الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

مواقف القوى الدولية من الضربات الأمريكية على المواقع النووية الإيرانية

  • مشاركة :
post-title
الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جين بينج

القاهرة الإخبارية - د. محمد أبو سريع

في الساعات الأولى من صباح يوم الأحد 22 يونيو 2025، دوّت انفجارات هائلة في عمق الأراضي الإيرانية، استهدفت 3 مواقع نووية حساسة في فوردو ونطنز وأصفهان. وأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية، بالتنسيق مع الحكومة الإسرائيلية، مسؤوليتها عن الهجوم الذي وصفته واشنطن بأنه "ضربة استباقية لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي". وبينما اهتزت المنطقة سياسيًا وعسكريًا، كانت أعين العالم تتجه إلى موسكو وبكين -باعتبارهما قوى دولية وأهم شركاء إيران- لرصد رد فعلهما على هذا التطور الذي يهدد بتوسيع دائرة الصراع في الشرق الأوسط.

في هذا السياق، تُثار تساؤلات عديدة؛ يأتي في مقدمتها: ماذا يحمل التدخل الأمريكي المباشر في إيران من دلالات ترتبط بدور القوى الدولية – خاصة روسيا والصين - في الأزمة الإيرانية الإسرائيلية التي على ما يبدو زادت حدتها بعد هذا التدخل؟ وما طبيعة مواقف هذه القوى إزاء ذلك التدخل العسكري من جانب الولايات المتحدة الأمريكية؟ وما أهم المؤشرات المفسرة والداعمة لتبني تلك القوى الدولية لمواقفها إزاء ذلك التدخل؟

دلالات دولية مهمة

تحمل الضربات الأمريكية على المواقع النووية الإيرانية العديد من الدلالات ذات الصلة بدور القوى الدولية في النظام الدولي الحالي. فهذه الضربات لا تشكل مجرد تحرك عسكري ضد منشآت نووية فحسب، بل تمثل اختبارًا عمليًا لمدى تماسك النظام الدولي. فمنظمة الأمم المتحدة تظهر عاجزة عن احتواء التصعيد، ومجلس الأمن مشلول بفعل التوازنات، بينما القوى الكبرى -كروسيا والصين- تبحث عن وسائل غير مباشرة لإعادة ضبط المعادلة دون الانزلاق إلى مواجهة شاملة قد تشمل أطرافًا إقليمية ودولية أخرى.

كذلك شكلت الضربات الأمريكية الأخيرة على إيران، اختبارًا لمصداقية تحالفات كبرى تضم إيران وكلًا من روسيا والصين؛ مثل منظمة شنجهاي للتعاون، والبريكس. وتسعى كل من روسيا والصين لاستخدام الحدث لإثبات أن الغرب ما زال يتعامل بسياسة القوة المنفردة.

وفي المقابل، تحاول واشنطن إثبات أن "الردع النووي" لا يمكن أن يُترك بلا سقف دولي. لذلك يُتوقع أن تُقدِم موسكو وبكين على دعم مشروع قرار يدين الهجوم الأمريكي على إيران، لكن من المرجح أن تستخدم واشنطن حق النقض (الفيتو). وقد يتحول مجلس الأمن الدولي إلى منصة لإعادة تدوير الاتهامات، دون قدرة فعلية على وقف التصعيد.

وتكمن خطورة الموقف التصعيدي من جانب الأطراف المتصارعة الثلاثة؛ إيران وإسرائيل، والولايات المتحدة في أن هذا الموقف ليس له مسار دبلوماسي موازي حتى الآن، بما يسمح بلعب دور أكبر في احتواء هذا التصعيد من جانب القوى الدولية خاصة روسيا والصين. فمع غياب قنوات تفاوض واضحة، وارتفاع منسوب التهديدات المتبادلة، تبدو المنطقة أمام احتمالات مفتوحة على التصعيد العسكري، أكثر من أي وقت مضى.

