في مشهد سياسي يشبه انقلاب الطاولة، تجد رئيسة الوزراء البريطانية السابقة ليز تراس نفسها في موقف لم يكن أحد ليتخيله قبل عام واحد فقط، إذ إن الدائرة الانتخابية التي طالما اعتُبِرت حصنًا منيعًا لحزب المحافظين، أصبحت الآن ساحة معركة محتدمة تهدد بإنهاء مسيرة تراس السياسية.
منافسة شرسة
تعد دائرة جنوب غرب نورفولك، وفقًا لتقرير "بوليتيكو"، المعقل الحادي عشر الأكثر أمانًا لحزب المحافظين في المملكة المتحدة، إذ إنه منذ عام 2010، مثّلت ليز تراس هذه الدائرة في البرلمان، محتفظة بها بأغلبية هائلة بلغت 26,195 صوتًا في آخر انتخابات.
لكن المشهد تغير بشكل دراماتيكي، حيث أصبح مقعد الدائرة الآن محل طمع حزب العمال في الانتخابات العامة المقررة في 4 يوليو.
تتميز هذه الدائرة الانتخابية بخصائص تقليدية تجعلها معقلًا نموذجيًا للمحافظين، فهي منطقة ريفية، يغلب على سكانها كبار السن، وكانت مؤيدة بقوة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كما ظلت تحت سيطرة حزب المحافظين منذ عام 1964.
ويحتاج حزب العمال للفوز بهذا المقعد، إلى تحول في الأصوات بنسبة 25%، وهو ما يتجاوز بكثير نسبة الـ16% التي تشير إليها استطلاعات الرأي على المستوى الوطني.
عوامل التحول
تكشف "بوليتيكو" عن مزيج معقد من العوامل التي أدت إلى هذا التحول غير المسبوق في موقف الناخبين في جنوب غرب نورفولك، فوفقًا لمنافسي تراس الرئيسيين، يبدو أن هناك مزيجًا من الاستياء المحلي والصدمة الوطنية يغذي هذا التغيير.
على المستوى المحلي، هناك شعور متزايد بأن تراس لم تنخرط بشكل كافٍ في شؤون الدائرة، ما خلق فجوة بينها وبين ناخبيها، وهذا الشعور يتفاقم مع رغبة متنامية بين السكان في وجود "بطل محلي" يكون أكثر ارتباطًا بقضاياهم اليومية وأكثر حضورًا في المجتمع.
على صعيد آخر فإن سلسلة الأزمات التي شهدتها الحكومة المحافظة، وخاصة الفترة القصيرة والمضطربة التي قضتها تراس كرئيسة للوزراء، ألقت بظلالها الثقيلة على شعبية الحزب حتى في معاقله التقليدية.
المنافسون يشحذون أسلحتهم
وبحسب "بوليتيكو" فإن المنافس الرئيسي لتراس، من حزب العمال، رجل الأعمال تيري جيرمي، البالغ من العمر 38 عامًا الذي يتمتع بخبرة 15 عامًا، يركّز بشكل أساسي على القضايا المحلية الملحة، وعلى رأسها مشكلات الخدمات الصحية الوطنية والتحديات التي تواجه المناطق الريفية.
على الجانب الآخر، يمثّل جيمس باج، المالك العقاري السابق في حزب المحافظين والبالغ من العمر 71 عامًا، تحديًا فريدًا لتراس من داخل معسكرها التقليدي.
يستهدف "باج"، الذي يخوض الانتخابات كمرشح مستقل، الناخبين المحافظين التقليديين الذين يشعرون بخيبة أمل من تراس لكنهم يترددون في التصويت لحزب العمال.
وفي تصريحات نارية، يصف باج فرص تراس بعبارة قاسية: "تراس ورقة محترقة"، مشيرًا إلى ردود الفعل السلبية التي يتلقاها عند ذكر اسمها على أبواب الناخبين.
أما حزب الإصلاح اليميني، فيضيف بُعدًا آخر للمنافسة من خلال مرشحه توبي ماكنزي، إذ إنه وفقًا لاستطلاعات الرأي، قد يحصل "الإصلاح" على نسبة كبيرة من الأصوات في الدائرة، معظمها من ناخبي المحافظين السابقين الساخطين على أداء الحزب.
هذا الانقسام في أصوات اليمين قد يكون العامل الحاسم في تحديد مصير المقعد، حيث يمكن أن يؤدي إلى تشتيت الأصوات المحافظة التقليدية.
وتشير الصحيفة إلى أن هذا التنوع في الاستراتيجيات والمرشحين يخلق مشهدًا انتخابيًا مُعقدًا وغير مسبوق في هذه الدائرة التي طالما اعتبرت معقلًا آمنًا للمحافظين.