الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

كيف تغيّر موقف "بايدن" عن "ترامب" في التعامل مع قضية المناخ؟

  • مشاركة :
post-title
الرئيس الأمريكي جو بايدن ودونالد ترامب

القاهرة الإخبارية - ضياء نوح

رغم تعارض الجدول الزمني لانعقاد اجتماعات الشق الرئاسي لقمة المناخ "Cop 27" مع الالتزامات الداخلية، حرص الرئيس الأمريكي جو بايدن وأركان إدارته على حضور أعمالها بالتزامن مع اليوم المخصص لبحث سبل إزالة الكربون، في تأكيد التزام الولايات المتحدة بدفع وتسريع العمل المناخي الدولي، خلال هذا العقد الحرج، وفق تعبير البيت الأبيض.

وبالتالي، يطرح حضور كل من نانسي بيلوسي، رئيس مجلس النواب، والرئيس جو بايدن، للقاهرة، في ظروف تصادفت فيها انعقاد القمة مع حدث انتخابي مهم لإدارة "بايدن"، وهو انتخابات التجديد النصفي، تساؤلًا مهمًا، هو ما دلالات الحضور الأمريكي وانعكاساتها على قمة التنفيذ؟

حسابات متعارضة:

أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في 1 يونيو 2017، الانسحاب من اتفاق باريس للمناخ 2015، الهادف لخفض انبعاثات الكربون وتحقيق الانتقال الأخضر، والحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى مستوى 1.5 درجة مئوية، قبل أن تعلن رسميًا الانسحاب بعد مرور 3 أعوام، في 4 نوفمبر 2019، وأصبح القرار نافذًا بعد عام من تاريخ الإطار الرسمي، وعللت الإدارة السابقة عملية الانسحاب، باعتبار البقاء في اتفاق باريس يمثل خسائر اقتصادية وجيوسياسية، وسيؤدي لخسارة الاقتصاد الأمريكي نحو 3 تريليون دولار خلال عقود، ويفقد سوق العمل 6 ملايين وظيفة في القطاعات الصناعية، فضلًا عن تعهدات إدارة أوباما بتقديم 3 مليارات دولار سنويًا لصندوق المناخ الأخضر، واعتبرت تلك الإدارة-أي إدارة ترامب، أن اتفاق باريس يسمح للصين بزيادة انبعاثاتها حتى 2030.

وعلى رغم من انسحاب الرئيس الأمريكي السابق ترامب، من اتفاق باريس كما سبق القول، إلا أن الإدارة الأمريكية الحالية، اتخذت اتجاهًا معاكسًا تمامًا لموقفه، حيث أعلن جو بايدن منذ انتخابه رئيسًا للولايات المتحدة، التزام بلاده بالعودة لاتفاق باريس التاريخي وسعى لتكريس ريادة واشنطن للعمل المناخي الدولي، وقبيل انطلاق قمة شرم الشيخ Cop 27، استكمل بايدن خطته المناخية بالداخل، التي تمثلت أهم ملامحها في إقرار الكونجرس الأمريكي قانون تخفيض التضخم بقيمة 368 مليار دولار، الذي يستهدف خفض العجز الفيدرالي ومحاربة التضخم عبر التوسع في إنتاج الكهرباء من الطاقة النظيفة من الرياح البحرية والطاقة الشمسية، بجانب الشحن منخفض أو صفري الانبعاثات في السيارات والمركبات الكهربائية ووقود الطائرات المستدام. كذلك أكد "بايدن" تعزيز المُساءلة المناخية، حيث قال إن إدارته، هي الأولى عالميًا في مجال تعزيز المُساءلة المناخية عبر اعتمادها قرارًا في 10 نوفمبر الجاري، يلزم الموردين للحكومة الفيدرالية بالكشف عن حجم انبعاثاتهم وتحديد أهدافهم في خفض تلك الانبعاثات الضارة وفق اتفاق باريس.

يذكر أن القانون الأمريكي سيسمح بخفض الانبعاثات في الولايات المتحدة، بنحو مليار طن سنويًا بحلول 2030، ويعزز انطلاقة النمو الاقتصادي القائم على الطاقة النظيفة.

التزامات دولية:

بجانب تعيينه مبعوثًا خاصًا لشئون تغير المناخ، وهو وزير الخارجية الأسبق جون كيري، جدد الرئيس الأمريكي اهتمام بلاده بتطوير شراكاتها مع دول العالم في العمل المناخي والوفاء بوعود "القيادة"، من خلال المحاور التالية:

(*) الالتزام بخفض انبعاثات الغازات الدفيئة: في إطار جهودها لخفض انبعاث الغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري بنسبة 50 في المئة بحلول 2030، قادت الولايات المتحدة بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي، جهود خفض الانبعاثات عبر الميثاق العالمي للميثان في قمة جلاسكو للمناخ Cop 26.

وفي ذات الإطار، صادقت واشنطن على تعديل كيجالي لتخفيض إنتاج واستهلاك الغازات الدفيئة وبالتحديد مُركّبات "الهيدروفلوروكربون".

