رغم استمرار التصعيد الكلامي بين الجانبين على خلفية العمليات العسكرية ضد الحوثيين في اليمن واستمرار حشد الأصول العسكرية الأمريكية في المنطقة، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن إجراء محادثات مع إيران يوم السبت 12 أبريل 2025، وذلك في حديثه للصحفيين على هامش لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 7 أبريل 2025.
وعلى الرغم مما عكسته التصريحات من تباين بين موقفي الجانبين الأمريكي والإسرائيلي بشأن المفاوضات وحرص ترامب على امتلاك زمام المبادرة في خيارات التصعيد أو التهدئة في الملف النووي الإيراني، إلا أن طهران تبدي انفتاحًا حذرًا على الجانب الأمريكي في ظل استمرار الضغوط القصوى على أذرع إيران في المنطقة وما تناقلته وسائل إعلام أمريكية وغربية عن دراسة إمكانية شن عملية برية ضد الحوثيين، تزامنًا مع "سحب المستشارين الإيرانيين" من اليمن.
وتأسيسًا على ما سبق؛ يتناول التحليل التالي أبعاد الرؤية الإيرانية لمجريات الصراع في اليمن وانعكاسات ذلك على المفاوضات الأمريكية الإيرانية المرتقبة.
أهداف التصعيد الأمريكي
تعكس عملية تصعيد الغارات على الحوثيين عدة أهداف استراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة، وتستهدف بالأساس النفوذ الإقليمي لإيران على غرار القيود والعقوبات الاقتصادية على صادرات الطاقة الإيرانية وتأييد تحركات جيش الاحتلال الإسرائيلي في جنوب ولبنان. ويمكن إبراز أهداف التصعيد الأمريكي ضد الحوثيين على النحو التالي:
(*) تضييق الخناق على إيران وأذرعها: منذ شروعه في تنفيذ سياسة الضغط الأقصى على إيران في 4 فبراير 2025، عزز الرئيس الأمريكي من ضغوطه على الجانب الإيراني بالاستفادة من التحولات الأمنية في المنطقة على خلفية التصعيد الإقليمي بين جيش الاحتلال من جهة، وأذرع إيران في العراق ولبنان وسوريا واليمن من جهة أخرى، والتي أسفرت عن تحييد التهديد الصاروخي لـ"حزب الله" عن تهديد العمق الإسرائيلي وإخراج سوريا ولبنان عن ساحة المعركة لأعوام قادمة، وبالتوازي باشرت إدارة ترامب خطوات تغيير سياسة واشنطن تجاه الحوثيين جذريًا بإعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية في 22 يناير الماضي، وبدء سريان الأمر التنفيذ في 4 مارس 2025.
ومنذ انطلاق الحملة الجوية الأمريكية الجديدة على المناطق الواقعة لسيطرة الحوثيين في شمال اليمن 15 مارس 2025، تواصلت الغارات المكثفة وواسعة النطاق بالتركيز على العاصمة صنعاء باعتبارها مركز الثقل السياسي والعسكري ومحافظة صعدة معقل جماعة الحوثي وقيادتها العليا، ومحافظة الحديدة وغيرها من مناطق شمال وغرب اليمن.
وتشير التقييمات الإعلامية والبحثية الأمريكية إلى قائمة واسعة من الأهداف تشمل تحييد القيادة العليا لجماعة الحوثي وهيكلها السياسي والعسكري وتدمير الأصول العسكرية من منشآت تخزين وقواعد عسكرية وأسلحة نوعية فضلًا عن تدمير المنظومات الساحلية.
ورغم أنباء اغتيال عشرات القيادات الميدانية في عمليات القصف الأمريكية وما نقلته صحيفة "التليجراف" البريطانية عن مسئول إيراني قوله إن بلاده أمرت بسحب عسكرييها من اليمن لتجنب مواجهة مباشرة مع ترامب، إلا أن مؤشرات هزيمة الحوثيين أو تحييد خطر تهديداتهم للملاحة البحرية في البحر الأحمر لا تزال هدفًا بعيد المنال مع توقعات باستمرار الهجمات لمدة ستة أشهر على الأقل، بعد نحو شهر من بدأ الهجمات المكثفة باستخدام أسلحة متقدمة وذخائر دقيقة بعيدة المدى لاختراق التحصينات وتدمير ترسانة الصواريخ في أعماق جبال شمال اليمن بتكلفة تقارب مليار دولار بحلول منتصف أبريل 2025 مع استقدام مجموعة حاملة الطائرات كارل فينسون، حسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز في 3 أبريل الجاري تناول إفادات مسئولين بالبنتاجون في الغرف المغلقة حول محدودية نتائج العملية ضد الحوثيين.
(*) انتزاع السيطرة على البحر الأحمر: تعد الحملة ضد الحوثي محاولة أمريكية لتقييد النفوذ الإيراني الناشئ في الممرات البحرية بمنطقة الشرق الأوسط لضمان "حرية تدفق الملاحة البحرية" وتعزيز المصالح الاستراتيجية الأمريكية. وقبل توليه مقاليد السلطة في 20 يناير الماضي، يظهر ترامب اهتمامًا بمحاربة نفوذ الصين والقوى المناوئة للولايات المتحدة على الممرات البحرية الاستراتيجية حول العالم ابتداءً بقناة بنما، وصولًا لمياه الشرق الأوسط وفي مقدمتها البحر الأحمر الذي يمر من خلاله نحو 13% من حجم التجارة العالمية، لضمان حرية التجارة البحرية للولايات المتحدة وحلفائها وتمتع القطع البحرية الأمريكية بحرية المرور بنقاط الاختناق الرئيسية، فضلًا عن الامتيازات التجارية واللوجيستية الأخرى.
