جاء لقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الرابع من فبراير 2025 بواشنطن ليثير العديد من التساؤلات حول طبيعة الرسائل التي تضمنها اللقاء، سواء فيما يتعلق بمستقبل غزة، وموقف ترامب من مسألة حل الدولتين، وحدود التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل في الولاية الثانية لترامب، ومدى قدرته على الاستمرار في دعم السياسات العدوانية لإسرائيل في الاستيطان والتوسع لدعم الائتلاف اليميني الإسرائيلي للاستمرار في السلطة ومنع انهياره، وكذلك الموقف من إيران في ظل العودة لممارسة سياسة الضغوط القصوى على طهران وصولًا إلى الرؤية الأمريكية لمستقبل السلام في إقليم الشرق الأوسط الذى يبدو أنه سيدخل مفترق طرق حقيقي.
رسائل متنوعة
حمل اللقاء بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو العديد من الرسائل للإقليم والعالم، والتي يمكن الإشارة إلى أهمها على النحو التالي:
(*) محورية التحالف الاستراتيجي: عكس اللقاء محورية التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وهو التحالف الذي يقوم على استراتيجية ثابتة لا تتغير بوجود الحزب الجمهوري أو الديمقراطي في السلطة، والتي تقوم بالأساس على ضمان الولايات المتحدة الأمريكية لأمن إسرائيل وضمان تفوقها على دول إقليم الشرق الأوسط باعتبارها جزء من المنظومة الغربية والأمريكية بالأساس. وفى ظل حصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على أغلبية الأصوات الشعبية وأغلبية أصوات المجمع الانتخابي، ومع دعم اللوبي اليهودي له وتأييده واسع النطاق من قبل التيار اليميني في الولايات المتحدة، فإنه يسعى لترجمة وعوده الانتخابية ومنها استمراره في دعم إسرائيل كحليف استراتيجي، حيث استبق اللقاء مع نتنياهو بتصريحات في 3 فبراير 2025 توحي بمساندة ائتلاف نتنياهو الحاكم للاستمرار في الحكم بالإعلان عن تأييده توسيع المستوطنات انطلاقًا من أن إسرائيل دولة صغيرة المساحة، كما أعلن عن صفقة عسكرية بقيمة مليار دولار لإسرائيل، وإصدار أمر تنفيذي جديد بحظر تمويل منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين " الأونروا".
(*) السيطرة الأمريكية على قطاع غزة: اقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن تتولى الولايات المتحدة الأمريكية السيطرة على قطاع غزة المدمر بسبب الحرب كمكان مليء بالحطام الآيل للسقوط، وإطلاق خطة تنمية اقتصادية في القطاع تهدف إلى توفير عدد غير محدود من الوظائف والمساكن لسكان المنطقة، قائلًا إنه يتطلع إلى أن تكون لأمريكا ملكية طويلة الأمد في القطاع، وواصفًا القطاع بأنه سيتحول إلى ريفييرا الشرق الأوسط، ومن الممكن أن يستقبل سكانًا من كل دول العالم. كما أعاد ترامب تجديد مقترحه بشأن تهجير الفلسطينيين الموجودين في غزة إلى أماكن أخرى. وقد أوضح البيت الأبيض في 5 فبراير 2025 بأن الرئيس ترامب لم يقدم بعد التزامًا بشأن سيطرة الولايات المتحدة أو نشر قوات أمريكية في غزة وفق مقترحه بفرض السيطرة الأمريكية على القطاع، ومشيرًا إلى أن واشنطن لن تمول إعادة إعمار غزة بل ستعمل مع شركائها بالمنطقة بشأن ذلك.
(*) هشاشة الهدنة في غزة: جاء تصريح الرئيس الأمريكي ترامب قبل استقباله لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في واشنطن بأنه لا توجد ضمانات حول صمود اتفاق وقف إطلاق النار في غزة. وهو الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات حول الحديث عن دور ترامب في التوصل لاتفاق الهدنة بين إسرائيل وحماس، وهو ما يتناقض مع موقفه الحالي.
(*) تغيير الشرق الأوسط: على الرغم من اخفاق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تحقيق أي من أهداف الحرب الإسرائيلية على غزة سواء فيما يتعلق بإنهاء دور حماس والقضاء على قدراتها في القطاع، أو ما يتعلق بتحرير الرهائن ليتم إطلاق سراحهم في إطار اتفاق لوقف إطلاق النار وبرعاية مصرية وقطرية وأمريكية، إلا أنه لا يزال يعتبر أن ما تقوم به إسرائيل على العديد من الجبهات من قبيل تغيير الشرق الأوسط. هذا النهج جعله يعتبر خلال لقائه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن خطته بشأن غزة، واستعداد ترامب للتفكير خارج الصندوق، هو ما سيحقق أهداف الحرب في غزة، وسيعيد رسم معالم الشرق الأوسط.
