الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

مسارات متصاعدة.. الانعكاسات المحتملة للحرب التجارية بين أوروبا وأمريكا

  • مشاركة :
post-title
الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي

القاهرة الإخبارية - د. محمد أبو سريع

تتصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة وأوروبا في الأيام الأخيرة، خاصة بعد تهديد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الاتحاد الأوروبي بزيادة الرسوم الجمركية بنسبة 10% أو 20%، وهي الزيادة التي قد تكلف أوروبا 1% من ناتجها المحلي الإجمالي. وقال ترامب إن "الاتحاد الأوروبي لا يشتري السيارات أو المنتجات الزراعية الأمريكية، ولا يشتري أي شيء تقريبًا"، مشيرًا إلى أن أمريكا تشتري كل شيء من دول الاتحاد الأوروبي، وهو الأمر الذي يُنبئ باتجاه الجانب الأمريكي، إلى شن حرب تجارية جديدة تجاه الجانب الأوروبي، التي يُحتمل ألا تقتصر تداعياتها الاقتصادية على بروكسل فقط، وإنما على الاقتصاد العالمي كذلك.

وأفادت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية مؤخرًا، بأن الشركات الأوروبية تستعد لضربة مالية من الحرب التجارية المحتملة مع الولايات المتحدة، في ظل تهديدات الرئيس دونالد ترامب، بفرض رسوم جمركية جديدة. وأشارت الصحيفة إلى أن مديري بعض الشركات حذروا من الغموض الذي تسببت به تهديدات الرئيس الأمريكي، بشأن الرسوم التجارية، ما أثر على الخطط الاستثمارية. كما أن الرد المحتمل من قبل الاتحاد الأوروبي على الرسوم الأمريكية سيوجه ضربة مزدوجة لهذه الشركات، فهذه الحرب التجارية قد تؤدي إلى أن الشركات الأوروبية ستستورد مستلزماتها من دول أخرى، بما فيها الصين، والهند، وبعض دول أمريكا الجنوبية.

وفي السياق ذاته، تُثار العديد من التساؤلات، أهمها: ما التأثير المحتمل للحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي؟، وهل يمكن أن يمتد هذا التأثير للاقتصاد العالمي؟، وما الأطراف الأخرى التي يمكنها الاستفادة من هذه الحروب؟، وكيف يمكن تصور أمد وشدة تلك الحروب حال اشتعالها فعليًا؟

أهداف ترامب الاقتصادية

يستهدف ترامب من فرض رسوم تجارية جديدة على الجانب الأوروبي، تحقيق عدة منافع وفوائد للاقتصاد الأمريكي، يمكن تحديدها فيما يلي:

(*) تعزيز الإنتاج المحلي الأمريكي: يؤدي فرض الرسوم الجمركية على المنتجات الأوروبية إلى تشجيع التصنيع المحلي، إذ ستصبح المنتجات الأمريكية أكثر قدرة على المنافسة داخل السوق المحلية. وبعض الشركات قد تعيد توطين إنتاجها داخل أمريكا لتجنب الرسوم. فقد توقع المدير التنفيذي لشركة "فولفو كارز" السويدية لصناعة السيارات، جيم رووان، أن زيادة الرسوم الجمركية من جانب الولايات المتحدة بنسبة ما بين 2.5 و10% ستكون قابلة للمعالجة والتعامل معها، لكن أي زيادة أكبر من ذلك ستجبر الشركة على زيادة إنتاجها في مصنعها بولاية كارولينا الجنوبية.

(*) زيادة الإيرادات للحكومة الأمريكية: تعني الرسوم الجمركية الجديدة أن الحكومة الأمريكية ستجمع مليارات الدولارات من الضرائب على الواردات، على الرغم من أن المستهلك الأمريكي سيتحمل التكلفة في النهاية.

(*) استخدام الرسوم الجمركية كورقة ضغط: قد يستخدم ترامب التهديدات التجارية بفرض رسوم تجارية جديدة كورقة ضغط لإجبار أوروبا على تقديم تنازلات في قضايا مثل السيارات والزراعة والضرائب الرقمية.

