الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

تحديات الائتلاف الحكومي المقبل في ألمانيا

  • مشاركة :
post-title
مستشار ألمانيا المحتمل فريدريش ميرز

القاهرة الإخبارية - ضياء نوح

حدد البرلمان الألماني، السادس من مايو المقبل موعدًا لانتخاب زعيم حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي فريدريش ميرز مستشارًا جديدًا للبلاد، في أعقاب توصل التحالف المسيحي لاتفاق مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي بشأن تشكيل الائتلاف الحكومي المقبل في 9 أبريل الجاري، بينما يخضع اتفاق الائتلاف لإجراءات داخلية لإقراره من أحزاب الائتلاف، بدأت بموافقة مجلس قيادة حزب الاتحاد المسيحي الاجتماعي، بالتوازي مع الاقتراع الإلكتروني لأعضاء الحزب الاشتراكي الديمقراطي في الفترة من 15 إلى 29 أبريل، ومن المنتظر أن يقر الاتحاد المسيحي الديمقراطي خلال مؤتمر مصغر في 28 من الشهر الجاري.

وساهمت أجندة ميرز المتشددة تجاه الهجرة، ونتيجة لتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على الأوضاع المعيشية في ألمانيا، في تعزيز شعبية حزب "البديل من أجل ألمانيا" الذي حلَّ ثانيًا في انتخابات فبراير المبكرة، وهو ما انعكس في استطلاعات الرأي الحديثة التي أظهرت تأييد نحو 25% من الألمان لحزب البديل تزامنًا مع الإعلان عن اتفاق الائتلاف.

وتأسيسًا على ما سبق؛ يتناول التحليل التالي أجندة الائتلاف الحكومي المرتقب وأبرز التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه المستشار المحتمل فريدريش ميرز.

أولويات داخلية متباينة

بعد 45 يومًا من فوزه بالانتخابات المبكرة في 23 فبراير 2025، أعلن زعيم الاتحاد المسيحي الديمقراطي فريدريش ميرز عن الاتفاق مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي على تشكيل الحكومة المقبلة في 9 أبريل الجاري، بالتوازي مع تحديات اقتصادية وجيوسياسية أوروبية وعالمية ساهمت في تسريع التوصل لاتفاق بين حزبي يمين ويسار الوسط في ألمانيا، تزامنًا مع استطلاع للرأي لصالح "إيسوس" أظهر تراجع شعبية المستشار المحتمل في أوساط جمهور حزبه المحافظ.

تشكيل البوندستاج الواحد والعشرين

وفرضت التوازنات السياسية التي خلفتها انتخابات 23 فبراير 2025 نفسها على اتفاق الائتلاف المقبل، رغم استبعاد التحالف بين الحزب الفائز بالانتخابات (الاتحاد المسيحي الديمقراطي وشقيقه البافاري الاتحاد المسيحي الاجتماعي) بواقع 28.5% من الأصوات من جهة، وحزب البديل من أجل ألمانيا (الشعبوي) الذي جاء ثانيًا بواقع 20.8% من جهة أخرى، إلا أن الأخير يعد شريكًا غير مباشر في الائتلاف، إن جاز التعبير، بين التحالف المسيحي والحزب الديمقراطي الاجتماعي الذي جاء ثالثًا بنسبة 16.4%.

(*) الهجرة والتجنيس: انتصر اتفاق الائتلاف نسبيًا لتشديد القيود على الهجرة بالتنسيق مع دول الجوار، فضلًا عن تعليق إجراءات لم شمل الأسر وإلغاء عملية تسريع منح الجنسية الألمانية في 3 سنوات. وفتح الائتلاف الحكومي المرتقب الباب أمام قبول 100 ألف لاجئ سنويًا بحد أقصى –حسب تصريحات ميرز- نزولًا من مستوى 230 ألف لاجئ في 2024، إلى جانب رفض المهاجرين غير النظاميين في إطار توجه لإعادة اللاجئين لأوطانهم بالنسبة للمهاجرين غير النظاميين، وتوسيع قائمة الدول الآمنة من بين الدول المصدرة للمهاجرين لإعادتهم إلى تلك البلدان وعلى رأسها سوريا، ويحقق ذلك مطالب الحزب الاشتراكي الديمقراطي بضرورة الحفاظ على اللجوء كحق أساسي ولضمان بقاء ألمانيا دولة هجرة، والرغبة في تعزيز وحدة الصف الأوروبي في مواجهة الرسوم الجمركية الأمريكية وعدم إثارة غضب الأوروبيين بمقترحات إبقاء المهاجرين على الحدود.

