الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

توظيف مدروس.. كيف يستخدم ترامب الـ "تيك توك" في صراعه مع الصين؟

  • مشاركة :
post-title
الصراع الأمريكي الصيني حول تطبيق "تيك توك"

القاهرة الإخبارية - ساجدة السيد

في عصر تتصاعد فيه القوى العظمى على السيطرة التكنولوجية والاقتصادية، يظهر تطبيق تيك توك كواحد من أبرز أدوات القوة الناعمة التي تلعب دورًا غير مباشر في الصراعات الجيوسياسية. وخلال حفل تنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، 20 يناير 2025، اتخذ ترامب أمرًا بتأجيل حظر تيك توك، الذي كان من المقرر إغلاقه، 19 يناير 2025، مشيرًا إلى إمكانية تمديد الحظر المحتمل لمدة 90 يومًا، بهدف إبرام صفقة تحمي الأمن القومي. وشكّل تيك توك واجهة جديدة للصراع الاقتصادي والتكنولوجي، فبينما بدا وكأنه مجرد تطبيق ترفيهي، سرعان ما تحول إلى رمز للتنافس بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، إذ سعى ترامب إلى توظيفه ضمن استراتيجياته لتعزيز النفوذ الأمريكي وكبح تطلعات بكين نحو الريادة التكنولوجية العالمية، بحلول عام 2025.

تأسيسًا على ما تقدم، يسعى التحليل للإجابة عن سؤال: كيف يستخدم ترامب تطبيق تيك توك في تعزيز مستوى الاستفادة من الصين؟

"تيك توك" في استراتيجية ترامب

شكّل تيك توك محورًا مهمًا في استراتيجية ترامب لمواجهة النفوذ الصيني المتزايد، وتمثلت أهم المحاور في:

(&) استحواذ الولايات المتحدة الأمريكية على 50% من أسهم الشركة الصينية المالكة لتيك توك: قبيل تنصيب ترامب الرسمي، في خطاب لأنصاره الأحد 19 يناير 2025، أشار ترامب إلى أنه يمكن أن يرى إمكانية استحواذ الحكومة الأمريكية على حصة 50% في تيك توك، ما يمنحها القدرة على مراقبة الموقع والسيطرة على أنشطته، وأنه حال لم توافق الصين على الصفقة، فإن التطبيق لن يمتلك أي قيمة، مشيرًا إلى أنه إذا تم خلق قيمة من هذه الصفقة، فإنه من المنطقي أن يكون للولايات المتحدة الأمريكية الحق في الحصول على نصفها، كما أن قيمة الشركة قد تصل إلى مئات المليارات من الدولارات.

تُعد هذه الخطوة غير مسبوقة، فلم تطالب حكومة أمريكية من قبل بحصة في أسهم شركة ضخمة كشرط للموافقة على استمرارية عملها. ومع ذلك، لم يتطرق ترامب في تصريحاته إلى ما إذا كان سيسمح لشركة بايت دانس أو أي كيانات صينية أخرى بالاحتفاظ بحصة في تيك توك، أو ما إذا كانت الصفقة ستعالج القلق الأمريكي المتعلق بالأمن القومي وحماية بيانات المستخدمين الأمريكيين، فيعتزم ترامب حدوث مشروع مشترك بين مالكي تيك توك الحاليين أو الجدد بشرط حصول الولايات المتحدة الأمريكية على 50% من ملكية المشروع.

(&) فرض رسوم جمركية على بكين: أبدى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، استعداده لاستخدام وسيلة اقتصادية قوية للضغط على بكين، بعد أن منح التطبيق مهلة مؤقتة "90 يومًا" للبقاء في الولايات المتحدة شريطة أن يجد مالكوه شريكًا أمريكيًا، وأصبح ترامب في موقف يسمح له بممارسة الضغط على الصين لإتمام الصفقة. وفي حال رفضت الصين الموافقة على الاتفاق، أوضح ترامب أنه قد يلجأ إلى فرض رسوم جمركية مشددة كأداة ضغط استراتيجية، إذ هدد ترامب رسوم جمركية تصل 100% على الصين إذا لم توافق على اتفاق حول تيك توك، واعتبر ترامب أن هذه الرسوم ستكون وسيلة فعّالة لفرض التسوية في المفاوضات، ويعتقد أن الصين ستضطر في النهاية إلى قبول الشروط الأمريكية لتجنب تداعيات اقتصادية أكبر. فهذا التصريح يعكس نهج ترامب الحازم في التعامل مع الصين، إذ يوازن بين التفاوض المباشر وتهديدات اقتصادية تصب في صالح الولايات المتحدة الأمريكية.

