طرح مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، خطة من أجل تمهيد الطريق لحل شامل وموثوق للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وذلك خلال اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي ببروكسيل في 22 يناير 2024 وبمشاركة وزراء خارجية مصر والسعودية والأردن، بجانب مشاركة الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط. وقد نالت الخطة موافقة مبدئية من دول الاتحاد التي لا تزال منقسمة ما بين داعم لإسرائيل في حربها الغاشمة على غزة ورافض لتلك الحرب ومآسيها ومطالب بضرورة وقفها، وإنهاء العدوان الإسرائيلي، وإدخال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة.
محاور الخطة
تضمنت مبادرة بوريل خطة من عشرة نقاط لتحقيق السلام الدائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين، تبدأ بسلسلة من الإجراءات التمهيدية التي يمكن أن تحقق السلام في قطاع غزة، مرورًا بإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وتطبيع العلاقات ما بين إسرائيل والعالم العربي، وصولًا لضمان تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، وقد اشتملت خطة السلام الأوروبية على المحاور التالية:
(*) تؤدي هذه العملية إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة تعيش جنبًا إلى جنب مع إسرائيل، مع التطبيع الكامل للعلاقات بين إسرائيل والعالم العربي.
(*) تساعد الجهات الدولية الفاعلة في إعداد أرضية للسلام وبناء بديل سياسي متجدد لـ"حماس".
(*) عقد مؤتمر تحضيري للسلام بهدف التسوية للحرب المستمرة في غزة، والصراع الإسرائيلي الفلسطيني بوجه عام، يحضره وزراء الخارجية ومديرو المنظمات الدولية لبحث عملية السلام.
(*) يجب على المؤتمر تشكيل مجموعات عمل وتصميم إطار مبدئي لخطة السلام خلال عام واحد.
(*) يجب أن تتناول الخطة بأكبر قدر من الناحية العملية العناصر الأساسية للسلام الشامل بناءً على قرارات الأمم المتحدة السابقة وجهود الوساطة، وتعرض بعدها على الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي للتفاوض النهائي.
(*) ينبغي أن يجمع المؤتمر وزراء الخارجية ومديري المنظمات الدولية، لبحث عملية السلام، بينما يعقدون في وقت واحد تقريبًا اجتماعات منفصلة مع أطراف الصراع.
(*) توفير ضمانات أمنية قوية لإسرائيل والدولة الفلسطينية المستقبلية بشرط الاعتراف الدبلوماسي المتبادل بينهما.
(*) ينبغي للمؤتمر أن يتشاور مع أطراف النزاع فى كل خطوة وفي أي وقت أثناء صياغة خطة السلام، ومن الأهمية استمرار العمل على الخطة حتى لو قرر أحد الجانبين الانسحاب.
(*) بمجرد أن تصبح الخطة جاهزة، ينبغي تقديمها إلى الإسرائيليين والفلسطينيين للتفاوض على النص النهائي.
(*) سيسعى المؤتمران للتخفيف من الأزمة الإنسانية في غزة، وتأمين سراح المحتجزين الإسرائيليين، وتعزيز الشرعية الديمقراطية للسلطة الفلسطينية، ودعم إعادة إعمار غزة.
تحديات ماثلة
هناك العديد من التحديات التي تواجه خطة السلام الأوروبية، والتي ويمكن إبراز أهمها في التالي:
(&) الجوانب الإجرائية بالخطة: تتضمن الخطة مجموعة من الإجراءات التي يعتقد بوريل بأنها ستفضي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة بجانب الدولة الإسرائيلية القائمة، غير أن تلك الإجراءات التي تنهض بشكل رئيسي على عقد مؤتمر تحضيري للسلام بهدف التسوية للحرب المستمرة في غزة، على أن يقوم المؤتمر بتشكيل مجموعات عمل، وتصميم إطار مبدئي لخطة السلام خلال عام واحد، تواجه معضلتين رئيسيتين؛ أولهما كيف يمكن تسوية الحرب في غزة دون أن تشير الخطة في أي من بنودها إلى وقف إطلاق النار، فالحرب لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية.
أما ثانيهما فترتبط بالمدى الزمني الذي يرتبط بتصميم إطار مبدئي لخطة السلام خلال عام واحد، كما لم تحدد الخطة ماهية العلاقة بين الجانبين وكيفية إدارتها حتى إعداد تلك الخطة.
