مع بزوغ فجر يوم مصيري في المشهد السياسي البريطاني، وقبل ساعات قليلة من فتح مراكز الاقتراع أبوابها، كشف آخر استطلاعات الرأي عن تحول جذري في توجهات الناخبين.
هذه الاستطلاعات، التي نشرتها صحيفة "ذا تليجراف" البريطانية في الساعات الأخيرة قبل الانتخابات، تتنبأ بانتصار تاريخي لحزب العمال وهزيمة مدوّية لحزب المحافظين الحاكم، وبينما يستعد الناخبون للتوجه إلى صناديق الاقتراع في الصباح الباكر، تشير هذه النتائج إلى تغيير محتمل وعميق في المشهد السياسي البريطاني، قد تكون له تداعيات كبيرة على مستقبل البلاد.
العاصفة الحمراء
يبدو أن حزب العمال، بقيادة السير كير ستارمر، على وشك تحقيق انتصار ساحق يفوق كل التوقعات، إذ إنه وفقا لاستطلاعات الرأي التي نشرتها "ذا تليجراف"، يتوقع أن يحصد "العمال" ما بين 430 و444 مقعدًا في البرلمان، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ الحزب، وهذا الفوز الكاسح من شأنه أن يمنح ستارمر أغلبية برلمانية تتجاوز 200 مقعد، ما يعني سيطرة شبه مطلقة على السلطة التشريعية.
وسيمكن هذا الانتصار حزب العمال من تمرير تشريعات وسياسات جديدة بسهولة نسبية، مما قد يؤدي إلى تغييرات جذرية في مجالات مثل الرعاية الصحية والتعليم والاقتصاد، كما أن هذه الأغلبية الكبيرة قد تمنح الحزب القدرة على إعادة تشكيل علاقات بريطانيا الخارجية، بما في ذلك العلاقة المستقبلية مع الاتحاد الأوروبي.
وعند تأسيس الحزب في بداية القرن العشرين، استخدم أعضاؤه من العمال العلم الأحمر شعارًا رسميًا، قبل أن يتغير إلى "وردة حمراء".
سقوط الأزرق
في المقابل، تُظهِر الاستطلاعات صورة قاتمة لحزب المحافظين، فبعد أن حكم البلاد لأكثر من عقد، يبدو أنه على شفا هزيمة كبيرة قد تقلص عدد مقاعده إلى ما بين 102 و126 مقعدًا فقط، ما يمثل أسوأ أداء في تاريخه الحديث.
ووفقًا لاستطلاعات الرأي، فإن عددًا من الوزراء البارزين في الحكومة الحالية قد يفقدون مقاعدهم في البرلمان، من بينهم جيريمي هانت، وزير المالية الحالي، وجرانت شابس، وزير الدفاع، وهذه الخسائر في الشخصيات القيادية قد تؤدي إلى تغييرات كبيرة في هيكل الحزب وقيادته.
يرمز اللون الأزرق لحزب المحافظين البريطاني لأسباب تاريخية وثقافية، إذ اختار الحزب هذا اللون من بين ألوان العلم البريطاني الثلاثة (الأحمر والأبيض والأزرق) ليميزه، وأسهم في هذا الاختيار أن اللون الأزرق كان تقليديًا الأغلى في الإنتاج، مما جعله مرتبطًا بالثراء والمحافظة، وهي قيم يتبناها الحزب، وهكذا أصبح الأزرق رمزًا للمحافظين، يعكس تاريخهم وقيمهم في آن واحد.
صعود القوى الأخرى
وسط هذا التحول السياسي تظهر قوى سياسية أخرى كلاعبين مهمين في المشهد الجديد، فالديمقراطيون الليبراليون، بحسب الاستطلاعات، قد يحققون أفضل نتيجة لهم منذ عام 2010، مع توقعات بحصدهم ما بين 52 و72 مقعدًا، وهذا الصعود قد يمنحهم دورًا أكبر في تشكيل السياسات البريطانية المستقبلية.
أما في أسكتلندا، فيبدو أن الحزب القومي سيواجه تراجعًا كبيرًا، مع انخفاض متوقع في عدد مقاعده من 48 إلى ما بين 15 و18 مقعدًا فقط، وهذا التراجع قد يكون له تأثير كبير على مستقبل الحركة الاستقلالية في أسكتلندا وعلى العلاقات بين إدنبرة ولندن.
تداعيات محتملة
تشير الصحيفة البريطانية إلى أنه إذا تحققت هذه التوقعات، فإن بريطانيا قد تكون على أعتاب تغيير سياسي واجتماعي واقتصادي غير مسبوق، فحكومة عمالية بأغلبية كبيرة قد تسعى إلى إعادة تشكيل العقد الاجتماعي في البلاد، مع تغييرات محتملة في سياسات الرعاية الصحية والتعليم والإسكان.
على الصعيد الدولي، قد تشهد السياسة الخارجية البريطانية تحولًا ملحوظًا، مع إمكانية إعادة النظر في العلاقات مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبقية العالم، كما أن التراجع المتوقع للحزب القومي الأسكتلندي قد يؤثر على مستقبل الوحدة البريطانية والحركة الاستقلالية في أسكتلندا.