الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

هل تنجح المفاوضات الأمريكية في تسوية الصراعات الدولية؟

  • مشاركة :
post-title
الرئيسان الأمريكي دونالد ترامب والأوكراني فولوديمير زيلينسكي في الفاتيكان

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

خلال الـ100 يوم الأولى من ولايته الثانية، تمكّن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من إطلاق العديد من العمليات التفاوضية على أكثر من مسار بهدف تسوية الأزمات والصراعات الدولية منها ما يتعلق بالمفاوضات الأمريكية الروسية والمفاوضات الأمريكية الأوكرانية لتسوية الصراع الروسي الأوكراني، والمفاوضات الأمريكية الإيرانية التي خاض الجانبان منها ثلاث جولات فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، وكذلك ما قيل عن استعداد الولايات المتحدة الأمريكية والصين لخوض مفاوضات اقتصادية فيما يتعلق ببحث مسألة الرسوم التجارية، وانعكاساتها بشكل عام على الاقتصادين الأمريكي والصيني.

وأثار انطلاق المفاوضات الأمريكية في أكثر من اتجاه تساؤلًا رئيسيًا حول مدى نجاح الدبلوماسية الأمريكية التي تتبنى وجهة النظر الترامبية في تسوية الأزمات والصراعات الدولية من منظور المصالح الأمريكية؟.. وهل ستنجح تلك المفاوضات في إحلال السلم والاستقرار في مناطق الصراعات المتفجرة؟

مفاوضات متعددة

جاء انطلاق المفاوضات الأمريكية على أكثر من مسار، وهي المسارات التفاوضية التي يمكن الإشارة إلى أهمها على النحو التالي:

(*) المفاوضات الأمريكية الروسية: انطلقت المفاوضات الأمريكية الروسية في العاصمة السعودية الرياض في 18 فبراير 2025، واتفق الجانبان على استئناف عمل البعثات الدبلوماسية، ثم جاءت جولة أخرى من المفاوضات بالسعودية في 24 مارس 2025 بين ممثلي الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا بهدف التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا تمهيدًا للتوصل إلى اتفاق شامل للصراع.

(*) المفاوضات الأمريكية الأوكرانية: على الرغم من أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعتبر أن الحرب الروسية الأوكرانية استنزفت اقتصاد بلاده ويحمّل إدارة الرئيس السابق جو بايدن مسؤولية ما وصلت إليه الأوضاع في أوكرانيا، إلا أنه أعلن خلال حملته الانتخابية أن الحرب الروسية الأوكرانية ستتوقف فور انتخابه، وهو الأمر الذي لم يحدث، بل إن استقباله للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالبيت الأبيض وما أثاره اللقاء من انتقادات واسعة النطاق دفعت بالجانب الأوروبي للحديث عن ضرورة دعم أوكرانيا في أي خطة سلام تطرحها الولايات المتحدة الأمريكية بشأن أوكرانيا. وربما مثّلت المحادثات الأمريكية الأوكرانية في السعودية 25 مارس 2025 رغبة متبادلة في إجراءات بناء الثقة بين الجانبين، الأمر الذي تُوّج بلقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بكاتدرائية القديس بطرس بروما 26 أبريل 2025 على هامش جنازة البابا فرنسيس الذي لطالما ناشد بوقف الحرب. ووصف البيت الأبيض اللقاء الذي جرى داخل كاتدرائية القديس بطرس بالفاتيكان بأنه مثمر للغاية، بينما اعتبره زيلينسكي رمزيًا للغاية وقد يصبح تاريخيًا إذا أسفر عن نتائج مشتركة، وفق ما نشره على منصة "إكس".

(*) المفاوضات الأمريكية الإيرانية: أسهمت ممارسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لسياسة الضغوط القصوى، التي مارسها خلال ولايته الأولى وأدت إلى الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني عام 2018، ومعاودته لتكرار تلك السياسة خلال ولايته الثانية ما بين التهديد بعمل عسكري يستهدف العمق الإيراني أو التوصل إلى اتفاق جديد مع إيران في انطلاق التفاوض الأمريكي الإيراني حول البرنامج النووي، وهي المفاوضات التي شهدت عقد ثلاث جولات وتم تأجيل الرابعة لأسباب لوجيستية.