(*) ممارسة الضغوط القصوى على إيران: في إطار استعادته لممارسة الضغوط القصوى التي مارسها ضد إيران خلال ولايته الأولى أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنه لن يسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي، كما وقع أمرًا تنفيذيًا يقضي بتشديد العقوبات على إيران وتصفير صادراتها النفطية، كما وجه ترامب وزارتي والخارجية بتشديد العقوبات وتنفيذها، وفرض عقوبات على منتهكي العقوبات الأمريكية على إيران. كما تسعى إدارة ترامب لإعادة فرض العقوبات الدولية على طهران عبر مجلس الأمن، ومن خلال التعاون مع الحلفاء. في مقابل تلك التهديدات أعلن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بأن إيران تمتلك بدائل وخيارات متعددة لمواجهة سياسة ترامب إزاء إيران.
ردود العالم والإقليم
أثارت خطة ترامب خلال لقائه بنتنياهو بشأن السيطرة على غزة وتهجير الفلسطينيين العديد من ردود الفعل الإقليمية والدولية الرافضة لذلك المقترح واعتباره بمثابة انتهاكًا لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وفق حل الدولتين. وهو ما يمكن الإشارة إليه على النحو التالي:
(*) الصين وروسيا: أجمعت القوى الدولية على رفض مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وعبرت دول عدة بوجهات مختلفة عن رفضها أي تهجير للفلسطينيين خارج أرضهم، وطالبت بالعمل على تجسيد حل الدولتين ومنح الفلسطينيين فرصة العيش في دولتهم. فقد أعلنت الصين معارضتها التهجير القسري لسكان قطاع غزة، ودعمها حكم الفلسطينيين لفلسطين، كما عبرت بكين عن أملها في أن تعتبر كل الأطراف وقف إطلاق النار وإدارة القطاع بعد انتهاء الصراع فرصة لإعادة التسوية السياسية للقضية الفلسطينية لمسارها الصحيح استنادًا لحل الدولتين. وتماشيًا مع نفس التوجه فإن روسيا تعتقد أن التسوية في الشرق الأوسط ممكنة فقط على أساس حل الدولتين، وأن كلام ترامب بشأن إعادة توطين سكان غزة، فإن الدول العربية لا تقبل هذه الفكرة.
(*) الدول الأوروبية: تبنت غالبية الدول الأوروبية رفضًا قاطعًا لمقترح ترامب الرامي إلى السيطرة الأمريكية على قطاع غزة وتهجير الفلسطينيين من غزة، حيث اعتبرت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك أن غزة مثلها مثل الضفة الغربية والقدس الشرقية ملك للفلسطينيين، وأن طردهم سيكون غير مقبول ومخالفًا للقانون الدولي. فيما أكد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إن بلاده ستكون مع الفلسطينيين على المسار المؤدي لحل الدولتين، كما طالب بالسماح للفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم وإعادة إعمار غزة. كما اعتبرت وزارة الخارجية الفرنسية أن التهجير القسري سيمثل هجومًا على التطلعات المشروعة للفلسطينيين ويزعزع أمن المنطقة، وسيكون انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي وعقبة رئيسية أمام حل الدولتين، وأن مستقبل غزة يجب ألا يكون في إطار سيطرة دولة ثالثة بل فى إطار دولة فلسطينية مستقلة. فى نفس السياق أكد وزير الخارجية الإسباني على أن غزة هي أرض الفلسطينيين سكان غزة ويجب أن يبقوا فيها، وأن غزة جزء من الدولة الفلسطينية المستقبلية التي تدعمها إسبانيا ويجب عليها التعايش بما يضمن ازدهار إسرائيل.
(*) الدول العربية: تبنت الدول العربية وفى مقدمتها مصر والأردن رفض مقترح ترامب فيما يتعلق بتهجير الفلسطينيين، حيث اعتبر الرئيس عبد الفتاح السيسي ذلك ظلمًا لا يمكن المشاركة فيه، وأن حل الدولتين هو السبيل لحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة ويمثل الضمانة الأساسية لاستعادة الاستقرار في المنطقة. وأكد الملك عبد الله الثاني بن الحسين ملك الأردن على رفض أي محاولات لضم الأراضي وتهجير الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، مشددًا على ضرورة تثبيت الفلسطينيين على أرضهم. كما شددت السعودية في بيان لوزارة الخارجية في 5 فبراير 2024 على ما سبق أن أعلنته من رفضها القاطع المساس بحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة سواء من خلال سياسات الاستيطان الإسرائيلي أو ضم الأراضي الفلسطينية أو السعي لتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه.
مجمل القول ثمة تبلور موقف إقليمي ودولي رافض لمقترح ترامب بالتهجير القسري لسكان غزة. وهو ما يمكن أن يسهم في تحييد الموقفين الأمريكي والإسرائيلي لاسيما وأن رسائل الدول الرافضة تركز على حل الدولتين وأن قطاع غزة جزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية إلى جانب الضفة الغربية والقدس الشرقية. وهي المواقف التي يمكن البناء عليها فى تحرك مطلوب من المجموعة العربية داخل الأمم المتحدة، والتي حذرت من أن القانون الدولي يحظر بشدة أي نقل قسري أو ترحيل للسكان من الأراضي المحتلة.