اتخذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، منذ تنصيبه في الـ20 من يناير، عددًا من القرارات التي كان لها تأثير متنوع وملموس على الاقتصاد العالمي، وبالتبعية على سوق السلاح واتجاهات توزيعه. وعليه، يطرح هذا التحليل سؤالًا حول الوضع الحالي لسوق السلاح العالمي واتجاهاته في الفترتين الحالية والمقبلة.
نظرة عامة
يُمكن إلقاء نظرة عامة على سوق السلاح العالمي من خلال النقاط التالية:
(-) حجم مبيعات الأسلحة: ارتفعت قيمة مبيعات أكبر 100 شركة أسلحة خلال عام 2023، إذ سجلت 632 مليار دولار، مُقارنةً بنحو 606 مليارات دولار في عام 2022، أي بنسبة زيادة بلغت 4.2%، وفقًا للتقرير الصادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI). وترجع هذه الزيادة إلى الحرب الروسية الأوكرانية والتوترات في آسيا.
وأشار "لورينزو سكاراتزاتو"، المتخصص العسكري في معهد سيبري، إلى أنه من المُرجح بشكل كبير أن تستمر هذه المبيعات في التزايد مع الاضطرابات الحالية التي يشهدها العالم.
(-) المصدرون الرئيسيون: حدد معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام نحو 66 دولة مصدرة للأسلحة العسكرية، وكما يوضح الشكل (1)، كانت أكبر خمس دول مصدّرة هي: الولايات المتحدة الأمريكية التي ارتفعت نسبة تصديرها من 34% خلال الفترة من 2014-2018 إلى 42% خلال الفترة من 2019-2023، تليها فرنسا التي ارتفعت من 7.2% إلى 11%، ثم روسيا التي انخفضت من 21% إلى 11%، تليها الصين التي انخفضت من 5.9% إلى 5.8%، وأخيرًا ألمانيا التي انخفضت من 6.3% إلى 5.6%. ومن هنا، يتضح أن الولايات المتحدة الأمريكية هي المُسيطر الأبرز على سوق السلاح العالمي.
ومن الجدير بالذكر أنه خلال الفترة من 2019-2023، كانت الحصة الأكبر من الصادرات تذهب إلى منطقة الشرق الأوسط بنسبة 38%، لكنها انخفضت مقارنةً بالفترة من 2014-2018 التي سجلت خلالها 50%. بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك أربع دول في منطقة الشرق الأوسط من المستفيدين الرئيسيين من هذه الصادرات، منها السعودية التي مثلت 15% من صادرات الأسلحة الأمريكية، وقطر بنسبة 8.2%، والكويت بنسبة 4.5%، وإسرائيل بنسبة 3.6%.
من ناحية أخرى، مثلت صادرات الأسلحة الأمريكية إلى آسيا نحو 31% خلال الفترة من 2019 إلى 2023، حيث كانت اليابان من أكبر المتلقين بنسبة 9.5% من إجمالي الصادرات الأمريكية، تليها أستراليا بنسبة 7.1%، ثم كوريا الجنوبية بنسبة 5.3%.
أما في أوروبا، فقد ذهب ما مجموعه 28% من صادرات الأسلحة الأمريكية خلال الفترة من 2019-2023، مُقارنةً بنسبة 11% خلال الفترة من 2014-2018، حيث ارتفعت صادرات الأسلحة الأمريكية إلى أوروبا بأكثر من 200% بين الفترتين.
(-) أبرز المستوردين: من بين 170 دولة مستوردة للسلاح حددها معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، تبيّن أن هناك خمس دول تُصنف ضمن أكبر المستوردين، وهي الهند، والمملكة العربية السعودية، وقطر، وأوكرانيا، وباكستان، كما يوضح الشكل (2).
وتلقت هذه الدول مجتمعةً نحو 35% من إجمالي واردات الأسلحة العسكرية. وشكلت دول آسيا وأوقيانوسيا 37% من جميع واردات الأسلحة، بينما انخفضت واردات الدول الإفريقية من الأسلحة الرئيسية بنسبة 52%. وعليه، كانت روسيا من أكبر المصدرين للسوق الإفريقية خلال الفترة من 2019-2023، إذ استحوذت على نسبة 24% من واردات إفريقيا من الأسلحة العسكرية.
الاتجاهات الحالية
انعكست القرارات التنفيذية لـ"ترامب" على سوق السلاح العالمي في العديد من النواحي، والتي تتمثل في الآتي:
(-) اتجاهات الشراء: تخطط إدارة ترامب لدفع الحلفاء الأوروبيين إلى شراء المزيد من الأسلحة الأمريكية لأوكرانيا قبل محادثات السلام المحتملة مع روسيا، وهو ما يوضح أن الرئيس الأمريكي يحاول خلق طلب أوروبي إضافي على السلاح الأمريكي، بدلًا من تقديم الدعم المباشر لأوكرانيا، الذي يضر بالاقتصاد الأمريكي. وهذا يُشير إلى أن الدول الأوروبية ستكون سوقًا رئيسيًا للأسلحة خلال الفترة القادمة حتى انتهاء الحرب الروسية الأوكرانية.