(*) المطالبة بمفاوضات تجارية أمريكية صينية: دعت الولايات المتحدة الأمريكية الحكومة الصينية إلى خفض الرسوم الجمركية تمهيدًا للمفاوضات التجارية، وأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن بلاده ستبرم اتفاقًا عادلًا مع الصين و"سيكون لدينا بلد نفخر به". من جانبه شدّد وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت على حاجة الصين لإعادة التوازن التجاري وتغيير هيكلها الاقتصادي، وأضاف بيسنت أن الولايات المتحدة الأمريكية والصين تنتظران التحدث مع بعضهما، ويرى كلا الجانبين أن وضع الرسوم الجمركية الحالي غير مستدام، مشددًا على ضرورة تهدئة الوضع حتى تتمكن المحادثات التجارية من المضي قدمًا.

تعقّد الأزمات

على الرغم من تعدد المفاوضات الأمريكية وتنوعها في أكثر من مسار، إلا أنها لم تسهم في حلحلة أي من الصراعات والأزمات الدولية المتفجرة، وربما يعود ذلك إلى العديد من العوامل لعل أهمها:

(&) تعقّد الأزمات الدولية وتشابكها: يمثل تعقّد الأزمات الدولية وتشابك أطرافها أحد التحديات التي تواجه تسوية تلك الصراعات بشكل سريع، فالصراع الروسي الأوكراني لا يزال يواجه بالعديد من التحديات ترتبط بتبادل الاتهامات بين موسكو وكييف بخرق الاتفاقات المؤقتة لوقف إطلاق النار، ويبدى كلا الجانبين الاستعداد لإجراء محادثات سلام، وتقول روسيا إنها تنتظر إشارة من أوكرانيا على أنها مستعدة لإجراء محادثات مباشرة، وتقول أوكرانيا إنها مستعدة للحوار إذا وافقت روسيا أولًا على وقف كامل لإطلاق النار.

وتعمّق من التحديات التي تواجه تسوية الصراع مطالب الجانبين؛ فروسيا تطالب بتنازلات إقليمية وضمانات حول مستقبل التسليح العسكري الأوكراني، ووقف إمدادات الأسلحة الغربية إليها، ومنع كييف من الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو). فيما تطالب أوكرانيا بانسحاب القوات الروسية من الأراضى الأوكرانية.

(&) النهج الانفرادي الأمريكي: هناك اتجاه يرى أن النهج الأمريكي الانفرادي في تسوية الأزمات والصراعات الدولية يحول دون تحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع لارتباطه بمنظور المصالح الأمريكية من دون أخذ مصالح الدول الأخرى في الاعتبار. ويذكر المؤيدون لذلك الاتجاه بأن عدم مشاركة الدول الأوروبية التي عرفت بالترويكا (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) وهي الدول الثلاث الموقعة على اتفاق 2015 والخاص بالبرنامج النووي الإيراني، يعكس النهج الانفرادي الأمريكي في التعامل مع الملفات المعقدة، واتجاه الولايات المتحدة للتركيز على مصالحها دون الأخذ في الاعتبار مصالح الدول الأوروبية، والتي تمتلك تفعيل آلية "سناب باك" للعودة التلقائية إلى العقوبات الدولية على طهران قبل أكتوبر 2025، موعد انتهاء فاعلية اتفاق 2015، لذلك يعتقد ذلك الاتجاه بأنه ليس من المستبعد أن يلجأ الأوروبيون إلى هذه الآلية لتسهيل عودتهم ومشاركتهم في العملية التفاوضية باعتبار أن الولايات المتحدة، التي خرجت من اتفاق عام 2015، لم تعد مؤهلة لتفعيل "سناب باك" وستكون بحاجة للأوروبيين.

مجمل القول؛ في ظل تعدد الصراعات والأزمات الدولية تظل المباحثات البناءة هي الوسيلة الفعالة لتسويتها في ظل تعقد وتشابك تلك الصراعات وتأثيراتها العابرة للحدود، فالصراع الروسي الأوكراني عانت منه كل الاقتصادات الناشئة وتأثرت سلاسل التوريد في مجالي الطاقة والغذاء، لذلك فإن تسوية تلك الصراعات تحتاج إلى إرادة دولية تنجح في إجراءات بناء الثقة بين الجانبين، وكذلك مساندة القوى الكبرى الداعمة للاستقرار في نظام دولي يفتقد لآليات مؤسسية لتسوية الصراعات الدولية بشكل فعّال.