لا زالت فعاليات القمة العالمية للمناخ "COP 27"، المنعقدة بمدينة شرم الشيخ المصرية، في الفترة من 6 إلى 18 نوفمبر 2022، بمشاركة وحضور 120 من قادة وزعماء العالم ورؤساء الحكومات وعدد من الخبراء والمنظمات الدولية والإقليمية المعنية بشؤون البيئة والمناخ- حديث الصحف والمواقع والقنوات الإخبارية بجميع بلدان العالم، التي أثنت على الدور القيادي الذي تقوم به الدولة المصرية لإنجاح هذا المؤتمر العالمي، وجعلها "النواة" التي من خلالها يبدأ المجتمع الدولي في تنفيذ "خطوات فعالة" تسهم بجدية في حل أزمة التغييرات المناخية وإنقاذ البلدان النامية التي تعاني بشدة من جراء الآثار السلبية لهذه الأزمة التي تشكل تهديدًا وجوديًا لكوكب الأرض.
وتجدر الإشارة إلى أن دول القارة الإفريقية تعاني بشدة من التداعيات الكارثية الناجمة عن تغير المناخ، ولذلك فإن مؤتمر الأطراف في دورته الـ27 يعد "الفرصة والمأمول" لمحاولة هذه الدول إيجاد متنفس يمكنها من مواجهة تلك الأزمة العالمية؛ وعليه فإن الجلسة الافتتاحية للقمة التي افتتحها الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة "أنطونيو جوتيرش" والرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي"، بالإضافة إلى قمة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر، التي انعقدت بالتزامن مع قمة المناخ "COP27"، حرصتا على الاستماع لكلمات عدد من القادة والخبراء الأفارقة، المتضررين جراء عدم تطبيق العدالة البيئية، منهم، "ماكي سال" رئيس السنغال بصفته رئيس الاتحاد الإفريقي، و"ليا نامو جورو" ناشطة أوغندية في مجال المناخ، ورئيس دولة الجابون "على بونجو"، رئيس جمهورية تنزانيا "سامية حسن"، و"عمر سيسكو إمبالو" رئيس غينيا بيساو، و"محمد ولد الشيخ الغزواني"، رئيس جمهورية موريتانيا، و"نجلاء بودن" رئيسة وزراء تونس، و"هاكيندي هيشيليما" رئيس جمهورية زامبيا، الفريق أول عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي بجمهورية السودان، ورئيس إفريقيا الوسطى "فوستين أرشينج تواديرا"، و"وليامروتو" رئيس كينيا.
رسائل واضحة:
حملت كلمات القادة الأفارقة، خاصة قادة دول جنوب الصحراء، عدة رسائل تتعلق بتحقيق العدالة المناخية بين الشمال والجنوب، وضرورة تمويل مكافحة الأضرار البيئية في تلك الدول الفقيرة، وذلك على النحو التالي:
(*) حث الدول المتقدمة على توفير التمويل اللازم لمواجهة التغييرات المناخية: برز "التمويل" كعنصر رئيسي مشترك في أغلب كلمات القادة الأفارقة خلال فعاليات اليوم الأول لمؤتمر الأطراف، إذ شدد غالبيتهم على ضرورة إيفاء الدول المتقدمة بالوعود التي قطعتها سابقًا بشأن توفير نحو 100 مليار دولار للدول النامية التي تعاني بشدة من التغيرات المناخية، وهذا لتحقيق الحياد الكربوني ومواجهة خطر ارتفاع درجة حرارة الأرض، وتدشين المشروعات البيئية التي يمكن من خلالها القضاء أو التقليل من حدة الأضرار الناجمة عن تغير المناخ، وضمان تنفيذ الإسهامات والاستراتيجيات الوطنية المعنية بمواجهة التغيرات المناخية، هذا بجانب مطالبة القادة الأفارقة بضرورة تحلي دول المجتمع الدولي عامة ودول "مجموعة العشرين" بشكل أخص، بمبدأي "الفاعلية والشفافية" فيما يخص تمويل المشاريع المناخية بالبلدان النامية، مع التأكيد على أن فشل قمة المناخ الحالية في توفير التمويل اللازم لدعم مشروعات تغير المناخ من جهة والتعويض عن أضرار تلك الأزمة من جهة أخرى، سيسهم بما لا يدع مجالًا للشك في ارتفاع وتفاقم هذه الظاهرة.
