الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

لماذا يواصل ترامب الحرب على وسائل الإعلام؟

  • مشاركة :
post-title
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب

القاهرة الإخبارية - ضياء نوح

بعد ولاية أولى متوترة مع وسائل الإعلام الأمريكية والدولية، يبدو الرئيس دونالد ترامب، عازمًا على تصعيد حربه ضد الإعلام التقليدي في الولايات المتحدة، بهدف إضعافه وتقويض رسالته التي تميل للتوجه الليبرالي وتدعم أجندة الحزب الديمقراطي، وهو ما يتنافى مع الكثير من توجهات الإدارة الحالية، رغم فضيحة محادثات فريق الأمن القومي الأمريكي عبر تطبيق "سيجنال"، التي شاركها رئيس تحرير مجلة "ذا أتلانتك" جيفري جولدبرج، الذي أُضيف لـ"مجموعة عمل الحوثيين الصغيرة" عن طريق الخطأ، مارس الجاري.

وتحرص الإدارة الجديدة التي لم يتجاوز عمرها الشهرين، على معدل ظهور إعلامي مكثف لأركانها والرئيس دونالد ترامب، نفسه بما يفوق أي رئيس سابق، على صعيد التفاعل مع وسائل الإعلام، ووفقًا لقاعدة بيانات "مشروع الرئاسة الأمريكية"، صدر عن الإدارة نحو 60 فعالية إعلامية، ففي الفترة من 20 يناير 2025 إلى 27 مارس 2025، وتنوعت بين المؤتمرات الصحفية والمقابلات والإعلانات والخطابات والمؤتمرات الثنائية مع القادة والمسؤولين الأجانب خلال زيارتهم للبيت الأبيض.

وتأسيسًا على ما سبق؛ يتناول التحليل التالي أبعاد ومؤشرات حرب الإدارة الأمريكية على وسائل الإعلام.

مؤشرات التصعيد

دخلت إدارة دونالد ترامب، في صراعات مع كبرى المنصات والكيانات الإعلامية الأمريكية للعديد من الأسباب، ويمكن رصد تلك الصراعات على النحو التالي:

(*) التصعيد الخطابي: اعتاد ترامب منذ ولايته الأولى على مهاجمة وسائل الإعلام، خاصة القريبة من الحزب الديمقراطي، التي تنتقد سياساته، إلا أن زخم القرارات التنفيذية التي أصدرها خلال الساعات الأولى من عودته للبيت الأبيض، يناير 2025، عززت مسار المواجهة مع وسائل الإعلام الكبرى، بداية من وكالة "أسوشيتيد برس" وصولًا إلى "نيويورك تايمز" و"سي إن إن" و"فويس أوف أمريكا".

وردًا على تقارير بشأن زيارة محتملة لإيلون ماسك إلى البنتاجون وإطلاعه على خطط سرية بشأن مواجهة محتملة مع الصين هاجم الرئيس الأمريكي، 21 مارس 2025، على منصته "تروث سوشيال" صحيفة "نيويورك تايمز"، واصفًا الصحيفة بواحدة من "أسوأ الصحف وأكثرها انعدامًا للدقة"، كما وصف شبكة "سي إن إن" بـ"شبكة الأخبار المزيفة"، واتهم مراسلة الصحيفة والمحللة السياسية في "سي إن إن" ماجي هابرمان، بالاستعانة بمصادر مجهولة ووصفها بـ"المحتالة الغبية".

(*) محاربة إمبراطوريات الإعلام التقليدي: اتخذ الرئيس الأمريكي موقفًا صارمًا تجاه وسائل الإعلام التي لا تتبنى سياساته، وفي فبراير 2025 استبعد وكالة "أسوشيتيد برس" من تغطية الفعاليات الرئاسية على خلفية رفض الوكالة اعتماد تسمية "خليج أمريكا" بدلًا من "خليج المكسيك".

وفي مطلع فبراير 2025، أعلنت وزارة الدفاع إخلاء مكاتب العديد من القنوات والصحف لصالح وسائل إعلام جمهورية ومؤيدة لأجندة ترامب في غالبها، وشملت المؤسسات المستبعدة، ضمن برنامج التناوب الإعلامي السنوي الجديد كلًا من "نيويورك تايمز" و"إن بي سي نيوز" و"إن بي آر" و"بوليتيكو" و"واشنطن بوست" و"سي إن إن" و"ذا هيل" و"ذا وور زون" لصالح كل من "نيويورك بوست" و"ون أمريكا نيوز" و"برايتبارت نيوز" و"هافبوست" (التقدمية) و"واشنطن إكزامينر" و"نيوز ماكس" و"ذا فري بريس" و"ذا دايلي كولر".