من ناحية أخرى، شهدت بلدان آسيا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا زيادة كبيرة في ميزانيات الدفاع، ففي الشرق الأوسط، ارتفع الإنفاق الدفاعي من 160.4 مليار دولار في عام 2021 إلى 195.4 مليار دولار في عام 2024، أي بنسبة زيادة بلغت 21.8%، خاصة في الجزائر التي ارتفع إنفاقها العسكري بأكثر من الضعف، من 10.5 مليار دولار إلى 25 مليار دولار، وهذا يشير إلى أن هذه المناطق تُشكل سوقًا رئيسيًا لشراء الأسلحة العسكرية.
(-) أسواق بيع مستحدثة: أصبحت الصين من الدول التي تحتل مكانة بارزة في سوق تصدير الأسلحة العسكرية، خاصة إلى منطقة الشرق الأوسط، إذ ارتفع إجمالي صادراتها من السلاح من 398 مليون دولار في عام 2020 إلى 43.16 مليار دولار في عام 2023، وعززت الصين صناعاتها الدفاعية بشكل جعلها قادرة على إنتاج معظم معداتها العسكرية محليًا.
بالإضافة إلى ذلك، تُعتبر كوريا الجنوبية سوق بيع حيويًا للأسلحة العسكرية، إذ حققت أربع شركات مقرها كوريا زيادة في إيرادات الأسلحة بنسبة 35%. وهذا يدل على أن كوريا الجنوبية تعمل على توسيع حصتها في سوق الأسلحة العالمي وتغطية الطلب الأوروبي فيما يتعلق بحرب أوكرانيا، كما تشهد شركات الدفاع اليابانية زيادة في الطلبات الجديدة بأكثر من 300%.
(-) آلية تسليح الجيوش: تتجه الجيوش في الوقت الحالي إلى تحديث نظام التسليح ذاتيًا، بشكل يتناسب مع تحديات العصر الحالي، إذ تطور كوريا الجنوبية مدمرات بحرية لجيشها بواسطة شركتي "هانوا أوشن" و"هيونداي للصناعات الثقيلة"، بقيمة إجمالية تبلغ 5.5 مليار دولار، على أن تتسلمها في عام 2036.
وفي روسيا، تم الإعلان في عام 2025 عن بدء الإنتاج التسلسلي للمُسيّرة الهجومية "أوخوتنيك بي S-70" التي تتميز بتقنية التخفي وقدرات هجومية عالية، وهو ما يوضح أن روسيا تمتلك تقدمًا تكنولوجيًا كبيرًا في مجال الطائرات المُسيّرة.
توقعات مستقبلية
يُمكن بلورة مجموعة من التوقعات المستقبلية عن سوق الأسلحة العسكرية في ظل فترة رئاسة دونالد ترامب للولايات المتحدة الأمريكية، وذلك على النحو التالي:
(-) ارتفاع واردات الأسلحة: من المتوقع أن ترتفع واردات الأسلحة العالمية إلى نحو 33 مليار دولار بحلول عام 2028، بالمقارنة بحجم واردات يُقدر بـ 32 مليار دولار في عام 2023، أي بزيادة قدرها 3.1%؛ إذ إن التوترات الجيوسياسية في العالم ستدفع الدول المختلفة إلى زيادة مستوى تسليحها، مما يجعل الطلب العالمي على الأسلحة العسكرية في تزايد نسبي.
(-) تنويع مصادر استيراد الأسلحة: في ظل اتجاه الرئيس الأمريكي إلى التوسع في فرض الرسوم الجمركية على واردات الولايات المتحدة الأمريكية، والتي من المُحتمل أن تُطبق على الواردات الحيوية للأمن القومي، مثل الصلب والحديد والألمنيوم والنحاس من دول مثل كندا والصين والمكسيك، ستتأثر تكاليف إنتاج الأسلحة والمعدات العسكرية داخل الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ثم سيسعى العديد من الدول إلى تنويع مصادر استيراد الأسلحة.
وعلى سبيل المثال، بالنسبة للدول الأوروبية التي كانت تعتمد على الولايات المتحدة الأمريكية في 55% من وارداتها من الأسلحة خلال الفترة من 2019 إلى 2023، ستتجه إلى إيجاد بدائل لهذا الاستيراد عبر تقوية صناعة الدفاع الأوروبية وتعزيز عمل شركات الدفاع الأوروبية.
وفي هذا الإطار، تعمل شركة صناعة الطائرات البرازيلية على إجراء محادثات مع دول الشرق الأوسط لبيع طائرة النقل التكتيكية C-390، حيث من المتوقع أن يتم بيع 30% من هذه الطائرات إلى منطقة الشرق الأوسط.