(*) دعوة إفريقية لتحقيق التنمية المستدامة: ركز بعض قادة البلدان الإفريقية على حث دول منطقة الشرق الأوسط على التعاون المشترك، من أجل توفير السبل، التي يمكن من خلالها تحقيق "التنمية المستدامة" هذا من خلال وضع معايير رئيسية، خاصة بتضافر الجهود لتحقيق استدامة بيئية واجتماعية ومؤسسية، وعليه فإن الفترة المقبلة تستوجب وجود مشاريع بنية تحتية صديقة للمناخ وقابلة للتمويل والاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة بما في ذلك محطات الطاقة الشمسية والطاقة الكهرومائية، وكذلك في قطاعات أخرى مثل التكنولوجيا والنقل، والخدمات اللوجستية، وهو ما سينعكس بشكل إيجابي على تحقيق انتقال عادل للطاقة في إفريقيا من جهة وتحقيق المتطلبات اللازمة لتوفير احتياجات السكان من جهة أخرى.
(*) مناشدات إفريقية لتنفيذ اتفاق باريس للمناخ: حرص القادة الأفارقة على التأكيد بالتزامهم بما تم الاتفاق عليه في مؤتمر الأطراف الـ21 في باريس 2015 من ناحية، ومطالبتهم لجميع دول المجتمع الدولي بالعمل خلال الفترة المقبلة لضمان التنفيذ الكامل والفعال والوفاء بوعود اتفاقية باريس، التي من ضمنها إيفاء الدول بتعهداتها الخاصة بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، والحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية، هذا بجانب مراجعة التزامات الدول بخفض الانبعاثات كل 5 أعوام، إضافة إلى الحرص على توفير الدول المتقدمة للتمويل اللازم المتعلق بالمناخ إلى البلدان النامية، وبناءً عليه فإن "ماكيسال" رئيس السنغال بصفته رئيس الاتحاد الإفريقي، أكد على التزام إفريقيا باتفاقية باريس، معلنًا في الوقت ذاته، أن بلدان القارة تكثف جهودها؛ لتطوير نظام الزراعة لتوفير احتياجاتهم من الموارد الغذائية، ومساعدة دول العالم في مواجهة أزمة الغذاء.
(*) التأكيد على أن إفريقيا الأقل تسببًا والأكثر تضررًا من تغير المناخ: أراد عدد من دول القارة الإفريقية إزالة "التهمة" المنسوبة لهم بأن إفريقيا هي المتسببة في أزمة التغيرات المناخية، وذلك بالتأكيد خلال كلمتهم في مؤتمر المناخ الذين أطلقوا عليه "مؤتمر إفريقيا" أن القارة هي الأقل مساهمة في حدوث الأضرار المناخية، فهي مسؤولة فقط عن جزء ضئيل حوالي 4% من الانبعاثات الكربونية العالمية، ورغم ذلك فإنها الأكثر تضررًا من تغير المناخ، وبناءً عليه ناشد الأفارقة دول الشمال بأن يكون هناك "التزام أخلاقي" من جانبهم، يسهم في دعمهم بتمويل المناخ لمواجهة آثار تلك الأزمة، التي تعيق جهود التنمية، وفي الوقت ذاته أكد عدد من القادة الأفارقة أنهم من جانبهم يتخذون التدابير الضرورية، التي تسهم في مواجهة الانعكاسات السلبية لتغير المناخ على البيئة وهذا بوضع الاستراتيجيات والمسارات التنموية بحيث تكون أقل اعتماد على الكربون وتتجه بشكل أكبر نحو الطاقات النظيفة والبديلة لتحقيق تنمية بيئية مستدامة، والتقليل من الانبعاثات الكربونية من ناحية، ومساعدة بلدان القارة على مواجهة تلك الأزمة من ناحية أخرى.
