الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

رسائل قمة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا

  • مشاركة :
post-title
وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

جاء انعقاد قمة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بمالطا، خلال الفترة من 5-6 ديسمبر 2024، بمشاركة 57 دولة من أمريكا الشمالية وأوروبا وآسيا الوسطى على أساس أن المنظمة التي أنشئت خلال الحرب الباردة هدفت لتكون منصة حوار بين الشرق والغرب. وفي ظل تزايد التحديات التي تواجه تلك الدول والأمن الأوروبي والعالمي بشكل عام، يصبح الحوار آلية مطلوبة، لتهدئة وتسوية الصراعات المتفجرة، وفي مقدمتها الحرب الروسية الأوكرانية، التي تعتبرها الدول الأوروبية تهديدًا لأمنها، في حين يعتبرها الجانب الروسي ضرورة للحفاظ على أمنه القومي ضد تمدد حلف الناتو على تخومه وفي مناطق نفوذه الرئيسية.

وتعد منظمة الأمن والتعاون في أوروبا التي انطلقت منذ عام 1957، أكبر منظمة دولية للتعاون الإقليمي، على اعتبار أنها بمثابة منتدى للحوار السياسي حول مجموعة من القضايا الأمنية، ومنصة مشتركة للعمل على تحسين حياة الأفراد والمجتمعات في الجانب السياسي والعسكري والاقتصادي والإنساني، من خلال التعاون على منع النزاعات، وإدارة الأزمات وإعادة التأهيل بعد الصراعات.

متغيرات مؤثرة

يأتي انعقاد قمة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بتوقيت حاسم يشهد العديد من التطورات المفصلية، فعلى المستوى الأوروبي تواجه الدول الأوروبية العديد من التحديات اتصالًا بما أفرزته الحرب الروسية الأوكرانية، التي دخلت عامها الثالث من اتجاه تلك الدول نحو سباق تسلح محموم سيكون له تداعياته على الأبعاد التنموية، أو فيما يتعلق بتصاعد اليمين المتطرف وموقفه من قضايا الهجرة واللجوء في أوروبا وتأثير ذلك التوجه على هوية القارة الأوروبية.

أما على المستوى الأمريكي فتزايد المخاوف الأوروبية بعد عودة ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، وترتبط تلك المخاوف بما تبناه خلال ولايته الأولى من دعوته لرفض استنزاف القدرات الأمريكية في الدفاع عن أمن أوروبا، ومطالبته بأن يتحمل الأوروبيون تكلفة الدفاع عن أمنهم، فضلًا عن تهديده بالانسحاب من حلف الناتو، وهو الأمر الذي دفع العديد من الدول الأوروبية وفي مقدمتها فرنسا لطرح فكرة الاستقلالية الأوروبية عن الولايات المتحدة الأمريكية.

أما على مستوى تفاعلات الشرق الأوسط فتمثل الحرب الإسرائيلية على غزة، والتطورات في سوريا، واتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان قضايا محورية ترتبط بأمن المتوسط بضفتيه الشمالية والجنوبية.

وتنوعت مشاركة الدول الأوروبية والآسيوية خلال فعاليات القمة، غير أن مشاركة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، جاءت كأول زيارة له لدولة عضو بالاتحاد الأوروبي، منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، فبراير 2022، إذ تعود آخر زيارة لوزير الخارجية الروسي إلى دولة عضو بالاتحاد الأوروبي وهي السويد إلى ديسمبر 2021، وشهدت القمة مواجهة غير مباشرة بينه وبين وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، بعد أن غادر لافروف الاجتماع من دون أن يستمع إلى كلمة بلينكن الذي قال بدوره "يؤسفني أن زميلنا لافروف، غادر القاعة، ولم يمنحنا لباقة الاستماع إلينا كما استمعنا إليه، زميلنا الروسي موهوب جدًا في إغراق المستمعين تحت تسونامي من المعلومات المضللة".

رسائل القمة

تنوعت رسائل المشاركين في القمة، التي يمكن الإشارة إلى أهمها على النحو التالي:

(*) حرب باردة جديدة: وصف وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، ما تقوم به الدول الغربية ضد روسيا بمثابة حرب باردة جديدة قد تتحول إلى حرب ساخنة، وربما قصد بأن روسيا تهدد باستخدام السلاح النووي بعد تغيير العقيدة النووية الروسية على خلفية استهداف أوكرانيا للعمق الروسي بصواريخ أمريكية، وهو الأمر الذي تبناه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته، 4 نوفمبر 2024، وقبل توجهه للمشاركة في فعاليات القمة بدعوة الدول الأعضاء في الناتو لتزويد أوكرانيا بما يكفي من أسلحة لتغيير مسار الحرب، إذ تحقق القوات الروسية مكاسب على طول خط المواجهة.