وتبرز هذه الاستراتيجية قدرة ترامب على تحريك الملفات الاقتصادية بشكل يتماشى مع أهدافه السياسية، ما يعكس استمراره في تبني سياسة ضغط شاملة تجاه الصين، التي تتجاوز مجرد التعامل مع تيك توك لتشمل جميع جوانب العلاقة التجارية بين البلدين.

حظر "تيك توك" وأهداف ترامب

يمثل قانون حظر تيك توك جزءًا من استراتيجية ترامب لحماية الأمن القومي الأمريكي، ومر ذلك بخطوات عدة تمثلت في:

(&) بيع المنصة لمستثمرين أمريكيين: دخل قانون حظر تيك توك حيز التنفيذ 19 يناير 2025، ما أجبر شركة بايت دانس على قطع علاقتها بعمليات المنصة في الولايات المتحدة الأمريكية، بسبب المخاوف الأمنية، مع سماح ترامب بمنح تمديد 90 يومًا إذا كانت عملية بيع قابلة للتنفيذ. رغم العروض المقدمة من المستثمرين، أكدت بايت دانس أنها لن تبيع تيك توك، وأعلن النائب الأمريكي مايك جالاجر، أن القانون لا يسمح بأي تمديد. في نفس اليوم، توقفت خدمة تيك توك بالولايات المتحدة الأمريكية مؤقتًا قبل أن يتم استعادتها، وأعلن ترامب نيته إصدار أمر تنفيذي لمنح بايت دانس مزيدًا من الوقت لإيجاد مُشترٍ معتمد. كما تمت إزالة التطبيق من متاجر آبل وجوجل، إضافة إلى تطبيقات أخرى طورتها بايت دانس، في وقت كانت فيه شركة Perplexity AI قدمت عرضًا لتأسيس كيان مشترك مع تيك توك، لكن بايت دانس أكدت رفضها لبيع المنصة.

(&) فك الارتباط مع الصين: كان وعد ترامب بإعادة إحياء تطبيق تيك توك جزءًا من حملته الانتخابية، لذا لم يكن تصريحه مفاجئًا. رغم أن ترامب لا يستطيع إلغاء القانون الذي أقره الكونجرس، فإنه يسعى لتمديد المهلة الممنوحة لتيك توك لبيع التطبيق في الولايات المتحدة الأمريكية. القانون لا يحدد تفاصيل بشأن المشترين أو هياكل الملكية، لكنه يشترط ألا يكون هناك أي ارتباط مع "عدو أجنبي"، في إشارة إلى الصين. فبينما يواصل ترامب البحث عن طرق للحفاظ على تيك توك يبدي العديد من المستثمرين البارزين والشركات الأخرى اهتمامًا بتقديم عروض لفرصة إنقاذ التطبيق، تحديث خوارزميته، وضمان عدم تعريضه للإغلاق مرة أخرى.

(&) حماية الأمن القومي الأمريكي: يخشى ترامب من أن تضغط السلطات الصينية على شركة بايت دانس لتسليم بيانات مستخدمي تيك توك الأمريكيين، ما يعرض المعلومات الحساسة للخطر، إلا أن المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية نفت ذلك، مؤكدة أن الحكومة لم ولن تطلب من الشركات جمع أو تقديم بيانات استخباراتية، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة لم تقدم دليلًا على تهديد تيك توك للأمن القومي الأمريكي. من جانبها، أكدت بايت دانس أن 60% من أسهمها مملوكة لمستثمرين غير صينيين مثل شركات كارلايل جروب وكوهلبرج كرافيس روبرتس، إضافة إلى مجموعة سوفت بنك اليابانية، بينما يمتلك الموظفون 20% والمؤسسون 20% المتبقية، وتُقدر قيمة أعمال تيك توك في الولايات المتحدة الأمريكية بنحو 40 إلى 50 مليار دولار.

مصالح مُقلقة

يستفيد ترامب من تيك توك لتعزيز مصالحه في الصين، ولكن هذا يصاحبه مخاوف تتعلق بالأمن القومي والآثار الاقتصادية، حيث:

(&) السيطرة على البيانات كمصدر للقوة: يعتبر ترامب البيانات بمثابة مورد استراتيجي لا يقل أهمية عن النفط، ومن خلال تيك توك يتمكن ترامب من الوصول إلى سلوكيات المستخدمين وتوجهاتهم، فما بين عامي 2020 و2025 زادت أهمية البيانات وأصبحت السوق العالمية لتحليل البيانات تقدر بأكثر من 300 مليار دولار، ومن خلال الضغط على تيك توك لإعادة هيكلة عملياتها في أمريكا، يسعى ترامب لضمان تحليل واستخدام بيانات المستخدمين لتعزيز الاقتصاد الرقمي المحلي.