وشكَّلت الضربات الأمريكية على المواقع النووية الإيرانية نقطة تحول مفصلية في السياسة الأمريكية تجاه إيران. فبعد سنوات من الاعتماد على أدوات الضغط غير المباشر—كالتحريض السياسي، والعقوبات، والدعم الاستخباراتي لإسرائيل—اختارت واشنطن الانتقال إلى مرحلة التدخل العسكري المباشر، فيما يبدو أنه محاولة لإعادة رسم "خطوط الردع النووي" في المنطقة، وإرسال رسالة واضحة لإيران وحلفائها.

مواقف مختلفة

يمكن رصد هذه المواقف من تحليل تطورات رد فعل هذه القوى تجاه الهجوم الأمريكي الأخير على إيران، وهو الأمر الذي يُمكّن من فهم طبيعة ودوافع هذه المواقف، واحتمالاتها المستقبلية. فقد ترتب على التدخل الأمريكي المباشر في إيران، فتح صفحة جديدة من التصعيد في الشرق الأوسط، مما يفسر ما نتج عن هذا الهجوم غير المسبوق، والذي قوبل بصمت دولي حذر في البداية، من تحركات وتفاعلات دولية خاصة من القوى الكبرى مثل روسيا والصين. وسوف يتم التركيز هنا على الموقفين الروسي والصيني، وذلك على النحو التالي:

(*) تصعيد دبلوماسي روسي مع إمكانية محدودة لتوفير الدعم الدفاعي لإيران: لم يتأخر الرد الدبلوماسي الروسي بشأن الضربات الأمريكية الموجهة ضد إيران. فقد سارعت الخارجية الروسية إلى إدانة الهجوم الأمريكي على إيران، واصفة إياه بـ"الانتهاك الفاضح لميثاق الأمم المتحدة". واعتبرت موسكو أن واشنطن "تدفع المنطقة نحو كارثة شاملة"، محذرة من عواقب ما وصفته بـ"سياسة القوة المنفردة". ويتأكد هذا الدعم الدبلوماسي الروسي لطهران في إعلان وزير الخارجية الإيراني؛ عباس عراقجي عن زيارته إلى موسكو عقب تلك الضربات للتنسيق والبحث في كيفية الرد على الهجوم الأمريكي.

وعلى الرغم من الموقف الروسي السابق، يجب التأكيد على أن التصعيد الروسي الذي يتضمنه هذا الموقف لا يبدو متجهًا نحو المواجهة العسكرية المباشرة، إذ لا تملك موسكو هامشًا كافيًا للتحرك الميداني في ظل استمرار انخراطها العسكري في أوكرانيا، وضعف حضورها البحري في الخليج. ومع ذلك، يرجح محللون أن تُقدِم روسيا على خطوات مثل تعزيز دعمها الدفاعي لإيران عبر منظومات إس-300 أو إس-400، وتكثيف التعاون الاستخباراتي معها.

ويتبين مما سبق، أن روسيا تحاول أن توازن بين حاجتها إلى التصعيد الخطابي (لتأكيد حضورها كقوة دولية) وبين حذرها من فتح جبهة جديدة وسط انشغالها بحربها في أوكرانيا. لذلك فأي تحرك روسي إزاء التدخل العسكري المباشر سيكون على مسارين؛ أولهما دبلوماسي مثل الدعوة لاجتماع طارئ لمجلس الأمن ومحاولة تمرير قرار يدين الهجوم. وثانيهما عسكري غير مباشر عبر دعم إيران بأنظمة دفاع جوي متقدمة أو مشاركة استخباراتية.

(*) الموقف الصيني المتجه إلى لعب دور الوساطة مع الحفاظ على المصالح الاقتصادية: تبنت الصين لهجة حذرة، فقد أبدت "قلقًا بالغًا" حيال التصعيد الأخير الذي شكله الهجوم الأمريكي على إيران، داعيةً جميع الأطراف إلى ضبط النفس، إلا أن موقفها ظل أقل حدّة من الموقف الروسي، وهو ما يعكس استراتيجية بكين التي توازن بين دعم إيران كحليف استراتيجي، والحفاظ على علاقاتها التجارية الواسعة مع الغرب.

