انطلقت الدورة التاسعة والعشرون لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP29) في باكو الاثنين 11 نوفمبر 2024، وتستمر فعاليات المؤتمر حتى الثاني والعشرين من الشهر الجاري، لمتابعة التقدم والتفاوض حول أفضل السبل لمواجهة التغير المناخي، باعتبارها قضية كونية تستوجب التعاون الدولي الفعال للتغلب عليها.
ويتأكد ذلك في ضوء تحذير الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، من أنَّ "أزمة المناخ أصبحت واقعًا ملموسًا"، مؤكدًا على أهمية التحرك السريع لمواجهة الكوارث الجوية المتطرفة التي يشهدها العالم، وأضاف أن هذه الكوارث تشكل "مأساة إنسانية" تهدد صحة الناس، وتزيد التفاوت بين الدول، وتؤثر سلبًا على التنمية المستدامة، كما تزعزع السلام في العديد من المناطق.
ويتزامن مع فعاليات مؤتمر "كوب 29" في دولة أذربيجان، تزايد حدة الصراعات والحروب حول العالم، والتي يأتي في مقدمتها الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، فضلًا عن استمرار التأثيرات والتداعيات الناجمة عن الصراع الروسي الأوكراني. وتلعب القوى الكبرى المشاركة أو المؤثرة في مثل هذه الصراعات الدولية، دورًا محوريًا في التأثير على التقدم بالالتزامات المناخية، وبالتالي قد يتأثر هذا الدور بمقدار المشاركة في هذه الصراعات، خاصة في ما يتعلق بالالتزامات البيئية والتعهدات المالية لتلك القوى، مثل التوترات بين الولايات المتحدة والصين، التي تؤثر على تعاونهما ضمن الجهود العالمية لتخفيف التغير المناخي، إذ تُعّد هاتان الدولتان من أكبر الملوثين في العالم.
وهذه الحالة من التصعيد للأزمات والصراعات والحروب الدولية ودور القوى الدولية المؤثرة فيها، تثير تساؤلًا مهمًا وهو: إلى أي مدى تؤثر الحروب والصراعات على قضية التغير المناخي وخاصة في ما يتعلق بتعاون القوى الدولية الكبرى لمواجهة هذه القضية عبر الوفاء ماليًا وبيئيًا بتعهداتها الدولية؟
القوى الكبرى في العمل المناخي
يعتمد ترتيب أكبر القوى الدولية في الالتزام بالتعهدات بمواجهة تغير المناخ، على العديد من العوامل، أهمها: حجم التمويل الذي تقدمه الدول، ومساهماتها في الصناديق المناخية الدولية مثل صندوق المناخ الأخضر Green Climate Fund))، والالتزامات الخاصة بخفض الانبعاثات. وفي ما يلي تحليل لأكبر القوى الدولية في مسعى لترتيبها من جهة التزامها المالي:
(*) الولايات المتحدة الأمريكية: تعد أكبر داعم مالي لقضايا المناخ على مستوى العالم، إذ تعهدت الولايات المتحدة في اتفاق باريس، بتقديم 3 مليارات دولار لصندوق المناخ الأخضر حتى عام 2020، رغم أن بعض هذه الالتزامات تم تعديلها أو تجميدها في ظل التغيرات السياسية الداخلية. وبعد عودة الولايات المتحدة إلى اتفاق باريس في 2021 تحت إدارة الرئيس جو بايدن، أعادت تعزيز التزامها المناخي، وأعلنت إدارة بايدن عن حزمة تمويلية تصل إلى 11.4 مليار دولار سنويًا لدعم البلدان النامية لمواجهة التغير المناخي.
(*) الاتحاد الأوروبي: التزمت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بتقديم 100 مليار دولار سنويًا اعتبارًا من 2020 في إطار التمويل المناخي (بما يشمل مساعدات البلدان النامية)، وهو جزء من التزام عالمي لتحقيق هذا الهدف، بالإضافة إلى المساهمات في صندوق المناخ الأخضر، يقدم الاتحاد الأوروبي تمويلًا مباشرًا في مشروعات التنمية المستدامة، بما في ذلك برامج لتقليل الانبعاثات والتكيف مع التغيرات المناخية.
