الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

ارتدادات سلبية.. ما خسائر شركات التكنولوجيا الأمريكية من سياسات ترامب التجارية؟

  • مشاركة :
post-title
شركات التكنولوجيا الأمريكية

القاهرة الإخبارية - د. محمد أبو سريع

تشير العديد من التقارير إلى أن سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التجارية أثرت سلبًا على العديد من الشركات الأمريكية، خاصة في قطاع التكنولوجيا. فخلال شهر مارس الجاري، فقدت أكبر ست شركات تكنولوجيا أمريكية 2.2 تريليون دولار من قيمتها السوقية منذ بداية العام، وهو رقم يتجاوز إجمالي القيمة السوقية للبورصتين الأسترالية والنيوزيلندية مجتمعتين.

في هذا السياق، تٌثار العديد من التساؤلات مثل: كيف تؤثر سياسات ترامب التجارية في ولايته الثانية بالسلب على أسواق المال والشركات الأمريكية وفي مقدمتها الشركات التكنولوجية؟ وما موقف مالكي ومديري هذه الشركات من هذا الأثر السلبي على شركاتهم؟ وما أهم العوامل المؤثرة في الحد من خسائر تلك الشركات؟

خسائر غير مسبوقة

تسببت سياسات ترامب التجارية في خسائر كبيرة للشركات الأمريكية، خاصة في قطاع التكنولوجيا، حيث تجاوزت خسائر أكبر ست شركات تكنولوجيا أمريكية 2.2 تريليون دولار منذ بداية العام. ففي 27 يناير 2025، شهدت أسهم خمس شركات تكنولوجيا أمريكية كبرى خسائر كبيرة في قيمتها السوقية، حيث بلغت الخسائر الإجمالية نحو 900 مليار دولار في يوم واحد. وتعكس هذه الخسائر انخفاضًا في القيمة السوقية (Market Capitalization) لهذه الشركات، أي انخفاض إجمالي القيمة المالية لأسهمها المتداولة في البورصة. فعندما تنخفض أسعار الأسهم، تتراجع القيمة السوقية للشركة، مما يؤدي إلى هذه الخسائر الكبيرة. بمعنى آخر، هذه ليست خسائر تشغيلية مباشرة أو نقصًا في الإيرادات، بل هي خسائر ناتجة عن تراجع أسعار أسهم الشركات في الأسواق المالية، مما قد يكون نتيجة لمخاوف المستثمرين بشأن سياسات ترامب التجارية أو الاقتصادية وتأثيرها على قطاع التكنولوجيا.

خسائر شركات التكنولوجيا الأمريكية من سياسات ترامب الأمريكية
ويمكن تفسير خسائر هذه الشركات في ضوء الأسباب التالية:

(*) تزايد تكاليف الشركات الأمريكية بسبب السياسات التجارية الحمائية الأمريكية: إذا واصل ترامب فرض تعريفات جمركية إضافية على الواردات الصينية أو الأوروبية وغيرها، زيادة تكاليف الشركات الأمريكية مما يؤثر على أرباحها. وستظل قطاعات التكنولوجيا والصناعة والسيارات الأكثر تضررًا بسبب اعتمادها على المكونات المستوردة والتصدير للأسواق الدولية. ومن شأن اضطراب سلاسل التوريد وزيادة تكاليف الإنتاج، أن تدفع الشركات إلى تقليص أعمالها أو نقل الإنتاج إلى دول أخرى، مما يؤثر سلبًا على السوق الأمريكية.

(*) ارتفاع تكاليف الاقتراض وأسعار الفائدة: استمرار رفع الفيدرالي الأمريكي لأسعار الفائدة سيجعل الاقتراض أكثر تكلفة، مما يؤثر على الشركات التي تعتمد على التمويل لتوسيع أعمالها. فالشركات الناشئة وشركات التكنولوجيا قد تعاني أكثر، لأنها تحتاج إلى رأس مال ضخم للنمو والاستثمار في الابتكار.

(*) تراجع ثقة المستثمرين والمستهلكين: استمرار تقلبات الأسواق وتزايدت المخاوف من الركود، مما يؤدي ذلك إلى تراجع الإنفاق الاستهلاكي والاستثمارات، وبالتالي زيادة الضغط على أرباح الشركات. فالشركات الكبرى مثل أمازون وميتا وألفابت (جوجل) قد تتأثر بانخفاض طلب المستهلكين.