وعلى الرغم من امتناع الصين عن الإدانة الصريحة للهجوم الأمريكي على إيران، يُرجَّح أن تقوم بكين بخطوات محسوبة لتعزيز نفوذها في طهران من خلال تكثيف الاستثمارات في مشاريع البنية التحتية والطاقة، وربما طرح مبادرة وساطة تضعها في موقع "الوسيط الموثوق" في نظر المجتمع الدولي. وفي الوقت نفسه، تستغل الصين الحدث لتعزيز روايتها بأن الولايات المتحدة "لم تعد شريكًا يمكن الوثوق به في حفظ الاستقرار العالمي"، في تكرار لنفس الخطاب الذي استخدمته في أزمات أوكرانيا وتايوان.

وتتجه التحركات المتوقعة من بكين نحو تقديم نفسها كوسيط محتمل في أي جهود مستقبلية للتهدئة، والعمل على تعزيز الاتفاقات الاقتصادية مع إيران (خاصة النفط والبنية التحتية) مع محاولة تجنب الصين لأي تصعيد عسكري يثير غضب واشنطن.

مؤشرات مؤيدة

هناك عدد من المؤشرات التي تفسر وتوضح مواقف القوى الدولية إزاء الضربات الأمريكية على المواقع النووية الإيرانية. ويمكن توضيح بعض هذه المؤشرات خاصة ما يرتبط بالموقفين الروسي والصيني سالفي الذكر فيما يلي:

(&) مؤشرات تفسر وتدعم الموقف الروسي إزاء الهجوم الأمريكي على إيران: يأتي في مقدمة هذه المؤشرات تصريح وزارة الخارجية الروسية التي وصفت الهجوم بأنه "عدوان غاشم يعكس عقلية الهيمنة الأمريكية"، ودعت لاجتماع عاجل في مجلس الأمن. هذا فضلًا عن التقارب الاستراتيجي بين روسيا وإيران، وتوقيعهما اتفاقية الشراكة الاستراتيجية في 17 يناير 2025، ما يعزز فرضية دعم موسكو لطهران في مجال الاستخبارات والدفاع. ويُضاف لما سبق مؤشرات عسكرية وتقارير استخباراتية غربية تؤكد سحب روسيا لقطع من أسطولها البحري من البحر المتوسط لدعم جبهات القتال الروسي في أوكرانيا.

(&) مؤشرات تفسر وتدعم الموقف الصيني إزاء الهجوم الأمريكي على إيران: يأتي في مقدمة هذه المؤشرات، تصريحات الخارجية الصينية التي دعت لضبط النفس، دون إدانة واضحة للهجوم الأمريكي، مما يعكس سلوك بكين المتوازن تجاريًا وسياسيًا. هذا فضلًا عن اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين الصين وإيران التي تمتد لـ 25 عامًا وتشمل استثمارات صينية بمليارات الدولارات في البنية التحتية والطاقة. بالإضافة إلى مؤشرات ترتبط بتجارب سابقة، فخلال الحرب الروسية الأوكرانية، سلكت الصين المسار نفسه وتبنت خطابًا محايدًا يوفر دعمًا اقتصاديًا للحلفاء، ويرفض المواجهة العسكرية.

وفي النهاية، يمكن القول إن الضربات الأمريكية على إيران أعادت تعريف قواعد اللعبة الإقليمية، ورسَّخت من جديد معادلة "منطق القوة" من جانب الولايات المتحدة الأمريكية على حساب الدبلوماسية التي قد تستهدفها أدوار اللاعبين الدوليين الآخرين مثل روسيا والصين. فبينما تحاول روسيا إعادة توظيف الأزمة الإيرانية الإسرائيلية لتعزيز مكانتها الدولية، تسعى الصين لحجز مقعدها في الوساطة، وتبقى واشنطن إلى جوار حليفتها إسرائيل مفضلة استخدام القوة العسكرية. وفي ظل هذا المشهد، لا يبدو أن العالم أمام نهاية أزمة الملف النووي الإيراني، بل ربما أمام بدايات جولة جديدة منه، ترسم من خلالها القوى الكبرى خرائط نفوذها في إقليم الشرق الأوسط، سواء عبر التدخل العسكري المباشر (الولايات المتحدة الأمريكية) أو من خلال تفعيل الأدوات الدبلوماسية مع تدخل عسكري غير مباشر (حالة روسيا) أو الجمع بين الوسائل الدبلوماسية والاقتصادية (حالة الصين).