(*) اليابان: تُعَّد اليابان من أكبر المساهمين في التمويل المناخي، إذ قدمت نحو 15.5 مليار دولار أمريكي بين عامي 2017 و2020 لدعم البلدان النامية في التكيف مع تغير المناخ والحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، وتلتزم اليابان بتقديم التمويل المناخي على مدار السنوات المقبلة، خاصة في إطار مجموعة السبع G7 التي تهدف إلى تحقيق هدف التمويل المناخي البالغ 100 مليار دولار سنويًا.
(*) المملكة المتحدة: تعهدت المملكة المتحدة في قمة كوب 26 التي انعقدت في جلاسكو 2021، بتقديم 11.6 مليار جنيه إسترليني (نحو 15.5 مليار دولار) خلال فترة 5 سنوات لدعم الدول النامية في مواجهة التغيرات المناخية.
(*) ألمانيا: تلتزم برلين بتقديم تمويل من خلال البنك الألماني للتنمية(KfW) وصندوق المناخ الأخضر، ففي قمة COP21 في باريس، التزمت ألمانيا بتقديم 2.8 مليار يورو سنويًا لتمويل مشروعات التخفيف والتكيف مع التغير المناخي في البلدان النامية.
(*) كندا: تعد واحدة من المساهمين الرئيسيين في التمويل المناخي الدولي، إذ أعلنت عن تقديم 5.3 مليار دولار كندي (نحو 4.2 مليار دولار أمريكي) خلال الفترة من 2021 إلى 2025.
(*) الصين: تقدم الصين تمويلًا تقنيًا وماليًا للمشروعات المناخية في إطار مبادرة الحزام والطريق، التي تشمل استثمارات في البنية التحتية المستدامة والطاقة المتجددة في العديد من البلدان النامية.
وعلى الرغم من جهود هذه القوى الدولية في توفير التمويل اللازم لمواجهة التغيرات المناخية، إلا أنه لا تزال هناك فجوة تمويلية بين المتاح من التمويل الذي تقدمه هذه القوى وبين الاحتياجات المالية المطلوبة لمواجهة هذه التغيرات، وأكد برنامج الأمم المتحدة للبيئة في تقرير فجوة التكيف لعام 2024، أن التقدم المحرز في تمويل التكيف ليس كافيًا لسد الفجوة الهائلة بين الاحتياجات، والمبالغ التمويلية التي يتم دفعها بالفعل. وقال التقرير إنه رغم زيادة التمويل للدول النامية للتكيف مع تغير المناخ من 22 مليار دولار أمريكي في عام 2021 إلى 28 مليار دولار أمريكي في عام 2022، إلا أن هذا لن يساعد على تقليص فجوة تمويل التكيف، والتي تقدر بنحو 187 إلى 359 مليار دولار أمريكي سنويًا، إلا بنحو 5% تقريبًا.
وستركز "كوب 29" هذا العام على التمويل كقضية رئيسية لأنه قبل سنوات تم تخصيص 100 مليار دولار لمشروعات التمويل المناخي، ولم يتم الالتزام بهذا المبلغ من قبل الدول المتقدمة والأكثر تلويثًا، وهذا العام من المفترض مناقشة الهدف الكمي الجماعي الجديد في ضوء تسارع وتيرة تأثيرات التغيرات المناخية مع عدم التزام الدول الكبرى بتعهداتها، فقد شهد هذا العام فيضانات شديدة في إسبانيا ما خلق خسائر بشرية واقتصادية ضخمة، وفي الأعوام الماضية كانت هناك كوارث أخرى في باكستان وليبيا وغيرها.
ويأتي مؤتمر هذا العام بعد الإعلان في كوب 28 عن تفعيل صندوق الخسائر والأضرار المخصص لدعم الدول النامية للتكيف مع آثار تغير المناخ، وضخت الدول المساهمة فيه نحو 700 مليون دولار. وتطالب الدول النامية هذا العام بزيادة هذا التمويل ليصل 1300 مليار دولار، حيث تحتل مسألة زيادة التمويل المناخي صدارة أولويات كوب 29.
