الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

مكاسب أم خسائر؟.. انعكاس سياسات ترامب التجارية على تكتل "بريكس"

  • مشاركة :
post-title
دونالد ترامب وتكتل البريكس

القاهرة الإخبارية - رضوى محمد

يشهد الاقتصاد العالمي تحولات كبيرة؛ جراء الرسوم الجمركية التي أقرها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فالدول والأسواق المختلفة تعرضت لصدمة كبيرة، وهو الأمر الذي سينتقل إلى تكتل "بريكس"، باعتباره التكتل الذي يعمل على إحداث التوازن في الاقتصاد العالمي، والتصدي للهيمنة الدولارية، والسيطرة الأمريكية على الاقتصاديات المختلفة، وهو الأمر الذي يضع تركيزًا كبيرًا على قمة "بريكس" المُقبلة في البرازيل.

ومن الجدير بالذكر هنا أن ترامب في الثاني من أبريل الحالي، الذي أطلق عليه "يوم التحرير"، أعلن عن فرض رسوم جمركية جديدة على عشرات الدول، خاصة كبار الشركاء التجاريين للولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما جاء بنسبة 54% على الصين، و46% على فيتنام، و25% على كوريا الجنوبية، و24% على اليابان، و20% على الاتحاد الأوروبي.

تأسيسًا على ما سبق، يحاول هذا التحليل الإجابة عن تساؤل رئيسي وهو: هل سيستفيد أم يخسر تكتل "بريكس" من سياسات ترامب الحالية؟

مؤشرات حول تكتل البريكس
وضع التكتل

يمكن توضيح وضع تكتل "بريكس" خلال الفترة الأخيرة من خلال النقاط التالية:

(-) حجم التكتل: توسَّع تكتل "بريكس" بشكل كبير في عدد الأعضاء وحجم اقتصاده، فقد أصبح مكونًا من 10 دول، سواء مؤسسين (روسيا والصين والبرازيل والهند وجنوب إفريقيا) أو أعضاء جدد (مصر وإيران والإمارات وإثيوبيا وإندونيسيا)، فقد أصبحت إندونيسيا عضوًا كاملًا في يناير 2025.

الشكل (1) يوضح حجم اقتصاد تكتل البريكس خلال 2023 و2024 ويناير 2025

وعلى هذا الأساس، ارتفع حجم اقتصاد تكتل "بريكس" من نحو 25.8 تريليون دولار في عام 2023 إلى 27.2 تريليون دولار في عام 2024، أي ارتفع بنسبة 5.43%، ثم ارتفع بعد انضمام إندونيسيا إلى 28.6 تريليون دولار، وهو الأمر الذي يدل على أن التكتل ازداد قوة بين التكتلات الاقتصادية العالمية، فإجمالي اقتصاد "بريكس" تجاوز حجم اقتصاد دول مجموعة السبع، فيما عدا الولايات المتحدة الأمريكية، كما يوضح الشكل (2)، إذ يبلغ حجم اقتصاد الدول الست نحو 27.4 تريليون دولار، وهو ما يتجاوزه تكتل "بريكس" بنحو 1.2 تريليون دولار.

الشكل (2) يوضح حجم اقتصاد مجموعة السبع الصناعية في عام 2024- المصدر: صندوق النقد الدولي

(-) أهداف التكتل: وضع تكتل "بريكس" أهدافًا استراتيجية تتمحور حول إعادة التوازن في النظام العالمي ومواجهة الأُحادية الأمريكية، إذ أنشأت دول "بريكس" شبكة واسعة من التعاون بين الحكومات، فقد تم تأسيس مؤسسات خاصة مثل اتفاقية الاحتياطي الطارئ (CRA) التي أُنشئت في عام 2014 بتمويل أولي قدره 100 مليار دولار، وبنك التنمية الجديد الذي أُنشئ عام 2015 برأس مال أولي مُكتتب قدره 50 مليار دولار، وهو الأمر الذي يوضح أن التكتل يسعى إلى تحدي مؤسسات الحوكمة الاقتصادية العالمية التي يُهيمن عليها الغرب، فضلًا عن استهدافه إزاحة الدولار الأمريكي من مركزه العالمي، الذي يُعد الهدف الاستراتيجي للتكتل في جميع الأوقات، حتى ولو تأخر تنفيذه.