تأثيرات سلبية محتملة على أمريكا

رغم أن الأهداف التجارية التي يسعى ترامب لتحقيقها، أهمها زيادة التصنيع المحلي، إلا أن التداعيات السلبية قد تتجاوز الفوائد سالفة الذكر، خاصة مع ارتفاع أسعار المستهلكين وتضرر المزارعين واضطراب سلاسل التوريد. كما أنه كنتيجة محتملة لاستمرار الحرب التجارية بين الولايات المتحدة وأوروبا، قد تضطر الشركات الأمريكية إلى تعديل استراتيجياتها التجارية، وقد تلجأ أوروبا إلى تعميق علاقاتها التجارية مع الصين والهند، ما قد يضر بالمصالح الأمريكية على المدى الطويل. وفي ضوء ذلك يمكن رصد بعض الأضرار التي قد تصيب الاقتصاد الأمريكي حالة اشتعال الحرب التجارية بين الجانبين الأمريكي والأوروبي، على النحو التالي:

الحرب التجارية بين ترامب وأوروبا

(&) ارتفاع الأسعار للمستهلك الأمريكي: فرض رسوم جمركية على المنتجات الأوروبية يعني أن أسعار السيارات والسلع الفاخرة والأغذية المستوردة مثل النبيذ والجبن والزيتون سترتفع، وستضطر الشركات الأمريكية التي تعتمد على مكونات أوروبية في صناعتها "مثل قطع غيار السيارات والآلات"، إلى دفع أسعار أعلى، ما قد ينعكس على المستهلك.

(&) تراجع الصادرات الأمريكية لأوروبا: من التوقع أن ترد أوروبا على الرسوم الأمريكية بفرض تعريفات جمركية على المنتجات الأمريكية، ما سيؤثر على قطاعات مثل الزراعة. وقد تفرض أوروبا تعريفات على اللحوم والصويا والذرة والتبغ الأمريكي، ما سيضر بالمزارعين الأمريكيين، فضلًا عن تأثر قطاع الطيران في الولايات المتحدة، فقد تواجه شركة بوينج مشكلات إذا استهدفت أوروبا قطاع الطيران الأمريكي، خاصة مع المنافسة الشرسة من إيرباص. وإضافة إلى التأثير السلبي على الصناعات التكنولوجية، فقد تفرض أوروبا ضرائب رقمية أقوى على شركات مثل جوجل وأمازون وآبل ومايكروسوفت، ما يقلل أرباحها في القارة الأوروبية.

(&) اضطرابات في سلاسل التوريد للشركات الأمريكية: تعتمد العديد من الشركات الأمريكية على المكونات الأوروبية، مثل صناعة السيارات "جنرال موتورز وفورد" والتكنولوجيا "إنتل وكوالكوم"، لذلك فإن أي رسوم جمركية جديدة ستزيد التكلفة الإنتاجية وتجبر الشركات على البحث عن موردين جدد، ما قد يؤدي إلى بطء الإنتاج ونقص بعض المنتجات لدى تلك الشركات.

(&) التأثير السلبي على سوق الأسهم والاستثمارات: أي تصعيد في الحرب التجارية قد يؤدي إلى تراجع ثقة المستثمرين بالولايات المتحدة، ما قد يؤثر على وول ستريت.

ويترتب على الأضرار الاقتصادية السابقة، تأثير سياسي في الداخل الأمريكي، فإذا شعر المزارعون أو أصحاب الصناعات الكبرى مثل السيارات، أن الحرب التجارية تضر بهم، فقد يؤثر ذلك على دعم ترامب سياسيًا وعلى حزبه الجمهوري، خاصة في انتخابات الولايات وانتخابات التجديد النصفي للكونجرس، التي ستشهده الولايات المتحدة الأمريكية خلال 2025 و2026.

أضرار أوروبية محتملة

حال تصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة وأوروبا، فإن التأثير لن يكون موحدًا على جميع الدول الأوروبية، بل سيختلف حسب حجم العلاقات التجارية والصناعات المتضررة لكل دولة مع الولايات المتحدة الأمريكية. ويمكن استعراض أكثر الدول الأوروبية تأثرًا بهذه الحرب على النحو التالي:

(-) ألمانيا: تعتبر ألمانيا من أكبر المصدرين للولايات المتحدة، خاصة في قطاع السيارات والآلات الصناعية. ويتجلى تأثير هذه الحرب على ألمانيا فيما قد تتعرض له شركات ألمانية مثل بي إم دبليو ومرسيدس وفولكس فاجن لرسوم جديدة على السيارات المصدرة إلى السوق الأمريكية. وقد تواجه شركات قطاع الآلات والمعدات الهندسية، مثل سيمنز، تحديات إذا فرضت أمريكا قيودًا جديدة على التكنولوجيا والتصنيع.