تأثير الصراعات على التعاون المناخي
تؤثر الصراعات والتوترات العالمية سلبيًا بشكل كبير على التعاون الدولي في معالجة قضية التغيرات المناخية، في وقت تشهد فيه بعض المناطق في العالم صراعات وحروب مستمرة، مثل النزاعات في الشرق الأوسط أو الأزمة الروسية الأوكرانية التي يتأثر بها العمل الجماعي الدولي خاصة التنسيق بين القوى الكبرى ذات الوزن النسبي الأكبر في مواجهة التحديات البيئية، وفي القلب منها قضية التغيرات المناخية. ويمكن الوقف على أهم مواطن هذا التأثير في ما يلي:
(-) الانقسامات بين القوى الكبرى حول تعزيز التعاون الدولي للتغلب على التغيرات المناخية: في ظل الصراعات والتوترات الجيوسياسية، قد تتجاهل بعض الدول التزاماتها البيئية أو تقوم بتقليص مشاركتها في الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالمناخ مثل اتفاق باريس. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تؤدي التوترات بين الولايات المتحدة والصين إلى تأخير أو تعطيل التعاون في مجالات الطاقة النظيفة والتكنولوجيا البيئية.
(-) تقليل القوى الكبرى لمخصصات الاستجابة للتغيرات المناخية: يمكن أن تُجّبِر الحروب والصراعات الدولية الدول المتورطة فيها والقوى الدولية المساندة لها على إعادة ترتيب أولوياتها، وتقديرها لحجم التهديدات والمخاطر، بحيث تمنح التهديدات الناجمة عن اندلاع الحروب باعتبارها قصيرة الأجل الأولوية مقارنة بالتهديدات المتعلقة بتغير المناخ. وانطلاقًا من تلك الرؤية، تؤثر الحروب بالسلب على الاستجابة الفعالة للتهديدات المناخية، وذلك في ضوء جملة من الاعتبارات من بينها توجه هذه الدول وغيرها لزيادة الإنفاق الدفاعي ومخصصات الجيوش على حساب المخصصات التي يمكن أن توجه للعمل المناخي، وهذا ما انعكس بصورة مباشرة على الإنفاق العسكري العالمي عام 2022، والذي وصل إلى 2.24 تريليون دولار، كما شهدت أوروبا أكبر زيادة سنوية في إنفاقها الدفاعي منذ ثلاثة عقود.
من ناحية أخرى، قد تدفع الحروب والصراعات وما ينتج عنها من أزمات اقتصادية، الدول الغنية لإعادة النظر في تمويل المبادرات المناخية للدول الفقيرة أو على أقل تقدير ستؤثر في وفاء الدول المتقدمة بالتعهدات المالية - 100 مليار دولار سنويًا- للدول الفقيرة المتضررة من تفاقم الكوارث الناجمة عن تغير المناخ، حتى في اليوم التالي لانتهاء الحروب والصراعات الحالية، سيكثف المجتمع الدولي والدول التي تعرضت لها جهودهم لإعادة الإعمار والتعافي، ما قد يؤدي إلى تراجع الاهتمام بقضايا مواجهة التغيرات المناخية، وهو ما ستفرضه الأولويات في هذا التوقيت.
