الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

هل ستصبح دبلوماسية القمم الإقليمية أداة التعامل مع أجندة ترامب العالمية؟

  • مشاركة :
post-title
صورة تذكارية للقادة العرب المشاركين في القمة العربية غير العادية بالقاهرة 4 مارس 2025

القاهرة الإخبارية - د. محمد أبو سريع

تلعب القمم الطارئة، مثل القمة العربية، أمس بالقاهرة، والقمة الأوروبية مطلع هذا الأسبوع، دورًا محوريًا في معالجة الأزمات الإقليمية المفاجئة. فمن شأن هذه القمم أن تُوفر منصة لتوحيد الصفوف بين الدول الإقليمية، ما يُعزز من قدرتها على اتخاذ مواقف موحدة واتخاذ قرارات سريعة بشأن هذه الأزمات مثل الحروب، الكوارث الإنسانية، والتدخلات الخارجية. فهذه القمم تساعد في إظهار موقف إقليمي موحد أمام القوى الدولية، ما يمنح التكتلات الإقليمية وزنًا أكبر في السياسة العالمية.

وتطبيقًا لذلك على أرض الواقع، دعا الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، فبراير الماضي، لعقد قمة عربية طارئة بالقاهرة، لبحث توفير الدعم الإقليمي العربي ضد مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لنقل الفلسطينيين من غزة إلى مصر والأردن. وأعقب ذلك دعوة رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، في الثامن والعشرين من فبراير الماضي، أكثر من 12 زعيمًا أوروبيًا إلى قمة أوروبية، لبحث آليات دعم أوكرانيا وتعزيز الأمن الأوروبي، التي تم عقدها بالفعل في لندن الأحد الماضي.

في السياق ذاته، تُثار العديد من التساؤلات مثل: هل يمكن أن تؤثر القمة العربية على موقف ترامب من تسوية القضية الفلسطينية وفي القلب منها في الوقت الراهن إعادة إعمار غزة؟، وهل يمكن أن تؤثر القمة الأوروبية على موقف ترامب بشأن تسوية الأزمة الأوكرانية؟، وإلى أي حد يمكن أن تصبح مثل هذه القمم أداة للتعامل الإقليمي مستقبلًا مع موقف ترامب بشأن هذه القضية وتلك الأزمة؟، أم أن هناك حاجة إلى الاستعانة بالمزيد من أوراق الضغط الأخرى بما يدعم تحقيق وفعالية نتائج تلك القمم؟

تعامُل دبلوماسية القمم الإقليمية مع أجندة ترامب العالمية
لا توافق بين رؤية ترامب ونتائج القمة الأوروبية

عُقدت القمة الأوروبية مؤخرًا في لندن لمناقشة الأزمة الأوكرانية، وأسفرت هذه القمة عن النتائج التالية:

(*) اقتراح هدنة جزئية بين الجانبين الروسي والأوكراني: اقترحت فرنسا هدنة جزئية لمدة شهر تشمل الهجمات الجوية والبحرية والبنية التحتية للطاقة، بهدف اختبار جدية روسيا في مفاوضات السلام.

(*) صياغة خطة سلام أوروبية لتسوية الأزمة الأوكرانية: اتفق القادة الأوروبيون على صياغة خطة سلام لتقديمها إلى الولايات المتحدة، بهدف الحصول على ضمانات أمنية لأوكرانيا ضد روسيا.

(*) تعزيز القدرات الدفاعية الأوروبية: شدد القادة الأوروبيون على ضرورة زيادة الإنفاق الدفاعي وإعادة تسليح أوروبا لمواجهة التحديات الجيوسياسية الحالية.

إجمالًا، تُظهر هذه النتائج جهودًا أوروبية متواصلة لتعزيز الدعم لأوكرانيا بما يقوى موقفها لحين الوصول لحل سلمي للأزمة، مع التركيز على تعزيز القدرات الدفاعية وتوحيد الصف الغربي في مواجهة التحديات الراهنة. وتجدر الإشارة إلى انتقاد روسيا لنتائج القمة الأوربية في بريطانيا، معتبرةً أن التعهدات بزيادة التمويل العسكري قد تطيل أمد الصراع بدلًا من تحقيق السلام في أوكرانيا.