(-) فرنسا: تتمتع فرنسا بعلاقات تجارية قوية مع الولايات المتحدة، خاصة في القطاعات الفاخرة والطيران والزراعة. فقد تواجه منتجات مثل النبيذ والجبن والعطور ضرائب انتقامية، كما حدث في نزاعات سابقة بين الجانبين الأوروبي والأمريكي. وقد تتأثر سلبًا شركة إيرباص إذا ما تم استهداف قطاع الطيران كجزء من الخلافات التجارية بين الجانبين حول الدعم الحكومي للشركات الكبرى.

(-) إيطاليا: تُصدر إيطاليا المنتجات الزراعية والصناعية إلى الولايات المتحدة، لذلك قد تواجه صادرات إيطاليا من الزيتون وزيت الزيتون والنبيذ والجبن تعريفات جمركية جديدة، ما يؤثر على الاقتصاد الإيطالي سلبًا. وقد تتأثر كذلك شركات تصنيع السيارات الإيطالية سلبًا مثل فيات وستيلانتس إذا فرضت أمريكا ضرائب جديدة على السيارات الأوروبية.

(-) إسبانيا: تعتمد إسبانيا بشكل كبير على الصادرات الغذائية والزراعية إلى الولايات المتحدة، لذلك يُتوقع أن تتأثر سلبًا قطاعات النبيذ والزيتون والفواكه والمأكولات البحرية إذا فرضت واشنطن تعريفات جمركية إضافية. وكذلك سيتأثر سلبًا، قطاع الطيران الذي قد يتضرر بسبب ارتباطه بشركة إيرباص.

(-) بلجيكا وهولندا: يرجع هذا التأثير إلى أن الموانئ الكبرى للدولتين، مثل أنتويرب وروتردام، تعد مراكز رئيسية للتجارة بين أوروبا وأمريكا، فإذا انخفضت التجارة عبر الأطلسي، فقد تتأثر حركة الشحن البحري، ما يضر بقطاع النقل واللوجستيات.

(-) السويد: قد تتضرر شركات سويدية مثل إريكسون وفولفو إذا فرضت الولايات المتحدة تعريفات على المنتجات التكنولوجية والمعدات الثقيلة.

تأسيسًا على ما سبق، يمكن التأكيد أن دول أوروبا الشرقية مثل بولندا والمجر والتشيك، ستكون الأقل تأثرًا، إذ قد تتأثر هذه الدول بشكل محدود، نظرًا لكون معظم تجارتها موجهة نحو دول أوروبية أخرى وليس نحو الولايات المتحدة الأمريكية.

العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي
انعكاسات محتملة

وفقًا للمراقبين، من المحتمل أن تؤثر الحرب التجارية بين الولايات المتحدة وأوروبا بشكل مباشر على الاقتصاد العالمي، إذ إنهما يمثلان معًا أكثر من 40% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وبالتي فإن أي تصعيد تجاري بينهما قد يؤدي إلى اضطرابات في سلاسل التوريد، وتراجع النمو الاقتصادي، وتقلبات في الأسواق المالية، ويمكن الوقوف على أبعاد هذا التأثير فيما يلي:

(#) تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي: من المرجح أن تؤثر الحرب التجارية بين أكبر قوتين اقتصاديتين، بالسلب على حجم التجارة العالمية في الغرب، ما قد يؤدي إلى انخفاض الطلب على السلع والخدمات، خاصة في القطاعات الصناعية والتكنولوجيا. كما أن المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي قد تخفض توقعاتهما للنمو الاقتصادي العالمي، بسبب حالة عدم اليقين المرتبطة بهذه الحرب.

(#) اضطرابات في سلاسل التوريد العالمية: من المحتمل أن يؤدي فرض رسوم جمركية متبادلة بين أمريكا وأوروبا إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج للشركات متعددة الجنسيات، التي تعتمد على مواد خام أو مكونات من الطرفين، وهو الأمر الذي قد يترتب عليه نقل بعض الشركات بأوروبا وأمريكا لمصانعها إلى دول أخرى "مثل الصين أو المكسيك أو الهند" لتجنب التعريفات الجمركية الجديدة من الجانبين الأمريكي والأوروبي، وهو ما يصاحبه بالتبعية تغييرات طويلة الأمد في خريطة التجارة العالمية.