(&) التعنت الإسرائيلي: يتجسد التعنت الإسرائيلي إزاء خارطة السلام الأوروبية المقترحة في الرفض لفكرة إقامة الدولة الفلسطينية، وهي حق مشروع للشعب الفلسطيني أقرته المواثيق الدولية وقرارات الشرعية الدولية. وقد تجلى ذلك الرفض في تصريحات قادة إسرائيل، من بينهم ما صرح به بنيامين نتنياهو في 19 يناير 2024 بأنه أبلغ الولايات المتحدة بمعارضته إقامة دولة فلسطينية في إطار أي سيناريو لمرحلة ما بعد الحرب، وذلك بخلاف الرغبة الأمريكية. كما طرح وزير الخارجية الإسرائيلي مقترحًا عبثيًا بإنشاء جزيرة صناعية يُنقل إليها الفلسطينيون، يضاف إلى ذلك اتجاه الحكومة الإسرائيلية لبناء المزيد من المستوطنات الإسرائيلية فى الضفة الغربية والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، والسماح بتسليح المستوطنين المتطرفين، بما يعد انتهاكًا لحقوق الشعب الفلسطيني، وهو ما يعكس حجم التطرف والتعنت الذي يسيطر على عقلية النخب الإسرائيلية برفض مسارات التسوية السلمية.
(&) الانقسام الأوروبي: يمثل الانقسام الأوروبي أحد التحديات التي تواجه خطة السلام الأوروبية التي طرحها بوريل لإحلال السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لا سيما وأن أوروبا لا تمتلك أي أوراق ضغط على الجانب الإسرائيلي جعل البعض يصف الموقف الأوروبي من عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية بشكل عام بأن أوروبا لا تملك سوى الأمنيات الطيبة للقضية الفلسطينية. ويتجسد ذلك الانقسام الأوروبي في الموقف من الحرب على غزة، ففي حين تعتبرها دول أوروبية حق إسرائيلي للدفاع عن النفس مثل ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، تعتبرها دول أوروبية أخرى بأنها بمثابة عدوان على الشعب الفلسطيني يجب أن يتوقف في مقدمتها بلجيكا وإسبانيا.
(&) الانحياز الأمريكي: برغم أن الرئيس الأمريكي جو بايدن ألمح إلى وجود خلافات في علاقته برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ومؤكدًا على أن نتنياهو في موقف صعب، إلا أن الانحياز الأمريكي المطلق لإسرائيل في حربها على غزة ودعمها برًا وبحرًا وجوًا يمثل أحد التحديات التي تواجه تنفيذ الخطة الأوروبية للسلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
صحيح أن ثمة رغبة أمريكية في إقرار حل الدولتين، إلا أن السلوك الأمريكي من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يشي بعكس ذلك، حيث أقرت الولايات المتحدة الأمريكية مساعدات تقدر بـ 14 مليار دولار إضافية لإسرائيل، كما أنها استخدمت حق النقض "الفيتو" ضد كل مشروعات القرارات التي تتبني وقف إطلاق النار.
(&) تعدد المبادرات: تتعدد المبادرات التي تطالب بعقد مؤتمر دولي للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ومنها ما دعا إليه القائم بأعمال رئيس حكومة إسبانيا بيدرو سانشيز نهاية أكتوبر 2023، لعقد مؤتمر دولي للسلام في غضون ستة أشهر لمحاولة إيجاد حل للصراع في الشرق الأوسط، والذي ينبغي في رأيه أن يتضمن الاعتراف بحل الدولتين.
كما تؤيد معظم دول العالم وفي مقدمتها القوى الكبرى مثل روسيا والصين مسألة حل الدولتين، وقد طالب الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال قمة القاهرة للسلام في أكتوبر 2023 بعقد مؤتمر دولي للسلام وتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، واعتماد خطة لتنفيذ حل سياسي مستند للشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأرض دولة فلسطين بعاصمتها القدس الشرقية، وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين بضمانات دولية وجدول زمني للتنفيذ.
مجمل القول؛ إن خطة السلام الأوروبية التي طرحها جوزيب بوريل، والتي تفتقد لجدول زمني محدد لإقرار حل الدولتين وآلية لتحقيقه، وما تواجهه من تحديات ترتبط بالتعنت الإسرائيلي الرافض للحقوق الفلسطينية المشروعة، وفي مقدمتها إقامة دولته المستقلة، وفي ظل الانحياز الأمريكي المطلق لإسرائيل، ومع غياب دعم دولي مؤثر لتلك الحقوق، ستبقى فرص تحقيق المبادرة على أرض الواقع دون المأمول.