ويتضح مما سبق، أن هذه النتائج تتعارض مع أجندة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لتسوية الأزمة الأوكرانية، التي تتضمن الخطوات التالية:

(*) تعليق المساعدات العسكرية لأوكرانيا: أعلن ترامب تجميد المساعدات الأمريكية لأوكرانيا بعد اجتماع متوتر في المكتب البيضاوي مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بهدف الضغط عليه للانخراط في محادثات سلام مع روسيا.

(*) مراجعة العقوبات على روسيا: تعمل الإدارة الأمريكية على خطط لتخفيف العقوبات المفروضة على روسيا، بهدف تعزيز العلاقات الدولية وتشجيع موسكو على المشاركة في مفاوضات السلام.

(*) اقتراح منطقة عازلة وتنازل عن أراضٍ: تشير التقارير إلى أن خطة ترامب قد تشمل تجميد النزاع على طول خط المواجهة وإنشاء منطقة منزوعة السلاح، إضافة إلى تعليق مساعي أوكرانيا للانضمام إلى حلف الناتو، وربما التنازل عن بعض الأراضي لصالح روسيا.

(*) مطالبة ترامب أوكرانيا بتعويضات مالية: طالب ترامب أوكرانيا بتزويد الولايات المتحدة بمعادن أرضية نادرة كوسيلة للدفع مقابل الدعم المالي لجهود الحرب ضد روسيا، مشيرًا إلى أن قيمتها قد تصل 500 مليار دولار.

بشكل إجمالي، تهدف هذه الخطوات إلى دفع الأطراف المعنية نحو مفاوضات سلام وإنهاء النزاع المستمر منذ ثلاث سنوات بين روسيا وأوكرانيا. ويتضح التعارض بين ترامب والموقف الأوروبي الذي تتضمنه نتائج القمة الأوربية الأخيرة في أن ترامب يتفهم الموقف الروسي ويريد تسوية الأزمة الأوكرانية ولو على حساب أوكرانيا، التي يتعامل معها ترامب على أنها الطرف الخاسر أو المهزوم في هذا النزاع.

هل تؤثر القمة الأوروبية على موقف ترامب من الأزمة الأوكرانية؟

لا توجد مؤشرات - حتى الآن - تدل على أن نتائج القمة الأوروبية الأخيرة بلندن، تؤثر بشكل مباشر على موقف ترامب من تسوية الأزمة الأوكرانية ليصبح أكثر انسجامًا مع نتائج أو مخرجات هذه القمة، ويمكن تفسير ذلك بالأسباب التالية:

(*) نهج ترامب المختلف عن الجانب الأوروبي في التعامل مع الأزمة الأوكرانية: تعتمد استراتيجية ترامب على تعليق المساعدات العسكرية لأوكرانيا للضغط عليها من أجل التفاوض، بينما تدعو القمة الأوروبية إلى تعزيز القدرات الدفاعية الأوكرانية واستمرار الدعم المالي والعسكري لها. فهذه الفجوة الكبيرة في الرؤى بين الجانبين الأوروبي والأمريكي تجعل من الصعب التوصل إلى توافق بينهما.

(*) أولويات ترامب التي تضع مصالح أمريكا أولًا: يركز ترامب على المصالح الأمريكية أولًا، فعلى ما يبدو أنه غير متأثر بشكل كبير بالضغوط الأوروبية، خاصة مع محاولته إعادة ضبط العلاقات مع روسيا وإيجاد حل اقتصادي للولايات المتحدة، من خلال طلب تعويضات من أوكرانيا.

(*) غياب التأثير والنفوذ الأوروبي على الموقف الأمريكي: رغم جهود أوروبا لصياغة خطة سلام للأزمة الأوكرانية، فإن القرار النهائي بشأن الموقف الأمريكي من الأزمة الأوكرانية لا يزال في يد إدارة ترامب، التي تضع حساباتها الخاصة فوق أي اتفاق دولي لتسوية هذه الأزمة.

(*) تقارب الموقف الروسي الحاسم في تسوية الأزمة الأوكرانية من رؤية ترامب: رحبت روسيا بمواقف ترامب أكثر من مخرجات القمة الأوروبية، ما قد يجعل الكرملين أكثر ميلًا للانخراط في خطة تقودها واشنطن بدلًا من تلك التي يطرحها الأوروبيون.

