المتتبع للمسارات والتحولات داخل التنظيمات والحركات الإرهابية العابرة لحدود الدولة، التي تتستر خلف الدين منذ نشأة تنظيم الإخوان الإرهابي عام 1928 على يد "حسن البنَّا"، يستطيع الربط بين تكتيكات العمل، واستراتيجيات الاستقطاب والتجنيد بين أغلب هذه الجماعات وتنظيم الإخوان الذي يُصنف بـ"الإرهابي" في العديد من الدول مثل مصر والإمارات والمملكة العربية السعودية وفرنسا. وتتسق أنشطة عمل هذه التنظيمات مع الإخوان فيما يتصل بالعمل السري، والطاعة العمياء، وطرائق التجنيد، وهو ما جعل البعض يصف الجماعة الإرهابية بأنها بمثابة المفرخة للتنظيمات والجماعات الأخرى.
ونحاول في هذا التقرير تسليط الضوء على هذه العلاقة للوصول إلى دلالات الارتباط والتأثير فيما بينهم.
دلالات الارتباط:
عند دراسة ما يُطلق عليه بـ"الظاهرة الإسلامويَّة، نلحظ ثمَّة دلالات تؤكد الارتباط والتأثير المتبادل بين تنظيم الإخوان الإرهابي والحركات الإرهابية الأخرى العابرة لحدود الدولة التي تتخذ من الإسلام راية؛ بهدف كسب تعاطف الجماهير المسلمة في شتى بقاع الأرض.
وسنوضح هذه الدلالات فيما يلي:
(*) انتهاك قدسية المسجد، واعتباره واحدًا من أهم أدوات التجنيد: تتشارك التنظيمات الإرهابية بشكلٍ عام في تعاملها مع مؤسسة المسجد، لا سيما في المناطق النائية والمهمشة؛ فهي تعتبره أرضًا خصبة لاصطياد الفريسة كأساس لعملية التجنيد. يؤكد على ذلك رؤية مؤسس تنظيم الإخوان "البنّا" عن المساجد؛ حيث دعا البنَّا في إحدى خطبه أثناء تدشين أحد المساجد التابعة للجماعة بمدينة الإسماعيلية إلى التبرع لتشييد المساجد، باعتبارها مدارس عامة وجامعات شعبية يقصدها الأطفال والشباب والكهول، وطالب "البنَّا" بتعميمها وتوسيع أنشطتها لتتجاوز الدروس الدينية. لذلك تُركز الجهود الأمنية في العديد من الدول العربية والأجنبية، خاصة الأوروبية على ضبط ومراقبة الأنشطة داخل المساجد وعدم تركها ساحة للتنظيمات الإرهابية المختلفة للصراع والتجنيد.
(*) السمع والطاعة: تقوم عملية التربية داخل التنظيمات الإرهابية والراديكالية على تأكيد مبدأ السمع والطاعة، وهو المبدأ الذي قام على أساسه فكر الإخوان؛ حيث يُقسِم أعضاؤهم على هذا المبدأ. وقد استقت التنظيمات الإرهابية في المنطقة كـ"داعش" و"القاعدة" هذا المبدأ من الإخوان لما له من أثر إيجابي على سير العمل وتأكيد وحدة التنظيم. على سبيل المثال، نجد التنظيمات الإرهابية تُجند الشباب وتجعلهم يُقدمون على العمليّات الانتحارية واستخدام الأحزمة الناسفة دون معارضة، وهو ما يؤكد مبدأ الطاعة العمياء كأساس لعملية التربية.
(*) سرَّية العمل: تتشابك التنظيمات الإرهابية مع تنظيم الإخوان في التأكيد على مبدأ السرية في العمل لضمان تحقيق عملياتها للأهداف، وهو ما يتأكد في تخفي قادة الحرب الميدانيين والأعضاء المنتمين، وكذلك إخفاء أماكن الإقامة ومسارح العمليات خوفًا من الملاحقة والاستهداف. وتبدأ سريّة العمل داخل هذه التنظيمات منذ بدء عملية التجنيد والاستقطاب وما يليها من عمليات كالتنشئة بعيدًا عن أعين الأجهزة الأمنية الدول.
(*) استراتيجيات الفعل العنيف: رغم أن تنظيم الإخوان يزعم أن نهج العنف لم يكن يومًا أساسيًا أو منهجًا متبعًا لديه، إلا أن الممارسة الفعلية تؤكد أن التنظيم انتهج العنف والإرهاب في العديد من المواقف التي شعر فيها بالخطر. فهو يتفق من حيث المضمون مع التنظيمات الإرهابية الأخرى التي تتبنى العنف مثل تنظيمي القاعدة وداعش. ولعل تأسيس جماعات العنف النوعي مثل حركة حسم، وكتائب حلوان، وأجناد مصر، ولواء الثورة بإشراف القيادي الإخواني "محمد كمال" في مصر بعد 30 يونيو دليل دامغ على ذلك. وتعتبر التحليلات أن تصدير ما هو سياسي عن التنظيم كمؤمن بالعملية السياسية والأحزاب والديمقراطية إنما موجه بشكلٍ أساسي إلى الخارج، وذلك لكسب التعاطف الدولي وتحسين صورته العالمية.
