الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

حدود الدور الروسي الصيني في الحرب الإسرائيلية الإيرانية

  • مشاركة :
post-title
الرئيسان الروسي والصيني

القاهرة الإخبارية - ضياء نوح

أدان الرئيسان الروسي والصيني، في اتصال هاتفي 19 يونيو 2025، الضربات الإسرائيلية على إيران، وأشار الرئيسان إلى أولوية وقف إطلاق النار بين الجانبين وأن "القوة المسلحة ليست الطريقة الصحيحة لحل النزاعات الدولية". وخلال الأيام الأولى للحرب عبّرت موسكو وبكين في بيانات منفصلة عن رفضهما للاعتداء الإسرائيلي على السيادة الإيرانية واعتباره انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، وطرح الرئيس الروسي نفسه كوسيط بين إيران وإسرائيل.

وتأسيسًا على ما سبق؛ يتناول التحليل التالي حدود التنسيق والتفاهم الروسي الصيني بشأن الحرب ودوافع الاهتمام بوقف التصعيد الإسرائيلي على إيران وفرص تطور ذلك الموقف في ضوء الثقل الأمريكي المتزايد في دعم الهجوم الإسرائيلي والتلويح بإمكانية الانخراط في الحرب خلال أسبوعين.

محددات الموقف المشترك

حرص الجانبان الروسي والصيني على إدانة الهجوم الإسرائيلي والتحذير من مغبة التصعيد على أمن دول المنطقة دون استثناء، وهو ما يمكن الإشارة إليه على النحو التالي:

(*) دعم أمن إيران: في إطار ما يروّج له الإعلام ومؤسسات الفكر الغربية من تبلور تحالف رباعي بين الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية مناهض للغرب "CRINK Alliance"، تحرص كل من بكين وموسكو على بقاء الشريك الاستراتيجي الإيراني وعدم تحوله إلى المحور الموالي للغرب، وهو ما ظهر في الموقف الروسي بالتحديد الذي عرض الوساطة بين طرفي الصراع وحذّر من مساعي تعميق الأزمة إما باغتيال المرشد الإيراني علي خامنئي أو بالانخراط المباشر للولايات المتحدة في الحرب إلى جانب إسرائيل وتنفيذ ضربات نووية تكتيكية ضد المنشآت النووية الإيرانية.

ويعتبر الجانبان أن الصراع يعزّز من التفاف الشعب الإيراني حول قيادته ممثلة في المرشد الإيراني محذرين من اتساع نطاق الصراع في المنطقة، وذلك خلافًا للطرح الإسرائيلي الذي يروّج لتأثير اغتيال خامنئي على انتهاء الصراع في المنطقة. وبينما أدانت الصين تصرفات إسرائيل التي "تنتهك القانون الدولي" و"تعرض سيادة إيران وأمنها للخطر"، دعا المندوب الصيني للأمم المتحدة فو تسونج في جلسة مجلس الأمن الطارئة في 20 يونيو 2025 بذل جهود دولية لتخفيف التوترات بين الجانبين.

(*) الحل الدبلوماسي للصراع: قبيل اندلاع الصراع في 13 يونيو الجاري عرض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بذل مساعي الوساطة في المحادثات النووية بين الولايات المتحدة وإيران والقيام بما يجب للوصول إلى اتفاق يضمن سلمية البرنامج النووي الإيراني، بما في ذلك نقل المواد عالية التخصيب التي تعادل 408 كجم من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% إلى الأراضي الروسية.

وتحافظ روسيا بالتحديد على تعاون نووي متنامٍ مع الجانب الإيراني في إطار بنائها مفاعلين إضافيين في محطة بوشهر للطاقة النووية، حيث يتواجد نحو 600 فني روسي في المحطة حاليًا، وقد تواصلت موسكو مع الجانب الإسرائيلي لضمان حماية العمّال الروسيين وعدم استهداف المحطة النووية التي توجد على الساحل الشرقي للخليج العربي التي قد تتسبب في كارثة إشعاعية على دول المنطقة.

كما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تقديم عدة أفكار لكل من إيران وإسرائيل من أجل تسوية ممكنة للصراع بين الجانبين. ومن المخطط أن يزور وزير الخارجية الإيراني موسكو الاثنين 23 يونيو 2025 للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبيل اجتماع متابعة مع وزراء خارجية الترويكا الأوروبية ومسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي في إطار بحث سبل إنهاء الحرب واستعادة المسار التفاوضي للملف النووي الإيراني.

ويتخوف الجانبان الروسي والصيني من تصعيد الصراع باستخدام الأسلحة النووية أو تعزيز القصف ضد المنشآت النووية النشطة في كل الجانبين ما قد يدخل المنطقة في موجهة من الحرب لن تقف عن حدود الشرق الأوسط.

(*) الحفاظ على المصالح الروسية والصينية: علاوة على التعاون النووي تعززت العلاقات الاقتصادية والتجارية بين إيران من جهة وكل من الصين وروسيا من جهة أخرى، خاصة مع انضمام طهران لكل من تجمع بريكس ومنظمة شنجهاي للتعاون.

وعلى الصعيد الشعبي اهتم كلا البلدين بالحفاظ على حياة مواطنين في الجانبين؛ حيث تعتزم بكين إجلاء 1000 مواطن من إسرائيل عبر دول الجوار، وفيما أجلت نحو 1600 من إيران لا يزال آلاف المواطنين الصينيين يعيشون في الأراضي الإيرانية حسب وكالة رويترز. 

وعلى الجانب الآخر أجلت السلطات الروسية مئات من مواطنيها من إيران عبر أذربيجان من بينهم أسر الدبلوماسيين، وفيما لم تتوفر بيانات حول حالة الروس في إسرائيل ترتبط روسيا بعلاقات شعبية وثيقة حيث يتجاوز عدد الإسرائيليين الروس مليون نسمة.

