في أول رد فعل مباشر على القصف الجوي الأمريكي لمنشآت فوردو ونطنز وأصفهان النووية فجر الأحد 22 يونيو 2025، لوحت السلطات الإيرانية بغلق مضيق هرمز أمام حركة الملاحة البحرية، وسط مخاوف من استهداف الحرس الثوري الإيراني أو الوكلاء الإقليميين للقوات الأمريكية في المنطقة.
ومع استمرار القصف الجوي والصاروخي المتبادل بين الجانبين، يمثل الانخراط الأمريكي في الحرب تأجيجًا لاحتمال توسع الصراع أفقيًا بامتداده لاستهداف القدرات البحرية، وتعطيل حركة الملاحة البحرية لحرمان العديد من الأطراف الدولية من حرية الملاحة والتدفق السلس للسلع عبر التجارة البحرية.
تأسيسًا على ما سبق؛ يتناول التحليل التالي حدود تأثير القصف الأمريكي على المنشآت النووية الإيرانية والتداعيات المحتملة لتصعيد الصراع على أمن الممرات البحرية الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، خاصة في حال انخراط الولايات المتحدة واسع النطاق في المواجهات.
مواجهات محدودة
فرض اتساع نطاق الصراع وعدم وجود تماس جغرافي أو جيوسياسي مباشر بين إسرائيل وإيران، حصر المواجهة على البعد الجوي، إلى جانب العمليات الخاصة داخل الأراضي الإيرانية. ويمكن استعراض الأهداف والعمليات البحرية منذ بدء المواجهة على النحو التالي:
(*) استهداف القواعد والموانئ البحرية:أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي في 21 يونيو 2025 أول قصف جوي مباشر يستهدف منشآت تخزين طائرات مسيرة ووسائل قتالية بقاعدة بحرية تتبع الحرس الثوري في بندر عباس، بالتزامن مع اغتيال قائد الوحدة 190 بهنام شهرياري وهي الوحدة المسؤولة عن تهريب الأسلحة للوكلاء الإقليميين. ويتهم الإعلام العبري الوحدة 190 بتخزين المسيرات المتفجرة والصواريخ الباليستية في ميناء الشهيد رجائي الذي تعرض لانفجار ضخم في 26 أبريل الماضي وأسفر عن عشرات القتلى ومئات الجرحى.
(*) استهداف منصات النفط البحرية: في أول استهداف يطال البنية التحتية البحرية للنفط والغاز، استهدفت غارة جوية إسرائيلية في 14 يونيو 2025 وحدات معالجة بالمرحلة 14 في حقل بارس الجنوبي للغاز، على بعد 200 كم من منصات الغاز القطرية في حقل الشمال الذي تشارك في تطويره شركات إكسون موبيل وكونوكو فيليبس الأمريكيتين.
(*) التلويح بإعاقة الملاحة:يمثل إغلاق مضيقي هرمز وباب المندب ورقة ضغط رئيسية إيرانية لمواجهة التدخل الأمريكي في الصراع مع بروز مؤشرات الضربة الأمريكية لمنشآت نطنز وفوردو وأصفهان فجر الأحد 22 يونيو، حيث هدد المتحدث العسكري باسم جماعة الحوثي في 21 يونيو الجاري باستهداف السفن والبوارج الأمريكية، قبل ساعات من إعلان الجماعة في 22 يونيو 2025 استئناف عملياتها ضد السفن الحربية الأمريكية في البحر الأحمر.
كما لوح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، وعضو لجنة الأمن القومي بمجلس الشورى الإسلامي (البرلمان الإيراني) والقائد السابق بالحرس الثوري إسماعيل كوثري في 22 يونيو 2025 بإغلاق مضيق هرمز، وهو الأمر الذي يتطلب موافقة المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني.