(*) تأمين مصادر التمويل: استقت التنظيمات الإرهابية آليات التمويل من فكر الإخوان الذي كان يُؤمّن مصادر تمويله عبر اشتراكات الأعضاء، وتوظيف المساجد لجمع التبرعات، وتطورت استراتيجية التمويل فيما بعد إلى استثمار الأموال عبر عناصره غير المعروفة في مجالات كالبنوك والتكنولوجيا، وذلك كأداة لتعظيم الأموال وغسلها في الوقت نفسه، خاصة أنها اعتمدت على تبرعات وإسهامات الدول لتنفيذ أجنداتها الخاصة. وتنتشر أنشطة التنظيمات الإرهابية الاقتصادية في الدول ذات القوانين المرنة والتي تتسامح مع غسل الأموال، وهو ما يتأكد مع حالة الإخوان؛ إذ يُعد القيادي الإخواني يوسف ندا، الذي يحمل الجنسية الإيطالية، من أبرز المشرفين الدوليين على أموال الجماعة في الخارج.
(*) مقاربة التفريخ: تُبرز العديد من الدراسات أن تنظيم الإخوان، ساهم في ظهور تنظيمات أكثر عنفًا وتشددًا؛ فأغلب قيادات وأعضاء التنظيمات الإرهابية مثل القاعدة وتنظيم الدولة مروا بتنظيم الإخوان مثل زعيم تنظيم القاعدة السابق "أيمن الظواهري" الذي اعترف بعضويته بالتنظيم، ومساعدة التنظيم له في الوصول إلى أفغانستان.
(*) المصالح المتبادلة: حرصت جماعة الإخوان الإرهابية منذ 2014 (عام نشأة تنظيم داعش) على توظيف المنطلقات الفكرية التي تجمعها والتنظيمات الإرهابية العابرة لحدود الدولة كداعش والقاعدة، وغيرهما، حيث تمكنت الجماعة من استخدام هذه التنظيمات في ارتكاب عمليات إرهابية في مواجهة حكومات بعض الدول العربية بطريقة التكليفات المدفوعة، أي قيام التنظيمات العابرة لحدود الدولة بعمليات إرهابية نيابة عن جماعة الإخوان، وتتضح ملامح تلك العلاقة الصلبة بين هذه التنظيمات والجماعة في عمليات ارتكبت في تونس، حيث وجهت اتهامات لحركة النهضة التونسية وتحقيقات أجريت عام 2020 مع بعض عناصرها في قضية اغتيال المعارضين شكري بلعيد ومحمد البراهمي عام 2013.
أوجه الاختلاف:
رغم ما يجمع تنظيم الإخوان والتنظيمات الإرهابية الأخرى من علاقات تمثل مجالًا للارتباط والانسجام، إلا أن التنظيمات المسلحة اتخذت طرقًا ثابتة لتحقيق أهدافها، ولعل أبرزها العنف كحل وحيد لإدارة الصراع وتحقيق الهدف، فيما استطاع تنظيم الإخوان الجمع بين الفعل السياسي والفعل العنيف لتحقيق غايته، وكسب تعاطف الجماهير.
في هذا السياق، على الرغم من اختلاف الطرق والأدوات بين الإخوان والتنظيمات الإرهابية الأخرى للهيمنة على الدول والمجتمعات، إلا أنهم يتوافقوا على وحدة الهدف والغاية، وهو السيطرة على الدول وتقويض عمل الحكومات والجيوش الوطنية التي يعتبرونها حائلًا أمام مخططاتهم. ويستخدمون في سبيل بلوغ ذلك وسائل مختلفة ومتداخلة؛ فعلى سبيل المثال تتخذ جماعات العنف الراديكالي، كالقاعدة وتنظيم الدولة، من ممارسة العنف والترهيب وسيلة لعملهم، وهو ما يجعلهم عرضة بشكل مباشر للاستهداف من الدول والأجهزة الأمنية. وعلى خلاف ذلك، برع تنظيم الإخوان في الجمع بين العنف والفعل السياسي بغرض كسب الشعبية والتعاطف سواءً على المستوى المحلي أو العالمي.
في النهاية، تتكئ التنظيمات الإرهابية بشكلٍ عام لتجاوز محنها المختلفة عبر التأكيد على التغلغل عالميًا وإقليميًا لتوفير الحواضن التي يعتمدون عليها بشكلٍ أساسي في استمرار تدفق التمويلات، بالإضافة إلى توفير الملاذات الآمنة لأعضائها الفاعلين.