محفزات القلق الروسي الصيني

تمتلك إيران موقعًا جيوسياسيًا محوريًا في الجزيرة الأوراسية، إذ تمثل الحد الفاصل بين منطقتي الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، كما تمتلك حدودًا برية مع 7 دول هي تركيا والعراق وأرمينيا وأذربيجان وتركمنستان وباكستان وأفغانستان، وبالتالي يمثل أي اختلال لتوازن الدولة الإيرانية تهديدًا لمصالح روسيا والصين، وذلك على النحو التالي:

(&) تعزيز الهيمنة الأمريكية: رغم عدم وجود تحالف قوي وفاعل على الصعيد العالمي بين كل من روسيا والصين وإيران، فإن إشغال إيران في معركة طويلة قد يدفع لتعزيز الانخراط العسكري الأمريكي في الصراع، ما سيؤثر على بنية التحالف الهش في عدة أوجه؛ من بينها فقدان حلقة رئيسية في سلاسل إمداد السلاح في أوقات الأزمات التي تواجه أي من تلك الدول على غرار الدور الذي لعبته المسيّرات الإيرانية في الحرب الروسية الأوكرانية، فضلًا عن التأثير على نشاط ونطاق عمل التحالف البحري الناشئ بين البلدان الثلاث الذي يمثل نقطة ارتكاز مهمة في شمال المحيط الهندي، وبالتبعية فإن انكسار إيران وتحييدها بشكل أو بآخر قد يقلّص بصمة روسيا والصين في توازن القوى بالشرق الأوسط الجديد.

(&) ضرب الحزام والطريق: وتمثل أي أطروحات بإسقاط النظام أو إضعاف مؤسساته الأمنية والعسكرية تهديدًا للمصالح الجيوسياسية للجانبين الروسي والصيني، حيث تتخوف الصين ودول جوار إيران من تعزيز نشاط الحركات المسلحة ذات الطابع الانفصالي خاصة في ظل الطبيعة العرقية والمذهبية المتداخلة بين إيران ودول جوارها في آسيا الوسطى وباكستان، حيث كان نشاط المسلحين البلوش عاملًا لتصعيد التوتر بين إيران وباكستان في يناير 2024، وتتخوف الصين وباكستان من دعم أنشطة الجماعات الانفصالية البلوشية التي تهدد ميناء جوادر الذي يعد مفصلًا رئيسيًا في مشروع الحزام والطريق.

(&) اضطراب إمدادات الطاقة: رغم الاستفادة المؤقتة لروسيا من ارتفاع أسعار الطاقة، قد يؤثر إشعال التوتر في مضيقي هرمز وباب المندب على أسعار الطاقة وحجم المعروض من إمدادات النفط القادمة من الشرق الأوسط، ما يؤثر بصورة بالغة على الصين التي تستورد نحو 90% من صادرات النفط الإيراني بقيمة بلغت 1.7 مليون برميل يوميًا في مايو الماضي، حسب "وول ستريت جورنال". ورغم أن نسبة النفط الإيراني المهّرب ورخيص الثمن لا تتجاوز 2% من المعروض العالمي إلا أن الاضطراب المحتمل في مياه الخليج حال تصعيد الصراع قد يمثل ضربة كبرى للاقتصاد الصيني الذي يعتمد على نحو 4.9 مليون برميل يوميًا من نفط السعودية والعراق وعُمان والإمارات والكويت وقطر، حسب مجلة "نيوزويك" الأمريكية، وستؤثر صدمة الإمدادات على الاقتصاد العالمي، خاصة في ظل عدم قدرة المنتجين الآخرين على تعويض نقص الإمدادات.

وتأسيسًا على ما تقدم؛ تتخوف الصين وروسيا من وجود تحرك جدي لزعزعة استقرار النظام الإيراني بدعم وانخراط مباشر من الولايات المتحدة، وفي سياق تلك المخاوف يحذر الجانبان من عواقب وخيمة على أمن واستقرار المنطقة برمتها في حال اللجوء لذلك السيناريو، دون أن تمتلك كل من موسكو وبكين أدوات ضغط فاعلة لتجنب التصعيد، ويشير تقدم الخطاب والسلوك الدبلوماسي الروسيين إلى تخوف حقيقي من تراجع إضافي في نفوذ موسكو بالشرق الأوسط خاصة بعد سقوط نظام الأسد في سوريا ورغبة في استثمار انفتاح الإدارة الأمريكية الحالية على إيجاد تفاهمات ثنائية حول العديد من القضايا الدولية، ما يؤهل روسيا للعب أدوار دبلوماسية لإنهاء وتسوية النزاعات وفي مقدمتها الملف النووي الإيراني الذي لا يزال يمنح موسكو ثقلًا في أي اتفاق نووي محتمل، وقد يؤهلها للعب دور بالغ الأهمية على صعيد التخلص من اليورانيوم الإيراني عالي التخصيب.

وفي المقابل يبدو العامل الاقتصادي ضاغطًا على الاقتراب الصيني الحذر تجاه الأزمات الدولية، في ظل انفتاح بكين وتأثرها المباشر باضطرابات الاقتصاد العالمي، فضلًا عن كونها الخاسر الأكبر في حال اضطراب سلاسل إمداد الطاقة مع الاعتماد الكبير على نفط إيران ومنطقة الخليج بوجه عام.

وفي المجمل يقترب الموقف الروسي الصيني من حث الجانب الأمريكي على عدم التدخل في الصراع لما يمثله من عواقب وخيمة على أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط، تمهيدًا لدفع الطرفين الإيراني والإسرائيلي لإنهاء القتال والعودة مجددًا لمسار المفاوضات النووية.