الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

دوافع الوساطة الروسية بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية

  • مشاركة :
post-title
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

جاء إعلان الكرملين، 5 مارس 2025، عن استعداد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، للعب دور الوساطة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، بشأن البرنامج النووي الإيراني، وهو ما يعكس سعي روسيا لتعزيز مكانتها العالمية ومساندة حلفائها، ودعم أوراقها التفاوضية مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تسعى لوقف الحرب الروسية الأوكرانية.

 ويرى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الولايات المتحدة الأمريكية تحملت الجانب الأكبر من تكلفتها الاقتصادية والعسكرية، لذلك فهو يطالب باتفاق المعادن الثمينة مع أوكرانيا تعويضًا لتلك التكلفة، في حين يضع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العديد من الشروط لتسوية الملف الأوكراني.

أهداف روسية

يمثل سعي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، للوساطة بين الولايات المتحدة وإيران تحقيق العديد من الأهداف، التي يمكن الإشارة إلى أهمها على النحو التالي:

(*) تعزيز مكانة روسيا عالميًا: سعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ وصوله إلى سُدة الحكم إلى استعادة الدور العالمي لروسيا على مسرح السياسة الدولية، لذلك تشكل الوساطة الروسية في تسوية الأزمات الدولية جانبًا من تعزيز تلك المكانة، وإذا كان الملف النووي الإيراني يُشكل حجر الزاوية في العلاقات الأمريكية الإيرانية، فإن طرح روسيا لوساطتها لتسوية ذلك الملف، حال نجاحها في التقريب بين واشنطن وطهران، فإن ذلك سيعزز من رصيد مكانتها على المستوى العالمي وقدرتها على تسوية الأزمات بأبعادها الإقليمية والدولية، ليضاف إلى رصيد القوى الدولية الداعمة لتهدئة الأزمات في إقليم الشرق الأوسط بعد أن نجحت الصين في التوصل لاتفاق بين السعودية وإيران.

(*) دعم أوراق روسيا التفاوضية في الملف الأوكراني: يُشكل الاتجاه الروسي نحو الوساطة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران تعزيزًا لأوراق روسيا التفاوضية في الملف الأوكراني، وحتى مع سعي الرئيس الأمريكي لوقف تلك الحرب، فإن الرئيس بوتين يضع العديد من الشروط للقبول بوقف إطلاق النار منها الاعتراف بضم شبة جزيرة القرم إلى روسيا، وكذلك الأراضي التي ضمتها بعد الحرب، ووقف تمدد حلف شمال الأطلسي "الناتو" على الحدود الروسية، وكذلك رفض انضمام أوكرانيا لحلف الناتو مستقبلًا.

في المقابل يرفض الرئيس الأوكراني فلاديمير زبلينسكي، الخطة الأمريكية للسلام دون توفير ضمانات لأوكرانيا، ورأى أن الولايات المتحدة لا تمتلك خطة واضحة المعالم لوقف الحرب، لا سيما وأن المفاوضات الأمريكية الروسية تتم من دون تمثيل للدول الأوروبية، التي تُعد أوكرانيا جزءًا لا يتجزأ من أمنها.

(*) مساندة الحلفاء: يعكس طرح الوساطة الروسية بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران في أحد جوانبها مساندة الحلفاء، إذ ترى روسيا أن إيران أحد حلفائها، وهي المكانة التي تزايدت أهميتها بعد سقوط نظام الأسد في سوريا ومخاوف فقد روسيا للوصول إلى المياه الدافئة على البحر المتوسط، لذلك فإن الحفاظ على دور إيران كحليف يتطلب تلك الوساطة القائمة على المنافع المتبادلة بين روسيا وإيران، وهو الأمر الذي عبّر عنه المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، بالقول إن "إيران هي حليفتنا والدولة التي نعمل معها على تطوير علاقات شاملة متبادلة المنفعة والاحترام المتبادل، لذا فإن روسيا مستعدة لبذل كل ما بوسعها من أجل حل المشكلة النووية"، كما أشار أيضًا إلى عدم التسرع في طرح تفاصيل ما سيكون بوسع موسكو القيام به لتقريب وجهات النظر وأن بلاده لم تطرح بعد مبادرات محددة.