(-) تبني بعض القوى الدولية لسياسة "الانعزالية البيئية": قد تتبنى بعض القوى الكبرى سياسات بيئية انعزالية في ظل التوترات العالمية، حيث تركز على مصالحها الوطنية فقط وتبتعد عن التعاون الدولي في القضايا المناخية. ومن المتوقع أن تنتهج الولايات المتحدة هذه السياسة بعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024، فقد ألقت عودة ترامب –الذي سبق له تبني هذه السياسة خلال ولايته الأولى- بظلال قاتمة على آفاق التوصل إلى اتفاق قوي في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في باكو، وسيزيد من الضغوط على أوروبا والصين لقيادة إحراز تقدم عالمي نحو الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، فقد صرح ترامب، الذي وصف تغير المناخ بـ"الخدعة"، أنه يعتزم الانسحاب مجددًا من اتفاقية باريس التاريخية للمناخ لعام 2015 في بداية رئاسته الثانية، كما طرح مستشاروه السياسيين فكرة خروج الولايات المتحدة من اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ التي وافق عليها مجلس الشيوخ في عام 1992، وهو الأمر الذي يتأكد في ضوء ما جاء في صحيفة نيويورك تايمز الجمعة 8 نوفمبر 2024 أن الفريق الانتقالي للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب يُعِدُّ أوامر تنفيذية وبيانات حول الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، فمن شأن هذه السياسات الأمريكية أن تعوق التقدم الجماعي في قضايا مثل خفض الانبعاثات الكربونية أو تعزيز الطاقة المتجددة.
(-) أولوية الأمن لدى بعض القوى الدولية على حساب التغيرات المناخية: في الغالب يكون لدى الدول الكبرى المؤثرة في الصراعات الدولية، أولويات سياسية وأمنية تتعلق بتعزيز نفوذها أو حماية مصالحها الاستراتيجية. وفي مثل هذه الحالات، يمكن أن تأتي القضايا البيئية والمناخية في مرتبة أدنى مقارنة بالقضايا الأمنية المباشرة. فعلى سبيل المثال، في ظل النزاع في أوكرانيا، قد تقدم بعض الدول الدعم العسكري أو الاقتصادي لأطراف النزاع، بينما يتم تأجيل المبادرات المناخية أو تخفيض التزاماتها في مجال حماية البيئة بسبب التركيز على تعزيز موقفها السياسي أو العسكري. وقد تنظر بعض القوى إلى الأمن الطاقي على أنه أمر بالغ الأهمية لذلك تركز على ضمان أمن إمدادات الطاقة بدلًا من التزاماتها المناخية، ومثال على ذلك موقف الولايات المتحدة التي ركزت منذ الأزمة الروسية الأوكرانية على الطاقة الأحفورية بشكل مؤقت بسبب حاجة حلفائها للطاقة، مما يتعارض مع أهداف خفض الانبعاثات.
نتائج ضارة
ينتج عن التأثيرات السلبية السابقة، بعض الأضرار في ما يتعلق بتعزيز التعاون الدولي بين القوى الكبرى في مواجهة تحديات التغيرات المناخية. ويمكن تحديد بعض هذه الأضرار في ما يلي:
(&) تراجع العمل الجماعي الدولي لمواجهة تغير المناخ: يمكن أن تنعكس حالة الاستقطاب الدولي الناجم عن المنافسة الجيوسياسية المتصاعدة وتباين وجهات النظر الدولية بشأن ارتفاع وتيرة الحروب وحالة العسكرة، على الجهود الدولية للتعاطي مع التغيرات المناخية. وفي هذا الإطار، يظل التنافس بين الصين والولايات المتحدة عائقًا أمام تبني سياسة تعاونية للحيلولة دون تفاقم تأثيرات تغير المناخ، خاصةً أن البلدين يُعدان أكثر دولتين ملوثتين للبيئة في العالم. وعلى الرغم من الاتفاق بين بكين وواشنطن في منتصف نوفمبر 2023 على تعزيز التعاون بينهما، فإن صمود الاتفاق أو تحويله إلى ممارسة فعلية يمكن أن يصطدم بحالة المنافسة الجيوسياسية أو التجارية بين القوتين.
(&) عرقلة التحول العالمي للطاقة النظيفة: يمكن أن تؤثر الحروب في التعاون الدولي بشأن التحول العالمي في مجال الطاقة النظيفة، وهو ما أفرزته الحرب الروسية الأوكرانية، فمع توظيف موسكو لورقة الغاز الطبيعي كسلاح في الصراع مع الغرب، ولمواجهة نقص الغاز الروسي في السوق الأوروبية، لجأ عدد من الدول داخل الاتحاد الأوروبي لتمديد أو إعادة فتح محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، وذلك بعد إغلاقها استجابة لسياسات التحول للطاقة النظيفة. من ناحية أخرى، يمكن أن يؤدي الارتفاع غير المسبوق في أسعار الطاقة عقب الحرب الروسية الأوكرانية، إلى تعزيز جهود الاستثمار في تطوير حقول النفط والغاز الطبيعي، وجميعها أهداف لا تصب في صالح التحول إلى الطاقة النظيفة بعيدًا عن الوقود الأحفوري.