(-) تأثر سلاسل التوريد: وضعت السياسة التجارية الخارجية للرئيس الأمريكي تحديات كبيرة أمام الشركات الدفاعية، خاصةً التكاليف التشغيلية المرتفعة، إذ إن ارتفاع تكاليف المواد الخام بسبب الرسوم الجمركية والتوترات مع الشركاء التجاريين، سيؤثر على سلاسل التوريد في سوق الأسلحة العسكرية، باعتبار أن الولايات المتحدة الأمريكية من أكبر مصدري الأسلحة؛ مما سيؤدي إلى ارتفاع أسعارها في السوق العالمي.
(-) انتعاش السوق: من المُرجح بشكل كبير أن يشهد سوق الأسلحة العالمي انتعاشًا كبيرًا في ظل سياسة ترامب، إذ إنه يعمل على تعزيز قوة الجيش الأمريكي وزيادة ميزانية الدفاع؛ مما يؤدي إلى نمو الطلب المحلي على الأسلحة والمعدات العسكرية.
استمرار ترامب في الصفقات الدولية الضخمة، خاصة في الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا، سيدفع مزيدًا من الدول إلى شراء الأسلحة الأمريكية، فقد أتم صفقة سلاح لإسرائيل بقيمة 7.4 مليار دولار تتضمن قنابل جوية ثقيلة، كما أن الهند أجرت في فبراير الجاري محادثات مع الولايات المتحدة الأمريكية لشراء مركبات قتالية والمساهمة في إنتاجها، وذلك بناءً على طلب "ترامب" بإقامة علاقة تجارية عادلة.
وفي بيان مُشترك، تم توقيعه عقب زيارة رئيس وزراء الهند "ناريندرا مودي" والرئيس الأمريكي، اتفق الطرفان على توسيع مبيعات المعدات العسكرية الأمريكية للهند، ووضع خطط لتنفيذ مشتريات جديدة خلال عام 2025.
وفي السياق ذاته، فإن تزايد تصورات التهديد، خاصة في ظل توترات الشرق الأوسط والصراع المستمر بين أمريكا والصين، سيؤدي إلى زيادة الطلب العالمي على الأسلحة، إذ ارتفع الإنفاق الدفاعي العالمي بنسبة 75% خلال العشرين سنة الماضية، حيث سجل نحو 2.46 تريليون دولار في عام 2024، مقارنةً بنحو 2.24 تريليون دولار في عام 2023.
وكما يوضح الشكل (3)، ارتفعت ميزانية الإنفاق الدفاعي لأعضاء "الناتو"، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، من 839 مليار دولار في عام 2022 إلى 968 مليار دولار في عام 2024، وفي ألمانيا من 54.9 مليار دولار إلى 86 مليار دولار، وفي بريطانيا من 73.1 مليار دولار إلى 81.1 مليار دولار.
ووفقًا للعديد من الخبراء، من المتوقع أن يستمر هذا الإنفاق في الارتفاع خلال السنوات المقبلة. ومن ناحية أخرى، يُمكن القول إن التقنيات والتكنولوجيات الإنتاجية الجديدة ستعمل على تحديث المشهد الصناعي الدفاعي، مما يؤدي إلى انتعاش السوق بشكل كبير.
(-) الاستقرار والاضطرابات المُحتملة: يُمكن التنبؤ باحتمالات الاستقرار والاضطراب في العالم خلال الفترة المُقبلة، عن طريق تقسيم مناطق الصراع المُحتدمة في الوقت الحالي إلى الصراع في منطقة الشرق الأوسط، الصراع الروسي الأوكراني، وتوترات شرق آسيا.
وعلى هذا الأساس، يُمكن توقع أن مواطن الاستقرار النسبي قد تظهر في الحرب الروسية الأوكرانية، في ظل إرادة ترامب القوية لإنهاء هذه الحرب وإجراء واشنطن مفاوضات فورية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
أما باقي الصراعات، فمن المُحتمل ألا تشهد استقرارًا على المدى القريب، إذ إن منطقة الشرق الأوسط تعاني من العديد من التوترات، خاصة الحرب في غزة والاعتداءات الإسرائيلية، كما أن التوترات الصينية مع تايوان من جهة ومع الولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى، تتجه إلى الاحتدام، وهو ما يؤكد انتعاش الطلب على الأسلحة في هذه المناطق.
وفي ضوء هذا الطرح، يُمكن القول إن سوق السلاح العالمي أصبح يضم العديد من الفاعلين الأساسيين، مع دخول أطراف جديدة في صفقات البيع والشراء، خاصة مع قرارات دونالد ترامب التي ستؤثر على تكلفة استيراد السلاح الأمريكي.
ومن ناحية أخرى، أصبحت فكرة "تنويع مصادر استيراد الأسلحة" من الأهداف الاستراتيجية للعديد من الدول، بل جزءًا من أمنها القومي، خاصة في ظل التوترات الإقليمية والعالمية، مما يُمثل فرصة اقتصادية كبيرة لصناعة الأسلحة العالمية.