الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

إرباك المشهد.. لماذا ينشط تنظيم "داعش خراسان" في الأراضي الأفغانية؟

  • مشاركة :
post-title
مقاتلو طالبان ـ أرشيفية

القاهرة الإخبارية - نورا فايد

في 12 من ديسمبر الجاري، أعلن تنظيم "داعش" الإرهابي، مسؤوليته عن استهدافه بعبوات ناسفة وقنابل يدوية وأسلحة نارية لفندق "كابول لونجان" الواقع بالعاصمة الأفغانية كابول، الذي يتردد عليه مواطنون ورجال أعمال ودبلوماسيون صينيون بالعاصمة الأفغانية كابول، أسفر هذا الهجوم السريع على الفندق عن مقتل 3 أشخاص وإصابة أكثر من 15 آخرين.

يذكر أن تنظيم ولاية خراسان (الفرع المحلي لتنظيم داعش في آسيا)، المعروف أيضًا بـ"داعش خراسان" (ISIS-K)، يشن سلسلة الهجمات الإرهابية منذ تولي حركة "طالبان" مقاليد الحكم بأفغانستان في أغسطس 2021، بلغت وفقًا لإحصائيات مركز "سايت إنتلجنس" "SITE Intelligence Group" الأمريكي (متخصص في رصد تحركات الجماعات المتطرفة) نحو 224 هجومًا.

تأسيسًا على ما سبق، وفي ظل تنامي هجمات التنظيم، يمكن طرح التساؤل التالي: ما أسباب تنامي نشاط تنظيم "داعش" خلال الفترة الأخيرة في الأراضي الأفغانية؟

هجمات متعددة:

تجدر الإشارة أن تنظيم "داعش خراسان" نفذ منذ مطلع العام 2022، سلسة من الهجمات ركزت على استهداف المساجد والأحياء الشيعية والمراكز التعليمية والمقار والعناصر الدبلوماسية والمنشآت الحيوية داخل البلاد، أبرزها التالي:

(*) استهداف المقار الدبلوماسية، مطلع سبتمبر الماضي، شن التنظيم الإرهابي تفجيرًا انتحاريًا على مقر السفارة الروسية في العاصمة الأفغانية كابول، نجم عنه مقتل 6 أشخاص وإصابة آخرين، بعضهم من موظفي البعثة الدبلوماسية الروسية، وأثار هذا الهجوم وقتها ردود فعل حادة، خاصة أنه جاء إبان إجراء محادثات بين طالبان وموسكو بشأن اعتراف الأخيرة بالحكومة الأفغانية الجديدة، وفي مطلع ديسمبر الجاري، أعلن "داعش خراسان" مسؤوليته عن الهجوم الذي استهدف السفارة الباكستانية في كابول، وحاول التنظيم اغتيال السفير الباكستاني وحراسه، إلا أن هذه المحاولة باءت بالفشل، وهو ما وضع حركة "طالبان" في موقف حرج، لإعلانها بشكل مستمر أنها تحكم قبضتها الأمنية على البلاد، ولذلك تمكنت الحركة هذه المرة وفقًا لما أعلنه متحدث حكومتها "ذبيح الله مجاهد"، أنها قبضت على منفذ الهجوم على السفارة الباكستانية، مؤكدة انتماءه لتنظيم داعش ومحاولته إفساد العلاقة بين باكستان وأفغانستان.

مقاتلو "داعش" في أفغانستان

(*) استهداف مواطني أفغانستان، في 6 ديسمبر الجاري، شن التنظيم الإرهابي انفجارًا استهدف مركبة تقل موظفين في شركة نفط بشمال أفغانستان، ونجم عنه مقتل 5 أشخاص وإصابة 4 آخرين. إضافة إلى إعلان التنظيم مطلع أغسطس الماضي، مسؤوليته عن الهجوم الذي استهدف أحد الأحياء الشيعية في غرب العاصمة الأفغانية، ونجم عنه مقتل شخصين وإصابة 22 آخرين، وقبلها بيوم، أطلق عناصر "داعش" قنبلة في عربة للخضراوات بشارع تجاري مزدحم بحي شيعي آخر في غرب العاصمة الأفغانية، ونجم عنه مقتل ثمانية أشخاص وإصابة 18 آخرين، فضلًا عن أن الأطفال يعدون من أكثر فئات ضحايا تفجيرات التنظيم الإرهابي، ففي منتصف أبريل الماضي فقط، قتل ما يزيد على 26 طفلًا من طلاب المدارس جراء ثلاثة انفجارات شنها "داعش" غرب العاصمة الأفغانية كابول. وتعد هذه الهجمات محاولة من قبل التنظيم لإثارة الرعب وبث الذعر في نفوس المواطنين، والقول إن "طالبان" غير قادرة على حماية مواطنيها في جميع الأراضي الأفغانية.

