يمثل مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ في شرم الشيخ Cop27، أحد أهم منعطفات العمل المناخي الدولي، نظرًا لانعقاده في مصر كممثل للقارة الإفريقية والعالم العربي، اللذيّن واجها إلى جانب مختلف دول العالم تداعيات خطيرة على أصعدة الأمن الغذائي والارتفاع الشديد في درجات الحرارة والفيضانات في مناطق جافة، والجفاف في مناطق غنية بروافد المياه العذبة.
ونظراً لتزايد المخاوف من ارتفاع درجة حرارة الأرض "الاحترار العالمي" فوق المستويات المستهدفة وفق التزامات مؤتمر باريس للمناخ 2015، وتأثير توازن القوى على التفاوض المناخي، يبقى السؤال: ما معوقات تفعيل مخرجات مؤتمرات المناخ ما قبل كوب 27؟
جلاسكو: "قمة الأمل الأخير"
انتهت قمة المناخ في نسختها السادسة والعشرين بجلاسكو في المملكة المتحدة نوفمبر 2021، إلى حلول توافقية بشأن خفض الانبعاثات والتحول الأخضر وفق مجموعة من الالتزامات والصفقات، التي تعمل على تسريع وتيرة العمل ودعم الدول المتقدمة لنظيرتها النامية ومنخفضة الدخل، وذلك على النحو التالي:
(*) مفاوضات شاقة: على مدار أسبوعين خرجت القمة بالحد الأدنى من تعهدات الدول بالحياد الكربوني؛ أي التعهد بالوصول إلى صفر انبعاثات لغازات الاحتباس الحراري، وتوصلت القمة إلى التعهد العالمي لغاز الميثان-المسبب لثلث الاحترار العالمي والناتج بصورة كبيرة عن احتراق الوقود في معامل التكرير- بخفض 30 في المئة من الانبعاثات بحلول 2030 عن مستويات 2020.
وتضمنت تعهدات جديدة بخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون 45 في المئة بحلول 2030 والوصول للحياد الصفري في 2050 والسير في تنفيذ التعهدات المالية السنوية من الدول المتقدمة للدول النامية والبالغة 100 مليار دولار. كما شهدت القمة تعهد أكثر من 100 دولة و30 مؤسسة مالية كبرى بتقديم تمويلات تتجاوز 19 مليار دولار للمساهمة في القضاء على إزالة الغابات بحلول 2030، بواقع 12 مليارًا للقطاع العام و7,2 مليار للقطاع الخاص، نظرًا لدور الغابات في تقليل الانبعاثات عبر امتصاص ثاني أكسيد الكربون.
(*) صفقات طموحة: امتدت إلى تحالفات لدعم وتمويل أنشطة المناخ وتعزيز البدائل المستدامة في مصادر الطاقة، ومنها تحالف جلاسكو المالي للصافي الصفري بين 500 شركة ومصرف وبنك مركزي في 45 دولة، تدير أصول بنحو 130 تريليون دولار، بهدف توجيه التدفقات المالية لتعزيز العمل المناخي العالمي والوصول لصفر انبعاثات بحلول 2050، والشراكة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي من جهة، وجنوب إفريقيا من جهة أخرى لدعم الأخيرة بقيمة 8,5 مليار دولار خلال 5 أعوام، من أجل التخلي عن الفحم.
كما تعهدت مجموعة دول وكبرى شركات صناعة السيارات حول العالم بالوصول بالصناعة إلى هدف صفر انبعاثات بحلول 2040 عالميًا و2035 في الدول المتقدمة، بما يخدم خفض 10 في المئة من الانبعاثات.
معوقات العمل المناخي الدولي:
على الرغم من مبادرات الحد من الانبعاثات ودعم التحول إلى الطاقة المتجددة خلال قمم المناخ المختلفة، إلا أنها لم تنجح في تنفيذ التزاماتها حتى الآن، وعلى رأسها الوصول بمستوى زيادة درجة حرارة الأرض إلى 1,5 درجة مئوية، وهو ما بات هدفًا غير واقعي وتحذر الدراسات من تسجيل زيادة قياسية تتراوح بين 2 و3,6 درجة مئوية، حسب تصريحات وزير الخارجية المصري والرئيس المُعيّن لمؤتمر المناخ بشرم الشيخ، سامح شكري، في حواره مع صحيفة الجاريان البريطانية 29 أكتوبر 2022. ويمكن الإشارة لأبرز معوقات قمم المناخ السابقة وتداعياتها على قضايا مؤتمر Cop 27 على النحو التالي:
(*) تباين المصالح: في أعمال قمة جلاسكو انخفضت الطموحات من "التخلص التدريجي" إلى "الخفض التدريجي" لاستهلاك الوقود الأحفوري (مصادر النفط والغاز والفحم)، مع التركيز بصفة خاصة على الفحم، نتيجة لتضارب مصالح ورؤى الدول وأصحاب المصلحة التي تنقسم حول هدف تحقيق الحياد بحلول 2050، حيث لم تستطع القمة انتزاع التزامات صلبة في هذا الصدد خاصة من الدول النفطية الرئيسية مثل روسيا، وتباينت الأهداف الخليجية بين 2050 للإمارات وسلطنة عُمان، و2060 للسعودية والبحرين، فيما لم تلحق الكويت وقطر بالركب.
