الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

كيف يرى الداخل الإيراني الحرب الإسرائيلية؟

  • مشاركة :
post-title
صحف إيرانية

القاهرة الإخبارية - ساجدة السيد

بعد سبعة أيام من اندلاع الحرب الإسرائيلية الإيرانية، لم تعد تداعيات الصراع محصورة في الجبهات الخارجية، لكن سرعان ما فرضت إيقاعها على الداخل الإيراني، كاشفة حجم التحديات البنيوية التي تواجه النظام في إدارة الأزمة. فلم تكن هذه الحرب، التي اندلعت إثر قصف إسرائيلي استهدف منشآت نووية وعسكرية إيرانية، فجر الجمعة 13 يونيو 2025، مجرد مواجهة تقليدية، بل لحظة كاشفة لأزمات متراكمة. وفي حين يحاول النظام الإيراني توظيف الحرب كأداة لإعادة تعبئة الجبهة الداخلية وتثبيت السلطة، يتفاعل المجتمع الإيراني مع الأحداث من زاوية أكثر واقعية، إذ يعلو صوت الخوف من الانهيار الاقتصادي، وتتسع دائرة القلق من امتداد رقعة الحرب وتداعياتها إلى الحياة اليومية.

تأسيسًا على ما تقدم يسعى التحليل للإجابة عن سؤال: كيف يرى الداخل الإيراني الحرب الإسرائيلية الإيرانية؟

خطوات حاسمة

مع استمرار الحرب المباشرة بين إسرائيل وإيران، اتخذ الداخل الإيراني خطوات حاسمة للتعامل مع الأزمة، تتمثل أبرزها في:

(*) رسائل القيادة: منذ الساعات الأولى للقصف الإسرائيلي، انطلق الخطاب الرسمي الإيراني لتأطير الحرب ضمن سردية "الصراع الوجودي مع الصهيونية"، فقد خرج المرشد الأعلى علي خامنئي، في اليوم الثاني، ليؤكد أن "المعركة الحالية امتداد طبيعي لمسار المقاومة، وأن الشعب الإيراني سيكون كما كان دائمًا، درع الوطن وعقله السياسي في مواجهة الطغيان".

أما الحرس الثوري الإيراني، فأكد أن "الرد يكون بحجم الجريمة"، معتبرًا أن الحرب ستعيد رسم موازين الردع في المنطقة، بينما حملت خطب الجمعة في طهران مشهد شعارات تعبئة وتأكيد وحدة القيادة والصف الداخلي.

(*) تفعيل المؤسسات الأمنية: عقد مجلس الأمن القومي الإيراني عدة جلسات طارئة بحضور قيادات الدولة الثلاث "رئيس الجمهورية، رئيس البرلمان، رئيس السلطة القضائية"، وخرجت بياناته تؤكد "جاهزية الدفاع الوطني"، مع التركيز على منع تسرب الذعر إلى الشارع، والتشديد على "ضرورة اصطفاف القوى السياسية خلف الدولة"، ما أدى إلى غلق بعض الصحف والمواقع المحسوبة على التيار الإصلاحي، بدعوى "نشرها مواد تضعف الجبهة الداخلية"، كما تم تدشين حملة حكومية للتطوع والدعم اللوجستي، وصدرت دعوات شعبية للتبرع بالدم والمؤن في المحافظات القريبة من مناطق الاستنفار.

(*) ضبط الخطاب الإعلامي: اتخذت الحكومة من الحرب فرصة لتعزيز السيطرة على الفضاء العام، فتزامنًا مع الخطاب الرسمي، بدأت الحكومة حملة واسعة لضبط الإعلام، فأُغلقت مكاتب بعض الصحف المحسوبة على التيار الإصلاحي في أصفهان وشيراز، وتم توقيف برامج تلفزيونية محلية بذريعة عدم الانضباط الوطني، كما أعلنت الهيئة العليا للإعلام أن الوقت ليس مناسبًا للنقد، وأن أي خطاب يتعارض مع مصلحة الدولة في وقت الحرب سيُحجب، مع فرض رقابة جزئية على منصات التواصل الاجتماعي، وتخصيص ساعات البث في الإعلام الرسمي للرسائل الوطنية والبرامج التعبوية.