(*) محاولة زعزعة استقرار المنطقة اليورو-آسيوية: تشكل منطقة آسيا-المحيط الهادئ مسرحًا للتنافس بين القوى الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا، لذلك انتقد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، إدارة بايدن التي تقوم بتطوير البنية التحتية لحلف شمال الأطلسي في تلك المنطقة بما اعتبره محاولة لزعزعة استقرار القارة اليورو-آسيوية برمتها.

(*) مخاطر إرسال قوات لدعم أوكرانيا: اتهم وزير الخارجية الروسي سيرجى لافروف، الغرب بالفشل في الاستجابة إلى تحذيرات الكرملين من مخاطر إرسال قوات لدعم أوكرانيا، واعتبر لافروف أن هذا التوجه يفاقم الوضع، لا سيما بعد أن تزايدت التكهنات بشأن عمليات انتشار محتملة لقوات غربية على الأرجح على شكل قوة لحفظ السلام حال وقف إطلاق النار، التي لا تزال تشهد اختلافًا ما بين الدول الأوروبية. وأفاد وزير الخارجية الفرنسي، نوفمبر الماضي، بأنه لا توجد خطوط حمراء فيما يتعلق بدعم باريس لكييف. ولدى سؤاله عما إذا كان ذلك يشمل نشر جنود فرنسيين رد قائلًا "لا نستبعد أي خيار". فيما اعتبر المستشار الألماني أولاف شولتس، 4 ديسمبر 2024، بأنه ما زال من المبكر وغير المناسب الحديث عما إذا كانت برلين سترسل مستقبلًا قوات في إطار قوة لحفظ السلام بأوكرانيا.

(*) روسيا وتهديد الأمن الأوروبي: اتهم وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، موسكو بمسؤولية التصعيد في أوكرانيا، كما اعتبر وزير الخارجية الأوكراني أندري سبيجا، أن روسيا تمثل أكبر تهديد للأمن في أوروبا، وأن مشاركة روسيا في منظمة الأمن والتعاون بأوروبا تشكل تهديدًا للتعاون في أوروبا، مضيفًا أن أوكرانيا ستواصل النضال من أجل حقها في الوجود.

(*) أزمات الطاقة والأمن الغذائي: أوضح بيان صادر عن الكرملين، 5 ديسمبر 2024، أن الاجتماع الذي عُقد برئاسة مالطا يمثل منصة رئيسية، لمناقشة القضايا الأمنية والسياسية والإقليمية بما فيها الحرب الروسية الأوكرانية وأزمات الطاقة والأمن الغذائي، مؤكدًا أن روسيا تسعى رغم خلافها الحاد مع الغرب إلى حماية مصالحها في هذه القضايا. وتجدر الإشارة إلى أن أزمة الطاقة تمثل المعضلة الرئيسية التي تواجه الأمن الأوروبي في ظل الاعتماد الأوروبي على 40% من الاستهلاك على الغاز الروسي قبل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية. وهو ما دفع الدول الأوروبية للبحث عن بدائل للغاز الروسي.

وأسهمت الحرب في ارتفاع أسعار السلع الغذائية بغالبية دول العالم، إذ تعد روسيا وأوكرانيا من أكبر مصدري القمح والذرة بالعالم، ما أدى إلى نقص هذه السلع الأساسية وارتفاع أسعارها بشكل كبير، وهدد الأمن الغذائي لملايين الأشخاص حول العالم. وعلى صعيد سلاسل التوريد، أدت الحرب إلى تعطيل حركة التجارة الدولية، وفرض قيود على الصادرات والواردات، ما زاد من تعقيدات سلاسل التوريد العالمية وارتفاع تكاليف الشحن والنقل.

مجمل القول تعكس رسائل قمة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا التحديات التي تواجه الأمن الأوروبي، الذي كشفت الحرب الروسية الأوكرانية عن مدى هشاشته، لذلك اتجهت العديد من الدول الأوروبية نحو سباق تسلح لاستعادة الردع الأوروبي المفقود، كما تزايدت الدعوات الأوروبية لتعزيز الاعتماد على الذات بدلًا من الاعتماد على الضمانة الأمريكية لحماية الأمن الأوروبي، وهو التوجه الذي يتماشى مع رؤية الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، في رفض استنزاف القدرات الأمريكية لحماية الأوربيين، الذين يجب أن يتحملوا تكلفة حماية أمنهم.