ورغم أن الصين، مستورد رئيسي لموارد الطاقة وبين أكثر الدول اعتمادًا على الفحم، إلا أنها تتباطأ في التعهد بالحياد الكربوني إلى عام 2060، وتخلفت الهند ثالث أكبر مصدر للانبعاثات عالميًا عن تلك المسيرة بإعلانها تحقيق الحياد بحلول 2070، في ظل تجاوز فاتورة التحول الأخضر حاجز 12 تريليون دولار، حسب تقرير لشركة ماكنزي للاستشارات.
وفي ظل تراجع إمدادات الغاز الطبيعي الروسي، اتجهت العديد من الدول الصناعية الأوروبية وعلى رأسها ألمانيا لزيادة استخدام الفحم كمصدر للطاقة، ما يمثل هزة عنيفة في الالتزامات والتعهدات السابقة من أكثر المناصرين لقضايا البيئة في الساحة الأولية وفي ظل مشاركة حزب الخضر في الائتلاف الحكومي.
(*) الفجوة التمويلية: برغم التعهدات الضخمة لدعم أجندة المناخ عبر التحالفات المالية الكبرى في قمة جلاسكو، إلا أنها تظل رمزية بالنظر لحجم الالتزامات في برامج التخفيف (تقليل الانبعاثات والتوسع في زراعة الأشجار) والتكيف (المرونة في مواجهة التداعيات السلبية وحماية الأرواح البشرية في المناطق الأكثر تعرضًا لأزمات تغير المناخ)، وتتجاوز التقديرات تريليونات الدولارات، على المستوى الوطني.
ونتيجة لذلك أبقت الدول النامية، الباب مفتوحًا في التزامها الزمني بالوصول إلى الحياد الكربوني الصفري، نظرًا للتكلفة العالية لأجندة التحول لاقتصاد أخضر قائم على موارد طاقة جديدة ومتجددة.
(*) تسييس قضية المناخ: برزت خلال العام الحالي تحديات إضافية لتسييس قضية المناخ خاصة في ظل الأزمة الروسية الأوكرانية التي أشعلت حرب السرديات والاتهامات بين المناصرين لقضايا المناخ وفي مقدمتهم الولايات المتحدة والقوى الغربية من جهة، والمتشككين من أجندة المناخ أو المعارضين لتوجهات تسريع الالتزامات وما تستتبعه من مصالح للدول الغنية المالكة والمطورة للتقنيات البديلة، ويعزز تلك الرواية روسيا والدول المتحالفة معها.
وكان تغير المناخ موضع جدل في مجلس الأمن الدولي العام الماضي، حيث عارضت روسيا والهند (بالرفض) والصين (بالامتناع عن التصويت) مشروع قرار قدمته أيرلندا والنيجر، يعتبر تغير المناخ تحديًا أمنيًا رئيسيًا، وطالبت الأمين العام للأمم المتحدة بدمج التهديدات الأمنية المرتبطة بتغير المناخ ضمن مهددات الأمن والسلم الدوليين.
وختامًا، لم يترك تغير المناخ عالم اليوم منقسمًا بين شمال وجنوب في معايشة أحداث كارثية تعددت بين انخفاض منسوب الأنهار وجفاف بعضها من العراق إلى قلب أوروبا، وبرغم قساوة مشاهد الدمار في باكستان جراء الفيضانات التي غمرت ثلث أراضي البلاد وتسببت في تشريد ملايين المواطنين، إلا أن تلك المشاهد بتداعياتها ليست بعيدة عن الولايات المتحدة؛ حيث يتوقع تقرير للمخابرات الوطنية الأمريكية أن تتعرض البلاد في 2040 لفيضانات من المهاجرين القادمين من دول الجنوب في ظل ضعف إمكانياتها المادية والفنية على مواجهة الكوارث.
وللانتقال من مرحلة التعهدات والصفقات إلى مرحلة تنفيذ الأجندة المناخية وتسريع الالتزامات التي تحملها قمة Cop 27 في مدينة شرم الشيخ المصرية، يتعين بناء التزام دولي أكثر شمولًا وإلزامية وتعزيز أطر العمل على المستويات الإقليمية والقارية.