الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

ما انعكاسات فرض روسيا رسوما جمركية على صادرات الحبوب؟

  • مشاركة :
post-title
روسيا وصادرات الحبوب - تعبيرية

القاهرة الإخبارية - رضوى محمد

في الـ19 من أكتوبر الجاري، أعلنت وزارة الزراعة الروسية أن الرسوم الجمركية على صادرات مجموعة من الحبوب الرئيسية ستزداد، إذ نُفذ هذا القرار في يوم 23 من الشهر ذاته، وهو الأمر الذي سيُحمّل العديد من الدول المستوردة أعباء إضافية على واردتها من هذه الحبوب، إذ تُعتبر روسيا مُصدرًا رئيسيًا للعديد من الحبوب التي تستوردها مُختلف الدول.

وتأسيسًا على ما سبق يتطرق هذا التحليل إلى التعرف على الميزة التنافسية للاقتصاد الروسي في تصدير الحبوب، وما الانعكاسات الاقتصادية للقرار الروسي بفرض رسوم جمركية على صادراته من الحبوب.

يُذكر أن روسيا عدلت ضريبة الصادرات 6 مرات؛ استجابة لظروف السوق المُتغيرة والسريعة، إذ وصلت رسوم التصدير إلى أعلى قيمة لها في أوائل يوليو 2022 عند 146 دولارًا للطن، كما غيّرت قاعدة الحساب بخفض معدل الضريبة مرتين في يوليو 2022 ويونيو 2023؛ لتحسين القدرة التنافسية لصادرات القمح الروسي، وفي 23 أكتوبر 2024، ارتفعت الرسوم الجمركية على القمح بقيمة 2121.2 روبل (22.27 دولار) للطن المتري، وعلى صادرات الشعير بـ389.7 روبل (4.09 دولار)، وعلى الذرة بـ 2671.7 روبل (28.05 دولار).

الميزة التنافسية الروسية في صادرات الحبوب
ميزات تنافسية

يُمكن التعرف على الميزة التنافسية للاقتصاد الروسي في تجارة الحبوب، من خلال النقاط الآتية:

(-) حجم الصادرات الروسية: تحتل روسيا أهمية كبيرة في صادرات الحبوب، فكما يوضح الشكل (1) أن روسيا في أغلب السنوات محل الدراسة تخطى صافي صادراتها من الحبوب صادرات كازاخستان وأوكرانيا، وفي عام 2011، صدرت روسيا 26 مليون طن من الحبوب، بينما صدرت أوكرانيا 23 مليون طن، وكازاخستان 13 مليون طن، ثم ارتفع حجم تصدير روسيا من الحبوب إلى 58 مليون طن من الحبوب في عام 2023، في حين صدرت أوكرانيا 32 مليون طن، وصدرت كازاخستان 9 ملايين طن فقط.

وإضافة إلى ذلك يوضح المنحنى الأصفر الارتفاع النسبي في نسبة مُساهمة الدول الثلاث في صادرات الحبوب من 6% في عام 2011 إلى 24% في 2023، ويرجع الوزن النسبي الأكبر في هذا المعدل إلى روسيا، بسبب الارتفاع الكبير في حجم صادراتها، وهو الأمر الذي يوضح الميزة التنافسية لروسيا في تصدير الحبوب حتى في وقت الحرب، وأن هذا القرار الخاص برفع الرسوم الجمركية على صادراتها لمجموعة من الحبوب الأساسية سيؤثر على الدول المستوردة بشكل كبير.

الشكل (1) يوضح صافي صادرات الحبوب لكازاخستان وروسيا وأوكرانيا

وترتب على ذلك الوضع أن هيمنت روسيا على سوق صادرات الحبوب بشكل كبير كما يوضح الشكل (2)، إذ تُمثل نسبة صادراتها من الحبوب 24% على المستوى العالمي، بينما يستحوذ الاتحاد الأوربي على 16% من صادرات الحبوب في السوق العالمي، تليه كندا بنسبة 11%، ثم أستراليا والولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 10%، ومن هنا يُمكن القول إن روسيا هي المُسيطر الأكبر على صادرات الحبوب.

الشكل (2) يوضح التوزيع النسبي لصادرات الحبوب بين دول العالم -المصدر: وزارة الزراعة الأمريكية

(-) حجم الإنتاج الروسي: إن الحجم المُتزايد من صادرات الحبوب الروسية يعكس الارتفاع الكبير في حجم الإنتاج الروسي من الحبوب، إذ قُدر حجم الإنتاج الروسي من القمح كما يوضح الشكل (3) نحو 82 مليون طن متري في العام التسويقي 2024/2025، و17.5 مليون طن متري للشعير، و16 مليون طن متري لبذور عباد الشمس، و13 مليون طن متري لحبوب الذرة، وهو الأمر الذي يوضح الميزة التنافسية للإنتاج الروسي من الحبوب.

الشكل (3) يوضح إنتاج محاصيل الحبوب في روسيا للعام 2024/2025

وبتتبع الإنتاج السنوي لروسيا من الحبوب خلال السلسلة الزمنية من 2013 إلى 2021 كما يوضح الشكل (4)، سنجد أن هذا الإنتاج ارتفع من 92.4 مليون طن متري في عام 2013 إلى 121.4 مليون طن متري في عام 2021، أي ارتفع الإنتاج السنوي بنسبة 31.3% خلال هذه الفترة، كما ارتفع المخزون من الحبوب من 43.1 مليون طن متري في عام 2013 إلى 81.6 مليون طن متري في عام 2021، أي ارتفع بنسبة 89.3%، وهو الأمر الذي يُشير إلى التطور الكبير في الإنتاج الروسي من الحبوب.

