الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

ماذا تعكس استضافة روما للجولة الثانية من المحادثات الأمريكية الإيرانية؟

  • مشاركة :
post-title
وزيرا خارجية إيطاليا وإيران

القاهرة الإخبارية - ضياء نوح

أسفرت المحادثات الأمريكية الإيرانية في جولتها الثانية بالعاصمة الإيطالية روما، التي عُقدت في 19 أبريل 2025، عن تقدم إيجابي بشأن الملف النووي الإيراني، مع اتفاق الجانبين على عقد محادثات على مستوى الخبراء الفنيين يوم الأربعاء 23 أبريل تليها جولة ثالثة يوم السبت المقبل في العاصمة العُمانية مسقط.

كانت السلطات الإيطالية أكدت استضافتها للجولة الثانية من المحادثات الأمريكية الإيرانية قبل ساعات من انطلاقها، بعد سجال استمر لعدة أيام بين كل من طهران وواشنطن، بعد جولة أولى وُصفت بـ"الإيجابية" في سلطنة عُمان التي تمتلك رصيدًا كبيرًا من الوساطة بين طرفي النزاع.

وتأسيسًا على ما سبق؛ يتناول التحليل التالي دلالات استضافة إيطاليا للمحادثات الأمريكية الإيرانية في علاقات روما بكل من واشنطن وطهران وموقف الأولى من القضايا الدولية والملف النووي الإيراني على وجه الخصوص.

رسائل "روما"

وتزامن ذلك الإصرار من الجانب الأمريكي على اختيار روما لاستضافة الجولة الثانية من المحادثات مع العديد من المتغيرات على صعيد العلاقات الأمريكية الإيطالية من جهة، وتطورات المواجهة الدبلوماسية الخشنة بين واشنطن وطهران من جهة أخرى، ويمكن تفصيل ذلك على النحو التالي:

(*) تعزيز العلاقات الإيطالية الإيرانية: يشير انعقاد الجولة الثانية من المحادثات في روما إلى وجود رصيد إيجابي للعلاقات الإيطالية الإيرانية رغم إصرار طهران على استمرار دور سلطنة عُمان كوسيط رئيسي في المحادثات مع واشنطن. وتحتفظ إيطاليا بعلاقات سياسية وتجارية جيدة مع إيران، حيث تعد روما ثاني أكبر شريك تجاري لطهران في أوروبا بواقع 585 مليون يورو من إجمالي حجم تبادل 3.77 مليار يورو في الفترة من يناير إلى أكتوبر 2024.

كانت إيطاليا الوجهة الأولى للرئيس الإيراني الأسبق حسن روحاني في جولته الأوروبية الأولى يناير 2016 بعد توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة "الاتفاق النووي الإيراني"، باعتبارها الشريك التجاري الأول لطهران في أوروبا بنحو 7 مليارات يورو عام 2016، كما وقّع الجانبان اتفاقيات ثنائية بقيمة 17 مليار يورو في مجالات الطاقة والصلب، وذلك على هامش الزيارة.

(*) تعزيز الثقة بين ترامب وأوروبا: تزامن إعلان نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني في 14 أبريل عن استضافة روما للمحادثات الأمريكية الإيرانية مع لقاء رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض 17 أبريل الجاري واستقبالها لنائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس في اليوم التالي سعيًا لفتح باب الحوار مع الإدارة الأمريكية باسم الاتحاد الأوروبي حول التعريفات الجمركية وقضايا الأمن في القارة العجوز.

ويساهم التقارب الأيديولوجي والسياسي بين الجانبين في الوقت الراهن في قضايا الهجرة والحرب الروسية الأوكرانية، في تعزيز مكانة روما لدى إدارة ترامب استنادًا لرمزيتها التاريخية في قلب أوروبا، بالتوازي مع رغبة القيادة الإيطالية الحالية المحسوبة على تيار أقصى اليمين في تعزيز ثقلها الاستراتيجي في الاتحاد الأوروبي وإنهاء الهيمنة الفرنسية الألمانية في سياسات بروكسل عبر اجتماع محتمل بين الحلفاء في روما، كوسيط رئيسي بين الولايات المتحدة وأوروبا، وهو ما أشار إليه ترامب ضمنيًا خلال لقائه ميلوني بالبيت الأبيض، مشيرًا إلى قبوله دعوة رئيسة الوزراء لزيارة إيطاليا وإمكانية تنظيم لقاء مع الأوروبيين في ضوء تلك الزيارة المرتقبة.

(*) التلويح بالورقة الأوروبية: يمثل اختيار روما كوجهة للمحادثات الأمريكية الإيرانية رسالة مهمة من إدارة ترامب لكل من طهران والشركاء الأوروبيين المنخرطين في الاتفاق النووي أن واشنطن تراعي المصالح الأمنية الأوروبية في المحادثات بشأن البرنامجين النووي والصاروخي الإيراني، وذلك بالتزامن مع إشراك وزير الخارجية ماركو روبيو لنظرائه في حلف شمال الأطلسي "الناتو" في جهود حل الأزمة الروسية الأوكرانية سعيًا لدعم جهود بلاده في إنهاء الحرب وتسويات النزاعات الدولية.

على الجانب الآخر، ربما يشير اختيار عاصمة أوروبية لاستضافة المحادثات إلى رغبة أمريكية في ترويض المفاوض الإيراني الذي يصر على نمط المفاوضات غير المباشرة عبر سلطنة عُمان، وإبراز اتساع خيارات واشنطن في المفاوضات بما في ذلك التلويح بإعادة فرض العقوبات الأممية من قبل الأطراف الأوروبية المنخرطة في الاتفاق النووي (ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة) خلال مدة سريان الاتفاق التي تنتهي في أكتوبر المقبل.

(*) تعزيز الدور الدبلوماسي الإيطالي: رغم اقتصار دور إيطاليا على استضافة المحادثات التي جرت بوساطة عُمانية، إلا أن ذلك يمهّد لاعتبار روما وجهة رئيسية لجهود بناء السلام خاصة في منطقة الشرق الأوسط وحوض البحر المتوسط، حيث تمتلك علاقات أفضل مع كافة الأطراف الفاعلة في المنطقة مقارنة بغيرها من القوى الأوروبية، ويدعم ذلك دورها في إجراء المحادثات غير الرسمية وفتح قنوات اتصال دبلوماسية. كما يعزّز موقف حكومة جورجيا ميلوني المتحفظ إزاء الانخراط في حرب أوكرانيا بالتوازي مع الدعم الأمريكي من احتمالية لعب دور في تقريب وجهات النظر بين الولايات المتحدة وأوروبا في الملف الأوكراني من جهة، وإعادة بناء العلاقات الروسية الأوروبية في الفترات المقبلة من جهة أخرى.

وإجمالًا؛ حملت الجولة الثانية من المحادثات الأمريكية الإيرانية في روما العديد من الرسائل الإيجابية لمختلف الأطراف وبصفة خاصة لإيطاليا وحكومة جورجيا ميلوني، حيث تشير إلى انطلاقة محتملة لإيطاليا للعب أدوار مهمة على صعيد الوساطة والتوفيق في العديد من ملفات الأمن الدولي بالاستفادة من الدعم الأمريكي الحالي ومواقف روما التي تتسم بالاستقلالية النسبية في أوروبا، فضلًا عن استعادة زخم العلاقات مع طهران لسابق عهدها باعتبارها شريكًا أوروبيًا موثوقًا.