ملامح حرب ترامب على الإعلام

وفي ضوء ذلك التوجه يجري البيت الأبيض تغييرات على قوائم وسائل الإعلام المسموح لها بتغطية الفعاليات الرئاسية في الأماكن الصغيرة والمغلقة على غرار المكتب البيضاوي والطائرة الرئاسية، إذ أشارت وكالة "رويترز"، 26 فبراير 2025، إلى منع مراسلها ومراسلي "هافبوست" و"دير تاجس شبيجل" الألمانية إلى جانب مصور وكالة "أسوشيتيد برس" من تغطية أول اجتماع للرئيس ترامب مع الكابينيت.

واتخذت الإدارة الأمريكية خطوات لوقف التمويل الفيدرالي عن الوكالة الأمريكية للإعلام العالمي، بحسب القرار التنفيذي، 15 مارس 2025، ويشمل ذلك "فويس أوف أمريكا" وشبكات الإذاعة الموجهة مثل "راديو أوروبا الحرة و"راديو آسيا الحرة" وشبكات البث للشرق الأوسط، مع إعطاء موظفي "فويس أوف أمريكا"، البالغ عددهم 1300 إجازة إدارية ومنعهم من دخول مقر الشبكة أو استخدام معداتها.

وسبقت الإدارة الأمريكية تلك الإجراءات بحق "فويس أوف أمريكا"، بإجراء تحقيقات داخلية تتعلق بانتقادات موجهة للرئيس الأمريكي على صفحات وسائل التواصل الخاصة بمنتسبيها "قد تؤثر على الصورة الذهنية للشبكة ومصداقيتها لدى الجمهور"، كما منعت الإدارة الجديدة الوكالة الأمريكية للإعلام العالمي من نشر مواد إعلامية تعارض سياسات الرئيس ترامب، وفق ما كشفته صحيفة "نيويورك تايمز"، 28 فبراير الماضي، كاشفة عن إجازات ممتدة مع عدد من منتسبي الشبكة على ذمة التحقيقات.

دوافع سياسية

على الرغم من معارضة الأوساط الإعلامية لإجراءات الإدارة الأمريكية وتحذير المناصرين لحرية الرأي والتعبير من تأثير ذلك على مستقبل الديمقراطية في البلاد، إلا أن إدارة ترامب تبدو مدفوعة بالعديد من الأهداف، التي يمكن تفصيلها على النحو التالي:

(&) صعود إعلام "ماجا": تهدف تحركات الإدارة الأمريكية لإفساح المجال أمام وسائل الإعلام المحافظة التقليدية والرقمية، ففي تقليد جديد أقدمت عليه إدارة ترامب، بات الفضاء الإلكتروني أداة رئيسية في المواجهة مع الإعلام التقليدي "المعادي" للرئيس - إلى جانب حساب الرئيس على منصته "تروث سوشيال" - وهو ما دفع البيت الأبيض لتدشين حساب رسمي "Rapid Response 47" على موقع "إكس" للرد السريع والمباشر على "الأخبار الكاذبة"، التي تروج لها المنصات الإعلامية "القديمة"، حسب تعبير المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت، وهو ما حذت وزارة الدفاع حذوه بتدشين حسابها الخاص للرد السريع "DoD Rapid Response" لذات الغرض، وبرز ذلك في مهاجمة صحيفة "نيويورك تايمز"، بشأن تقريرها عن علاقة المليادرير ومسؤول "وزارة الكفاءة الحكومية" إيلون ماسك بخطط البنتاجون تجاه الصين.

وفتحت كارولين ليفيت في أول إحاطة صحفية لها، 28 يناير 2025، باب غرفة الصحافة في البيت الأبيض أمام "الإعلام الجديد"؛ في إشارة إلى نشطاء وصناع المحتوى السياسي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأشارت إلى تقديم 11500 طلب للحصول على أوراق اعتماد صحفية لدى البيت الأبيض على أساس التناوب الدوري.

