الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

أبعاد الموقف الصيني من الحرب على غزة

  • مشاركة :
post-title
الرئيسان الصيني والفلسطيني-أرشيفية

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

يأتي تولي الصين رئاسة مجلس الأمن الدولي خلال شهر نوفمبر 2023 خلفًا للبرازيل، بالتزامن مع تصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية الغاشمة على غزة، والتي أسقطت ما يزيد على 10 آلاف شهيد فلسطيني وجرح ما يزيد على 25 ألفًا منذ انطلاق عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها حركات المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر 2023، فيما أطلق جيش الاحتلال عملية "السيوف الحديدية" باستهداف غزة جوًا وبحرًا وبرًا.

وقد تفاعلت الصين مع تداعيات ذلك التصعيد العسكري المتنامي من خلال تبني توجهات أساسية تقوم على الدعوة للوقف الفوري لإطلاق النار، ومنع استهداف المدنيين، والمطالبة بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، ورفض سياسة العقاب الجماعي. كما تفاعلت الصين مع منظومة القرار الدولي، وتعاطيها مع تداعيات الحرب على غزة، سواءً في الجمعية العامة للأمم المتحدة أو داخل مجلس الأمن الدولي، فضلًا عن المشاركة في قمة القاهرة للسلام 2023.

مؤشرات داعمة

يقوم الموقف الصيني على دعم الحقوق الفلسطينية، ويطالب بتعزيز المفاوضات للتوصل إلى سلام يفضي إلى حل الدولتين، وقد تنوعت المؤشرات الداعمة لذلك الموقف على خلفية التصعيد العسكري في غزة، والتي يمكن الإشارة إلى أبرزها في التالي:

(*) الخارجية الصينية: تبلور الموقف الصيني من عملية "طوفان الأقصى" بشكل سريع، حيث أعربت الخارجية الصينية في 8 أكتوبر 2023، وبعد يوم واحد من العملية عن قلق بكين العميق؛ جراء "تصعيد العنف الذي خلف مئات القتلى بين فلسطين وإسرائيل"، وحثت جميع الأطراف المعنية إلى التزام الهدوء وممارسة ضبط النفس، والوقف الفوري لإطلاق النار، وحماية المدنيين ومنع تدهور الوضع أكثر.

(*) مجلس الأمن الدولي: تعد الصين من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وقد استخدمت حق النقض "الفيتو" ضد مشروع قرار طرحته الولايات المتحدة الأمريكية في 15 أكتوبر 2023، ولم يتضمن الدعوة إلى الوقف الفوري لإطلاق النار، أو إعطاء هدنة إنسانية دائمة لدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة. وبرر الممثل الصيني الدائم لدى الأمم المتحدة، شانج جون، معارضة بلاده لمشروع القرار الأمريكي، لأنه يشمل عناصر كثيرة تفرق ولا تجمع، وتتجاوز البعد الإنساني، وغير المتوازن وتخلط الحق والباطل، كما أنه لا يعكس الدعوة القوية لوقف إطلاق النار وإنهاء العنف. واعتبر "جون" أن وقف إطلاق النار ليس مجرد عبارة دبلوماسية، ولكنه يعني الحياة والموت لكثير من المدنيين، موضحًا أن مشروع القرار الأمريكي انتقائي في ذكر الأسباب الجذرية للأزمة الإنسانية، وأن تبنيه يعني الإطاحة بأفق حل الدولتين، ويدخل الطرفين في دائرة مفرغة من المواجهة والكراهية.

في مقابل ذلك صوتت الصين لصالح قرارين تم طرحهما في مجلس الأمن الدولي الذي فشل في إصدارهما؛ بسبب استخدام الولايات المتحدة الأمريكية لحق النقض، أحدهما تقدمت به روسيا في 16 أكتوبر 2023 ويدعو إلى وقف إطلاق النار بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وحماية المدنيين ومنع استهدافهم، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة. أما القرار الثاني فتقدمت به البرازيل في 18 أكتوبر 2023، ويتبنى الدعوة إلى هدنة إنسانية والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة.

(*) الجمعية العامة للأمم المتحدة: أيدت الصين مشروع القرار العربي الذي تقدمت به الأردن كممثل عن المجموعة العربية، في الدورة الاستثنائية الطارئة العاشرة للجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي حمل عنوان "الأعمال الإسرائيلية غير القانونية في القدس الشرقية المحتلة وبقية الأراضي الفلسطينية المحتلة". والذي تم التصويت عليه في 27 أكتوبر 2023، وحظي بأغلبية 121 عضوًا، وعارضه 14 دولة، فيما امتنعت 44 دولة عن التصويت. ويدعو القرار إلى هدنة إنسانية وفورية دائمة ومستدامة تقضي بوقف الأعمال العدائية وتوفير السلع والخدمات الأساسية للمدنيين في شتى أنحاء غزة فورًا وبدون عوائق.