(*) الحرص على التجنيد المعنوي: بدأت إيران تعبئة المساجد والجامعات من خلال تنظيم ندوات ومحاضرات تروج لمفاهيم مثل "الشهادة"، و"الجهاد"، و"صمود الشعب الإيراني في الحروب الماضية"، كما أطلقت الحكومة منصة تطوع إلكترونية لدعم "المقاومة"، واستُخدمت عبارات من زمن الحرب الإيرانية-العراقية لتذكير الشعب بالقدرة على الصبر والانتصار.

واقع مُتأزم

مع اتساع رقعة الحرب، بدأت ملامح الاختناق تظهر بوضوح في الداخل الإيراني، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:

(&) الذعر الاقتصادي: شهد الاقتصاد الإيراني، خلال الأيام السبع الأولى من الحرب موجة اضطراب حادة، عكست هشاشته أمام أي تصعيد خارجي. فقد ارتفع سعر الدولار مقابل الريال الإيراني بأكثر من 17%، متجاوزًا 685 ألف ريال في السوق الموازية، فيما بلغ نحو 94 ألفًا في السوق الحرة، ما أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع الغذائية والدوائية، وسط مخاوف من انقطاع سلاسل الإمداد في الوقت نفسه.

وظهرت تقارير عن تعطل جزئي في عمليات الشحن في موانئ رئيسية مثل بندر عباس وبوشهر، ما عمق القلق من أزمات تموين وارتفاع تكاليف النقل.

وعلى الصعيد العالمي، ارتفعت أسعار النفط بنسبة تتراوح بين 7% و11% منذ اندلاع الحرب، مدفوعة بمخاوف من تهديد محتمل لتدفقاته عبر مضيق هرمز. ورغم أن هذا الارتفاع يبدو مفيدًا لدولة مصدرة كإيران، إلا أن تأثيره يبقى محدودًا، بسبب العقوبات الغربية التي تقيد صادراتها النفطية، ما يحرم الاقتصاد من الاستفادة الحقيقية ويزيد من ضغوط الإنفاق العسكري والطوارئ.

(&) القلق الشعبي: بعد إصدار تقارير عن استهدافات إسرائيلية قُرب مواقع عسكرية في همدان ويزد، بدأت السلطات الإيرانية تنفيذ تدابير طوارئ غير معلنة، إذ تم تعطيل الدراسة في بعض المحافظات، وتوزيع أقراص يود في المناطق المحيطة بالمواقع النووية، وسط خوف شعبي من سيناريوهات التسرب الإشعاعي أو الضربات العشوائية، فرغم أن الضربات الإسرائيلية لم تستهدف حتى الآن المناطق السكنية، إلا أن كثيرًا من الإيرانيين باتوا يتخوفون من تصعيد قد يصل إلى السلاح النووي أو الكيميائي، ووزعت بعض البلديات أقراص يود في المحافظات القريبة من المنشآت النووية "مثل يزد وقم". وبات الناس يتحدثون عن الملاجئ، ويبحثون عن قنوات اتصال بديلة إذا ما قُطع الإنترنت، ما يعكس حالة ذهنية مشوشة وقلقة بشدة.

(&) رفض الحرب: انتشر على منصات التواصل الاجتماعي مثل "تليجرام" و"بلوجفا" وسم "#نه_به_جنگ" وتعني "لا للحرب"، وظهرت لافتات احتجاجية صغيرة في أحياء بطهران وكرج، خاصة من الشباب، لكن تم حجب الوسم بعد ساعات، ويعكس ظهوره أن قطاعًا من الشعب، خصوصًا الأجيال الأصغر، لا يشارك بنفس الحماس التعبوي الذي تروج له الدولة.

محصلة القول، وبعد سبعة أيام من الحرب، تتكشف معالم المشهد الداخلي الإيراني على مستويين متوازيين: دولة تسعى إلى تحويل المواجهة إلى فرصة لإعادة إنتاج السيطرة والتماسك السياسي، ومجتمع يعيش تحت وطأة القلق والخوف والانكماش، ويتأرجح بين الصمت والرفض المكبوت. وتتعامل الدولة الإيرانية مع الحرب بوصفها رصيدًا سياسيًا وفرصة لترميم شرعيتها، إلا أن هذا الرهان مشروط بمدة الحرب، وحجم خسائرها، وتكلفة استمرارها اقتصاديًا واجتماعيًا. فكلما امتدت المواجهة، زادت صعوبة السيطرة على الشارع، وتراجعت فاعلية الخطاب التعبوي أمام الواقع المتأزم.