز- أرشيفية

القاهرة الإخبارية - رضوى محمد

يُؤدي استخدام المضايق البحرية في الحروب والصراعات إلى اختناق الاقتصاد العالمي، فالمضايق مثل هرمز وباب المندب، وممر قناة السويس، تُمثّل شريانًا اقتصاديًا استراتيجيًا حيويًا ليس للمنطقة الإقليمية بمفردها، ولكن للعالم أجمع.

ومن الجدير بالذكر أنه في يوم الأحد الموافق 22 يونيو، صوّت البرلمان الإيراني على إغلاق مضيق هرمز، ولكن جاء قرار وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، اليوم الثلاثاء، حائط صد أمام تنفيذ هذا الإغلاق. وعليه، فإن مجرد التهديد بالتحكم في هذا المضيق الحيوي والقدرة على إغلاقه يؤثر على أمن الاقتصاد العالمي.

تأسيسًا على ما سبق، يتطرق هذا التحليل إلى الأهمية الاستراتيجية للمضايق والممرات البحرية في الشرق الأوسط، والانعكاسات الاقتصادية المُحتملة من استخدام المضايق البحرية كسلاح وذريعة في الصراعات المختلفة، مع توضيح الاتجاهات المستقبلية في هذا الصدد.

أهمية استراتيجية

يُمكن توضيح أهمية المضايق والممرات البحرية في منطقة الشرق الأوسط من خلال النقاط التالية:

(-) مضيق هرمز: يُعد هذا المضيق أهم ممر نفطي في العالم، إذ يربط الخليج العربي بخليج عُمان وبحر العرب، وتتدفق عبره كميات كبيرة من النفط، ففي عام 2024، بلغ متوسط تدفق النفط عبر مضيق هرمز نحو 20.3 مليون برميل يوميًا، وهو ما يُعادل نحو 21% من استهلاك السوائل البترولية عالميًا، واستقر هذا المعدل نسبيًا في الربع الأول من عام 2025.

وفي هذا النطاق، شكّلت التدفقات عبر مضيق هرمز في عام 2024 والربع الأول من عام 2025 أكثر من ربع إجمالي النفط المنقول بحرًا على مستوى العالم، ونحو خُمس التجارة العالمية للغاز الطبيعي المسال.

الشكل (1) يوضح حجم النفط الخام الذي يمر عبر مضيق هرمز-المصدر: إدارة معلومات الطاقة الأمريكية

(-) مضيق باب المندب: تمر 9% من إجمالي التجارة العالمية عبر مضيق باب المندب، الذي يربط بين آسيا وإفريقيا وأوروبا، وهو ما يُشكّل أكثر من تريليوني دولار سنويًا، فمعظم صادرات النفط من الخليج العربي التي تمر عبر قناة السويس وخط أنابيب سوميد، يجب أن تمر عبر مضيق باب المندب.

ووفقًا لبيانات البنك الدولي، يُنقل ما يقرب من 30% من النفط و40% من البضائع الجافة عبر البحر الأحمر وقناة السويس، وهو ما يجعل مضيق باب المندب طريقًا حيويًا لهذه الشحنات.

ومن ناحية أخرى، تُعد الدول الإفريقية المُطلة على مضيق باب المندب مثل السودان وإريتريا واليمن من أهم موردي الطاقة للصين، ومن هنا يُعد أمن واستقرار المضيق أمرًا مهمًا لأمن إمدادات الطاقة في الصين.

وبالإضافة إلى ذلك، تُعد البلدان الساحلية في منطقة مضيق باب المندب مثل جيبوتي والصومال واليمن مراكز تجارية تُسهِّل التجارة بين دول آسيا وإفريقيا وأوروبا، مما يسهم في نمو الاقتصاد العالمي.

(-) قناة السويس: تُعتبر قناة السويس ممرًا حيويًا في التجارة العالمية، إذ تستحوذ القناة على نحو 12% من تدفقات التجارة العالمية، ويمر بها نحو 5% من تدفقات النفط الخام، و10% من المنتجات النفطية، و8% من الغاز الطبيعي المُسال.

