تحاول الولايات المتحدة كل يوم أن تقوم بدور "شرطي العالم"، وهي المهمة التي تستلزم من ساستها جهدًا مضاعفًا لإقناع الأمريكيين بأن بلادهم قوة خالصة من أجل الخير على الساحة العالمية، وتناضل من أجل الديمقراطية، وتجعل الحياة أفضل لمواطني الدول الأجنبية، وتؤمّن عالمًا أكثر أمانًا للجميع، إلا أن السجل الفعلي للإدارات الأمريكية المتعاقبة وتعاملها مع ملفات مختلفة حول العالم، وبالأخص في منطقة الشرق الأوسط، يتعارض مع هذه التصريحات جملة وتفصيلًا.
ويرى قطاع غير بسيط من الأمريكيين أن تدخل بلادهم في شؤون الدول الأخرى، أدى إلى الموت والدمار وعدم الاستقرار الجيوسياسي بلا داعٍ، وزيادة العداء تجاه الغرب، وإهدار أموال دافعي الضرائب، وتآكل الحقوق الدستورية للشعب الأمريكي.
وفي خضم هذه التطورات، ترى صحيفة "ذا هيل" الأمريكية، أن السبيل الوحيد أمام واشنطن لاستعادة الاستقرار العالمي وتحسين صورتها، هو تغيير سياستها الخارجية.
زعزعة للاستقرار
وذكرت الصحيفة الأمريكية، في سياق تقرير نشرتها حديثًا، أن حكومة الولايات المتحدة تمتلك أكثر من 750 قاعدة عسكرية فيما لا يقل عن 80 دولة، وهي متورطة في جميع الصراعات الكبرى في العالم، وآخرها في أوروبا الشرقية والشرق الأوسط، مشيرة إلى أنه خلال السنوات الأخيرة، ظهر تيار يدعو الولايات المتحدة لبذل المزيد من الجهد لإنهاء الصراعات.
وفيما يتعلق بالصراع الروسي الأوكراني، حثت الدبلوماسية الأمريكية فيكتوريا نولاند الحكومة على مساعدة أوكرانيا في ضرب الأراضي الروسية.
وترى الصحيفة أن هذه الدعوات تهدف للتصعيد في الصراعات الجيوسياسية الكبرى، وتتوافق مع الوضع الراهن المتشدد في الولايات المتحدة، مشددة على احتياج واشنطن المُلِح إلى إعادة حسابات سياستها الخارجية، قبل أن تعمل الإدارة الأمريكية على تحفيز حالة أسوأ من عدم الاستقرار الجيوسياسي.
ومضت "ذا هيل" بالقول: "سياستنا الخارجية القائمة على التدخل لم تكن تاريخيا قوة استقرار في مختلف أنحاء العالم، بل كانت في كثير من الأحيان بمثابة كرة مدمرة مزعزعة للاستقرار، مما أدى إلى إلحاق الضرر بالخارج وفي الداخل على حد سواء".
خسائر ضخمة
وعلى مدار العقود الماضية، أنفقت أمريكا أكثر من 8 تريليونات دولار من أموال دافعي الضرائب على الحروب في الشرق الأوسط؛ وخسرت آلاف الجنود وقُتل مئات الآلاف من المدنيين، ومن المثير للدهشة أن البعض ما زالوا يريدون للولايات المتحدة أن تواصل تدخلها في الشرق الأوسط، بحسب "ذا هيل".
الحرب الروسية الأوكرانية
وفي خضم الحرب الروسية الأوكرانية، ترى "ذا هيل" أن الولايات المتحدة لعبت أيضًا دورًا أساسيًا في الأحداث التي أدت إلى الحرب المدمرة بين موسكو وكييف.
وعلى الرغم من سقوط الاتحاد السوفييتي، فقد صمد حلف شمال الأطلسي وتوسع شرقا، وهو الأمر الذي حذر جورج كينان، أحد واضعي سياسة الحرب الباردة الأمريكية، من أنه سيكون "خطأ مأساويًا" من شأنه أن يثير "رد فعل سيئًا من جانب روسيا".
ولما يزيد على عقد من الزمان، وفي مواجهة تحذيرات السفير السابق إلى روسيا ومدير وكالة المخابرات المركزية الحالي ويليام بيرنز، ظلت الولايات المتحدة تدافع علنًا عن انضمام أوكرانيا إلى "الناتو"، وهو ما يشكل خطًا أحمر بالنسبة لروسيا.
ووصفت الصحيفة الأمريكية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا بأنها "لم تأت من العدم.. ومن دون التدخل الأمريكي، فإن الحرب الحالية - وكل ما جلبته من موت ودمار - لم تكن لتحدث على الإطلاق".
وإجمالًا، ترى "ذا هيل" أن أمريكا مُطالبة بأن تعيد النظر في تدخلها بشؤون أوروبا الشرقية بالكامل، بدلًا من الاستمرار في إرسال المزيد من المليارات إلى أوكرانيا ومساعدتها في ضرب الأراضي الروسية.