الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

ما أدوات ترامب الإمبريالي لتحقيق أطماعه التوسعية في القطب الشمالي؟

  • مشاركة :
post-title
طائرة ترامب في جرينلاند

القاهرة الإخبارية - د. محمد أبو سريع

تتزايد أطماع ترامب التوسعية في منطقة القطب الشمالي مع تتزايد الأهمية الاستراتيجية لهذه المنطقة نظرًا لتغير المناخ وذوبان الجليد، ما يفتح فرصًا اقتصادية جديدة، ويتأكد ذلك في ضوء العديد من المؤشرات التي تأتي في مقدمتها، تقدير هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية "USGS" أن 13% من احتياطي النفط غير المكتشف و30% من احتياطي الغاز الطبيعي بالعالم موجود في القطب الشمالي أي ما يعادل نحو 90 مليار برميل من النفط و1670 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي. والقطب الشمالي غني بالمعادن النادرة مثل النيكل، النحاس، الذهب، والبلاتين، إضافة إلى الماس. وعلى سبيل المثال، تحتوي روسيا على أكبر احتياطي للنيكل في العالم بفضل مواردها في القطب الشمالي، فضلًا عن تزايد أهمية الطريق البحري الشمالي "NSR" بعد ذوبان الجليد، ما جعل الطريق البحري الشمالي صالحًا للملاحة لفترات أطول طوال العام. وشهدت السياحة القطبية بما في ذلك الرحلات البحرية إلى القطب الشمالي، نموًا بنسبة 25% سنويًا في العقد الأخير، إذ تُقدر قيمة سوق السياحة القطبية بأكثر من 5 مليارات دولار سنويًا، كذلك تحتوي مياه القطب الشمالي على 20% من مصايد الأسماك العالمية، خاصة أنواع مثل سمك القد.

في ضوء ما سبق، تجدد الصراع على منطقة القطب الشمالي خلال عهد دونالد ترامب، نتيجة لمزيج من العوامل الاقتصادية، الجيوسياسية، والمناخية، فقد تبنت إدارة ترامب نهجًا أكثر تصادمية تجاه القطب الشمالي، ما قد يؤدي إلى تصاعد التوترات مع الدول الأخرى، خاصة روسيا والصين خلال ولايته الثانية.

لماذا تجدد الصراع في عهد ترامب؟

تجدد الصراع بين الولايات المتحدة وعدد من القوى الدولية بمنطقة القطب الشمالي، في عهد ترامب للأسباب التالية:

التنافس الدولي في القطب الشمالي

(*) ذوبان الجليد وتغير المناخ وإنكار تأثيره من جانب ترامب: رغم الأدلة العلمية على تأثير تغير المناخ في تسريع ذوبان الجليد، رفض ترامب الاعتراف بتغير المناخ كأزمة حقيقية، واعتبر ذوبان الجليد فرصة اقتصادية بدلًا من كونها تهديدًا بيئيًا. وأدت هذه النظرة إلى تصعيد في استغلال الموارد دون اعتبار للعواقب البيئية. فمع ذوبان الجليد، أصبحت الطرق البحرية عبر القطب الشمالي قابلة للاستخدام بشكل أكبر، ما فتح الباب للتنافس على السيطرة عليها. ورأت إدارة ترامب أن الطريق البحري الشمالي الذي تسيطر عليه روسيا، يهدد التفوق الأمريكي في التجارة الدولية.

(*) رغبة ترامب في السيطرة على الموارد الطبيعية: ترى إدارة ترامب في القطب الشمالي فرصة لاستغلال ثرواته الطبيعية الهائلة، خصوصًا النفط والغاز الطبيعي والمعادن النادرة. فقد صرح مسؤولون في الإدارة بأن القطب الشمالي هو "السعودية الجديدة" فيما يتعلق بالطاقة.

(*) مواجهة النفوذ الروسي في القطب الشمالي: تمكنت روسيا من تعزيز وجودها العسكري في القطب الشمالي، ما دفع إدارة ترامب لتصعيد اللهجة، إذ وصفت القطب الشمالي بأنه "جبهة جديدة للحرب الباردة"، وهو الأمر الذي يفسر زيادة التدريبات العسكرية الأمريكية في المنطقة وأعادت الولايات المتحدة فتح قواعد عسكرية كانت مغلقة منذ الحرب الباردة.

(*) مراقبة الصين واحتواء نفوذها بالمنطقة: يرى ترامب أن الصين تحاول استخدام مشروع "طريق الحرير القطبي" لتعزيز نفوذها الاقتصادي والجيوسياسي. ففي 2019، وصفت إدارة ترامب الصين بأنها "قوة من خارج المنطقة تسعى للهيمنة على طرق الشحن والمعادن"، ودعت الدول الحليفة مثل كندا والنرويج للتعاون لاحتواء النفوذ الصيني.