تداعيات اقتصادية

يُمكن تقسيم التداعيات الاقتصادية لاستخدام المضايق البحرية في الحروب إلى تداعيات إقليمية وأخرى عالمية، وذلك على النحو التالي:

أولًا: التداعيات الإقليمية

(-) تأثُّر عائدات دول الخليج: تتأثر الدول المصدرة للنفط في الشرق الأوسط بشكل كبير من التوترات في المضايق، فوفقًا لبيانات تتبّع ناقلات النفط التي نشرتها شركة فورتيسكا، تنقل السعودية كميات من النفط الخام والمكثفات عبر مضيق هرمز أكثر من أي دولة أخرى، ففي عام 2024، شكّلت صادرات النفط الخام والمكثفات من المملكة العربية السعودية 38% (5.5 مليون برميل يوميًا) من إجمالي تدفقات النفط الخام عبر مضيق هرمز.

وفي هذا النطاق، تشحن قطر نحو 77 مليون طن متري من الغاز الطبيعي المسال سنويًا إلى كل من الصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية، بالإضافة إلى أجزاء من أوروبا، وبالتالي، فإن قطع هذه الإمدادات سيؤدي إلى انخفاض كبير في عائدات التصدير لقطر.

(-) تقلُّبات في أسعار العملات: تتأثر أسواق الصرف في دول منطقة الشرق الأوسط بالتهديدات المتعلقة بالمضايق البحرية، فمجرد التهديد بتعطيل هذه المضايق يؤدي إلى انخفاض تدفقات السفن المحمّلة بالبضائع، وهو ما يخفض عائد العملات الأجنبية للعديد من الدول، وبالتالي ينخفض الاحتياطي النقدي الأجنبي، مما يُخفض سعر العملات المحلية أمام العملات الأجنبية، خاصة الدولار.

(-) ارتفاع معدلات التضخم: تستورد معظم دول منطقة الشرق الأوسط احتياجاتها من العالم الخارجي، فمع ارتفاع الأسعار العالمية نتيجة اختناق سلاسل الإمداد، ترتفع تكلفة واردات السلع المختلفة، وبالتالي ترتفع أسعارها داخل دول المنطقة؛ بسبب انخفاض المعروض وزيادة الطلب المحلي.

ثانيًا: التداعيات العالمية

(-) ارتفاع أسعار الطاقة: تتأثر أسواق الطاقة العالمية بشكل فوري وبعيد المدى مع التهديد بتعطيل الملاحة البحرية، فمنذ بداية الحرب الإيرانية، ارتفعت أسعار النفط من 70.05 دولار للبرميل إلى نحو 75.05 دولار للبرميل في 16 يونيو الحالي، كما يوضح الشكل (2)، أي ارتفعت بنحو 5.9%، وهو ما يُوضح تأثير الحروب والصراعات الجيوسياسية على سوق الطاقة العالمي.

وتذهب التقديرات إلى أن سعر النفط كان سيصل إلى 90 دولارًا للبرميل إذا تم إغلاق مضيق هرمز بالفعل، فضلًا عن أنه كان من المتوقع أن تعود أسعار الغاز الطبيعي المسال – لا سيما في آسيا وأوروبا – إلى مستويات لم تشهدها منذ عام 2022؛ بسبب التوقف الذي كان محتملًا في صادرات الغاز الطبيعي المسال من قطر والإمارات العربية المتحدة، اللتين تُمثلان معًا 20% من صادرات الغاز الطبيعي المسال عالميًا.

الشكل (2) يوضح أسعار النفط من في 12 يونيو و16 يونيو-المصدر: بنك الاحتياطي الفيدرالي

(-) تضرُّر الدول المستوردة للنفط: تتأثر دورة الإنتاج، خاصة في الدول الآسيوية، مع أي انقطاع محتمل لإمدادات النفط، حيث تعتمد بشكل كبير على واردات النفط من مضيق هرمز.

وفي عام 2024، عبر نحو 84% من النفط الخام والمكثفات، و83% من الغاز الطبيعي المسال من مضيق هرمز إلى الأسواق الآسيوية. وكانت الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية هي الوجهات الرئيسية للنفط الخام الذي ينتقل عبر مضيق هرمز، إذ شكّلت ما مجموعه 69% من إجمالي تدفقات النفط الخام والمكثفات، وبالتالي كان من المُرجّح أن تتأثر هذه الأسواق بشكل أكبر من انقطاع الإمدادات.