الشكل (4) يوضح الإنتاج السنوي من الحبوب والمخزون في روسيا من 2013 إلى 2021- المصدر: ستاتيستا

(-) التنافُسية في السعر والجودة: يأتي الطلب المُتزايد على القمح الروسي؛ بسبب ارتفاع جودته وسعره المُنخفض نسبيًا عن سعر القمح الأوكراني، ففي ميناء الإسكندرية وفقًا لستاندرد آند بورز العالمية، يبلغ سعر القمح الذي يحتوي على نسبة بروتين 12.5% نحو 236 دولارًا للطن، مُقارنة بسعر القمح الأوكراني الذي يبلغ 245 دولارًا للطن بنسبة بروتين 11.5%، وهو الأمر الذي يوضح تنافسية القمح الروسي في سعره وجودته بالنسبة للدول المُصدرة الأخرى.

انعكاسات القرار

يحمل القرار الروسي بزيادة الرسوم الجمركية على صادراتها من الحبوب في طياته العديد من الانعكاسات الهامة، التي سيتم توضيحها فيما يلي: -

(-) ارتفاع تكلفة الاستيراد: تأتي النتيجة المباشرة لهذا القرار الروسي في ارتفاع تكلفة الاستيراد على الدول التي تعتمد على روسيا بشكل أساسي في وارداتها من الحبوب، وفي الربع الأول من العام الزراعي 2023-2024 تصدرت 3 دول عربية قائمة أكثر الدول استيرادًا للحبوب الروسية، فقد احتلت الدولة المصرية المرتبة الأولى، إذ استوردت 2.031 مليون طن من الحبوب، بالمُقارنة بـ 1.862 مليون طن في العام السابق، وجاءت تركيا في المركز الثاني، إذ استوردت 2.057 مليون طن، وجاءت إيران في المركز الثالث.

وفي ضوء ذلك من المتوقع بشكل كبير بعد القرار الروسي أن ترتفع تكلفة استيراد الحبوب على هذه الدول بمقدار 22.27 دولار للطن المتري من القمح وبـ 4.09 للطن المتري من الشعير وبـ 28.05 للطن المتري من الذرة، ما يُشكل ضغطًا كبيرًا على موازنات الدول المستوردة لهذه الحبوب، خاصة أن أسعار القمح الروسي ارتفعت بنسبة 4.3% في آخر أسبوعين من سبتمبر الماضي، إذ سجلت في أوائل أكتوبر أعلى سعر منذ 26 يونيو 2024.

(-) تأثر قضية الأمن الغذائي: يُعد تحقيق الأمن الغذائي من المُستهدفات الرئيسية في الدول المختلفة، نظرًا لأن توافر الحبوب الأساسية يأتي ضمن أساسيات تحقيق هذا الهدف، فالقرار الروسي بفرض ضرائب جمركية على الصادرات من الحبوب، يُعرض تحقيق هدف الأمن الغذائي في الدول، خاصة الدول النامية إلى التراجع، فالتأثير سيكون مُضاعفًا مع تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية، التي تسببت في ارتفاع أسعار الغذاء العالمية كما يوضح الشكل (5)، من 95.1 نقطة في عام 2019 إلى 124.4 نقطة في سبتمبر 2024، أي ارتفعت بمعدل 30.81% خلال هذه الفترة، ومن هنا يُمكن القول إن كل هذه العوامل تتسبب في تضرر قضية الأمن الغذائي بالدول النامية بشكل كبير.

الشكل (5) يوضح مؤشر أسعار الغذاء العالمي من 2019 إلى سبتمبر 2024-المصدر: منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة

(-) ارتفاع التضخم: يؤثر ارتفاع سعر التجارة العالمية في الحبوب الأساسية إلى حدوث موجة تضخمية داخل الدول المختلفة، خاصة الدول المستوردة، إذ إن هذه الدول تعاني من انخفاض عرض السلع مع زيادة الطلب عليها، وهو الأمر الذي يُشكل خلخلة داخل أسواق السلع المُختلفة، فالدول النامية تتجه إلى مُعالجة هذا الخلل من خلال الاستيراد، وعندما يرتفع سعر الاستيراد سترتفع أسعار السلع الأساسية، فقد بلغ معدل التضخم في تركيا 49.1% في سبتمبر 2024، بينما بلغ في مصر 26.4%، وهو الأمر الذي يُشير إلى أنه مع تنفيذ القرار الروسي سترتفع معدلات التضخم بشكل أكبر من ذلك.

وعليه يُمكن القول إن القرار الروسي بزيادة الرسوم الجمركية على صادرات الحبوب الأساسية، يحمل العديد من التداعيات السلبية، خاصة على الدول النامية التي تُعتبر مستوردًا كبيرًا للقمح الروسي، فهذا القرار جاء في ظل توترات جيوسياسية تؤثر بالسلب على اقتصاديات هذه الدول بشكل كبير، فالموازنات تُعاني من عجز كبير، كما أن هناك نقصًا في توافر العملة الصعبة، فمن هنا يتعين على الدول النامية أن تستفيد من التكتلات الاقتصادية، خاصة تكتل البريكس، في تحقيق هدف تحرير التجارة بين الدول الأعضاء، إذ إنه سيُخفف الضغوط الكبيرة على موازنتها.