مع انطلاق الانتخابات العامة في المملكة المتحدة، تزيّنت شوارع بريطانيا وشاشات التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي بألوان الأحزاب السياسية المختلفة، والتي يشير كل منها إلى إرث تاريخي أو تميز أيديولوجي خاص بالتيار السياسي التابع له الحزب.
الأزرق والأحمر
يعد اللونان الأزرق والأحمر الأبرز في المشهد السياسي البريطاني، إذ يمثلان الحزبين الرئيسيين "المحافظين والعمال".
اختار حزب المحافظين اللون الأزرق رمزًا له، وهو لون له دلالات عميقة في التاريخ البريطاني، فالأزرق الداكن، أو الأزرق الملكي، كان تاريخيًا أغلى الألوان إنتاجا، مما جعله مرتبطًا بالثراء والنبل، كما يرمز أيضًا إلى المحافظة والتقاليد، وهي قيم يتبناها الحزب.
يذكر أن الحزب المحافظ كان يستخدم في السابق ألوان العلم البريطاني "الأحمر والأبيض والأزرق" لإظهار نفسه مدافعًا عن القيم البريطانية.
ومع مرور الوقت، أصبح الأزرق هو اللون المهيمن، وإن كان شعار الحزب الحالي "شجرة" يستخدم درجة أفتح من الأزرق.
أما حزب العمال، فاختار اللون الأحمر منذ نشأته في بداية القرن العشرين، ويعود هذا الاختيار إلى ارتباط اللون الأحمر تاريخيًا بالحركات العمالية والاشتراكية منذ الثورة الفرنسية، كما يرمز الأحمر إلى دماء العمال الذين ضحوا بحياتهم في النضال ضد الظلم والاستغلال.
في البداية، استخدم حزب العمال علمًا أحمر شعارًا رسميًا له، ومع مرور الوقت، تطور الشعار ليصبح وردة حمراء قرمزية، لكن اللون ظل محافظًا على رمزيته المرتبطة بالحركة العمالية.
ألوان الأحزاب الأخرى
لا تقتصر الألوان السياسية في بريطانيا على الأزرق والأحمر فقط، فهناك طيف واسع من الألوان يمثل الأحزاب الأصغر، ما يضفي تنوعًا على المشهد السياسي.
اختار حزب الديمقراطيين الليبراليين اللون البرتقالي لسببين رئيسيين، أولهما لأنه يمثل مزيجًا من لوني الحزبين اللذين تشكل على أنقاضهما، وهما الأصفر "حزب الأحرار" والأحمر "الحزب الديمقراطي الاجتماعي".
فيما يتعلق السبب الثاني بكونه لونًا غير مستخدم من قبل الأحزاب الأخرى، مما ساعد الحزب على التميز في الساحة السياسية.
اختيار اللون الأخضر لحزب الخضر كان أمرًا بديهيًا ومنطقيًا للغاية، نظرًا لارتباطه الوثيق بقضايا البيئة والحفاظ على الطبيعة التي يدافع عنها الحزب.
يمثل اللون الأخضر في الثقافة البريطانية والعالمية رمزًا للحياة والنمو والتجدد، وهي المفاهيم التي تشكل جوهر أيديولوجية حزب الخضر، ويسعى الحزب من خلال سياساته إلى حماية البيئة ومكافحة تغير المناخ وتعزيز الاستدامة في جميع مجالات الحياة.
يستخدم الحزب القومي الأسكتلندي اللون الأصفر رمزًا له، وهو اختيار لوني له دلالات عميقة في السياق الأسكتلندي والبريطاني، ويرتبط الأصفر -بدرجته الذهبية المميزة- تاريخيًا بالرمزية الملكية الأسكتلندية، إذ كان يظهر في الأعلام والشعارات الملكية القديمة.
هذا الارتباط التاريخي يعزز صورة الحزب كممثل للهوية الوطنية الأسكتلندية وتراثها العريق.
اختيار اللون الأصفر ساعد الحزب على الظهور بشكل واضح في الساحة السياسية الأسكتلندية والبريطانية، فهو لون مشرق وملفت للنظر، يتميز بسهولة عن ألوان الأحزاب الرئيسية الأخرى مثل الأزرق والأحمر.
هذا التميز البصري كان مهمًا بشكل خاص مع صعود الحزب وزيادة نفوذه في السبعينيات من القرن الماضي.
أحزاب أخرى وألوانها
هناك أحزاب أخرى اختارت ألوانًا مميزة لها، مثل حزب الإصلاح "الفيروزي"، وحزب شين فين في أيرلندا الشمالية وحزب بلايد كمري في ويلز "وكلاهما يستخدم درجات متشابهة من الأخضر".
استخدام الألوان سياسيًا
مع تطور التكنولوجيا ووسائل الإعلام، ازدادت أهمية الألوان في الحملات السياسية، فمنذ الخمسينيات وحتى السبعينيات من القرن الماضي، شهدت صناعة الإعلان تغيرات كبيرة مع ظهور التلفزيون الملون، ما أدى إلى زيادة الاهتمام بالألوان والتصاميم المبتكرة في الحملات السياسية.
وقال الدكتور دومينيك رينج، أستاذ الاتصال السياسي في جامعة لوبورو البريطانية: "بدأت الأحزاب في تبسيط رسائلها وزيادة الاعتماد على الألوان لتعزيز هويتها البصرية."
رغم أهمية الألوان في الحملات الانتخابية وتشكيل الهوية البصرية للأحزاب، من المفارقات أن أوراق الاقتراع في بريطانيا تُطبع باللونين الأسود والأبيض فقط، وهو ما يذكر الناخبين في نهاية المطاف، أن ما يهم حقًا هو جوهر السياسات وليس الألوان التي تمثلها.