حدود تطور المواجهات البحرية
تشير طبيعة الحرب بين الجانبين الإسرائيلي والإيراني إلى محدودية استخدام القدرات البحرية في المعارك الدائرة، إلا أن تطور الصراع قد يحمل في طياته تهديدًا باشتعال المجال البحري في ضوء الخيارات التالية:
(&) إغلاق المضايق: تمتلك إيران العديد من الأدوات لإعاقة حرية الملاحة في مياه الخليج العربي وخليج عُمان وحتى الإغلاق التام لمضيق هرمز، عبر زرع الألغام البحرية واستهداف السفن العابرة بالمسيرات البحرية المفخخة أو الإغارة والاستيلاء على بعضها، مما يؤثر على نحو 16.5 مليون برميل يوميًا من النفط والمكثفات المنقول بحرًا (نحو 16% من المعروض العالمي).
وعلى الجانب الآخر سيتركز الجهد الأساسي للحوثيين على استهداف القطع العسكرية الأمريكية (والغربية) لسحب جانب من القوة الضاربة التي استجلبتها الولايات المتحدة للمنطقة، مع قرب وصول مجموعة حاملة الطائرات نيميتز لاستبدال "كارل فينسون"، فيما يدفع البنتاجون بمجموعة حاملة الطائرات "جيرالد فورد" إلى أوروبا على مقربة من مسرح عمليات شرق المتوسط والبحر الأحمر.
(&) استهداف القواعد البحرية على ضفتي الخليج: قبيل أيام من ضرب المنشآت النووية الإيرانية الثلاث، أخلت الولايات المتحدة بعضًا من قواعدها العسكرية في منطقة الخليج العربي تحسبًا لتصعيد محتمل من قبل القوات البحرية والساحلية للحرس الثوري والجيش الإيراني، حيث أظهرت صور أقمار صناعية في 18 يونيو الجاري كامل سفنها الحربية المنتشرة بميناء رئيسي في المنامة. وتمتلك القوات البحرية الإيرانية قدرات متنوعة من المدمرات والفرقاطات، إلى جانب الزوارق والقوارب المسلحة التي تصلح لنمط الحروب غير المتماثلة الذي يتبعه الحرس الثوري.
(&) حرب الناقلات: عوضًا عن محاولة الإغلاق التام لمضيق هرمز، قد تلجأ إيران والحوثيين لتنفيذ ضربات محددة ودقيقة للسفن التجارية وناقلات النفط الأمريكية والغربية كورقة تفاوض محتملة لإعادة تدفق النفط الإيراني بصورة طبيعية، وإخراج منشآته ومصافيه في الداخل من دائرة الاستهداف.
وتسببت العقوبات الأمريكية لمنع تصدير النفط الإيراني في إشعال التوترات في مياه الخليج العربي من 2019 إلى 2023 بتنفيذ سلسلة من عمليات الاستيلاء على سفن وناقلات النفط والقرار الأمريكي، باعتبار الحرس الثوري منظمة إرهابية أجنبية، وبلغت عمليات الحرس ذروتها مع استهداف ناقلة نفط يابانية في يونيو 2019 بخليج عُمان. كما بلغ التصعيد ذروته جديدة منذ 2021 مع تولي الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي؛ حيث أدت حوادث بحرية الحرس الثوري لتصعيد التوترات في مياه الخليج بالتفاف الزوارق الإيرانية السريعة على سفن تابعة للبحرية الأمريكية قبالة مضيق هرمز.
إجمالًا؛ من المحتمل أن تمثل عمليات الحوثيين اختبارًا لمدى تمتع طهران بنفوذ إقليمي مؤثر في مواجهة الولايات المتحدة رغم الضربات التي تلقاها محورها في العامين الماضيين قبيل أي توجه محتمل لإغلاق مضيق هرمز، فيما يظل إغلاق مضيق هرمز خيارًا انتحاريًا يؤثر على أمن المنطقة ومصالح حلفائها الدوليين بصورة أساسية وفي مقدمتهم الصين، كما يهدد الإغلاق المحتمل بتشكيل تحالف دولي لإزالة التهديد الإيراني للملاحة البحرية مع خسارة الدعم والتضامن الإقليمي والدولي الذي اكتسبته طهران في دفاعها عن أراضيها ضد العدوان الإسرائيلي. ولا يمثل استهداف القدرات البحرية في الحرب بين إسرائيل وإيران أولوية أو خيارًا مفضلًا لكلا الجانبين.