يتجه الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب لاستكمال إدارته الجديدة من فريق يتوافق مع رؤيته ويسهم في ترجمة برنامجه الانتخابي، بعد حصول الجمهوريين على تفويض من الشعب الأمريكي في انتخابات 2024، باستعادتهم لمنصب الرئيس، وههيمنتهم على الأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ وكذلك حكام الولايات، الأمر الذي يثير العديد من التساؤلات حول تأثير مسؤولي الإدارة الجدد على قضايا الشرق الأوسط، وما إذا كان لديهم تصورات واضحة لترجمة ما أعلن عنه ترامب حول عزمه وقف كل الحروب حال عودته إلى الرئاسة لولاية ثانية، أم أن أعضاء الفريق الرئاسي ممن سيتعاملون مع قضايا الشرق الأوسط يتبنون مواقف متشددة أو منحازة لأي من طرفي الصراع في الإقليم؟
مناصب مؤثرة
من الناحية الإجرائية يتعين على الرئيس المنتخب دونالد ترامب ترشيح قادة 15 وكالة حكومية، إضافة إلى مناصب إدارية عليا أخرى تتطلب موافقة مجلس الشيوخ، إلى جانب تعيين كبار الموظفين ممن سيمارسون العمل لمدة أربع سنوات مقبلة. وتماشيًا مع التساؤل المركزي حول تأثير فريق ترامب الجديد على قضايا الشرق الأوسط، يُلاحظ أن اختيارات الرئيس ترامب لتكوين فريقه الجديد، والرسائل التي يحملها إزاء تفاعلات الشرق الأوسط جاءت بأشد أنصار إسرائيل والمؤيدين لها، ومنهم على سبيل المثال فريق الأمن القومي بترشيح السيناتور الجمهوري من ولاية فلوريدا ماركو روبيو وزيرًا للخارجية، والمحارب السابق ومقدم برامج بشبكة فوكس الإخبارية بيت هيجسيث وزيرًا للدفاع، والنائب الجمهوري من ولاية فلوريدا مايكل والتز مستشارًا للأمن القومي، وعضو الكونجرس السابق ومدير الاستخبارات الوطنية السابق جون راتكليف مديرًا لوكالة الاستخبارات المركزية "سي آى إيه"، والنائبة الجمهورية من ولاية نيويورك إليز ستيفانيك سفيرة لدى الأمم المتحدة، والنائبة الجمهورية (التي انتقلت من الحزب الديمقراطي) من ولاية هاواي تولسي جابارد مديرة للاستخبارات الوطنية.
وإذا كان تيار ما يرى أن اختيار كل من روبيو ووالتز وستيفانيك باعتبارهم من الصقور الجمهوريين فيما يتعلق بالصين وإيران والداعمين لإسرائيل، فإن ثمة تيار آخر يرى بأن دعم الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل بشكل لا محدود يضر بالمصالح الأمريكية الأوسع في إقليم الشرق الأوسط والعالم، ويعتبرون أن اختيار النائبة السابقة من ولاية هاواي تولسي جابارد، مديرة للاستخبارات الوطنية، يحقق ذلك التوازن بسبب مواقفها السابقة ضد إسرائيل.
رسائل متنوعة
جاء اختيار ترامب لمسؤولى إدارته الجديدة بهدف توجيه العديد من الرسائل فيما يخص قضايا الشرق الأوسط، التي يمكن الإشارة إلى أهمها على النحو التالي:
(*) دعم إسرائيل: تعكس اختيارات ترامب لفريقه الرئاسي فيما يتعلق بتوجهاتهم إزاء قضايا إقليم الشرق الأوسط، توجهًا واضحًا بدعم إسرائيل، الأمر الذي سيعزز التحالف الأمريكي الإسرائيلي، لمواجهة ما تراه إسرائيل من تحديات إقليمية وفق إدراك رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو، الذي عبّر عن سعيه نحو تغيير موازين القوى في الشرق الأوسط لصالح إسرائيل من خلال حروبه التي يشنها على العديد من الجبهات في غزة، ولبنان، وسوريا، واليمن.