مواقف مهمة

نتطرق إلى عدد من المواقف الاستراتيجية في التعرف على مستقبل "بريكس" خلال الفترة القادمة، وذلك في النقاط الآتية:

(-) الموقف الأمريكي: مع بداية الفترة الثانية لدونالد ترامب، اتجهت تهديداته إلى تكتل "بريكس"، بأن الولايات المتحدة الأمريكية ستفرض رسومًا بنسبة 100% على دول "بريكس" إذا تم إطلاق عملتها الخاصة، أو في حالة استبدال الدولار كعملة احتياطية، وهو الأمر الذي يوضح أن ترامب يُعادي الهدف الأساسي لـ "بريكس" المتعلق بإلغاء الهيمنة الدولارية.

ومن ناحية أخرى، فرض ترامب رسومًا جمركية متفاوتة على الدول الأعضاء في تكتل "بريكس"، وجاءت بنسبة 34% على الصين، بالإضافة إلى نسبة 20% رسومًا جمركية حالية، و32% على إندونيسيا، بينما 30% لجنوب إفريقيا، و26% للهند، و10% لكلٍ من مصر والإمارات العربية المتحدة وإيران وإثيوبيا، وقد استثني القرار الأمريكي روسيا من الرسوم الجمركية، بسبب التفاوض على النزاع الأوكراني.

ومن هنا، من المتوقع أن تزيد الرسوم الجمركية ميزانية الولايات المتحدة الأمريكية بنحو أكثر من 278 مليار دولار سنويًا، معظمها من الواردات القادمة من دول "بريكس"، باستثناء روسيا.

(-) الموقف الروسي: عملت روسيا على رفض التهديدات التي جاء بها ترامب ضد تكتل "بريكس"، ولكن التصريح الذي أوضحه الناطق باسم الكرملين "ديمتري بيسكوف" في يناير الماضي، بأن مجموعة "بريكس" التي تعد روسيا عضوًا فيها، لا تتحدث عن إنشاء عملتها الخاصة، بل عن إنشاء منصات استثمارية مشتركة فحسب، يوضح أن روسيا لا تريد زيادة المعاداة مع الولايات المتحدة الأمريكية.

ويُستدل على ذلك من خلال إقرار روسيا بأن العمل مستمر مع الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن أوضح ترامب أنه "غاضب" من بوتين في الـ 30 من مارس الماضي، وأنه سيفرض رسومًا جمركية ثانوية تتراوح بين 25% و50% على مشتري النفط الروسي إذا عرقلت روسيا جهوده لإنهاء الحرب في أوكرانيا.

انعكاسات مُحتملة

يحمل الإطار العام الذي تم وصفه، العديد من الانعكاسات على تكتل "بريكس"، وذلك على النحو التالي:

أولًا: المكاسب

(-) توسع التكتل: من المُحتمل بشكل كبير أن يرغب العديد من الدول الانضمام إلى تكتل "بريكس"، باعتباره يُشكل ملاذًا آمنًا من الضغوط الاقتصادية والدبلوماسية الأمريكية، ووسيلة للتخفيف من آثار العقوبات والرسوم الجمركية التي ستضر بالدول المختلفة والاقتصاد العالمي، وذلك الأمر حتى مع الدول التي تربطها علاقات إيجابية نسبيًا مع الولايات المتحدة الأمريكية، إذ إنها تُقدر "بريكس" كوسيلة لتحقيق تكامل اقتصادي دولي كبير في اقتصاد عالمي يُعاني من درجة عالية من عدم اليقين.

ومن هذا المنطلق، تذهب التوقعات إلى أن قمة "بريكس" المُقبلة في يوليو 2025 بالبرازيل، ستشهد انضمام دول جديدة إلى التكتل، بدافع تحقيق التوازن في الاقتصاد العالمي، في ظل التحكم الأمريكي في موازين القوى العالمية، فالحرب التجارية ستجعل دولًا أخرى في الجنوب العالمي تبحث عن شراكات بديلة، وقد ترى في "بريكس" خيارًا مناسبًا.