(*) إعادة تشكيل الشرق الأوسط: تشير وسائل الإعلام الإيرانية شبه الرسمية أن الحملات الأمريكية على شمال اليمين خاصة ومجمل ما يُعرف بـ"محور المقاومة" تهدف في المقام الأول لتغيير وجه الشرق الأوسط بإخراج فصائل المقاومة الفلسطينية وإيران ووكلائها من المشهد وإعادة تفعيل ممر "الهند- الشرق الأوسط- أوروبا"، خاصة بعد تحييد إيران عن الساحة السورية.
معطيات فارقة
تعكس المؤشرات المتوافرة بشأن المواجهة بين الحوثيين والولايات المتحدة العديد من المعطيات التي قد تؤثر في مسار المفاوضات بين واشنطن وطهران، ويمكن استعراضها على النحو التالي:
(&) الحشد العسكري؛ حيث يمثل انتشار نحو 50 ألف مقاتل في مناطق القيادة المركزية للجيش الأمريكي بالشرق الأوسط وقرب وصول مجموعة حاملة الطائرات كارل فينسون ووجود نحو 6 قاذفات شبحية من طراز "B-2" في قاعدة دييجو جارسيا رسالة ردع موجهة بصفة أساسية لإيران وتشير إلى استعداد الولايات المتحدة لكافة الاحتمالات في التعامل مع الملف النووي الإيراني.
(&) الأفق الزمني؛ حيث أن امتداد فترة المواجهة لعدة أشهر يعزز من أوراق التفاوض الإيرانية بالتزامن مع مساعي إيران لترميم نفوذها في لبنان والحفاظ على بقاء الفصائل العراقية مع تجنب المواجهة المباشرة في الأفق القريب مع الولايات المتحدة وإسرائيل، وفي المقابل فإن الأفق الزمني للتوصل إلى اتفاق جديد أو العودة لمسار المفاوضات الجادة بشأن البرنامج النووي لا يتجاوز 6 أشهر المتبقية من عُمر اتفاق 2015 وبالتبعية سقوط القيود الأممية وخيار العودة لفرض العقوبات بموجب آلية "سناب باك".
(&) التحوط وإعادة بناء الثقة؛ إن الانتقال الحذر إلى مفاوضات مباشرة في الملف النووي ستخضع لإجراءات تحوط استراتيجي إيراني باستدعاء الشركاء الدوليين وعلى رأسهم الصين وروسيا وتعزيز الدفاعات الجوية، بالتوازي مع اتخاذ خطوات أولية بين الجانبين لإعادة بناء الثقة تشمل تخفيف حدة خطابات التهديد باستخدام القوة العسكرية وكبح التهديدات الإسرائيلية وتجميد هجمات حلفاء طهران على إسرائيل، وهو ما يُضفي مزيدًا من التعقيد على المفاوضات المرتقبة، إذ قد يخاطر الجانب الأمريكي بإيجاد بدائل أكثر نجاعة في التعامل مع تهديد الحوثيين من خلال تحريك الصراع الداخلي في اليمن وهو ما يخاطر بتوسيع الصراع في المنطقة.
وختامًا؛ ترى الأوساط الإعلامية والسياسية الإيرانية أن تحييد "حزب الله" والفصائل العراقية ومحاولة تصفية جماعة "أنصار الله" تمثل جانبًا من مساعي تقويض شبكة النفوذ الإقليمي التي أقامتها طهران على مدار سنوات كدرع أمني للدفاع عن المصالح الإيرانية في خطوط متقدمة وأن تداعي تلك الأذرع يعزز حتمًا فرض المواجهة على أراضيها ويهدد مقدراتها الاستراتيجية وأمنها القومي. وتتمسك طهران في المقابل بدعم عمليات الحوثيين وتنفي ضمنيًا التخلي عن دعمهم، مع التزام خطابها السياسي والإعلامي بتقديم الحوثيين كفاعل مستقل عن طهران في إطار "محور المقاومة"، مما يهدد بتوسيع نطاق المواجهة في المنطقة مع تحول العملية العسكرية لحرب استنزاف تؤثر على نشر القدرات والأصول العسكرية الأمريكية على امتداد مسارح العمليات الأكثر سخونة وبصفة خاصة منطقة المحيطين الهندي والهادئ لمواجهة النفوذ الصيني المتنامي.
إن تغيير توجهات إدارة ترامب وإفشال مسار "التقدم الخطي" المُتصور بشأن التعامل مع القضايا الدولية وعلى رأسها الملف النووي الإيراني يعد من أبرز التحديات أمام طهران في المحادثات المرتقبة بسلطنة عُمان، وقد يدفعها لفصل المسارات في ظل مطالبات إسرائيل وبعض أركان الإدارة الأمريكية بتجريد إيران من برنامجيها النووي والصاروخي إلى جانب نفوذها الإقليمي، في صفقة "استسلام" على غرار ما أشار إليه نتنياهو بـ"السيناريو الليبي" لن يقدم عليها الجانب الإيراني في إطار عملية تفاوضية مهما كانت العواقب.