الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

التداعيات المحتملة لفوز ترامب على العلاقات الأمريكية الأوروبية

  • مشاركة :
post-title
الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

أثار فوز الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بولاية رئاسية ثانية تساؤلًا رئيسيًا حول التداعيات المحتملة لذلك الفوز على مستقبل العلاقات الأمريكية الأوروبية، التي شهدت نوعًا من الفتور خلال ولايته الأولى، وهل سيستمر ذلك الاتجاه أم سيتغير، لا سيما بعد أن كشفت نتائج الانتخابات لعام 2024 عن هيمنة الحزب الجمهوري على مفردات المشهد السياسي الأمريكي، فلم يقتصر على الفوز بمنصب الرئيس فقط، بل حصل على عدد من أصوات الناخبين يفوق ما حصلت عليه منافسته المرشحة عن الحزب الديمقراطي كامالا هاريس، بما يقرب من 5 ملايين صوت، وحقق الأغلبية في مجلسي الشيوخ والنواب، وفاز بعدد 8 من أصل 11 في انتخابات حكام الولايات.

وللمفارقة فقد أعقب خطاب الانتصار بيوم واحد الذي أعلن فيه الرئيس المنتخب دونالد ترامب فوزه بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، انعقاد قمة المجموعة السياسية الأوروبية في العاصمة المجرية بودابست، 7 نوفمبر 2024، التي ناقش المشاركون فيها من 50 دولة أوروبية تقييم العلاقات في حلف الناتو مع الحليف الأمريكي، ودارت المناقشات حول العديد من القضايا أهمها: التحديات التي تفرضها عودة ترامب إلى البيت الأبيض، الحرب الروسية الأوكرانية، الصراع في الشرق الأوسط، والهجرة والتجارة العالمية والأمن الاقتصادي.

وطالب المشاركون باتخاذ موقف صارم لمراجعة موازناتهم الدفاعية لتكون أكثر قدرة على مواجهة تحديات الأمن الأوروبي، مع مراعاة عدم الاستمرار في الاعتماد على المظلة الأمنية الأمريكية، وهو ما يتماشى مع ما ألمح إليه ترامب عن عزمه إجراء تغييرات واسعة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية.

رسائل استباقية

حملت قمة المجموعة السياسية الأوروبية في بودابست العديد من الرسائل الأوروبية الاستباقية قبل بدء ولاية رئاسية جديدة للرئيس المنتخب دونالد ترامب، التي يمكن الإشارة إلى أهمها في التالي:

(*) أوروبا موحدة: حرص زعماء القارة الأوروبية على تأكيد أن أوروبا موحدة، خلال أول تجمع أوروبي عقد في العاصمة المجرية بودابست، بعد إعلان فوز دونالد ترامب، وهو الأمر الذي أكدته رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، أن أوروبا أثبتت قدرتها على الإمساك بمصيرها متى كانت موحدة.

فيما أشار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى أن هذه محطة تاريخية حاسمة بالنسبة لنا كأوروبيين، هل نريد أن نقرأ تاريخًا يكتبه آخرون، الحروب التي يطلقها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الانتخابات الأمريكية، الخيارات التي يقوم بها الصينيون.. أم نريد أن نكتب التاريخ؟

(*) مساندة أوكرانيا: تمثل الحرب الروسية الأوكرانية التي دخلت عامها الثالث التحدي الأبرز الذي يواجه الدول الأوروبية في ظل الدعم الأمريكي العسكري والاقتصادي الذي حصلت عليه أوكرانيا من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، التي تعد الداعم الأكبر لأوكرانيا في ظل تبني إدارة بايدن لذلك التوجه، الذي وصل ما يقرب من 44.9 مليار دولار منذ بدء الحرب، لذلك أكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في كلمته أمام القادة الأوروبيين في بودابست أن العلاقات بين الولايات وأوروبا يجب ألا تضيع بل أن تقدر بعد فوز دونالد ترامب، وأضاف نأمل أن تصبح أمريكا أقوى، هذه أمريكا التي تحتاج إليها أوروبا، وأوروبا القوية هي ما تحتاج إليه أمريكا، إن الرابط بين الحلفاء يجب أن يقدر وألا يضيع، كما أكد أيضًا أن رفض كييف تقديم تنازلات لموسكو، معتبرًا أن ذلك سيعود بالضرر على أوروبا جمعاء، وأن أي تنازلات لبوتين هو أمر غير مقبول لأوكرانيا وانتحاري بالنسبة لأوروبا برمتها.

(*) التعافي الاقتصادي الأوروبي: أعلن القادة الأوربيون تبنيهم لخطة إصلاح طويلة الأجل لتعيد إطلاق النمو في الدول الأوروبية بفضل الاستثمارات الضخمة في مجالات الابتكار الرقمي والتحول إلى الطاقة النظيفة والصناعات الدفاعية.

وقدر الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي الاستثمارات الأوروبية في القارة العجوز بما يتراوح بين 750و800 مليار يورو سنويًا، أي أكثر من خطة مارشال الأمريكية التي دعمت إعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وهو ما يمثل تحديًا للدول الأوروبية التي تسعى لخفض ديونها وعجز موازناتها.