وفي ضوء ما سبق، تشير بعض التقارير إلى أن شركات مثل "هارلي ديفيدسون" و"تسلا" و"بوينج" قد تأثرت سلبًا بسياسات ترامب التجارية. فعلى سبيل المثال، أعلنت "هارلي ديفيدسون" عن نيتها نقل جزء من إنتاجها خارج الولايات المتحدة بسبب التعريفات الجمركية التي فرضها الاتحاد الأوروبي على دراجاتها النارية، مما أدى إلى زيادة تكاليف الإنتاج.

نزيف أسواق المال الأمريكية

تأثرت أسواق المال الأمريكية سلبًا بشكل ملحوظ بالسياسات التجارية للرئيس دونالد ترامب. فرض الرسوم الجمركية أثار مخاوف المستثمرين من تباطؤ اقتصادي، مما أدى إلى موجة بيع في سوق الأسهم. فعلى سبيل المثال خسر مؤشر ستاندرد آند بورز 500 في فبراير الماضي، أكثر من 4 تريليونات دولار من قيمته السوقية. فقد شهد هذا المؤشر انخفاضًا بنسبة 2.7% في أحد أكبر التراجعات اليومية لهذا العام، بينما هبط مؤشر ناسداك بنسبة 4%، وهو أكبر انخفاض يومي منذ سبتمبر 2022. وانخفض ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 8.6%، في حين تراجع ناسداك بأكثر من 10% مقارنةً بأعلى مستوى سجله في ديسمبر 2024.

وتتأكد هذه الخسائر في ضوء خفض بعض الشركات الكبرى، مثل "دلتا إير لاينز"، توقعات أرباحها للربع الأول من العام الجاري بنسبة 50%، مما أدى إلى تراجع أسهمها بنسبة 14% في التعاملات اللاحقة.

إجمالًا، أدت سياسات ترامب التجارية إلى زيادة حالة عدم اليقين في الأسواق، مما أثر سلبًا على ثقة المستثمرين وأدى إلى تقلبات ملحوظة في أسواق المال الأمريكية حتى مارس 2025.

دعم مطلق لترامب

فقد سبق وأن أبدى بعض كبار المديرين التنفيذيين في شركات التكنولوجيا الأمريكية دعمًا لحملة دونالد ترامب الانتخابية في نوفمبر 2024، سواء من خلال التبرعات المالية أو الحضور في فعاليات مرتبطة بحملته. وعلى الرغم خسائر هذه الشركات بسبب سياسات ترامب الحمائية، لم تُسجَّل انتقادات علنية من قِبَل الرؤساء التنفيذيين لشركات التكنولوجيا الكبرى لسياسات الرئيس دونالد ترامب التجارية أو الاقتصادية فحتى مارس 2025، بل على العكس، أبدى بعضهم تفاؤلاً وتعاونًا مع إدارته. فعلى سبيل المثال، أعرب جيف بيزوس، مؤسس "أمازون"، عن تفاؤله بإدارة ترامب، مشيرًا إلى أن الرئيس يتمتع بقدر كبير من الطاقة فيما يتعلق بتقليص التنظيم الحكومي، وأبدى استعداده للمساعدة في ذلك. بالإضافة إلى ذلك، كتب سوندار بيتشاي، الرئيس التنفيذي لشركة "جوجل"، مهنئًا ترامب على فوزه، وأكد التزام الشركة بالعمل مع إدارته لتحقيق المنافع للجميع. كما أبدى مارك زوكربيرج، الرئيس التنفيذي لشركة "ميتا"، تهانيه لترامب على فوزه، معربًا عن تطلعه للعمل مع إدارته.

عوامل حاسمة

يتوقف مستقبل خسائر الشركات وأسواق المال الأمريكية بسبب سياسات ترامب التجارية سواء باستمرارها أو تحولها إلى مكاسب على عدة عوامل رئيسية، أهمها:

(*) استمرار التوترات التجارية والسياسات الحمائية: إذا استمر ترامب في فرض تعريفات جمركية جديدة أو تصعيد الحرب التجارية مع الصين والاتحاد الأوروبي، فقد تشهد الأسواق الأمريكية مزيدًا من الضغوط، خصوصًا في قطاعات التكنولوجيا والصناعات التي تعتمد على الاستيراد. في المقابل، إذا تم التوصل إلى اتفاقيات تجارية أو تخفيف بعض القيود، فقد تعود الأسواق إلى التعافي التدريجي.