(*) استهداف المساجد السنية والمزارات الشيعية، في 3 سبتمبر الماضي، وقع تفجير انتحاري استهدف مسجدًا بولاية هرات غربي أفغانستان، ونجم عنه مقتل 47 شخصًا وإصابة 80 آخرين، وفي أشهر "يونيو، مايو، وأبريل 2022"، شن تنظيم "داعش خراسان" تفجيرات استهدفت على التوالي ثلاثة مساجد تابعة للشيعة، منهم، مسجد شيعي في مديرية الإمام صاحب بمحافظة قندوز شمال أفغانستان ونجم عنه مقتل شخص وإصابة 4 آخرين، وقبلها بشهر، تم استهداف أكبر مسجد شيعي في العاصمة الأفغانية كابول، وأسفر عن مقتل 14 شخصًا، أما الثالث فكان مسجدًا للشيعة في مدينة "مزار الشريف" شمالي البلاد، ونجم عنه مقتل 11 شخصًا وإصابة 32 آخرين.

(*) استهداف المراكز التعليمية، في أواخر سبتمبر الماضي، شن مسلحو داعش هجومًا انتحاريًا على مركز "كاج التعليمي" في حي دشت البرشي الذي يسكنه الشيعة غربي العاصمة الأفغانية، ووقع الهجوم الذي أسفر عن مقتل أكثر من 50 طالبًا معظمهم من الإناث، وإصابة أكثر من 100 آخرين، إبان تأدية الطلبة لامتحان جامعي تطبيقي، وأفادت مصادر محلية وقتها بأن هذه المنطقة يقطنها "أقلية الهزارة" وهذه الأقلية لطالما كانت محل استهداف من قبل مسلحي داعش خراسان.

مقاتلو تنظيم "داعش"
أهداف استراتيجية:

تعد الهجمات السالف ذكرها مجرد نماذج قليلة من التي شنها التنظيم الإرهابي في الأراضي الأفغانية، تحديدًا منذ أغسطس 2021، وعليه، فإن ثمة أهداف وراء تنامي النشاط الإرهابي لـ"داعش ولاية خراسان" في أفغانستان إبان هذه الفترة، يمكن تناولها على النحو التالي:

(&) عزل حكومة "طالبان" عن العالم الخارجي: إن تركيز "داعش خراسان" على استهداف الدبلوماسيين والمقار الدبلوماسية التي تعد طريقة التواصل بين الدول وبعضها، تعد محاولة لزعزعة العلاقة بين الحكومة الأفغانية الجديدة والدول الخارجية التي لها منشآت دبلوماسية في الأراضي الأفغانية، نظرًا لكون "طالبان" في هذه الحالة ستكون غير قادرة على حماية الدبلوماسين في البلاد، وهذه المرة استهدف "داعش" ولأول مرة مواطنين من الصين التي تعد إحدى الدول القليلة التي تربطها علاقات جيدة مع طالبان منذ استيلاء الأخيرة على السلطة، أغسطس العام الماضي، وعليه، فإن "داعش" صعد خلال الفترة الأخيرة من هجماته على المنشآت الدبلوماسية، لدفع دول العالم الخارجي إما لإغلاق سفاراتها أو تحفيض عدد موظفي بعثاتها القنصلية والدبلوماسية، وهو ما قد ينجم عنه عزلة حكومة طالبان عن دول العالم الخارجي وعدم حصولها على اعتراف دولي.

«طالبان» بعد سيطرتها على كابول ومعظم أراضي أفغانستان 2021

(&) إحداث حالة من "الفراغ الأمني" داخل أفغانستان: يعي "داعش" أن عرقلة عمل الأجهزة الأمنية والعسكرية في أي بلد قد يسهل من عملية "الانقلاب" على النظام الحاكم، لذلك يركز التنظيم الإرهابي على شن "هجمات نوعية متكررة" تضعف من قدرة الأجهزة الأمنية الأفغانية من جهة، وتكبدها خسائر في الأرواح والعتاد من جهة أخرى، لمحاولة إحداث حالة من "الفراغ الأمني" ومن ثم التشكيك في قدرة مؤسسات الدولة الأفغانية على حماية المواطنين وجميع المنشآت الدينية والتعليمية في البلد، وهو ما قد يؤدي لوجود سخط شعبي بل ودولي تجاه النظام الحاكم بقيادة "طالبان"، نظرًا لكون الأخيرة باتت غير قادرة على توفير الحماية اللازمة في البلاد التي تزايدت فيها الهجمات الإرهابية والانتهاكات ضد "الأقليات العرقية والدينية".