ويأتي في مقدمة الداعمين لإسرائيل إليز ستيفانيك، التي رشحها ترامب لمنصب سفيرة واشنطن في الأمم المتحدة، والتي تحولت نحو اليمين بعد جلسات الاستماع التي عقدها مجلس النواب الأمريكي بشأن معاداة السامية في الحرم الجامعي الأمريكي منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، حيث اتخذت مواقف أكثر حزمًا بشأن بعض قضايا السياسة الخارجية خاصة فيما يتعلق بدعم إسرائيل، الذي تجلى في إلقائها خطابًا أمام الكنيست الإسرائيلي في مايو 2024 هاجمت فيه الديمقراطيين بسبب ما وصفته بعدم دعمهم الكافي لحرب إسرائيل على غزة.
كما ساعدت المواجهات الشهيرة بشأن "معاداة السامية" في الحرم الجامعي، على خلفية الاحتجاجات على حرب غزة، التي خاضتها "ستيفانيك" مع رؤساء جامعات النخبة (كولومبيا، هارفارد، بنسلفانيا، برينستون، ييل، براون، كورنيل، ودارتموث) في خسارة العديد منهم لمناصبهم. وبرغم هيمنة الفريق الداعم لإسرائيل على إدارة ترامب الجديدة إلا أن اختيار جابارد، وهي ديمقراطية سابقة انشقت واتجهت نحو الحزب الجمهوري أثار مخاوف من ذلك الفريق بسبب مواقفها السابقة ومنها: التصويت ضد قرار مجلس النواب الذي يدين قرار مجلس الأمن في ديسمبر 2016 الذي يعارض بناء المستوطنات الإسرائيلية، كما صوتت ضد إلغاء الاتفاق النووي الإيراني، مطالبة واشنطن بإلغاء العقوبات ضد إيران.
(*) الحرب على غزة: طرح الرئيس المنتخب دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية عزمه إنهاء الحروب في الشرق الأوسط وأوكرانيا، بل ذهب لأبعد من ذلك بقوله إنه بمجرد انتخابه ستتوقف الحرب الروسية الأوكرانية، أما فيما يخص غزة فقد عبّر عن ذلك بأنه لو كان موجودًا في السلطة لما تمكنت حماس من مهاجمة إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023. هذا التوجه المرتبط بانحياز ترامب إلى إسرائيل، ممتد منذ ولايته الأولى من خلال شرعنة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل مقر السفارة الأمريكية إليها، والاعتراف بضم إسرائيل لهضبة الجولان السورية، وبشرعية المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، لذلك فإن اختيارات ترامب لمسؤولي إدارته وفقًا لفريق من المحللين جاء كما هو متوقع، فإن كبار مساعدي ترامب في السياسة الخارجية لديهم نكهة ترامبية، ممن لهم ولاء واضح له ولتوجهاته في المجال الخارجي.
(*) التشدد إزاء إيران: يعكس اختيار الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب لفريقه الجديد توجهات الإدارة المقبلة نحو تعزيز المواقف الصارمة، خاصة تجاه إيران ويأتي في مقدمة هؤلاء مايك والتز المرشح لمنصب مستشار الأمن القومي، وهو من أشد المنتقدين لإيران والمؤيدين لإسرائيل، كما أن لديه مواقف حازمة تجاه الصين وكوبا. هذا الاختيار يعني توجه إدارة ترامب لإعادة فرض الضغوط القصوى على إيران لكبح أنشطتها في المنطقة وكبح دعمها لوكلائها، باعتبارهم ركائز لتمدد المشروع الإيراني الساعي للهيمنة الإقليمية. وقد جاء اختيار ماركو روبيو كوزير للخارجية باعتبار أنه من دعاة السياسات الخارجية المتشددة خاصة تجاه إيران والصين، والمؤيد لإلغاء الاتفاق النووى بين القوى الكبرى وإيران.
مجمل القول؛ يتسم فريق ترامب الجديد بغلبة العنصر الشبابي على مكوناته، أما على مستوى التوجهات إزاء قضايا الشرق الأوسط فإنها تدور حول المبادئ الرئيسية للرئيس المنتخب دونالد ترامب، التي تستند على دعم إسرائيل بشكل مطلق والتشدد إزاء إيران، غير أن التحدي الذي يواجه تلك الإدارة أنها إزاء شرق أوسط منهك من الحروب التي طالت العديد من الجبهات فهل يتمكن فريق ترامب من إطفاء تلك الحرائق أم زيادتها اشتعالًا؟