هل تربك نتائج القمة العربية حسابات ترامب؟

طرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فبراير الماضي، خطة مثيرة للجدل لتسوية القضية الفلسطينية وإعادة إعمار غزة، تتضمن النقاط الرئيسية التالية:

(*) إخلاء سكان غزة: اقترح ترامب نقل سكان قطاع غزة إلى دول أخرى، مثل مصر والأردن، بهدف تطهير المنطقة وجعلها صالحة للسكن مجددًا. وقوبل هذا الاقتراح برفض شديد من قبل الفصائل الفلسطينية، بما في ذلك حماس والجهاد الإسلامي، التي أكدت تمسك الشعب الفلسطيني بأرضه ورفضه لمشروعات التهجير.

(*) السيطرة الأمريكية على غزة: أعلن ترامب نية الولايات المتحدة تولي السيطرة على قطاع غزة بعد إخلائه، مع خطط لتحويله إلى وجهة سياحية تُعرف بـ"ريفيرا الشرق الأوسط"، وأشار إلى أن هذه السيطرة قد تكون طويلة الأمد، مع التركيز على إزالة آثار الحرب وخلق فرص عمل في المنطقة.

(*) إعادة الإعمار طويلة الأمد: وفقًا لمبعوث ترامب للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، قد تستغرق عملية إعادة إعمار غزة ما بين 10 إلى 15 عامًا، بسبب الدمار الكبير الذي لحق بالبنية التحتية والمنازل في القطاع. 

وأكد ويتكوف أن الإدارة الأمريكية تركز حاليًا على ضمان تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بشكل كامل، مع السعي للتوصل إلى نتائج إيجابية في المراحل اللاحقة.

وتجدر الإشارة إلى أن خطة ترامب السابقة، تواجه تحديات كبيرة ومعارضة واسعة، سواء من الفصائل الفلسطينية أو الدول العربية والمجتمع الدولي، ما يجعل تنفيذها أمرًا صعبًا في ظل الظروف الحالية. فقد رفضت الدول العربية، بما في ذلك مصر والأردن والسعودية، فكرة إخلاء سكان غزة من أراضيها.

وردًا على خطة ترامب، قدمت مصر خطة تتضمن إدارة غزة من قبل هيئة مؤقتة تضم دولًا عربية وإسلامية وغربية، مع تهميش دور حماس. وتهدف هذه الخطة إلى الإشراف على المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار، مع رفض واضح لفكرة إخلاء سكان غزة.

وأسفرت القمة العربية الطارئة التي تم عقدها أمس، بالقاهرة، عن عدة نتائج مهمة تتعلق بالقضية الفلسطينية وإعادة إعمار قطاع غزة. وواضح أن هذه النتائج لا تتفق مع خطة ترامب سالفة الذكر وقد تربك حساباته ليعيد تصويبها في المستقبل القريب، خاصة فيما يتعلق بتأكيد كلمات القادة المشاركين فيها أو بيانها الختامي على ما يلي:

(*) رفض تهجير الفلسطينيين: أكدت القمة الرفض القاطع لأي محاولات لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم أو تقسيم قطاع غزة، مع التشديد على ضرورة تمكين السلطة الفلسطينية من تولي مهامها في القطاع كجزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية المحتلة، إلى جانب الضفة الغربية والقدس الشرقية.

(*) بلورة خطة عربية لإعادة إعمار غزة: تم الاتفاق على خطة عربية شاملة لإعادة إعمار قطاع غزة، بالتعاون مع المنظمات الدولية مثل البنك الدولي والأمم المتحدة، مع ضمان بقاء الفلسطينيين في أرضهم وتوفير الدعم اللازم لتعزيز صمودهم.

(*) الترحيب بعقد مؤتمر دولي بالقاهرة في أقرب وقت للتعافي وإعادة الإعمار في قطاع غزة: وذلك بالتعاون مع دولة فلسطين والأمم المتحدة وحث المجتمع الدولي على المشاركة فيه للتسريع في تأهيل قطاع غزة وإعادة إعماره بعد الدمار الذي تسبب فيه العدوان الإسرائيلي، والعمل على إنشاء صندوق ائتماني يتولى تلقي التعهدات المالية من كل الدول ومؤسسات التمويل المانحة، بغرض تنفيذ مشروعات التعافي وإعادة الإعمار.

(*) تعزيز الموقف العربي الموحد إزاء القضية الفلسطينية: تُبرز القمة وحدة الصف العربي في مواجهة التحديات التي تعصف بالقضية الفلسطينية، مع تأكيد أهمية التنسيق المستمر بين الدول العربية لضمان حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة. وما يتطلبه ذلك من تكثيف التعاون العربي مع القوى الدولية والإقليمية، بما في ذلك مع الولايات المتحدة الأمريكية، من أجل تحقيق السلام الشامل والعادل في المنطقة.