وتتعاون الولايات المتحدة والنرويج في إطار "التحدي الأخضر للشحن" لتوفير ممرات للشحن البحري الأخضر "عديم الانبعاثات".

(*) الحفاظ على الغابات:جددت الولايات المتحدة التزامها بالحفاظ على البيئة الطبيعية والغابات المطيرة في حوض الكونغو والأمازون، التي تساعد في امتصاص بعض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون والحد من الجفاف، وكانت أحد مخرجات قمة جلاسكو.

(*) شراكات عالمية: تعمل الولايات المتحدة مع عدة دول حول العالم، لدعم المرونة والتكيف في البلدان النامية والصغيرة وتحقيق الانتقال لاقتصادات منخفضة الانبعاثات وتأكيد التزامها بمساعدتها على تنفيذ خططها وتعهداتها الوطنية، عبر زيادة التعهدات 4 أضعاف إلى مستوى 11 مليار دولار سنويًا بحلول 2024، في إطار التعهد العالمي البالغ 100 مليار دولار سنويًا للدول النامية والفقيرة.

وتلتزم واشنطن بالشراكة مع حلفائها بمجموعة السبع، في إطار مبادرة "الدرع العالمي" لتمويل ودعم استجابة البلدان المتضررة من تغير المناخ، بجانب إطار "الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار". كما تشترك الولايات المتحدة مع مصر، لدعم برنامج التكيف في إفريقيا الذي أطلقته القاهرة وواشنطن في يونيو 2022، ويشمل إنشاء مركز تدريب في مصر لتسريع جهود التكيف، وتوسيع فرص التمويل للحماية من مخاطر التغير المناخي وتعزيز الأمن الغذائي في القارة.

(*) صفقة مصر: تضمنت كلمة بايدن، إعلان دعم خطة مصر للتحول الأخضر بنحو 500 مليون دولار، لتعزيز عبر إضافة 10 جيجا وات من الطاقة النظيفة، وتحسين كفاءة 5 جيجا وات مُنتجة بالغاز الطبيعي والتعاون في حجر 4 مليارات متر مكعب من الغاز تخسرها في الحرق والتسرب، مما يدعم خفض انبعاثاتها بنحو 10 في المئة.

تغيير قواعد اللعبة:

يؤشر الحضور الأمريكي وتجديد الالتزام بخفض انبعاثات الغازات الدفيئة ودعم التحول لاقتصادات خضراء، فضلًا عن الشراكات والصفقات الجديدة لتسريع العمل المناخي الدولي، على النحو التالي:

(&) العودة للقيادة،جددت الولايات المتحدة التزامها بقيادة العمل المناخي الدولي، في إطار مسئوليتها باعتبارها أبرز الدول المصدرة للانبعاثات، والضغط على الدول الصناعية وعلى رأسها الصين، للتخلي عن الوقود الأحفوري ورفع مساهماتها المالية للدول النامية والأشد تعرضًا لمخاطر التغير المناخي.

وتدخل قيادة العمل المناخي الدولي في إطار استراتيجية الولايات المتحدة، لمواجهة صعود الصين وعمودها الفقري مبادرة الحزام والطريق، من خلال البديل الأمريكي ممثلًا في "الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار"، لضمان استمرارها في موقع قيادة النظام العالمي.

(&) تغيير خريطة الطاقة العالمية، حيث تسهم خطة الرئيس الأمريكي في تغير قواعد اللعبة داخليًا ودوليًا في قطاعات الطاقة والنقل والغذاء بتحفيزها جهود التمويل الخاص للتحول الأخضر بتريليونات الدولارات، إذ ربط بايدن بين تعزيز البنية التحتية الخضراء بالداخل الأمريكي وتسريع وتيرة الانتقال الأخضر بالخارج، عبر انخفاض تكلفة إنشاء محطات الطاقة المتجددة وإتاحتها أمام الدول النامية والصغيرة.

وختامًا؛ تبدو الخطة الأمريكية الطموحة لمواجهة تغير المناخ بمثابة إعادة تأكيد التزام واشنطن بقيادة العمل المناخي الدولي، التي ستسهم في تعزيز قيادة أمريكا للنظام الدولي وتقوض منافسيها وخصومها الرئيسيين، خاصة بعد اختلال أمن الطاقة وزيادة التضخم بالداخل عقب الأزمة الروسية الأوكرانية.

وعلى الجانب الآخر، لم تطرح حلولًا لأزمات الديون المتراكمة على الدول الفقيرة التي تنادي بإسقاط الديون التي تكبدتها للحفاظ على التوازن بين احتياجاتها التنموية والالتزام بخفض الانبعاثات الكربونية. كما تثير أزمة مع حلفائها الأوروبيين تُصف بـ"الحرب الجمركية"، في إطار قانون خفض التضخم الذي يضع حوافز وإعفاءات مالية ضخمة أمام المنتجات المصنعة داخل الولايات المتحدة، لكن الأكيد أن إنفاذ تلك التعهدات سيغير بالفعل قواعد اللعبة على الساحة الدولية.