(*) الضرائب والإنفاق الفيدرالي: تمثل خطط الإنفاق والاستثمارات المشتركة (العامة والخاصة) المقترحة في مجالات البنية التحتية والدفاع وتخفيضات الضرائب وأسعار الطاقة على الشركات والمؤسسات الصناعية انقلابًا على السياسات المالية والنقدية المحافظة الملتزمة بسقف منخفض للديون لا يجاوز سقف 0.35% من الناتج المحلي سنويًا. وأقر البرلمان الألماني في 18 مارس 2025 تعديلًا دستوريًا لتخفيف كبح الديون ودعم تعزيز الإنفاق الفيدرالي في مجالات الدفاع والبنية التحتية وبرامج المناخ. كما تستهدف الخطة خفض الإنفاق الفيدرالي بنحو مليار يورو سنويًا وتقليص أعداد الجهاز الإداري بنحو 8%.

على الرغم من الخطط الطموحة التي وضعها اتفاق الائتلاف على صعيد إنفاق نحو تريليون يورو على الدفاع والبنية التحتية من أجل الخروج من حالة الركود المحتمل للعام الثالث على التوالي وتعزيز تنافسية الشركات والصناعات الألمانية، إلا أن أغلب التعهدات الواردة في الوثيقة المكونة من 144 صفحة تخضع لقيود زمنية وبعضها مرهون كذلك بتوفر التمويل اللازم، مثل تخفيض ضرائب الدخل على الأسر منخفضة ومتوسطة الدخل إلى منتصف الدورة التشريعية للبرلمان الواحد والعشرين (فبراير 2027)، وتخفيض ضرائب دخل الشركات من 15% إلى 10% بحلول 2028.

التحديات الخارجية

تخيِّم التحديات الخارجية على أجندة عمل الائتلاف المنتظر بين التحالف المسيحي المحافظ والحزب الاشتراكي الديمقراطي، ويمكن استعراضها على النحو التالي:

(&) الحرب التجارية والعلاقات مع الولايات المتحدة: من المحتمل أن تفرض سياسة الرسوم الجمركية الأمريكية تحديًا رئيسيًا للمستشار المحتمل فريدريش ميرز أمام تعزيز تنافسية الصناعة الألمانية وإنعاش الاقتصاد الوطني بعد عامين من الركود مع فرض رسوم جمركية بقيمة 25% على واردات الألومنيوم والسيارات والصلب، في الوقت الذي كانت فيه السيارات الألمانية أحد أبرز ملفات التوتر التجاري مع الصين.

ويشير اتفاق الائتلاف إلى مساعي برلين لعقد اتفاق تجارة حرة مع الولايات المتحدة على المدى المتوسط، لضمان تعزيز العلاقات على ضفتي الأطلسي، مع بلوغ حجم الصادرات الألمانية للولايات المتحدة 161 مليار يورو، وذلك رغم التعليقات السلبية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن الاتحاد الأوروبي، في ظل إيلاء ميرز اهتمام كبير بالعلاقات مع واشنطن.

(&) الملف الأوكراني: رغم ما أبداه المستشار المحتمل من رغبة في تعزيز الدعم العسكري لكييف خلال الحرب الروسية الأوكرانية، يرفض ميرز بشكل قاطع ضم أوكرانيا لحلف الناتو أو الاتحاد الأوروبي طالما ظلت في حالة نزاع مع روسيا، وقد تحافظ ألمانيا على سياستها الحذرة تجاه روسيا مع تجنب قيادة الصف الأوروبي في تعزيز الدعم العسكري لأوكرانيا للعديد من الاعتبارات، لعل أهمها بقاء حقيبة الدفاع في يد الحزب الاشتراكي الديمقراطي إلى جانب الحرص على تعزيز العلاقات عبر الأطلسي وتأييد الجهود الأمريكية لإيقاف الحرب الروسية الأوكرانية بما يحفظ المصالح الاقتصادية والأمنية لأوروبا.

