بينما يقترب السباق الانتخابي الأمريكي من أمتاره الأخيرة، يشهد التنافس على الكونجرس الأمريكي احتدامًا كبيرًا بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في ظل تقدم طفيف للجمهوريين في الاستطلاعات بشأن انتخابات مجلس الشيوخ الذي سيشهد تنافسًا على 34 مقعدًا، بينها نحو 21 مقعدًا لمعسكر الديمقراطيين، مقابل تقدم للديمقراطيين في مجلس النواب.
تأسيسًا على ما سبق؛ يتناول التحليل التالي حدود تأثير انتخابات الكونجرس 119 على المشهد السياسي الأمريكي في ضوء التغييرات المحتملة بتشكيل مجلسي النواب والشيوخ من جهة وشكل العلاقة مع البيت الأبيض وفق سيناريوهين اثنين.
متغيرات فارقة
أظهرت مؤشرات واستطلاعات الرأي تراجعًا محتملًا لمعسكر الديمقراطيين في انتخابات الكونجرس، على النحو التالي:
(*) مؤشرات التغيير بالشيوخ: تشير بيانات السباق الانتخابي إلى تنافس محموم على 34 مقعدًا بينها 19 مقعدًا للديمقراطيين مقابل 11 مقعدًا للحزب الجمهوري لولاية تمتد لستة أعوام و4 مستقلين، مع غياب 9 أعضاء بمجلس الشيوخ الحالي عن السباق، من بينهم 5 ديمقراطيين في ولايات (ماريلاند وميتشيجان وكاليفورنيا وديلاوير ونيوجيرسي) وجمهورييْن من ولايتي (يوتا وإنديانا)، ومستقليْن عن ولايتي (أريزونا وويست فيرجينيا).
ضمِن الديمقراطيون الأغلبية بمجلس الشيوخ الحالي بواحد وخمسين مقعدًا من بينهم أربعة مستقلين، بينما تُظهِر الاستطلاعات تراجعًا ديمقراطيًا في نحو 7 ولايات، بينما يخوضون منافسة شرسة على 7 مقاعد مع الجمهوريين تخضع أغلبيتها لسيطرة الديمقراطيين في الكونجرس 118، وتشمل ولايات أريزونا وماين وأوهايو ومونتانا وويسكونسن وميتشيجان ونيفادا.
تشهد ولاية مونتانا تنافسًا شديدًا بين السيناتور الديمقراطي جون تيستر ومنافسه الجمهوري تيم شيهي، وبحسب بيانات "نيويورك تايمز" يُعد الصوت الانتخابي في الولاية التي يبلغ عدد ناخبيها 800 ألف شخص هو الأغلى على مستوى الولايات المتحدة في انتخابات 2024، بما يعادل 350 ألف دولار للصوت الواحد، في ظل زخم دعائي كبير من الحزبين، تجاوز 275 مليون دولار حتى 27 أكتوبر.
وتشير أحدث استطلاعات إيمرسون كولدج في 27 أكتوبر 2024 إلى تقدم شيهي بنحو 4 نقاط مئوية عن السيناتور الديمقراطي، بما يعادل 50% من نوايا التصويت.
كما أظهرت استطلاعات أريزونا في الفترة من 22 إلى 27 أكتوبر تباينًا شديدًا في الفارق بين المرشح الديمقراطي روبن جاليجو ونظيرته الجمهورية كاري ليك، رغم تقدم جاليجو في كل النتائج، ففي استطلاع "إنسيدر أدفانتدج" حصل جاليجو على 50% من نوايا التصويت بفارق 4 نقاط عن ليك، بينما حصل الأول في استطلاع هاي جراوند بنفس اليوم 22 أكتوبر على 52% بفارق 10 نقاط مئوية، قبل أن يتقلص الفارق في استطلاع ماريست بول في 24 أكتوبر إلى 8 نقاط بواقع 53% لجاليجو، وصولًا لاستطلاع ترافلجر جروب في 27 أكتوبر الذي قلّص الفارق إلى 4 نقاط بواقع 50 لجاليجو مقابل 46% لكاري ليك.
وتشهد ولاية بنسلفانيا تنافسًا بين السيناتور الديمقراطي بوب كاسي والمرشح الجمهوري ديفيد ماكورميك، وتشير 3 استطلاعات في الفترة من 24 إلى 28 أكتوبر إلى تقدم كاسي بمتوسط 1.3 نقطة.
كما تأتي في ذلك السياق ولايتا ويسكونسن وميتشيجان اللتان شهدتا تعادلًا في نوايا التصويت باستطلاعات متقاربة زمنيًا، فيما تتقدم السباق في الأولى السيناتور الديمقراطية تامي بالدوين بنسبة تتراوح بين 46 و49% عن منافسها الجمهوري إريك هوفد الذي ترواحت نتائجه بين 46 و48%. وإجمالًا تشير تلك النتائج إلى حجم التنافس الشديد في تلك الولايات وصعوبة حسم نتائجها قبل انطلاق الانتخابات، وقد يحتاج الجمهوريون لمقعدين من تلك الولايات التي يسيطر الديمقراطيون على مقاعدها أو مقعد واحد في حال فوز الحزب الجمهوري بانتخابات الرئاسة، حيث سيشغل حينها جي دي فانس باعتباره نائب الرئيس منصب رئيس مجلس الشيوخ.