(*) أداء الاقتصاد الأمريكي ومعدلات الفائدة: ما زال الاقتصاد الأمريكي قويًا نسبيًا، لكن هناك مؤشرات على تباطؤ النمو نتيجة لسياسات ترامب. فإذا استمر الفيدرالي الأمريكي في رفع أسعار الفائدة لكبح التضخم، فقد يؤدي ذلك إلى مزيد من التراجع في أسواق الأسهم. وعلى العكس، إذا تبنى الفيدرالي سياسة نقدية أكثر مرونة، فقد يساعد ذلك على استعادة الثقة في الأسواق.

(*) رد فعل الشركات الكبرى والمستثمرين: قد تتكيف الشركات الأمريكية خاصةً في قطاع التكنولوجيا والصناعة، مع التعريفات الجمركية من خلال تغيير سلاسل التوريد أو زيادة الإنتاج المحلي، مما قد يعوض بعض الخسائر. فالمستثمرون المؤسسون للشركات الأمريكية يراقبون تصريحات ترامب وتوجهاته المستقبلية، وأي إشارات إيجابية قد تؤدي إلى موجة شراء وانتعاش في الأسواق.

(*) مدى توفر الاستقرار السياسي الأمريكي في ولاية ترامب الثانية: من شأن توقع عدم الاستقرار السياسي واحتمالية الاحتجاجات أو الطعون القانونية في الانتخابات المقررة في الفترة المقبلة أن تؤدي إلى تقلبات إضافية في الأسواق المالية. فإذا ظهرت بوادر استقرار سياسي أو تغير في السياسات الاقتصادية، فقد يساعد ذلك في دعم الأسواق.

هل يمكن أن تتعافى الشركات الأمريكية قريبًا؟

تعتمد إمكانية استمرار الخسائر أو تحولها إلى مكاسب لدى الشركات الأمريكية على عدة عوامل رئيسية، تشمل السياسات التجارية لترامب، استجابة الأسواق، أداء الاقتصاد الأمريكي، وسلوك الشركات والمستثمرين. وفي ضوء ذلك يمكن تحديد بعض العوامل التي قد تساعد الشركات على التعافي، والتي يأتي من بينها ما يلي:

(*) تكيف الشركات الأمريكية مع سياسات ترامب الاقتصادية: قد تقوم الشركات الأمريكية بتنويع سلاسل التوريد، والبحث عن أسواق جديدة، وتطوير حلول محلية للتقليل من التأثير السلبي للسياسات التجارية. وقد تستفيد شركات التكنولوجيا مثل آبل وإنفيديا من زيادة الاستثمار في أشباه الموصلات داخل أمريكا وتقليل الاعتماد على الصين.

(*) تغيير السياسات الاقتصادية أو التجارية لترامب: إذا خففت إدارة ترامب من سياساتها التجارية أو توصلت إلى اتفاقيات جديدة مع الصين والاتحاد الأوروبي، فقد يؤدي ذلك إلى عودة الثقة في الأسواق. فأي تخفيف للقيود الجمركية أو عقد اتفاقيات تجارية جديدة قد يؤدي إلى تحسن أوضاع الشركات الأمريكية وبالإضافة لذلك، فإن أي خفض محتمل في الضرائب على الشركات يمكن أن يعوض بعض الخسائر التي تعرضت لها الشركات الأمريكية.

(*) مدى مرونة الاقتصاد الأمريكي: إذا استمر الاقتصاد الأمريكي في تحقيق نمو قوي وتراجع التضخم، فقد يؤدي ذلك إلى استعادة ثقة المستثمرين وزيادة الطلب على المنتجات والخدمات الأمريكية. فبعض القطاعات، مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة والدفاع، قد تشهد انتعاشًا قويًا بفضل الاستثمارات الحكومية والخاصة.

وفي النهاية، يمكن القول إنه إذا استمرت سياسات ترامب التجارية الحمائية المتشددة، فمن المتوقع أن تتزايد خسائر الشركات الأمريكية خاصة تلك العاملة في قطاعي التكنولوجيا والتصنيع. أما إذا تم تخفيف القيود التجارية أو تحسن أداء الاقتصاد الأمريكي بفعل عوامل أخرى مثل التخفيضات الضريبية، وسلوك الشركات والمستثمرين، فمن الممكن أن تتحول الخسائر الحالية إلى مكاسب على المدى الطويل. ويُتوقع أن تبقى أسواق الأمريكية متقلبة في الأشهر المقبلة كنتيجة لتزايد عدم اليقين، وعلى الرغم من ذلك قد تشهد هذه الأسواق تعافيًا تدريجيًا في النصف الثاني من 2025.