(&) إبراز قوة وتأثير "ولاية خراسان" أمام العالم: تبعث هذه الهجمات المتكررة برغبة "داعش" في إثبات وجوده داخل الأراضي الأفغانية، لإيصال رسالة لدول العالم الخارجي، بأنه موجود ومستمر وقادر على شن هجمات ذات تأثير داخل العمق الأفغاني وفي الدول المجاورة أيضًا، وأنه يمتلك الأدوات التي تمكنه من تحقيق هدفه الاستراتيجي المتمثل في "إقامة نظام حكم إسلامي" بأفغانستان، خاصة بعد أن فشل في إقامة دولته بالعراق وسوريا، بعد أن نجح منذ سيطرة طالبان على السلطة في زيادة عدد مقاتليها بتجنيد عدد كبير من المنشقين عن الحركة الأفغانية حتى ارتفع وفقًا للتقارير الدولية إلى 4 آلاف مقاتل، بعد أن فتحت "طالبان" السجون في جميع أنحاء البلاد وأطلقت سراح السجناء، وهو ما ساهم في انتشار "داعش خراسان" منذ تشكيله عام 2015 حتى الآن، في جميع مقاطعات أفغانستان البالغ عددها 34 تقريبًا.

(*) استهداف "المرتدين" في الأراضي الأفغانية: يسعى "داعش خراسان" من جراء تلك الهجمات التي تستهدف بشكل كبير الأقليات، خاصة الشيعة إلى إظهار أنه الحامي الوحيد لـ"السنة" والمدافع عن حقوقهم وأراضيهم من أي قوى طائفية أو استعمارية، وعليه فهو يعتبر أن "حركة طالبان" منذ إبرامها مفاوضات مع الغرب من "المرتدين" (أي أنها تخلت عن معركة الجهاد لصالح تسوية سلمية مع العالم الغربي)، ولذلك فإن تركيزه على استهداف الشيعة يأتي وفق استراتيجية محاربة العناصر المرتدة، واستهداف مساجد وعناصر السنة أيضًا يأتي من المنطلق ذاته، ومن ثم يشن هذه الهجمات لإثارة الخوف والذعر في نفوس المواطنين، محاولًا دفعهم بقوة للسير على نهج الجماعة السلفية الجهادية.

(*) إحباط محاولات إيران للتمدد الدولة الآسيوية: إن تركيز "داعش خراسان" على استهداف الأقليات الشيعية في أراضي الدولة الواقعة في آسيا الوسطى، خاصة "الهزارة" (جماعة عرقية شيعية تقطن في مطقة هزار سيتان وسط أفغانستان وتجمعها علاقة وطيدة بالحرس الثوري الإيراني)، الهدف منه أمران، أولهما، ثني الجمهورية الإيرانية عن تشكيل جماعات مسلحة شيعية في أفغانستان تحت مزاعم محاربة الجماعات الجهادية السلفية التي تقمع الشيعة وخاصة "داعش خراسان"، أما الأمر الثاني، زعزعة العلاقة بين طالبان والنظام الإيراني الذي دعم حركة طالبان رغم اختلافه معها إيديولوجيًا في قتالها ضد القوات الأمريكية، ومن ثم إبراز فشل الحركة الأفغانية في حماية "الهزارة" وهو ما قد يؤدي لوقف طهران دعمها لـ"طالبان".

تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن تنظيم "داعش" ولاية خراسان لن يتوقف عن شن هجمات إرهابية سواء داخل طالبان أو في الدول المجاورة لها، حتى يلفت أنظار المجتمع الدولي نحوها، والقول لهم إن الحكومة الأفغانية الجديدة التي مكنتها من السيطرة على أفغانستان غير قادرة على التصدي لهجمات مسلحي داعش، وغير قادرة أيضًا على حماية الأجانب داخل الأراضي الأفغانية، في حين أن حركة طالبان قد تتجه هي الأخرى خلال الفترة المقبلة، لاستخدام هجمات داعش كـ"ورقة ضغط" على الدول الخارجية لإمدادها بالدعم اللازم حتى تتمكن من محاربة التنظيم الذي يعد بمثابة "عدو مشترك" لكليهما.