التوترات والنزاعات المحتملة في القطب الشمالي

(*) تبني ترامب سياسة "أمريكا أولًا" وتجاهل التعاون الدولي: تبنت إدارة ترامب سياسة "أمريكا أولاً" في القطب الشمالي، إذ رفضت التعاون مع الدول الأخرى في مجلس القطب الشمالي إلا بما يخدم المصالح الأمريكية، وأدى ذلك إلى توترات مع الحلفاء مثل كندا والنرويج، خاصة في قضايا البيئة والسيادة.

أدوات ترامب لإدارة الصراع بالقطب الشمالي

تتصف أدوات إدارة الصراع في القطب الشمالي تحت حكم دونالد ترامب بنهج أكثر عدوانية وتركيز على القوة الاقتصادية والعسكرية مقارنة بالسياسات الأمريكية التقليدية، التي كانت تميل نحو الدبلوماسية والتعاون الدولي والتواجد العسكري في عهد سابقه خلال الولاية الأولى؛ باراك أوباما، وفي عهد سابقه في الولاية الثانية جو بايدن.

(&) تعزيز القوة العسكرية الأمريكية في القطب الشمالي: يعمل ترامب على توسيع الأسطول الأمريكي لكاسحات الجليد. فقد أعلن ترامب خططًا لزيادة عدد كاسحات الجليد الأمريكية، لتقليل الفجوة مع روسيا التي تمتلك أكبر أسطول في العالم، لذلك تم تخصيص ميزانيات جديدة لبناء كاسحات جليد حديثة، وهو ما كان مهملًا في العقود السابقة.

وعملت واشنطن في عهد ترامب على إعادة فتح قواعدها العسكرية بالقطب الشمالي. فقد أعادت إدارة ترامب تنشيط قواعد عسكرية مهجورة في ألاسكا، مثل قاعدة أدك (Adak Naval Air Facility)، لتعزيز وجود القوات الأمريكية في المنطقة، فضلًا عن زيادة التدريبات العسكرية في القطب الشمالي، مثل مناورات "الحماية القطبية" بمشاركة حلف الناتو.

(&) الهجوم الاقتصادي والاستثماري من جانب ترامب لاستغلال موارد منطقة القطب الشمالي: ألغى ترامب قيود الحماية البيئية التي فرضتها إدارة أوباما، وسمح بالتنقيب في الملجأ الوطني للحياة البرية بالقطب الشمالي (ANWR)، وهو ما كان محظورًا لعقود. وقدم ترامب تسهيلات ضريبية وشجع الشركات الأمريكية على الاستثمار في مشروعات النفط والغاز بالقطب الشمالي. ويتأكد هذا الهجوم في محاولة ترامب شراء جرينلاند من الدنمارك، منذ عام 2019، بهدف السيطرة على الموارد المعدنية الهائلة في جرينلاند واستخدامها كقاعدة عسكرية استراتيجية.

(&) تقويض الاتفاقيات البيئية والدبلوماسية: انسحبت إدارة ترامب رسميًا من اتفاقية باريس، وهو ما عزل الولايات المتحدة عن الجهود الدولية لحماية البيئة القطبية، فضلًا عن تقليل المشاركة الأمريكية في مجلس القطب الشمالي، ورفضت إدارة ترامب توقيع بيانات تتعلق بتغير المناخ.

(&) رفض ترامب التعاون مع الحلفاء التقليديين في منطقة القطب الشمالي: تتبنى إدارة ترامب سياسة "أمريكا أولًا" وقللت من التعاون مع دول مثل كندا والنرويج في قضايا القطب الشمالي، لذلك تواجه إدارة ترامب انتقادات من الحلفاء الأوروبيين، بسبب التركيز على المصالح الاقتصادية والعسكرية فقط.

(&) اتخاذ إدارة ترامب عدة تدابير لمواجهة النفوذين الصيني والروسي: فرضت إدارة ترامب عقوبات اقتصادية على شركات روسية وصينية تشارك في مشروعات البنية التحتية والطاقة في القطب الشمالي، فضلًا عن الضغط على الدول الحليفة لتقليل التعاون مع الصين في مبادرة طريق الحرير القطبي، ويسعى ترامب إلى بناء تحالفات جديدة ضد الصين وروسيا، إذ يدعم ترامب التعاون مع دول مثل فنلندا والسويد، اللتين تلعبان دورًا متزايدًا في القطب الشمالي.