تداعيات محتملة

برغم رسائل أوروبا الاستباقية، فإن التداعيات المحتملة لتأثير ترامب على مستقبل العلاقات الأمريكية الأوروبية يرتبط بالعديد من الأبعاد التي يمكن الإشارة إليها على النحو التالي:

(*) الأمن الأوروبي: يشكل ضمان الأمن الأوروبي ضد مصادر التهديدات المعقدة التحدي الأبرز الذي يواجه قادة الدول الأوروبية بعد انتخاب ترامب في ظل ترديده لمقولة على الأوروبيين أن يدافعوا عن أمنهم، والكف عن استنزاف الولايات المتحدة الأمريكية لحمايتهم، لذلك أعرب ترامب باستمرار عن استيائه من أن حلف الناتو يستغل بلاده نتيجة عدم الوفاء بهدف الإنفاق بنسبة 2% من الناتج المحلي الإجمالي لكل دولة من أعضائه الـ 32.

في المقابل تتزايد الدعوات الأوروبية لمزيد من الاستقلالية عن التبعية للولايات المتحدة الأمريكية، وهو الأمر الذي تجسد في دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى تشكيل جيش أوروبي مستقل لحماية الأمن الأوروبي ضد مصادر التهديدات المتنامية، واصفًا حلف شمال الأطلنطي بأنه يعاني موتًا دماغيًا، لذلك يعتقد ماكرون بأن مصير الأمن الأوروبي يرتبط بنتائج الحرب الروسية الأوكرانية التي يعتبرها حرب وجودية بالنسبة لأوروبا وفرنسا، محذرًا من أن انتصار روسيا في هذه الحرب يعني أن أوروبا ستفقد أمنها.

(*) وقف الحرب الروسية الأوكرانية: تبنى الرئيس المنتخب دونالد ترامب، خلال برنامجه الانتخابي، أنه سيوقف الحروب المشتعلة، وفي مقدمتها الحرب الروسية الأوكرانية، التي أشار إلى أنه بمجرد انتخابه ستتوقف، كما أعلن رفضه مساندة أوكرانيا في تلك الحرب منعًا لاستنزاف الولايات المتحدة الأمريكية.

وإذا كانت الحرب الروسية الأوكرانية كشفت عن عجز الدول الأوروبية عن حماية أمنها، فإنها أدت أيضًا إلى تغيرات كبرى على أوروبا منها اندلاع سباق تسلح محموم داخل القارة مع ما يتطلبه من إنفاق قياسي على الجيوش والبني العسكرية وصفقات السلاح، كما تمدد حلف الأطلنطي في الشمال الأوروبي المحايد عبر التحاق السويد وفنلندا بالمظلة الدفاعية للناتو، التي صارت على تماس مباشر مع تخوم روسيا الشمالية الغربية.

(*) السياسة الحمائية لترامب: يشكل التهديد الأكثر وضوحًا لترامب فيما يتعلق بالسياسة الخارجية ما يرتبط بخططه لفرض تعريفة جمركية عالمية بنسبة 20% على جميع الواردات الأجنبية، إذ أعرب عن نيته زيادة الرسوم الجمركية على كل المنتجات التي تدخل الولايات المتحدة، منها الاتحاد الأوروبي، الذي وصفه خلال حملته الانتخابية بأنه صين صغيرة يستغل حليفه الأمريكي عبر تراكم الفوائض التجارية لصالحه. لذلك يتوقع العديد من الخبراء الاقتصاديين بأن تدفع الحرب التجارية المحتملة اقتصاد منطقة اليورو من النمو البطيء إلى الركود الكامل. 

وفي ظل خلل الميزان التجاري لصالح أوروبا فإن ترامب من المرجح أن يستمر في السعي لتعديل ذلك بكل ما هو متاح له تحقيقًا لوعوده الانتخابية، وتكريسًا لنهجه في ولايته الأولى، ومن شأن ذلك أن يمس مصالح ألمانيا التجارية والصناعية في المقام الأول، وهو الأمر الذي دفع كريستيان ليندنر، وزير المالية الألماني، للتحذير من أنه قد يكون هناك رد انتقامي إذا بدأت الولايات المتحدة حربًا تجارية مع الاتحاد الأوروبي، مضيفًا نحن بحاجة إلى جهود دبلوماسية لإقناع كل من يدخل البيت الأبيض بأنه ليس من مصلحة الولايات المتحدة أن يكون هناك صراع تجاري مع الولايات المتحدة.

مجمل القول تسهم عودة ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية رافعًا شعار أمريكا أولًا في تزايد المخاوف الأوروبية من ترجمة وعوده الانتخابية، منها الحروب التجارية لدعم الاقتصاد الأمريكي، ووقف الدعم الأمريكي لأوكرانيا، والتهديد بالانسحاب من حلف الناتو، إلا أنه من المرجح أن تكون مجرد ضغوط لدفع الدول الأوروبية لزيادة إنفاقها الدفاعي وتعزيز مساهمتها العسكرية، كما يرجح أن تتزايد صعود النيارات اليمينية في أوروبا بعد عودة ترامب، وهو ما سيكون له تأثيره المباشر على قضايا الهجرة واللجوء في الدول الأوروبية.