رهانات متعددة:
في ضوء ما تقدم، يمكن القول إن قادة وممثلي إفريقيا حرصوا من خلال مؤتمر الأطراف لتغير المناخ، على تقديم مطالبهم للدول المتسببة في المخاطر البيئية على مستقبلهم، وهو ما يكشف في حقيقة الأمر عن رهانات دول القارة على قمة المناخ الـ27، وذلك على النحو التالي:
(*) هناك حرص إفريقي على دعم مشروعات التحول نحو الأخضر: حيث أكد القادة الأفارقة، حرصهم دومًا على الانخراط بشكل فاعل في برامج ومشروعات مبادرة الشرق الأوسط الأخضر، وذلك بإتاحة جميع الإمكانات والموارد الطبيعية لتنفيذ هذه المشروعات التي ستنعكس بشكل إيجابي على دول وشعوب المنطقة، وأشادوا بمبادرة الشرق الأوسط الأخضر التي أطلقتها مصر على هامش فعاليات قمة المناخ "cop 27" للدور الذي ستلعبه تلك المبادرة التي اعتبروها بمثابة "الآلية العلمية والعملية" لمعالجة آثار التغيرات المناخية والحفاظ على البيئة والتربة الزراعية والحيوانية، وبناءً عليه فإن "نجلاء بودن" رئيسة وزراء تونس، أكدت خلال كلمتها حرص بلادها على التوجه نحو "بيئة خضراء" وذلك بوضع استراتيجية من خلال "دعم دور المرأة والشباب وتأهيل الكفاءات وملاءمة قدراتها مع مقتضيات وحاجات الاقتصاد الأخضر".
(*) مناشدة إفريقية لمكافحة الطوارئ المناخية: ركز ممثلو إفريقيا خلال كلمتهم في مؤتمر الأطراف على لفت أنظار دول العالم إلى ضرورة "مكافحة الطوارئ المناخية" المتعلقة سواء المتعلقة بالكوارث الطبيعية، مثل الأعاصير والحرائق والفيضانات وذوبان الجليد والتصحر وانعكاساتها السلبية على البيئة، أو الناجمة عن الأفعال الخاطئة من قبل البشر، إذ ناشدت الناشطة الأوغندية في مجال تغير المناخ "لياناموجورو" قادة دول العالم بأن "يتحدثوا عن حالة الطوارئ التي يمر بها الكوكب، ومحاولة الوصول لنتائج لمجابهة التغيرات المناخية، من خلال خطوة عمل مستدامة لمستقبل مضيء"، وهذا ما أكده أيضًا رئيس كينيا، مشيرا إلى أن بلاده تعاني في الوقت الحالي من تزايد لـ"جثث الفيلة والحمير الوحشية والأبقار " بسبب التغيرات المناخية، وعليه فإنها أنفقت نحو 3 ملايين دولار من أجل توفير العلف والمياه، إلا أنه ومع ذلك لا زالت تلك الأزمة قائمة، وبالتالي فإن الدول الإفريقية، تظل حريصة على مناشدة الدول المشاركة في COP27 على وضع سياسات لمكافحة الطوارئ المناخية، وحث المستثمرين المؤسسين في جميع أنحاء القارة، إضافة إلى نظرائهم على مستوى العالم على الدخول في المعركة ضد حالة الطوارئ المناخية، وهذا لن يحدث إلا بتوفير رأس المال المخصص لتمويل المناخ من خلال المؤسسات الدولية والإفريقية المعنية بمواجهة تلك الأزمة.
تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن دول القارة الإفريقية، تراهن على أن تسهم الدورةالـ27 من مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول تغير المناخ عام 2022، في إنقاذ القارة وسكانها من التداعيات السلبية للتغيرات المناخية التي نجم عنها ليس فقط تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في بلدان القارة، بل أدت إلى انتشار الجرائم الإرهابية على نطاق واسع، مع التأكيد أن حل تلك الأزمة لن يتم بدون تضافر جهود جميع دول العالم، والحرص على إمداد دول القارة بالموارد المالية التي تمكنها من تدشين المشروعات البيئية والمناخية للحد من آثار تلك الأزمة العالمية.