(*) نتائج متقاربة في مجلس النواب: تظهر البيانات الأولية تساوي عدد مقاعد الحزبين الجمهوري والديمقراطي بنحو 206 مقاعد لكل منهما، بينما يتنافس الحزبان على 23 مقعدًا حاسمًا في تحديد الأغلبية بمجلس النواب بولايات ألاسكا وواشنطن وأوريجون وكاليفورنيا وأريزونا ونيويورك وبنسلفانيا وفيرجينيا وأيوا وكولورادو ونورث كارولينا وميتشيجان ونبراسكا، تشمل 9 مقاعد للديمقراطيين و14 مقعدًا للجمهوريين في مجلس 2022.
وخلافًا لانتخابات الشيوخ، يبدو التنافس على أغلبية مجلس النواب أكثر احتدامًا وقد يستمر حتى الساعات الأخيرة من السباق في ظل التقدم المحدود للديمقراطيين في استطلاعات بعض المقاطعات الجمهورية، ومنها المقاطعة الثانية في نبراسكا (أوماها)، حيث يتقدم عضو مجلس الشيوخ السابق عن الحزب الديمقراطي توني فارجاس على المرشح الجمهوري دون باكون، الساعي لإعادة انتخابه، بفارق 4 نقاط مئوية في استطلاع للإيكونوميست ويوجوف في 29 أكتوبر 2024.
انعكاسات واسعة
يشهد السباق الانتخابي الأمريكي بروزًا لعدد محدود من الناخبين في ولايات صغيرة من جهة عدد السكان:
(&) السيناريو الأول؛ الانقسام: ويتمثل في فوز أحد الحزبين بأغلبية الكونجرس مقابل فوز الحزب الآخر بالبيت الأبيض، ما سيخلف حالة من الصراع التشريعي والسياسي في الانقسام بالداخل الأمريكي، في ظل التطلع المحتمل للكونجرس الجديد لعرقلة أجندة الرئيس في ملفات الاقتصاد والهجرة وضبط الحدود الجنوبية والتدخل لتقييد خيارات السياسة الخارجية المتعلقة بالعلاقات مع أعضاء حلف الناتو واستراتيجية الشرق الأوسط، خاصة في حال فوز الرئيس السابق دونالد ترامب. كما قد يشمل على الجانب الآخر فرض قيود على الدعم العسكري والمالي الأمريكي لأوكرانيا وانتزاع الكونجرس ملف دعم إسرائيل بكل الوسائل من يد الإدارة الأمريكية حال فوز كامالا هاريس.
ويرجِّح السيناريو الأول بروز ظاهرة الأحزاب الثالثة رغم هامشية تأثيرها، إلى جانب ما كشف عنه استطلاع رأي لصحيفة نيويورك تايمز وسيينا كولدج في الفترة من 20 إلى 23 أكتوبر 2024، أن 49% فقط من المواطنين يعتقدون أن الديمقراطية الأمريكية تمثلهم مقابل 45% يرون عكس ذلك، كما كشف الاستطلاع اعتقاد 76% من المستطلعة آراؤهم أن الديمقراطية الأمريكية مهددة.
(&) السيناريو الثاني؛ إدارة قوية: ويتمثل هذا السيناريو في سيطرة أحد الحزبين على البيت الأبيض وأغلبية الكونجرس أو بالحد الأدنى مجلس الشيوخ، وهو ما قد يعزز موقف الإدارة المقبلة على صعيد إنجاز استحقاقات رئيسية لكتلتها الحزبية الصلبة في ملفات الرعاية الصحية وحق الإجهاض وفرض المزيد من الضرائب على الأثرياء بالنسبة للديمقراطيين أو الحد من الهجرة والحفاظ على التركيبة السكانية الحالية للولايات المتحدة بالنسبة للجمهوريين، فضلًا عن تفويض ساكن البيت الأبيض بالتعامل مع النفوذ الصيني ووضع أفق للحرب الروسية الأوكرانية وإيجاد حل دائم للمعضلة الإيرانية.
وإجمالًا؛ على الرغم من هامشية تأثير الأحزاب الثالثة في الانتخابات الأمريكية إلا أنها تمثل أحد تجليات الانقسام الواضح في المجتمع الأمريكي في اللحظة الراهنة وترجح سيناريو الانقسام، وفي كلا السيناريوهين ستشهد الانتخابات المقبلة أحد أقوى السلطات التشريعية في تاريخ الولايات المتحدة استنادًا للتغيرات الجيلية والديمغرافية في السياسة الأمريكية وصعود تأثير فئات جديدة من الناخبين قد تعيد ترتيب أولويات الأجندة السياسية للحزبين الجمهوري والديمقراطي.