ومن ناحية أخرى، وعلى الرغم من أن أستراليا تعتمد بنسبة 15% فقط من نفطها الخام على الشرق الأوسط، فإنها تعتمد بشكل كبير على كوريا وسنغافورة في الحصول على النفط المكرر من الخام القادم من الشرق الأوسط، وبالتالي، فإن تأثر الموردين الرئيسيين لأستراليا سيكون له آثار مدمّرة على إمداداتها النفطية.

(-) اضطراب سلاسل الإمداد: إن استخدام المضايق البحرية الحيوية كسلاح في الحروب يُصيب سلاسل الإمداد العالمية بالتعطل الكبير، إذ إن توقف حركة ناقلات النفط عبر الخليج العربي، وإقدام شركات التأمين البحري على تعليق تغطية السفن العابرة للمضيق أو فرض أقساط باهظة لتغطية مخاطر الحرب، سيؤدي إلى تجنب بعض شركات الشحن للمنطقة تمامًا، وهو الأمر الذي يجبرها على سلوك طرق أطول، ويُقلّص من سعة الشحن العالمية، مما يرفع تكاليف شحن البضائع بشكل كبير، وهو ما يترتب عليه ارتفاع أسعار الغذاء العالمية.

اتجاهات مستقبلية

تتجه الدول المصدرة للطاقة في منطقة الشرق الأوسط إلى اتخاذ مجموعة من التدابير المستقبلية، وهي:

(-) إجراءات بديلة: تعمل المملكة العربية السعودية والإمارات على بناء بنية تحتية تتجاوز مضيق هرمز، إذ تذهب التقديرات إلى أن نحو 2.6 مليون برميل يوميًا من الطاقة الإنتاجية لخطوط الأنابيب السعودية والإماراتية قد تكون متاحة لتجاوز مضيق هرمز في حالة انقطاع الإمدادات.

تشغل شركة أرامكو خط أنابيب النفط الخام (شرق–غرب) بطاقة 5 ملايين برميل يوميًا، ففي عام 2024، ضخت السعودية المزيد من النفط الخام عبر هذا الخط؛ لتجنب أي اضطرابات للشحن في مضيق باب المندب.

وعلى الجانب الآخر، تُشغّل الإمارات خط أنابيب يربط حقول النفط بمحطة الفجيرة للتصدير في خليج عُمان، وفي عام 2024، انخفضت أحجام النفط الخام والمكثفات القادمة من الإمارات العربية المتحدة والتي تعبر مضيق هرمز بمقدار 0.4 مليون برميل يوميًا مقارنة بعام 2022.

(-) تنويع مصادر الطاقة: تتجه الدول المختلفة إلى توطين مصادر الطاقة المتجددة؛ لتقليل الاعتماد على استيراد النفط، وهو الأمر الذي يُعزز أمن الطاقة والتنمية المستدامة، فوجود نحو 80% من سكان العالم في بلدان تستورد الوقود الأحفوري يجعلهم عرضة للصدمات والأزمات اللوجستية.

وعلى هذا النحو، وضعت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة هدفًا بأن 90% من كهرباء العالم لا بد أن تُولد من الطاقة المتجددة بحلول عام 2050.

وفي النهاية، يُمكن القول إن استخدام المضايق البحرية كورقة ضغط في الحروب والصراعات يُمثّل أحد أخطر التهديدات للأمن الإقليمي والاستقرار الاقتصادي العالمي. فإن أي تعطيل لحركة إمدادات الطاقة عبر المضايق البحرية المختلفة، خاصة مضيق هرمز، يتسبب في ارتفاع حاد لأسعار النفط والغاز، واضطراب سلاسل الإمداد، وإضعاف نمو الاقتصادات الكبرى، خاصة في آسيا وأوروبا.

وعليه، فإن عسكرة المضايق البحرية يُحوّلها من شرايين للتجارة العالمية إلى نقاط اختناق استراتيجية، تعكس هشاشة النظام الاقتصادي العالمي في مواجهة الأزمات الجيوسياسية، وتُبرز أهمية التوجه نحو تنويع مصادر الطاقة، وتعزيز التعاون الدولي لضمان حرية الملاحة في الممرات البحرية.