(-) زيادة معدلات التجارة: إن الحرب التجارية السائدة في الأوساط العالمية، ستدفع الدول إلى تعويض خسائرها من التجارة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما سيترتب عليه تعزيز التبادل التجاري بين دول "بريكس"، باعتباره تكتلًا يضم أهم الدول التصديرية في الاقتصاد العالمي، مثل الصين وروسيا والبرازيل، فهذه الدول ستحاول إيجاد أسواق بديلة لتسويق منتجاتها، مما سيفتح الطريق أمام دول التكتل لإيجاد كافة السُبل نحو تعميق التبادل التجاري بينها.

(-) تقليل الاعتماد على الدولار: إن توسع ترامب في سياسة فرض الرسوم الجمركية، سيُحفز الدول على تقليل الاعتماد على الدولار من خلال تعزيز تعاونها مع دول التكتل عبر العملات المحلية، فالتعامل بالعملات المحلية بين دول "بريكس" سيكون قرارًا محتملًا في القمة المُقبلة، فالقيود الأمريكية ستُحفز "بريكس" على تطوير نظام مالي بديل واستخدام العملات الوطنية في التبادل.

ثانيًا: التهديدات

(-) تأثر اقتصاد دول "بريكس": من منطلق أن دول "بريكس" تعتبر جزءًا من الاقتصاد العالمي، الذي يتجه بشكل واضح إلى حالة من الركود؛ نتيجة التعطل المتوقع في سلاسل الإمداد الذي سينتج عن الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب، يمكن القول إن الدول الأعضاء في التكتل من المُحتمل أن تواجه أزمات اقتصادية عقب صدمة الرسوم الجمركية.

الجدول (1) يوضح حجم الواردات الأمريكية من دول البريكس وقيمة الرسوم الجمركية

وفقًا للجدول (1)، يتضح أن الصين، بفرض رسوم جمركية جديدة بقيمة 34%، ستخسر نحو 157.42 مليار دولار من قيمة صادراتها للولايات المتحدة الأمريكية، كما ستخسر الهند نحو 23.72 مليار دولار، بينما ستفقد إندونيسيا نحو 9.46 مليار دولار، والبرازيل نحو 4.42 مليار دولار، وهو ما يوضح الخلل الذي سيحدث في الميزان التجاري لهذه الدول.

بالإضافة إلى ذلك، إن ارتفاع التضخم المُحتمل في الولايات المتحدة الأمريكية نتيجة سياسات دونالد ترامب، سيعمل على زيادة احتمالات رفع مستويات الفائدة الفيدرالية، وهو ما سيُحمّل دول "بريكس" أعباءً مالية كبيرة تؤثر على ميزانيتها. 

ومن ناحية أخرى، إن الارتفاع المتوقع في أسعار السلع العالمية، سيرفع معدلات التضخم داخل معظم دول "بريكس"، وهو ما يُقلل من التأثير الإيجابي للمشروعات التنموية المختلفة.

(-) تقويض هدف إصدار عملة موحدة: من المُحتمل أن يُستبعد النقاش حول إصدار عملة موحدة داخل تكتل "بريكس" في الفترة القادمة، وهو الأمر الذي يرجع إلى أن الدول داخل تكتل "بريكس" لم تتحد في شكل علاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، وفي تأييدها بأن يكون "بريكس" مُصممًا لمواجهة المصالح الأمريكية. فقرار إصدار عملة موحدة يحتاج إلى توافق سياسي واقتصادي داخل التكتل.

وفي النهاية، يُمكن القول إنه بحساب ميزان المكاسب والتهديدات على تكتل "بريكس" جراء سياسات ترامب الأخيرة، يتضح أن التكتل سيربح أكثر مما يخسر من هذه السياسات، بل وسيستفيد استراتيجيًا على المدى الطويل، بالرغم من تكبده بعض الخسائر الاقتصادية على المدى القصير، فالحرب التجارية تُعد فرصة لإعادة ترتيب أوراق القوة الاقتصادية، وهو ما سيحاول التكتل استغلاله لبناء نظام عالمي أقل هيمنة من الغرب.