(&) الأمن والحوكمة الأوروبية: تدعم خطط الإنفاق الضخمة مساعي الائتلاف المسيحي-الاشتراكي جهود قيادة أوروبا في مواجهة الآثار الاقتصادية والجيوسياسية والأمنية الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية ونُذر الحرب التجارية التي أشعلتها قرارات الرئيس الأمريكي بفرض رسوم جمركية على مختلف شركاء بلاده التجاريين، مما يتطلب توحيد الجبهة الأوروبية بقيادة ألمانيا وفرنسا.

ورغم التوافق المبدئي بين كبار قادة القارة الأوروبية إلا أن رغبة ميرز بزعامة أوروبا تواجه العديد من العراقيل لعل أهمها توسيع المظلة النووية الفرنسية البريطانية أوروبيًا وتعزيز خطط الإنفاق الدفاعي ونشر القوات الألمانية والأوروبية عمومًا في أي مهمة محتملة لحفظ السلام في أوكرانيا أو الاستعاضة عن جانب من الانتشار العسكري الأمريكي في أوروبا في ظل احتياجات تحديث الجيش الألماني والتي تتطلب مبالغ ضخمة في العديد من البنود التي تشمل تطوير الثكنات والقواعد العسكرية وتعزيز المشتريات الدفاعية، وتشير المفوضة البرلمانية لشؤون القوات المسلحة إيفا هوجل إلى أن إجمالي تكاليف تطوير ثكنات البوندسفير فقط في أنحاء البلاد تتطلب نحو 67 مليار يورو.

كما يواجه الائتلاف المرتقب بين يمين ويسار الوسط تحدي تصاعد دور أحزاب اليمين الشعبوي المناهض للاتحاد في العديد من العواصم الرئيسية الأوروبية وتأثير التدخلات الأجنبية في الانتخابات والتي أدت لإلغاء الانتخابات الرئاسية في رومانيا في ديسمبر الماضي بمزاعم تدخل روسي، ويتزامن إجراء الانتخابات الجديدة في 4 مايو المقبل مع تصويت البرلمان الألماني على اختيار ميرز مستشارًا للحكومة، مما يعزز من مخاوف وحدة الصف الأوروبي أمام الضغوط الأمريكية والروسية الداعمة لليمين الشعبوي.

وإجمالًا: يمثل برنامج إنعاش الاقتصاد وتحفيز النمو القائم على التصدير بالتوازي مع تقليص الجهاز الإداري للحكومة الفيدرالية خطة طموحة لاستعادة مسار النمو في ألمانيا، إيذانًا بإعادة انخراط برلين في تولي قيادة القارة الأوروبية في مواجهة ضغوط اقتصادية وجيوسياسية متعاظمة، وفي المقابل يواجه المستشار المحتمل فريدريش ميرز العديد من التحديات الداخلية يأتي في مقدمتها تآكل شعبية حزبه أمام حزب البديل من أجل ألمانيا واعتراف جانب مهم من قاعد حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي، من بينهم اتحاد شباب التحالف المسيحي، نتيجة ما تعتبره القاعدة الشعبية لجمهور اليمين تراجعًا في تعهدات ميرز الانتخابية في تشديد إجراءات قبول المهاجرين وتقليص البيروقراطية الفيدرالية بأقصى حد ممكن ودون تأخير.

وعلى صعيد المخاطر والتحديات الخارجية، تطفو أزمة الرسوم الجمركية الأمريكية على السطح في ترتيب أولويات ألمانيا لتحييد أثرها على النمو الاقتصاد المفقود وإعادة ضبط العلاقات عبر الأطلسي وفق الرؤية الأمريكية مع الحفاظ على مصالح وضمانات أساسية لأوروبا عمومًا وألمانيا على وجه الخصوص على صعيد العلاقات الاقتصادية والتجارية والأمنية، من أجل التفرغ لمواجهة التدخلات الخارجية في السياسة الأوروبية، يظل التحدي الأبرز في هذا الإطار صعود تيار أقصى اليمين الذي بات يحظى بدعم واضح ومعلن من أركان الإدارة الأمريكية الحالية إلى جانب دعمه للتقارب مع روسيا على حساب الاتحاد الأوروبي ونخبته الليبرالية.