(&) تعزيز الاقتصاد الأمريكي: يسهم تيك توك بما يزيد على 24.2 مليار دولار سنويًا في الاقتصاد الأمريكي، إذ تشمل إيراداتها مبيعات من متاجرها التي بلغت 9.7 مليار دولار، العام الماضي، فضلًا عن عائدات الإعلانات المباشرة التي تخطت 8 مليارات دولار. إضافة إلى ذلك، تُقدر قيمة الترفيه المجاني الذي يوفره تيك توك للمستخدمين الأمريكيين بأكثر من 73 مليار دولار في 2023، استنادًا إلى التكلفة التي يتحملها المواطن الأمريكي إذا قرر الانتقال إلى منصات أخرى.

وعلى صعيد آخر، يوفر تيك توك فوائد كبيرة للشركات الصغيرة والمتوسطة في الولايات المتحدة، إذ تدعم نحو 224 ألف وظيفة وتسهم بمليارات الدولارات في الاقتصاد. وعام 2023، ساعدت الشركات في دفع 5.3 مليار دولار من الضرائب للحكومة الأمريكية، وأسهمت في زيادة الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 8.5 مليار دولار، إضافة إلى 2 مليار دولار في الضرائب و59 ألف وظيفة عبر الاقتصاد الأمريكي. وكان أكبر دعم في قطاع الأغذية والمشروبات، إذ أسهمت المنصة بـ6.4 مليار دولار و73 ألف وظيفة، يليه قطاع الصحة والعافية بـ3.9 مليار دولار، وقطاع خدمات الأعمال بـ3.6 مليار دولار، ما يبرز تنوع الصناعات التي استفادت من تيك توك.

(&) تعزيز التجارة الإلكترونية: حقق تيك توك الرقمي 9.7 مليار دولار من قيمة البضائع في الولايات المتحدة، العام الماضي، ما يبرز دوره الكبير في التجارة الإلكترونية. فالعديد من المبدعين والشركات، مثل جيفت أولواتوي من ماريلاند، الذي يخاطر بخسارة 5000 دولار من الأرباح الشهرية من مقاطع فيديو الألعاب، يعتمدون على تيك توك كمصدر دخل. رغم أن التأثير العام على الاقتصاد قد يظل محدودًا على المدى الطويل، إلا أن الشركات والمبدعين يواجهون عواقب شديدة، فيما تمتد القيمة الاقتصادية لتشمل متعة المستهلك التي يقدر أنها ستصل إلى 73 مليار دولار في 2023.

سيناريوهات محتملة

يتأرجح مستقبل تيك توك بين عدة سيناريوهات معقدة، تتمثل في:

(&) الامتثال لقانون الحظر وبيع العمليات لشريك أمريكي: قد تضطر شركة بايت دانس إلى بيع عملياتها في الولايات المتحدة الأمريكية لمستثمر أمريكي أو كيان معتمد لتجنب الحظر الكامل، ومن ثم استئناف تيك توك خدماته بشكل قانوني مع تقليل المخاوف الأمنية، فالعقبة الحالية رفض بايت دانس البيع.

(&) تمديد المهلة الزمنية: قد يمنح ترامب مهلة إضافية للتوصل إلى اتفاق أو قبول حلول بديلة مثل فصل بيانات المستخدمين الأمريكيين عن الصين، لكن يمكن أن يقابله معارضة من الكونجرس الأمريكي.

(&) الحظر الدائم وتحدي القانون:إن لم يتحقق أي من السيناريوهين السابقين، فقد يؤدي ذلك إلى الإغلاق الدائم للمنصة، ومن ثم تلجأ بايت دانس إلى المحاكم لتحدي القانون الفيدرالي، ما يطيل أمد الأزمة، وقد يشهد الملف تصاعدًا في التوترات التجارية بين واشنطن وبكين خاصًة إذا تم فرض رسوم جمركية إضافية كوسيلة ضغط.

ختامًا، يمكن القول إن تعامل ترامب مع تيك توك يُظهر استراتيجية معقدة تهدف إلى حماية الأمن القومي الأمريكي مع تعزيز الفوائد الاقتصادية للولايات المتحدة. فمن خلال الضغط على الصين وفرض إجراءات قانونية وتنظيمية، يسعى ترامب لتحقيق توازن بين حماية البيانات الأمريكية وتعزيز مكانة الشركات الصغيرة والمتوسطة في الاقتصاد الأمريكي. ورغم التحديات السياسية والاقتصادية، يواصل ترامب استغلال هذا الملف لضمان مصالح الولايات المتحدة في مواجهة التحديات الأمنية والتجارية العالمية.