(*) تعزيز التقارب الأمريكي الروسي: أسهم إعادة اختيار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لولاية رئاسية جديدة في الاتجاه نحو تحسين العلاقات الروسية الأمريكية، التي جسدتها الرسائل المتبادلة بين الجانبين والرغبة في طي صفحة الخلافات بين البلدين، التي تزايدت وتيرتها خلال إدارة بايدن السابقة بفرض عقوبات على روسيا بعد الحرب الروسية الأوكرانية، التي قال ترامب إنها ستتوقف بمجرد انتخابه، لذلك فإن توجه الولايات المتحدة التي تسعى لإنهاء هذه الحرب من خلال خطة لإحلال السلام في أوكرانيا يقابله طرح وساطة روسية بين الولايات المتحدة وإيران، وهي الرسائل التي تعزز من إجراءات بناء الثقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، وبما ينعكس على مستقبل العلاقات بين البلدين.

رسائل أمريكية وإيرانية

عقب طرح الوساطة الروسية بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، وجّه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 7 مارس 2025، رسالة إلى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي يدعوه فيها إلى القبول بإجراء مفاوضات حول البرنامج النووي، مُحذرًا من أن التأخر في ذلك يمكن أن يدفع الولايات المتحدة إلى استخدام الخيار العسكري، لمنع إيران من الوصول إلى مرحلة إنتاج القنبلة النووية. وفي اليوم التالي، أعلن المرشد الإيراني رفض الخضوع لضغوط الولايات المتحدة للدخول في مفاوضات بشأن البرنامج النووى الإيراني، مشيرًا إلى أن هدف واشنطن من تلك المفاوضات هو فرض رؤاها الخاصة.

وإذا كان الرئيس الأمريكي ترامب يسعى إلى ممارسة سياسة الضغوط القصوى على إيران، التي مارسها خلال ولايته الأولى بقراره الانسحاب من الاتفاق النووي، مايو 2018، وإعادة فرض العقوبات على إيران، فإن الولاية الثانية، التي تزامنت مع تراجع النفوذ الإيراني بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، وتراجع نفوذ حزب الله في لبنان، تطرح تغيرًا يجعل من إيران تعيد النظر في احتمالية الاستجابة الإيرانية للوساطة الروسية.

مساران محتملان

على خلفية طرح روسيا للوساطة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية فإن ثمة مساران لهذا الطرح:

المسار الأول: الاستجابة الإيرانية للوساطة الروسية، ويقوم ذلك السيناريو على أن تغير معادلة النفوذ الإيراني في الإقليم، وإصرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على تسوية الأزمات على خلفية أسلوب الصفقات سيسهم في احتمالية القبول الإيراني بتلك الوساطة، تجنبًا لاستهداف الأراضي الإيرانية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وسعيًا لإثبات سلمية البرنامج النووي الإيراني.

المسار الثاني: التأني الإيراني في قبول الوساطة الروسية، لا سيما وأن تلك الوساطة لم تطرح مبادرة محددة المعالم وفق ما أعلنه المتحدث باسم الكرملين، وهو الأمر الذي سيعطي إيران مزيدًا من الوقت. ويقوم هذا السيناريو على أن طرح الوساطة الروسية في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة لوقف الحرب الروسية الأوكرانية، وفي ظل الوفاق الروسي الأمريكي، ربما تهدف موسكو لتوظيفه في تعزيز أوراق روسيا التفاوضية في الملف الأوكراني أكثر منها لتسوية أزمة البرنامج النووي الإيراني.

مجمل القول تتنوع دوافع الوساطة الروسية بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، وهو ما يرتبط بالأساس بتعزيز أوراق روسيا التفاوضية لوقف الحرب الروسية الأوكرانية، وبناء إجراءات الثقة بين الولايات المتحدة وروسيا، غير أن إصرار ترامب على ضرورة تفاوض إيران بشأن برنامجها النووي وانتظار إيران لتغير المعادلات في الإقليم، وفي ظل اختلاف التيارات الداخلية الإيرانية حول جدوى المفاوضات مع الولايات المتحدة تحت سياسة الضغوط القصوي، فإن مسار التفاوض يظل المسار الأنسب للحيولة دون استهداف الأراضي الإيرانية، ولتبقى المفاوضات هي الخيار الأقل تكلفة وتظل الوساطة بمستوياتها المختلفة ضرورة لتسوية أزمات الإقليم المعقدة.