الرأي العام الأمريكي تجاه وسائل الإعلام

(&) اختراق وتوجيه الرأي العام الأمريكي: يخضع جانب من تلك المواجهة الإعلامية إلى توجيه تركيز الرأي العام على قضايا الداخل، إذ مثلت عملية الإفراج عن عشرات آلاف الوثائق المتعلقة باغتيال الرئيس الأمريكي جون كينيدي، محاولة من الرئيس دونالد ترامب، لكشف الحقائق للرأي العام الأمريكي كجزء من استراتيجيته الإعلامية والترويجية لتقويض مصداقية وسائل الإعلام التقليدية، التي تميل إلى الأفكار الليبرالية ويعتبرها "عدوًا للشعب" ليس فقط عبر التحكم في تدفق المعلومات بل عبر توجيه الرأي العام الأمريكي لحقائق "غُيبت" عن النقاش العام لصالح قضايا التنوع والتعدد، كما تستهدف الإجراءات التقييدية محاربة سياسات "التنوع والمساواة والاندماج"، التي كانت جزءًا أساسيًا من سياسات البيت الأبيض قبل أشهر، عبر إنهاء الالتزام بتلك المعايير وتقييد أي صفقات للاندماج أو الاستحواذ بين المؤسسات الإعلامية عملًا بها.

واعتبرت ليفيت أن إعلان جيف بيزوس، 26 فبراير 2025، إعادة هيكلة صفحات الرأي في "واشنطن بوست"، لتواكب السياسة التحريرية الجديدة، يمثل إدراكًا من وسائل الإعلام الرئيسية أن "ازدراء أكثر من نصف الأمريكيين الذين يدعمون الرئيس ترامب لا يساعدهم على بيع صحفهم"، حسب صحيفة وول ستريت جورنال، ويأتي ذلك في إطار التقارب بين مؤسس أمازون والرئيس ترامب قبل وصوله إلى البيت الأبيض، التي دفعت "واشنطن بوست" للامتناع لأول مرة في تاريخها عن تأييد أي من المرشحين في السباق الرئاسي الأخير.

(&) اختراق الأجيال الشابة: ركزت حملة دونالد ترامب الانتخابية على استقطاب أصوات جيل زد للفوز بالسباق الرئاسي، وهو ما يفسر الاهتمام الكبير بملء الفراغ الذي خلفه انعدام الثقة لدى شرائح واسعة من الأجيال الشابة والقاعدة الانتخابية للحزب الجمهوري عمومًا في وسائل الإعلام من خلال اختيار كارولين ليفيت صاحبة 27 عامًا كمتحدثة باسم البيت الأبيض.

وتشير استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة لانحدار كبير في مستويات ثقة الأمريكيين في وسائل الإعلام، خاصة الإعلام الإخباري على مدار 4 عقود مقابل صعود المؤثرين الأفراد، ومن بينهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتظهر بيانات مؤسسة "جالوب" أن 36% من المستطلعة آراؤهم لا يثقون على الإطلاق في وسائل الإعلام، عام 2024، ارتفاعًا من مستوى 6% فقط، عام 1972، بينما انخفضت نسبة الثقة في أوساط الأمريكيين قبل 4 عقود من 68% إلى 31% فقط في 2024.

وتعد الفترة من 2020 إلى الآن مؤشرًا مهمًا على ارتفاع مستويات عدم الثقة قياسيًا في أوساط الجمهور الأمريكي من المؤيدين للحزبين الجمهوري أو الديمقراطي أو غير المؤدلجين، وكذلك من مختلف الفئات العمرية، إذ تخطت لأول مرة حاجز 50% منذ 2020 وصولًا إلى 59% من الجمهوريين، مقابل 42% في أوساط المستقلين ونحو 6% فقط بين الديمقراطيين في العام السابق.

وانخفضت مستويات الثقة في مصداقية وسائل الإعلام بين مختلف الفئات العمرية، خاصة في فئة جيل زد من مؤيدي الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وفي الفئة بين 18 و29 عامًا بلغ مستوى الثقة بين الديمقراطيين 31% مقابل 20% في أوساط الجمهوريين، وفي الفئة بين 30 و49 عامًا بلغ 45% بين الديمقراطيين مقابل 8% بين الجمهوريين. وفي الفئة بين 50 و64 عامًا بلغ مستوى الثقة بين الديمقراطيين 63% مقابل 8% للجمهوريين. وفي الفئات الأكبر بلغ 75% بين جمهور الحزب الديمقراطي مقابل 15% بين الحزب الجمهوري.

وإجمالًا؛ تُشكل المواجهة بين إدارة ترامب ووسائل الإعلام امتدادًا أكثر شراسة لمناوشات الولاية الأولى للرئيس الأمريكي مع وجود دوافع سياسية وأيديولوجية لتلك الحرب تصب في جوهر الأجندة السياسية للإدارة الساعية لتغيير وجه أمريكا وإيجاد صوت داعم للإجراءات "الإصلاحية" في هيكلية وسلطة الحكومة الفيدرالية سياسيًا وقيميًا، إلى جانب قضايا مكافحة الهجرة عبر الحدود الجنوبية وترحيل آلاف المهاجرين من البلاد.