تعزيز الفرص المناخية
على الرغم من عدم التزام القوى الدولية المشاركة أو المؤثرة في الصراعات الدولية بتعهداتها المناخية بفعل التأثيرات السلبية سالفة الذكر، والتي من شأنها الحد من قدرتها على الوفاء بالتزامات المناخ، إلا أنه قد يكون هناك بعض الاستثناءات عندما تدرك الدول وفي مقدمتها القوى الكبرى أن التغير المناخي يؤثر على استقرارها طويل الأمد، وأن التعاون المناخي قد يكون جزءًا من الحلول لتعزيز الأمن والسلام. فرغم هذه التأثيرات على التزام القوى الدولية بتعهداتها المالية المطلوبة لموجهة التغيرات المناخية، يمكن أن تكون هناك بعض الفرص لتحفيز التعاون في قضية المناخ حتى في أوقات مثل هذه الصراعات التوترات العالمية. ويمكن تحديد هذه الفرص في ما يلي:
(#) التعاون المناخي عبر الأزمات: على الرغم من الصراعات الدولية، قد تظهر مناطق تعاون جديدة في قضايا مثل الطاقة النظيفة أو الحفاظ على التنوع البيولوجي، خصوصًا عندما تدرك الدول والقوى الكبرى منها أن التغير المناخي لا يعرف حدودًا سياسية وأن أخطاره تصل الجميع دون تفرقة بين شعوب أو حدود الدول.
(#) تعزيز دور التكنولوجيا والتعاون الاقتصادي في التغلب على الخطر المناخي: قد تشجع الأزمات الاقتصادية العالمية، بعض الدول والقوى الدولية على التعاون في مجالات مثل الابتكار التكنولوجي (في الطاقة المتجددة) باعتباره وسيلة لتحفيز الاقتصاد وتحقيق النمو المستدام فيها.
(#) استخدام التعاون الدولي لمواجهة التغيرات المناخية كعامل محفز على السلام في بعض المناطق: على الرغم من التحديات والتأثيرات المرتبطة بالصراعات، فإن التغيرات المناخية قد تعمل كعامل محفز للسلام في بعض الحالات. وعلى سبيل المثال، التعاون في مجال الطاقة المتجددة أو إدارة الموارد المائية المشتركة يمكن أن يؤدي إلى تقوية التعاون بين الدول التي تعاني من توترات سياسية. هناك أمثلة على مبادرات إقليمية، مثل تلك في جنوب آسيا، التي حاولت استخدام التعاون المناخي كوسيلة لخفض التوترات بين الدول.
وفي النهاية، يمكن القول إن الصراعات والنزاعات والتوترات التي تسيطر على التفاعلات الدولية الراهنة، تؤثر في تفاقم أزمات المناخ. فقد نتج عن التوترات والصراعات العالمية المزيد من الضغوط على التعاون بين القوى الدولية المؤثرة في قضايا المناخ، ولكنها لا تعني نهاية التعاون المناخي أو البيئي خاصة بين هذه القوى، فقد تدفع هذه الصراعات وتلك التوترات بعض الدول الكبرى -ولو عبر المنظمات الدولية- إلى تبني حلول مبتكرة للحفاظ على البيئة ومواجهة التغيرات المناخية التي قد تتجاوز آثارها الصراعات السياسية وقد تهدد الاستقرار العالمي على المدى البعيد، وهو الأمر الذي يتطلب العمل مستقبلًا بكل الوسائل على تحييد التأثير السلبي للصراعات في التعاون الدولي خاصة بين القوى الكبرى في مواجهة التغيرات المناخية باعتبارها قضية كونية تهدد أخطارها الجميع.