وبشكل عام، استهدفت هدف القمة بشكل أساسي صياغة موقف عربي موحد يدعم حقوق الشعب الفلسطيني، ويرفض أي محاولات لتغيير التركيبة السكانية في غزة، مع التركيز على إعادة الإعمار وتعزيز الاستقرار بالمنطقة. ونجحت القمة العربية في تحقيق ذلك الهدف عبر تأكيد كل المشاركين فيها هذا الموقف، ما يعنى صلابته وقوته ليصبح الصخرة التي قد تتحطم فوقها خطة ترامب بشأن إعادة إعمار غزة في الوقت الحالي.

هل تؤثر القمة العربية على موقف ترامب إزاء تسوية القضية الفلسطينية وإعادة إعمار غزة؟

ما زال الوقت مبكرًا على تقييم مدى نجاح نتائج القمة العربية الطارئة بالقاهرة في إقناع إدارة ترامب بتغيير موقفها تجاه تسوية القضية الفلسطينية وإعادة إعمار غزة. ويبدو في الأفق أن احتمالات هذا النجاح محدودة ويرجع ذلك للأسباب التالية:

(*) تعارض الرؤى الأساسية بين الجانبين العربي والأمريكي: تركز إدارة ترامب على إخلاء غزة، وهو ما ترفضه القمة العربية رفضًا قاطعًا، إذ تؤكد ضرورة بقاء الفلسطينيين في أراضيهم وعدم تهجيرهم. في المقابل، يقترح ترامب إدارة أمريكية لغزة، بينما تدعو الدول العربية إلى تمكين السلطة الفلسطينية من حكم القطاع.

(*) محدودية التأثير والنفوذ العربي في قرارات ترامب ذات الصلة بالقضية الفلسطينية: ويرجع ذلك إلى أن إدارة ترامب لا تعتمد على المشاورات مع الدول العربية بقدر اعتمادها على المصالح الأمريكية المباشرة، والتنسيق مع إسرائيل في هذا الملف، فضلًا عن استخدام واشنطن في تطبيق استراتيجيتها بالمنطقة لورقة المساعدات العسكرية والاقتصادية لبعض اللدول العربية، وهو ما قد تستخدمه للضغط عليهم بدلًا من التأثر بمواقفهم.

(*) موقف إسرائيل المؤيد لطرح ترامب بشأن إعادة إعمار غزة: تميل إسرائيل إلى تأييد مقترحات ترامب لأنها تضمن لها السيطرة على غزة بطرق غير مباشرة، كما أنها ترفض أي عودة للسلطة الفلسطينية إلى القطاع. وأي خطة لا تحظى بدعم إسرائيلي سيكون من الصعب على ترامب تبنيها.

وفي النهاية، يمكن القول إن دبلوماسية القمم الإقليمية هي أداة مهمة للتعبير عن موقف جماعي إقليمي سواء عربي أو أوروبي لمواجهة جموح ترامب في التعامل مع القضية الفلسطينية والأزمة الأوكرانية. لكن مثل هذه القمم ليست على ما يبدو أداة كافية للتعامل مع أجندة ترامب العالمية فيما يتعلق بمثل هذه القضايا وتلك الأزمات، التي وأن اختلفت كل منها عن الأخرى، إلا أن ترامب يتعامل معها من منظور واحد قوامه فرض الأمر الواقع بوسائل القوة المختلفة بما يحقق مصلحة أمريكا أولًا.

لذلك، فمن غير المتوقع أن تؤثر نتائج القمة الأوروبية على موقف الولايات المتحدة من تسوية الأزمة الأوكرانية ما لم تقدم أوروبا تنازلات تتماشى مع المصالح الأمريكية، مثل تقليص الدعم العسكري لكييف. وفيما يتعلق بالقمة العربية، ستواصل الدول العربية رفضها للأطروحات الأمريكية بشأن غزة، لكنها قد تسعى إلى إيجاد صيغة تفاهم مع واشنطن تضمن تحقيق توازن بين مواقف الجانبين. وبالتالي، قد يكون من الصعب تحقيق تغيير جوهري في الموقف الأمريكي تجاه القضية الفلسطينية وإعادة إعمار غزة في الوقت الراهن، ما يستدعي الاستعانة بأدوات ضغط إضافية لتعزيز نتائج القمة العربية في هذا السياق.