الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

ما المحتمل من مفاوضات أمريكا وإيران في عُمان؟

  • مشاركة :
post-title
أمريكا وإيران

القاهرة الإخبارية - د. محمد أبو سريع

تتجه الأنظار إلى العاصمة العُمانية مسقط التي ستحتضن جولة من المفاوضات الحساسة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، في 12 من أبريل 2025، وسط مناخ إقليمي ودولي متوتر وتحديات متصاعدة على عدة جبهات. وتأتي هذه المفاوضات في ظل تغيرات استراتيجية على الساحة الدولية، وتباين في أولويات كلا الطرفين، ما يجعل من هذه الجولة لحظة محورية قد تعيد تشكيل مسار العلاقة بين الدولتين، فقد تساهم -حال نجاحها- في إعادة ضبط التوازنات الإقليمية والدولية الراهنة.

وفي هذا السياق، تثار العديد من التساؤلات وهي: ما أهم العوامل المؤثرة أو المحفزة للجانبين الأمريكي والإيراني في مسار هذه المفاوضات؟ وما أهم السيناريوهات المحتملة لمسار هذه المفاوضات؟ وإلى أي مدى يمكن تصور نتائج تلك المفاوضات سواءً على الجانبين الإيراني والأمريكي أو على إقليم الشرق الأوسط والعالم؟

عوامل مُحفِّزة

تتعدد العوامل المحفِّزة والمؤثرة في المفاوضات الأمريكية الإيرانية المقبلة، لتشمل جوانب اقتصادية وسياسية وجيوسياسية، وتتداخل هذه العوامل مع بعضها البعض وتحدد مسار هذه المفاوضات، ويمكن تحديد أهم هذه العوامل فيما يلي:

(*) الضغوط الاقتصادية الداخلية في إيران: تواجه إيران تحديات اقتصادية ضخمة منذ فرض العقوبات عليها، مثل ارتفاع معدلات التضخم (أكثر من 40%) وانخفاض قيمة الريال، وهذه الضغوط تدفع القيادة الإيرانية إلى البحث عن حلول لتحسين الأوضاع الاقتصادية، وقد يكون من أهم هذه الحلول التفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية حول كل ما من شأنه إلغاء العقوبات الغربية. وسيسمح رفع العقوبات عن إيران بزيادة صادراتها النفطية، وبالتالي تحقيق عائدات إضافية يمكن أن تسهم في استعادة النمو الاقتصادي وتحسين الأوضاع المالية، فضلًا عن وجود أصول إيرانية مجمدة في بنوك دولية (نحو 100 مليار دولار) يعزز الضغط على القيادة الإيرانية للتوصل إلى اتفاق يسمح بتحرير هذه الأموال.

وفي ضوء ما سبق، ستكون إيران مُحفَّزة ولديها الاستعداد القوي للوصول إلى اتفاق يخفف من العبء الاقتصادي عبر رفع العقوبات والسماح لها بالعودة إلى الاقتصاد العالمي، فالضغط الاقتصادي سيجعل إيران أكثر مرونة في التفاوض من أجل الحصول على تسهيلات اقتصادية ورفع العقوبات عن كاهلها.

(*) العوامل الاجتماعية والضغوط الداخلية: تتزايد الاحتجاجات الاجتماعية داخل إيران بسبب الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، لذلك قد يسعى النظام الإيراني لتقديم إنجازات دبلوماسية لمواجهة الضغوط الداخلية. ومن شأن تطور هذه الاحتجاجات أن تأثر في موقف الحكومة الإيرانية من المفاوضات، فبعض الأطراف قد تسعى لتحقيق استقرار داخلي عبر تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول الغربية. وقد تعجِّل المخاوف من اشتعال الاحتجاجات الداخلية في إيران بتوصل الحكومة إلى اتفاق سريع مع الولايات المتحدة، فقد تشكِّل تلك الاحتجاجات مصدرًا للضغط الداخلي على القيادة الإيرانية لتقديم تنازلات.

(*) حسابات الموقف الأمريكي: على الرغم من سعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى تحقيق إنجازات دبلوماسية كبرى لتعزيز مكانته وقوة حزبه في الداخل الأمريكي ولتجنب المزيد من تعقيد الوضع الراهن، إلا أن هناك بعض التحديات داخل الولايات المتحدة، مثل الضغط من المجموعات المناهضة لإيران.

(*) المساعي والجهود الدولية لاستقرار أسواق النفط والطاقة العالمية: تمتلك إيران احتياطيات ضخمة من النفط والغاز، وعليه فإن رفع العقوبات سيؤدي إلى زيادة المعروض النفطي في الأسواق العالمية، ما يساعد في استقرار أسعار الطاقة، وهو أمر يهم الاقتصاد الأمريكي واقتصادات غربية كثيرة، لذلك قد تشجِّع أمريكا على التفاوض مع إيران في إطار تعزيز الاستقرار الاقتصادي، وضمان استمرار تدفق الطاقة بأسعار معقولة للاقتصادات الكبرى مثل أوروبا والولايات المتحدة.