الرئيس الفلسطيني مع المبعوث الصيني للشرق الأوسط-أرشيفية

(*) المشاركة في قمة القاهرة للسلام 2023: شاركت الصين في قمة القاهرة للسلام 2023، والتي عقدت في 21 أكتوبر 2023 بالعاصمة الإدارية الجديدة، حيث دعت القمة إلى وقف الحرب الدائرة في غزة، والتي راح ضحيتها الآلاف من المدنيين الأبرياء، وطالبت باحترام قواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وإعطاء أولوية، خاصة لنفاذ وضمان تدفق المساعدات الإنسانية والإغاثية وإيصالها إلى مستحقيها من أبناء غزة، والتحذير من مخاطر امتداد رقعة الصراع الحالي إلى مناطق أخرى في الإقليم. وعكست كلمة مبعوث الصين إلى منطقة الشرق الأوسط، تشاي جون، خلال القمة موقف بلاده من الحرب على غزة، إذ يرى الجانب الصيني ضرورة منع توسيع رقعة الصراع، ووقف إطلاق النار وإنهاء القتال في أسرع وقت ممكن، وأن استخدام القوة بدون تمييز أمر غير مقبول، ولابد من فتح ممر الإغاثة الإنسانية في أقرب وقت ممكن، ويجب على إسرائيل أن تستأنف الإمدادات العادية مثل المياه والكهرباء والوقود لقطاع غزة، ووقف العقاب الجماعي على سكان القطاع.

محددات مؤثرة

هناك العديد من المحددات التي تشكل الموقف الصيني إزاء الحرب على غزة، والتي يمكن الإشارة إليها في العناصر التالية:

(&) الموقف الصيني من القضية الفلسطينية بشكل عام: تؤكد الصين أن حل الدولتين هو السبيل لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، ففي 8 ديسمبر 2022 أكد الرئيس الصيني، شي جين بينج، أن بكين ستدعم بقوة القضية العادلة للشعب الفلسطيني، وستقف دائمًا إلى جانبه.

وقدمت الصين في 2013 مقترحًا من أربع نقاط لتسوية القضية الفلسطينية هي: (إقامة دولة فلسطينية مستقلة وكاملة السيادة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وأن المفاوضات هي الطريق الوحيد للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والتأكيد على قرارات الأمم المتحدة المرتبطة بالصراع ومبادرة السلام العربية ومبدأ الأرض مقابل السلام، وتوفير الضمانات الضرورية لنجاح المفاوضات بين الجانبين مع التأكيد على أهمية زيادة المساعدات للفلسطينيين في إطار عملية التنمية الاقتصادية).

(&) إعادة التموضع الصيني في منطقة الشرق الأوسط: فعلى الرغم من محدودية الانخراط الصيني في أزمات منطقة الشرق الأوسط حتى نجاح جهود الوساطة الصينية في توقيع الاتفاق السعودي الإيراني باستئناف العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين. وهو الأمر الذي ارتفعت معه احتمالية تزايد الانخراط الصيني في قضايا وأزمات منطقة الشرق الأوسط المعقدة، لا سيما أن الصين لديها مصالح اقتصادية وتجارية ضخمة في المنطقة، حيث تقيم العديد من الشراكات مع دول الإقليم الفاعلة، فضلًا عمّا تشكله إمدادات الطاقة من المنطقة إلى الصين من أمور حيوية للاقتصاد الصيني، لذلك يأتي تحذير الصين من مخاطر تزايد الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، واتساع نطاقه، ليصب في إطار توجه مبادراتها العالمية الداعمة للاستقرار والتنمية، حفاظًا على مصالحها الاقتصادية العالمية.

(&) التنافس الصيني الأمريكي على النفوذ الدولي: يرتبط الموقفان الصيني والأمريكي في أحد جوانبهما بالتنافس الدولي على منطقة الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي تجلى في تكثيف الوجود العسكري الأمريكي بحرًا وجوًا لدعم إسرائيل الحليف الاستراتيجي، كما عززت الصين من التواجد العسكري في المنطقة أيضًا.

وإذا كانت الصين وإسرائيل لديهما علاقات اقتصادية متشابكة، حيث تقدر واردات الصين من أشباه الموصلات من إسرائيل بمليار دولار سنويًا تقريبًا، إلا أن الصين تسعى لكسب المزيد من النفوذ، سواءً فيما يتعلق بتبنيها لموقف داعم للقضية الفلسطينية في ظل علاقات الشراكة الاقتصادية مع الدول العربية وباعتبارها داعمة أيضًا لدول الجنوب العالمي، أو ما يتعلق بإطلاق يد الصين في ملف تايوان مع الانشغال الأمريكي بدعم إسرائيل في الحرب على غزة.

مجمل القول؛إن الموقف الصيني من الحرب على غزة يقوم على دعم الحقوق الفلسطينية المشروعة في إقامة دولة مستقلة، ويعتبر أن الوضع في غاية الخطورة، وأن بكين قدمت وستواصل -وفق مبعوثها الخاص إلى الشرق الأوسط تشاي جون- تقديم المساعدات الإنسانية الطارئة للفلسطينيين من خلال الأمم المتحدة وعبر القنوات الثنائية للمساعدة في تخفيف الأزمة الإنسانية، وأن الصين مستعدة لفعل كل ما يفضي إلى تعزيز الحوار وتحقيق وقف إطلاق النار واستعادة السلام، بالإضافة إلى التشجيع على حل الدولتين، وهو التحدي الأهم الذي يحتاج إلى رؤية صينية متكاملة لإرساء السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وقد يتأتى ذلك من خلال تبني مبادرة صينية عالمية، لكيفية تنفيذ حل الدولتين على أرض الواقع، وبما يُسهم في الحل الجذري لمسببات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهو الأمر الذي سيوازن -حال تحققه- الانحياز الأمريكي المطلق لإسرائيل، ويعزز من إعادة التموضع الصيني في منطقة الشرق الأوسط، ويدعم الاستقرار في المنطقة والعالم.