(#) ارتفاع الأسعار عالميًا "موجات تضخم عالمية": وفقًا للمراقبين من المحتمل أن يؤدي فرض الرسوم الجمركية الجديدة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، مع زيادة أسعار السلع المستوردة منهما، إلى ارتفاع التضخم في الدول المستوردة المتضررة خاصة الدول النامية، التي تعتمد على استيراد التكنولوجيا والسلع الصناعية من أمريكا وأوروبا. فقد تشهد هذه الدول ارتفاعًا في التكاليف وانخفاضًا في الإنتاجية.

(#) تضرر أسواق المال العالمية: يرى بعض المتابعين، أن أي تصعيد تجاري بين الولايات المتحدة وأوروبا التأثير على وول ستريت والأسواق المالية الأوروبية، من المحتمل أن يؤدي إلى عمليات بيع ضخمة للأسهم نتيجة المخاوف من الركود الاقتصادي. كما أن العملات العالمية مثل اليورو والدولار قد تشهد تقلبات حادة، خاصة إذا زادت البنوك المركزية أسعار الفائدة لمواجهة التضخم.

(#) تغيرات في خريطة التحالفات الاقتصادية: من المرجح أن يؤدي استمرار الحرب التجارية بين الطرفين، إلى سعي أوروبي نحو تعميق العلاقات التجارية مع الصين والهند وأمريكا اللاتينية، وهو ما يصاحبه إعادة تشكيل النظام التجاري العالمي. وعليه، من المحتمل أن تستفيد الصين من التصعيد في الحرب التجارية، التي بدأت إرهاصاتها بين الطرفين عبر تعزيز علاقاتها التجارية مع أوروبا على حساب الولايات المتحدة الأمريكية، سواء عبر زيادة صادراتها أو تقديم نفسها كشريك تجاري بديل لأوروبا.

(#) التأثير على الدول النامية والأسواق الناشئة: من المحتمل أن تتضرر البلدان التي تعتمد على الصادرات إلى أمريكا وأوروبا "مثل تركيا والبرازيل وجنوب إفريقيا"، خاصة إذا انخفض الطلب العالمي. أما الدول التي تعتمد على التجارة المفتوحة فقد تضطر إلى تعديل سياساتها الاقتصادية لحماية اقتصادها من الصدمات التجارية.

وفي النهاية، يمكن القول إن التصعيد الراهن والمحتمل من جانب ترامب بفرض رسوم تجارية جديدة على الاتحاد الأوروبي قد يدفع الأخير للرد برسوم جمركية مضادة، وما يترتب على ذلك من اشتعال الحروب التجارية بينهما، لن تضر بالجانبين الأوروبي والأمريكي فقط، وإنما قد تمتد آثارها السلبية إلى الاقتصاد العالمي. فعلى المدى القريب، ستؤدي هذه الحرب التجارية إلى اضطراب الأسواق وارتفاع التضخم وتباطؤ النمو العالمي. وعلى المدى الطويل، قد تؤدي تلك الحرب إلى إعادة تشكيل التحالفات الاقتصادية العالمية، مع احتمالية أن تستفيد الصين ودول آسيا من هذه التوترات.

وسيعتمد أمد وشدة تلك الحروب التجارية على مدى استعداد أوروبا لمواجهة الضغوط الأمريكية، وقدرة الطرفين على التوصل إلى حلول وسط. فقد يسعى ترامب لإبرام صفقات تجارية جديدة مع الاتحاد الأوروبي بشروط أكثر تفضيلًا للولايات المتحدة، وقد يتم التفاوض بين الجانبين على اتفاقيات قطاعية تخص مجالات مثل الطاقة والتكنولوجيا والصناعات الدفاعية. ويتوقف ذلك كله على مدى استعداد الاتحاد الأوروبي لتقديم تنازلات لترامب، أما إذا تبنت أوروبا موقفًا أكثر استقلالية، فقد يؤدي ذلك إلى إعادة تشكيل التجارة العالمية، خلال العقد المقبل، لذلك أصبح من الضروري مراقبة التطورات القادمة إزاء تلك الحروب، نظرًا لتأثيراتها السلبية المحتملة على الاقتصاد العالمي، خاصة اقتصادات الدول النامية ومن ضمنها الدول العربية المستوردة للمنتجات الأمريكية والأوروبية.