لذلك تتأثر المفاوضات المرتقبة بين الجانبين الأمريكي والإيراني بالمساعي الدولية لاستقرار أسواق النفط والطاقة، فمع العودة المحتملة لإيران إلى أسواق النفط العالمية في ظل المفاوضات المرتقبة، هناك احتمالية لزيادة الإنتاج الإيراني بعد رفع العقوبات، وهذا قد يساعد ذلك في استقرار أسعار النفط على المدى الطويل، خاصة إذا كانت الأسواق العالمية تشهد تقلبات كبيرة بسبب الأزمات في مناطق أخرى.

(*) موقف إسرائيل: تعتبر إسرائيل من أكبر المعارضين لإيران النووية، وتضغط على الولايات المتحدة لتقديم شروط قاسية على طهران، ففي حال موافقة أمريكا على تقديم تنازلات، قد تتبع إسرائيل مسارًا تصعيديًا ضد إيران، لذلك تبذل إسرائيل جهدًا ضاغطًا على الولايات المتحدة لفرض شروط أكثر صرامة على إيران في ما يتعلق ببرنامجها النووي تصل إلى حد المطالبة بتفكيكه، وهو ما قد يقيِّد مرونة الإدارة الأمريكية.

(*) موقف القوى الدولية الكبرى (الصين وروسيا): للصين وروسيا مصالح اقتصادية واستراتيجية في تحسين علاقاتهما مع إيران، وإن دعم هذين البلدين في المفاوضات قد يسهم في تعزيز الموقف الإيراني، ويضغط في نفس الوقت على الولايات المتحدة للتوصل إلى حل يرضي الطرفين، فضلًا عن التأثير الدولي من خلال الوساطة قد يعزز فرص التوصل إلى اتفاق، إذ ستسعى الدول الكبرى إلى تجنب تصعيد أكبر في المنطقة.

سيناريوهات مُحتمَلة

تتعدد السيناريوهات المُحتمَلة للمفاوضات المقبلة بين أمريكا وإيران، وذلك على النحو التالي:

(&) السيناريو الأول، نجاح المفاوضات بإبرام اتفاق شامل: وفقًا لهذا السيناريو، قد تتم العودة الكاملة أو المحدثة للاتفاق النووي مع الرفع التدريجي للعقوبات الأمريكية والغربية على إيران، في مقابل تعهدات إيرانية بتقييد تخصيب اليورانيوم وتوسيع الرقابة، وقد يتضمن هذا الاتفاق بنود جانبية تتعلق بدور إيران الإقليمي.

ومن شأن تحقق هذا السيناريو، أن تقوم إيران بتصدير النفط بكامل طاقتها خلال أشهر، وبالتالي تحسُّن سريع في الاقتصاد الإيراني، وانخفاض نسبي في أسعار النفط، وتهدئة في ساحات التوتر الإقليمي.

(&) السيناريو الثاني؛ إبرام اتفاق مبدئي أو مرحلي مؤقت: وفقًا لهذا السيناريو، قد يتم إبرام اتفاق "إطار عام" أو "مرحلي" مقابل خطوات حسن نية من الطرفين. فتقوم إيران بتجميد بعض أنشطتها النووية في مقابل إفراج الولايات المتحدة عن أصول أو تخفيف محدود للعقوبات على إيران، مع استمرار المحادثات لاحقًا لتطوير هذا الاتفاق. ومن المحتمل أن يترتب على هذا السيناريو، تحسن اقتصادي محدود. فالأسواق النفطية قد تهدأ، لكن بحذر، وقد يسود تفاؤل مشروط في الأسواق المالية.

(&) السيناريو الثالث؛ فشل المفاوضات وتعليق الحوار الأمريكي الإيراني: وفقًا لهذا السيناريو، قد تنهار المحادثات بين الجانبين الأمريكي والإيراني نتيجة خلافات حول آلية التحقق من أنشطة البرنامج النووي الإيراني أو بسبب رفع العقوبات. فقد يعلن الطرفان عن خيبة أمل، لكن دون تصعيد فوري مع الاكتفاء بالعودة للتصعيد الإعلامي والدبلوماسي.

وفي حال تحقق هذا السيناريو، سوف يترتب عليه رفع إيران مستوى التخصيب، وما يُقابل ذلك بفرض أمريكا عقوبات إضافية. وبالتالي زيادة في أسعار النفط، ومزيد من التوترات في مضيق هرمز، وربما تهديد الملاحة في البحرين العربي والأحمر، وتتزايد احتمالات التوتر وعدم الاستقرار الإقليمي خاصة بين إيران وإسرائيل.

وفي النهاية، يمكن القول إن الجولة المقبلة من المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة في عُمان، تمثل محطة مفصلية قد تسهم في إعادة تشكيل مسار العلاقات بين الطرفين الأمريكي والإيراني، سواء باتجاه التهدئة والتفاهم أو التصعيد واستمرار حالة الجمود. ونجاح هذه المفاوضات سيعتمد إلى حد كبير على مدى استعداد كل طرف لتقديم تنازلات، وإعادة ترتيب أولوياته بما يراعي تعقيدات المشهد الإقليمي والدولي. ومِن ثَمَّ فإن النتائج المترتبة على هذه الجولة لن تقتصر على الجانبين فقط، بل سيكون لها انعكاسات مباشرة على الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط بأسرها، وعلى طبيعة التفاعلات الدولية خلال المرحلة المقبلة.