اختلافات جوهرية

تختلف أدوات ترامب في إدارته للصراع بمنطقة القطب الشمالي عن الإدارات الديمقراطية قبله. ويمكن رصد أهم ملامح هذا الاختلاف فيما يلي:

(-) أهم أدوات باراك أوباما في إدارة الصراع بالقطب الشمالي (2009-2017): بصفة عامة، ركز أوباما على الحوكمة البيئية والتعاون متعدد الأطراف، مع تقييد النشاط العسكري في القطب الشمالي. فقد استعان أوباما بعدد من الأدوات أهمها: التعاون الدولي والدبلوماسية، فقد دعم مجلس القطب الشمالي كمنصة أساسية لحل النزاعات بين الدول المطلة على القطب. كذلك حرص أوباما على تعزيز الالتزام الأمريكي بـ اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار "UNCLOS"، رغم أن الولايات المتحدة لم تصادق عليها رسميًا، ووقع على اتفاق باريس للمناخ "2015"، ما عزز التعاون في قضايا التغير المناخي بالقطب. كذلك حرص أوباما على حماية البيئة والتنمية المستدامة، فقد فرض قيودًا صارمة على التنقيب عن النفط والغاز بالقطب الشمالي، خاصة في المحميات الطبيعية، وأصدر أوامر تنفيذية تحظر التنقيب في بحر تشوكشي وبحر بوفورت، ودعم الأبحاث العلمية حول الاحتباس الحراري وتأثيره على ذوبان الجليد في القطب.

من ناحية أخرى، عمل أوباما على ضبط النشاط العسكري في منطقة القطب الشمالي عبر التعاون الأمني مع حلفاء مثل كندا والنرويج بدلًا من التصعيد العسكري، ولم يعطِ أي أولوية لبناء كاسحات الجليد مقارنة بروسيا، التي عززت وجودها العسكري هناك.

(-) أهم أدوات جو بايدن في إدارة الصراع في القطب الشمالي (2021-2024): بصفة عامة، اتبع بايدن نهجًا مشابهًا لأوباما في القضايا البيئية، لكنه تبنى موقفًا أكثر حزمًا عسكريًا، بسبب تصاعد التنافس مع روسيا والصين. وفي سبيل تحقيق ذلك استعان بايدن بعدد من الأدوات مثل: التعاون الدولي والدبلوماسية، فقد أعاد بايدن الالتزام بمجلس القطب الشمالي ودعم التعاون مع دول مثل كندا، النرويج، والدنمارك. وعزز بايدن دور الولايات المتحدة في الأطر القانونية الدولية مثل اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار. وأسهم بايدن في جهود مواجهة التغير المناخي، إذ أعاد الولايات المتحدة إلى اتفاقية باريس للمناخ بعد انسحاب ترامب منها، وفرض المزيد من القيود على التنقيب عن النفط والغاز في القطب الشمالي، وعمل على الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة بدلًا من الوقود الأحفوري في المنطقة.

ومن ناحية أخرى، حرص بايدن على تعزيز الوجود العسكري الأمريكي في القطب الشمالي، إذ زوّد التمويل لبناء كاسحات الجليد الأمريكية لمنافسة الأسطول الروسي، وفرض العقوبات على موسكو بعد الحرب الروسية الأوكرانية "2022"، ما أثر على العلاقات مع موسكو بالقطب الشمالي، فضلًا عن زيادة التعاون العسكري مع حلف الناتو، خاصة الدول الإسكندنافية، وأطلق بايدن استراتيجيات لمواجهة النفوذ الصيني في القطب الشمالي.

في النهاية، يمكن القول إن أدوات ترامب لإدارة الصراع في القطب الشمالي تتجه نحو التصعيد العسكري والاقتصادي المباشر، مع تجاهل القضايا البيئية التي كانت محورية في الإدارات السابقة، إذ اعتمدت إدارة الصراع في القطب الشمالي خلال عهدي الرئيسين باراك أوباما وجو بايدن، على نهج دبلوماسي وبيئي وعسكري متوازن، مع تركيز على التعاون الدولي، الاستدامة البيئية، ومواجهة النفوذ الروسي والصيني في هذه المنطقة.

ويأتي التجدد المحتمل للصراع في القطب الشمالي مع بداية الولاية الثانية لترامب، نتيجة تزايد أهميتها كمنطقة استراتيجية ومورد اقتصادي ضخم، إضافة إلى التوترات الجيوسياسية مع روسيا والصين. فسياسات ترامب العدوانية والانسحاب من الاتفاقيات البيئية العالمية زادت من تعقيد الأوضاع بالمنطقة، ما جعل القطب الشمالي ساحة جديدة للتنافس بين القوى الكبرى في المستقبل القريب.